أسافين الجنرالين في السودان… و«تفحيط وطني» في الأردن… وعلى نيتفلكس: «مخابرات أمريكا تكذب ثم تكذب»
عمان جو - بسام البدارين ضابط المخابرات الأمريكية السرية في مسلسل على نيتفلكس يحمل اسم «القناص» تدفق وهو يشرح لزميله إمكانات غير طبيعية لنجم المسلسل الذي سيتم تجنيده لقتل الرئيس الأمريكي في مؤامرة داخلية مزعومة.
يشرح «الكابتن إيزاك» متحدثا عن صاحبنا القناص: مرة كان يراقب بمنظاره «طالبان» وهي تهاجم مدرسة للبنات لمنعهن من تلقي العلم. قنص وقتل 200 من إرهابيي الحركة بدون نوم لثلاثة أيام.
فجأة يتنهد بتاع المخابرات ثم يعطينا الخلاصة: «الفتيات يتلقين العلم في المدرسة نفسها حتى يومنا هذا».
أكذب من هيك مخابرات ومسلسل ما شافت عيني على الفضائيات الدرامية.
لا ينتبه المخرج ولا بتوع نتفلكس، وهم يضعون هذا المسلسل ضمن باقتهم المفضلة، إلى أن الجيش الأمريكي انسحب من أفغانستان وسلّمها على طبق من تنك لجماعة طالبان وشاهدنا بأم العين «تابعي وموظفي وجواسيس» الاحتلال الأمريكي على شاشة سي إن إن وهم يتعلقون بذيل الطائرات أملا في الهروب.نتفلكس وحبل الكذب
سؤالي الفني: من يحاسب صنّاع السينما على حبل الكذب والتزييف؟
للعلم لتأكيد كذبة مسلسل «القناص» فإن طالبان بعد استلامها شؤون الخلافة سمحت قليلا ولأغراض الكاميرات للفتيات بالدراسة ثم عادت ومنعت الإناث في المدارس والجامعات.
طبعا رجال المخابرات في العادة «يكذبون كما يتنفسون» خصوصا في الولايات المتحدة وأحيانا في بعض الدول الغربية. وبالنسبة للجماعة العربية التي تعمل في مجال مخابرات الأنظمة والديكتاتوريات يكفي القول إنها «لا تتنفس من أصله».
ما علينا… مجددا أقترحُ «فلترة ما» تحاسب المنتج والمخرج وشاشة العرض عندما يتم إمطارنا بكل هذا الغثاء.
وعلى سيرة الكذب الأمني إليكم ما حصل: جمعنا كرؤوس الغنم بصفتنا «خبراء للغاية» وقال لنا مسؤول أوروبي «تحدثوا بصراحة» وخلاصاتكم ستجمع في تقرير خاص نرسله لكم ولحكوماتكم. انتهى النقاش ونمنا خمسة أشهر ولم يرسل لنا الخواجات أي ورقة مكتوبة عن ما قلناه. عندما استفسرت قيل لي «أستاذ نحاول تجنب إثارة ضجة، ولا نريد إزعاج حكومتكم والتقرير لن يصدر».
حصل ذلك رغم أن ما قلناه وناقشناه بحضور نخبة من أصحاب القرار نقوله يوميا لكل المسؤولين صغارا وكبارا ونحن نلتهم المناسف حيث لا أسرار أساسا.
حميدتي والبرهان
الساسة المتصارعون في السودان أيضا «يكذبون».
من جهتي لا تفسير لما قصفتنا به «الجزيرة» مع نهاية الأسبوع من تغطيات ومشاهد مؤلمة لصراع «قبلي دموي» على مصادر المياه في دارفور وشقيقاتها حيث «الجنينة» بلا ماء ولا كهرباء ولا كسرة خبز، وطبعا بلا طب ولا أطباء.
حتى اللحظة ورغم شغفها الشديد بتفاصيل ما يجري عند «ربع الزول» تخفق «الجزيرة» بالإجابة على السؤال التالي: البرهان وحميدتي كانا معا في المشوار نفسه الذي يستهدف «الديمقراطية» فمن الذي زرع إسفينه بكفاءة بين الجنرالين وأعاد الوطن السوداني لعقود إلى الوراء؟
الإسفين بين جنرالين تحول إلى «خازوق وطني وقومي» بامتياز وعلى قنوات شبكة «النيل» المصرية تجديد لفظي مريب لدعوة الفرقاء إلى حماية وحدة السودان وتكرار لمعلبات الدبلوماسية المصرية إياها بصيغة «نشجب ونتأمل وننكر ونوافق».
فقط تلفزيون الحكومة الأردنية لا يشجب ولا يتابع فالمحرقة السودانية برمتها في نشرة الأخبار تأتي في ذيل القائمة وقد يتفوق عليها خبر بعنوان «تفقد عطوفته..إلخ»… كمشاهد أردني بصراحة بطني يوجعني فورا وأصاب بإسهال شديد كلما قرر المحرر إبلاغي بأن «معاليه «ترأس» وعطوفته تفقد و»دولته وجّه».
أصلا لو يتوقف مسؤولونا عن التفقد والتوجيه والترؤس لأصبحت أحوالنا أفضل.
نعود للخازوق السوداني لنقول: واضح أن إجابة سفير دولة غربية يراقب المشهد هي التي ستعتمد لاحقا فما يجري في السودان تمهيد لـ «تقسيم البلاد» للمرة الثانية وقد تعقبها ثالثة.
وبعد حسم الصراع وحرق الأخضر واليابس يمكن لكل مواطن سوداني شمالا وجنوبا أن يسترخي ويحصل على «جائزة الإقليم» ثم يجلس ليعزف لرأسين من الغنم وكوزين ذرة وشوية حنطة وشوال بصل ثم يصدح بأغنية القرن «البامبو السوداني أحسن من البريطاني».
«تفحيط» وطني
على سيرة «كذب الشاشات» تذكرت الشاب المتحمس الذي ظهر مفعما بالطاقة الإيجابية وبعيدا عن «السوداوية»، لعنها الله، على شاشة فضائية المملكة مجددا وهو يقولها بثقة «المستقبل لنا».
طبعا الشاب كان يجيب على سؤال للمذيع بصيغة: «برأيك ما هو دور الشباب في مستقبل تحديث المنظومة السياسية في البلاد؟».
لم يخبرنا المذيع عن الشريحة التي ينتمي لها الشاب فهل هو من شريحة 52% من الشباب الأردني الراغبين في الهجرة أم من فئة الـ «1%» من الشعب التي تريد الانخراط في الأحزاب أم أنه من فئة الـ «48% التي لا تفكر بالهجرة؟».
الشاشات تكذب أحيانا لكن الأرقام لا تفعل.
يوما ما شهدت الشوارع الأردنية عمليات «تفحيط وتشحيط» عارمة تحت عنوان «شباب متحمس يحتفل بعيد الاستقلال».
بعد تلك البهجة العارمة قرأت زميلة تقترح على فيسبوك ببساطة ما يلي: «حسنا خالفتم القانون واحتفلتم، بإمكانكم العودة لاستئناف البحث عن طلبات هجرة».
«سيدي الرئيس … أنت تكذب ثم تكذب»… رحمك الله يا ميشال حجازين.
٭ مدير مكتب «القدس العربي» في عمان
يشرح «الكابتن إيزاك» متحدثا عن صاحبنا القناص: مرة كان يراقب بمنظاره «طالبان» وهي تهاجم مدرسة للبنات لمنعهن من تلقي العلم. قنص وقتل 200 من إرهابيي الحركة بدون نوم لثلاثة أيام.
فجأة يتنهد بتاع المخابرات ثم يعطينا الخلاصة: «الفتيات يتلقين العلم في المدرسة نفسها حتى يومنا هذا».
أكذب من هيك مخابرات ومسلسل ما شافت عيني على الفضائيات الدرامية.
لا ينتبه المخرج ولا بتوع نتفلكس، وهم يضعون هذا المسلسل ضمن باقتهم المفضلة، إلى أن الجيش الأمريكي انسحب من أفغانستان وسلّمها على طبق من تنك لجماعة طالبان وشاهدنا بأم العين «تابعي وموظفي وجواسيس» الاحتلال الأمريكي على شاشة سي إن إن وهم يتعلقون بذيل الطائرات أملا في الهروب.
نتفلكس وحبل الكذب
سؤالي الفني: من يحاسب صنّاع السينما على حبل الكذب والتزييف؟
للعلم لتأكيد كذبة مسلسل «القناص» فإن طالبان بعد استلامها شؤون الخلافة سمحت قليلا ولأغراض الكاميرات للفتيات بالدراسة ثم عادت ومنعت الإناث في المدارس والجامعات.
طبعا رجال المخابرات في العادة «يكذبون كما يتنفسون» خصوصا في الولايات المتحدة وأحيانا في بعض الدول الغربية. وبالنسبة للجماعة العربية التي تعمل في مجال مخابرات الأنظمة والديكتاتوريات يكفي القول إنها «لا تتنفس من أصله».
ما علينا… مجددا أقترحُ «فلترة ما» تحاسب المنتج والمخرج وشاشة العرض عندما يتم إمطارنا بكل هذا الغثاء.
وعلى سيرة الكذب الأمني إليكم ما حصل: جمعنا كرؤوس الغنم بصفتنا «خبراء للغاية» وقال لنا مسؤول أوروبي «تحدثوا بصراحة» وخلاصاتكم ستجمع في تقرير خاص نرسله لكم ولحكوماتكم. انتهى النقاش ونمنا خمسة أشهر ولم يرسل لنا الخواجات أي ورقة مكتوبة عن ما قلناه. عندما استفسرت قيل لي «أستاذ نحاول تجنب إثارة ضجة، ولا نريد إزعاج حكومتكم والتقرير لن يصدر».
حصل ذلك رغم أن ما قلناه وناقشناه بحضور نخبة من أصحاب القرار نقوله يوميا لكل المسؤولين صغارا وكبارا ونحن نلتهم المناسف حيث لا أسرار أساسا.
حميدتي والبرهان
الساسة المتصارعون في السودان أيضا «يكذبون».
من جهتي لا تفسير لما قصفتنا به «الجزيرة» مع نهاية الأسبوع من تغطيات ومشاهد مؤلمة لصراع «قبلي دموي» على مصادر المياه في دارفور وشقيقاتها حيث «الجنينة» بلا ماء ولا كهرباء ولا كسرة خبز، وطبعا بلا طب ولا أطباء.
حتى اللحظة ورغم شغفها الشديد بتفاصيل ما يجري عند «ربع الزول» تخفق «الجزيرة» بالإجابة على السؤال التالي: البرهان وحميدتي كانا معا في المشوار نفسه الذي يستهدف «الديمقراطية» فمن الذي زرع إسفينه بكفاءة بين الجنرالين وأعاد الوطن السوداني لعقود إلى الوراء؟
الإسفين بين جنرالين تحول إلى «خازوق وطني وقومي» بامتياز وعلى قنوات شبكة «النيل» المصرية تجديد لفظي مريب لدعوة الفرقاء إلى حماية وحدة السودان وتكرار لمعلبات الدبلوماسية المصرية إياها بصيغة «نشجب ونتأمل وننكر ونوافق».
فقط تلفزيون الحكومة الأردنية لا يشجب ولا يتابع فالمحرقة السودانية برمتها في نشرة الأخبار تأتي في ذيل القائمة وقد يتفوق عليها خبر بعنوان «تفقد عطوفته..إلخ»… كمشاهد أردني بصراحة بطني يوجعني فورا وأصاب بإسهال شديد كلما قرر المحرر إبلاغي بأن «معاليه «ترأس» وعطوفته تفقد و»دولته وجّه».
أصلا لو يتوقف مسؤولونا عن التفقد والتوجيه والترؤس لأصبحت أحوالنا أفضل.
نعود للخازوق السوداني لنقول: واضح أن إجابة سفير دولة غربية يراقب المشهد هي التي ستعتمد لاحقا فما يجري في السودان تمهيد لـ «تقسيم البلاد» للمرة الثانية وقد تعقبها ثالثة.
وبعد حسم الصراع وحرق الأخضر واليابس يمكن لكل مواطن سوداني شمالا وجنوبا أن يسترخي ويحصل على «جائزة الإقليم» ثم يجلس ليعزف لرأسين من الغنم وكوزين ذرة وشوية حنطة وشوال بصل ثم يصدح بأغنية القرن «البامبو السوداني أحسن من البريطاني».
«تفحيط» وطني
على سيرة «كذب الشاشات» تذكرت الشاب المتحمس الذي ظهر مفعما بالطاقة الإيجابية وبعيدا عن «السوداوية»، لعنها الله، على شاشة فضائية المملكة مجددا وهو يقولها بثقة «المستقبل لنا».
طبعا الشاب كان يجيب على سؤال للمذيع بصيغة: «برأيك ما هو دور الشباب في مستقبل تحديث المنظومة السياسية في البلاد؟».
لم يخبرنا المذيع عن الشريحة التي ينتمي لها الشاب فهل هو من شريحة 52% من الشباب الأردني الراغبين في الهجرة أم من فئة الـ «1%» من الشعب التي تريد الانخراط في الأحزاب أم أنه من فئة الـ «48% التي لا تفكر بالهجرة؟».
الشاشات تكذب أحيانا لكن الأرقام لا تفعل.
يوما ما شهدت الشوارع الأردنية عمليات «تفحيط وتشحيط» عارمة تحت عنوان «شباب متحمس يحتفل بعيد الاستقلال».
بعد تلك البهجة العارمة قرأت زميلة تقترح على فيسبوك ببساطة ما يلي: «حسنا خالفتم القانون واحتفلتم، بإمكانكم العودة لاستئناف البحث عن طلبات هجرة».
«سيدي الرئيس … أنت تكذب ثم تكذب»… رحمك الله يا ميشال حجازين.
٭ مدير مكتب «القدس العربي» في عمان