أين يحلق «السرب الوطني» الأردني وكيف يقرأ المخاطر؟: سطوة «المعارضة» تتغذى على «غياب السردية»
عمان جو - بسام البدارين - ما الذي ينبغي أن تضعه السلطات الرسمية الأردنية والعميقة بين يدي مطبخ «الإخوان المسلمين» في البلاد حتى تشرح لهم الظروف والاعتبارات والمناخات والتوازنات والوقائع في معادلة «الصراع مع إسرائيل»؟
سؤال مطروح الآن ليس لأن الإخوان المسلمين لديهم أي حق يختلف عن غيرهم من القوى الشعبية والحزبية، ولكن لأنهم اليوم «شركاء» في المؤسسة عبر انتخابات نزيهة جازفت بصعودهم إلى قمة وصدارة الأغلبية، بمعنى أن الجماعة الإخوانية التي تزايد بصراخ على الجميع سواء أعجب ذلك خصومها وخصوم المقاومة أم لم يعجب «جزءاً حيوياً ومهماً» من منظومة الدولة والنظام السياسي الرسمي الآن.. فكل ما ينقص تلك المشهدية أن يبدأ بعض عناصر الإخوان بالتصرف على هذا الاساس.
ثمة شروط للاستمرار في اللعبة التشريعية والسياسية بمدلول يلتزم بما تحدث عنه المراقب العام الشيخ مراد عضايلة -علناً- عن الشراكة؛ لأن مسألة الشراكة ترسم حدوداً يعلمها الشركاء وليس «الإخوان» ولا غيرهم من قوى الشارع «أجدر» حتى الآن من الدولة، بإقرار ما يناسب المصالح في بعض الملفات.
لذلك، يصبح السؤال ملحاً: ما هي المادة التي ينبغي أن توضع بين يدي الحركة الإسلامية حتى تصبح الخيرة «منهجية أكثر» أو حتى «تتفهم أكثر» كيف تقرأ الدولة المشهد الفلسطيني والإقليمي، والأهم الإسرائيلي؟
واحدة من أبرز مشكلات السياسة الأردنية هي تلك التي تفيد بعدم وجود «رواية رسمية» بعد مقولة حتى على مستوى النخب أو طبقة رجال الدولة… ماذا يفعل «الإخوان» أو غيرهم إزاء هذا البخل الشديد في الإفراج عن المعلومة والتقدير؟
السؤال الأخير أصعب.
في أحد الاجتماعات المرجعية، عدد المخضرم الدكتور جواد العناني سلسلة مناصبه في وظائف الدولة العليا ثم قال: «أنا لا أعرف بعد ما هو موقفنا في القضية الفلسطينية».
ما قصده العناني أنه يريد معرفة الرواية والسردية ليس لـ «مناقشتها» بل لـ «الدفاع عنها وشرحها»؛ لأن الطبقة السياسية التي صنفت يوماً بـ «الديناصورات» سئمت من اتهامها بالتقصير وعدم الولاء، في الوقت الذي قال فيه رئيس الوزراء الأسبق المخضرم أحمد عبيدات، أمام «القدس العربي».. «لا أحد يتحدث معنا» فيما كان نظيره طاهر المصري يسأل بلهجته المحببة نفس السؤال «مع مين نحكي؟».
الأهم، تلك شواهد يمكن الإشارة إليها في غياب حقيقي للسردية والتقدير الرسمي، فالمعلومة أحياناً لا تكون إلا عند مسؤول مختص مثل وزير الخارجية أمين الصفدي، وبقية كبار المسؤولين الذين يديرون الأمور خلف الستائر لا يشاركون ولا يشرحون. والحلقات الوسيطية رغم أن الحرب الإقليمية مفتوحة على الأبواب، لا تزال في أبعد مسافة ممكنة عن القيام بالواجب في إدارة العلاقة بين مؤسسة الحكم والناس.
لذلك، يجتهد «الأخ المسلم» أو «الحراكي» أو غيرهما، ويظهر أن المواطن أحياناً «يغرد خارج السرب» ليس لأنه تعمد للتو بالشيطنة أو يأتمر بتعليمات خارجية أو لأنه «مندس ومتآمر»، ولكن لأنه -أي مواطن- بكل بساطة لا يجد «السرب الرسمي» الذي يستطيع رصده بالملموس من دون اجتهادات تفسيرية بائسة للنص المرجعي حتى يلتحق به.
ولذلك في المقابل، تصبح حملات بعض الأقلام ضد الإخوان المسلمين أو حتى ضد الديمقراطية أو مع شيطنة «المحور والمقاومة» لا معنى محدداً لها ومنزوعة الدسم؛ لأن مطلقي هذه التحذيرات تارة باسم الولاء ومرة باسم «الوطنية» أنفسهم ليسوا على إطلاع ولا يستطيعون الإجابة على سؤال صف ابتدائي بخصوص «السردية والموقف».
والمعنى هنا أن تلك الحملات «شخصانية»، ومن الصعب حسابها على «مصلحة الوطن والولاء للنظام» فقط، مع أن بعضها في مستوى النقاء المختلط بـ «الجهل» أو بالرغبة الحصرية في معارضة التيارات الإسلامية ودون حتى حساب لمخاطر أطماع اليمين الإسرائيلي.
بالمقابل، ما يقترحه القطب البرلماني الإسلامي صالح عرموطي، عبر «القدس العربي» مجدداً هو «وضع الموضوع وطنياً» على طاولة «حوار وطني حقيقي وجريء» تشرح فيها الدولة سياستها وموقفها ثم تستمع لآراء الآخرين على أن يلتزم الجميع بالرؤية بعد إقرارها.
انضمت إلى نفس الاقتراح الخاص بمطبخ وحوار وطني شخصيات متعددة وعبر «القدس العربي» حصراً، مثل الدكتور العناني والرئيس الأسبق علي أبو الراغب والرئيس طاهر المصري، وآخرين. والجديد الآن -حسب عرموطي- هو بروز حاجة ملحة لذلك، على قاعدة أن جميع الجهات الداخلية على الأقل لا يوجد فيها أي راغب في تحدي الدولة، خصوصاً في ظل الظروف الصعبة الحالية، ولا يوجد فيها حتى من يسعى لـ «مزاحمة» أجهزة الدولة والقرار على التصرف والقيادة والإجراء.
وما يحصل من انفعالات هنا أو تعليقات صاخبة أو هتافات هناك يثبت قبل أي حديث عن «وجود أجندات مشبوهة»، أن الحاجة ملحة فعلاً لـ «سردية وطنية» واجب الحكومة أن تقدمها الآن حتى يحتشد الناس حولها. وبدلاً من «لوم ضحايا غياب المعلومات الرسمية»، يمكن الانصراف لتشغيل الإسلاميين وغيرهم لصالح «الرؤية المؤسسية المرجعية».. ذلك قد ينفع أكثر إذا ما لفت نظر بعض أقلام التدخل السريع، كما وصفهم الأمين العام لمنتدى الوسطية المهندس مروان فاعوري؛ لأن الأصل في الاشتباك مرحلياً ليس التحريض والكراهية في الداخل، بل العدوان الإسرائيلي وخططه.
بوضوح لا يقبل قراءتين، عبّر الشيخ مراد عضايلة مؤخراً عن فهم متقدم للأسباب التي دفعت الدولة للانزعاج من تعليقات إخوانية لم تكن موفقة صدرت بعد «عملية البحر الميت الاستشهادية» عندما أجاب عن السؤال الأعمق بثلاثية «الدولة والقيادة والجيش».
وفي الوقت الذي يبقى فيه السؤال ملحاً عن «المحتوى» المطلوب من الدولة تقديمه للإخوان المسلمين وللشارع، تطرح اللحظة الراهنة سؤالاً معاكساً: ما الذي يمكن للإخوان تقديمه للدولة من شروحات وضمانات لا تعيد التعبئة الإقليمية والدولية المضادة ضد النسخة الأردنية من الجماعة الإخوانية؟
السؤال الثاني ينتج عن الأول ويرتبط به.. وللحديث بقية دوماً.
«القدس العربي»
سؤال مطروح الآن ليس لأن الإخوان المسلمين لديهم أي حق يختلف عن غيرهم من القوى الشعبية والحزبية، ولكن لأنهم اليوم «شركاء» في المؤسسة عبر انتخابات نزيهة جازفت بصعودهم إلى قمة وصدارة الأغلبية، بمعنى أن الجماعة الإخوانية التي تزايد بصراخ على الجميع سواء أعجب ذلك خصومها وخصوم المقاومة أم لم يعجب «جزءاً حيوياً ومهماً» من منظومة الدولة والنظام السياسي الرسمي الآن.. فكل ما ينقص تلك المشهدية أن يبدأ بعض عناصر الإخوان بالتصرف على هذا الاساس.
ثمة شروط للاستمرار في اللعبة التشريعية والسياسية بمدلول يلتزم بما تحدث عنه المراقب العام الشيخ مراد عضايلة -علناً- عن الشراكة؛ لأن مسألة الشراكة ترسم حدوداً يعلمها الشركاء وليس «الإخوان» ولا غيرهم من قوى الشارع «أجدر» حتى الآن من الدولة، بإقرار ما يناسب المصالح في بعض الملفات.
لذلك، يصبح السؤال ملحاً: ما هي المادة التي ينبغي أن توضع بين يدي الحركة الإسلامية حتى تصبح الخيرة «منهجية أكثر» أو حتى «تتفهم أكثر» كيف تقرأ الدولة المشهد الفلسطيني والإقليمي، والأهم الإسرائيلي؟
واحدة من أبرز مشكلات السياسة الأردنية هي تلك التي تفيد بعدم وجود «رواية رسمية» بعد مقولة حتى على مستوى النخب أو طبقة رجال الدولة… ماذا يفعل «الإخوان» أو غيرهم إزاء هذا البخل الشديد في الإفراج عن المعلومة والتقدير؟
السؤال الأخير أصعب.
في أحد الاجتماعات المرجعية، عدد المخضرم الدكتور جواد العناني سلسلة مناصبه في وظائف الدولة العليا ثم قال: «أنا لا أعرف بعد ما هو موقفنا في القضية الفلسطينية».
ما قصده العناني أنه يريد معرفة الرواية والسردية ليس لـ «مناقشتها» بل لـ «الدفاع عنها وشرحها»؛ لأن الطبقة السياسية التي صنفت يوماً بـ «الديناصورات» سئمت من اتهامها بالتقصير وعدم الولاء، في الوقت الذي قال فيه رئيس الوزراء الأسبق المخضرم أحمد عبيدات، أمام «القدس العربي».. «لا أحد يتحدث معنا» فيما كان نظيره طاهر المصري يسأل بلهجته المحببة نفس السؤال «مع مين نحكي؟».
الأهم، تلك شواهد يمكن الإشارة إليها في غياب حقيقي للسردية والتقدير الرسمي، فالمعلومة أحياناً لا تكون إلا عند مسؤول مختص مثل وزير الخارجية أمين الصفدي، وبقية كبار المسؤولين الذين يديرون الأمور خلف الستائر لا يشاركون ولا يشرحون. والحلقات الوسيطية رغم أن الحرب الإقليمية مفتوحة على الأبواب، لا تزال في أبعد مسافة ممكنة عن القيام بالواجب في إدارة العلاقة بين مؤسسة الحكم والناس.
لذلك، يجتهد «الأخ المسلم» أو «الحراكي» أو غيرهما، ويظهر أن المواطن أحياناً «يغرد خارج السرب» ليس لأنه تعمد للتو بالشيطنة أو يأتمر بتعليمات خارجية أو لأنه «مندس ومتآمر»، ولكن لأنه -أي مواطن- بكل بساطة لا يجد «السرب الرسمي» الذي يستطيع رصده بالملموس من دون اجتهادات تفسيرية بائسة للنص المرجعي حتى يلتحق به.
ولذلك في المقابل، تصبح حملات بعض الأقلام ضد الإخوان المسلمين أو حتى ضد الديمقراطية أو مع شيطنة «المحور والمقاومة» لا معنى محدداً لها ومنزوعة الدسم؛ لأن مطلقي هذه التحذيرات تارة باسم الولاء ومرة باسم «الوطنية» أنفسهم ليسوا على إطلاع ولا يستطيعون الإجابة على سؤال صف ابتدائي بخصوص «السردية والموقف».
والمعنى هنا أن تلك الحملات «شخصانية»، ومن الصعب حسابها على «مصلحة الوطن والولاء للنظام» فقط، مع أن بعضها في مستوى النقاء المختلط بـ «الجهل» أو بالرغبة الحصرية في معارضة التيارات الإسلامية ودون حتى حساب لمخاطر أطماع اليمين الإسرائيلي.
بالمقابل، ما يقترحه القطب البرلماني الإسلامي صالح عرموطي، عبر «القدس العربي» مجدداً هو «وضع الموضوع وطنياً» على طاولة «حوار وطني حقيقي وجريء» تشرح فيها الدولة سياستها وموقفها ثم تستمع لآراء الآخرين على أن يلتزم الجميع بالرؤية بعد إقرارها.
انضمت إلى نفس الاقتراح الخاص بمطبخ وحوار وطني شخصيات متعددة وعبر «القدس العربي» حصراً، مثل الدكتور العناني والرئيس الأسبق علي أبو الراغب والرئيس طاهر المصري، وآخرين. والجديد الآن -حسب عرموطي- هو بروز حاجة ملحة لذلك، على قاعدة أن جميع الجهات الداخلية على الأقل لا يوجد فيها أي راغب في تحدي الدولة، خصوصاً في ظل الظروف الصعبة الحالية، ولا يوجد فيها حتى من يسعى لـ «مزاحمة» أجهزة الدولة والقرار على التصرف والقيادة والإجراء.
وما يحصل من انفعالات هنا أو تعليقات صاخبة أو هتافات هناك يثبت قبل أي حديث عن «وجود أجندات مشبوهة»، أن الحاجة ملحة فعلاً لـ «سردية وطنية» واجب الحكومة أن تقدمها الآن حتى يحتشد الناس حولها. وبدلاً من «لوم ضحايا غياب المعلومات الرسمية»، يمكن الانصراف لتشغيل الإسلاميين وغيرهم لصالح «الرؤية المؤسسية المرجعية».. ذلك قد ينفع أكثر إذا ما لفت نظر بعض أقلام التدخل السريع، كما وصفهم الأمين العام لمنتدى الوسطية المهندس مروان فاعوري؛ لأن الأصل في الاشتباك مرحلياً ليس التحريض والكراهية في الداخل، بل العدوان الإسرائيلي وخططه.
بوضوح لا يقبل قراءتين، عبّر الشيخ مراد عضايلة مؤخراً عن فهم متقدم للأسباب التي دفعت الدولة للانزعاج من تعليقات إخوانية لم تكن موفقة صدرت بعد «عملية البحر الميت الاستشهادية» عندما أجاب عن السؤال الأعمق بثلاثية «الدولة والقيادة والجيش».
وفي الوقت الذي يبقى فيه السؤال ملحاً عن «المحتوى» المطلوب من الدولة تقديمه للإخوان المسلمين وللشارع، تطرح اللحظة الراهنة سؤالاً معاكساً: ما الذي يمكن للإخوان تقديمه للدولة من شروحات وضمانات لا تعيد التعبئة الإقليمية والدولية المضادة ضد النسخة الأردنية من الجماعة الإخوانية؟
السؤال الثاني ينتج عن الأول ويرتبط به.. وللحديث بقية دوماً.
«القدس العربي»
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات