إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

خاتم .. وزوج نظارات ..


عمان جو_
احمد حسن الزعبي
عند سقوط بغداد وبعد مرور أول دبابة أمريكية فوق الجسر، بدأ ثلة من الجنود بضعون علم العمّ سام على وجه المرحلة المقبلة..شاعت الفوضى ، وما زلت أذكر تطاير الأوراق، علامات الطلاب، شهادات التخرج، كشوف العلامات ، جداول الامتحانات عالياً في ساحة الجامعة المستنصرية، وكيف بدأت عمليات النهب تطال كل شيء المقاعد الكراسي الألواح الخشبية المراوح مكيّفات «الويندو»، لقد تمت سرقة كل شيء الا الكتب..فهذه ليست مرحلة ثقافة وكتب وإنما مرحلة «مغولية» يحترق فيها الحرف وتتصاعد الفكرة مع تصاعد الدخان من نوافذ المكتبات وإلقاء كتب العلوم في النهر لتتحلل مع فضلات المصانع ومخلفات البيوت ويصبح الحبر الأنيق لاجئاً على طحالب الزمن..في خضم كل هذه الصور التي لم ولن أنساها مع سقوط بغداد الثاني على يد المغول الجدد ، ما زالت صورة الطفل الذي خرج من دائرة حكومية منهوبة بعد أن سبقه الناهبون وأخذوا كل ما يمكن أخذه ، لم يجد سوى مزهرية صغيرة مهملة فأخذها وصار يرقص بها أمام كاميرات الفضائيات وكأنه قد ظفر بالكون كله أو ربما قال هذه حصتي من وطن يتم نهبه على قدم وساق..أو ربما سمع عن مصطلح تاجر حرب..فحاول أن يكون تاجر»حرق» يسرق من جيبه ليبيع محتوياتها لجيبه الثانية..

وقد لا يختلف مصير الضحايا عن مصير العواصم في حال اغتصابها أو قتلها..فكلهم يتعرضون إلى النهب..نهب الرمزية الجميلة، نهب الذاكرة في كثير من الأحيان..قلت إن مصير الضحايا لا يختلف كثيراً عن مصير العواصم ..فبعد هجوم نيس الإرهابي الأخير..وعندما قضى أكثر من 84 مواطناً فرنسياً وسائحاً محتفلاً تحت شاحنة الإرهاب..عرض مواطن فرنسي قبل أيام على شبكة الانترنت بعض مقتنيات الضحايا للبيع في تحدٍ واضح لمشاعر الأهالي...كتب تاجر «الحزن» الذي يهمّه اقتناص لحظة الموت لجني الأرباح على صفحته «يوجد لدي مقتنيات من مذبحة نيس، خاتم ، زوج من النظارات ، وعلم فرنسا..والأسعار قابلة للمساومة...هكذا كتبها عن بلادة أو عن جهل..لكنه لا يعرف أن العاطفة غير قابلة للمساومة...لا يعرف هذا «الخاتم» كم اختزل من لحظات في الفرح لحظة الزفاف ، كم اختزل من الضحكات، والأحلام، والحب والتراتيل..وزوج النظارات المعروض كم مر من السطور أمام بروازه ، كم من الكتب شاهد ، كم كلمة «إرهاب» قرأ..كم غفوة عاجلة داهمت صاحبه..كم مرة نام على منضدة الخشب عندما شعر صاحب العينين بالتعب...هناك ألم متوهّج وهناك..لصوص «أحزان» يلملمون شظايا الانكسار ليصنعوا مرآة انتصار لهم...بدءاً من مزهرية بغداد وليس انتهاء بــ «خاتم» نيس..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :