إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية
  • الرئيسية
  • مقالات

  • ترامب وإحياء صفقة القرن: مشروع تصفية فلسطين في لحظة تاريخية مفصلية

ترامب وإحياء صفقة القرن: مشروع تصفية فلسطين في لحظة تاريخية مفصلية


عمان جو - مع فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، يعود شبح “صفقة القرن” ليهدد ما تبقى من أمل في حرية فلسطين وكرامة الأمة العربية. في عودةٍ غير مفاجئة، يعيد ترامب تمكين هذا المشروع الاستعماري الذي لم يكن سوى خطة ممنهجة لفرض واقع جديد، يستنزف الأرض الفلسطينية ويحاصرها في مشاريع مشوهة تسعى إلى محو الهوية العربية من قلب الشرق الأوسط. هذه “الصفقة” ليست مجرد رؤية سياسية؛ هي محاولة للسيطرة الكاملة على المنطقة، تشد الخناق على فلسطين وتفرض على شعبها تنازلات لا تُحتمل، وتؤرخ لمرحلة جديدة من الهيمنة الأمريكية التي تستهدف تدمير ما تبقى من حلم عربي في النهوض.

تتمثل جوهر الصفقة في تقسيم فلسطين إلى قطع متناثرة، محاصرة بالجدران والمستوطنات، مع فرض سيطرة أمنية إسرائيلية مطلقة على كل شبر من الأراضي المحتلة. لا يوجد فيها مكان لحقوق الفلسطينيين في أرضهم أو سيادتهم على عاصمتهم القدس، ولا مجال لتحقيق حلم العودة. لقد سعت الولايات المتحدة عبر هذه الصفقة إلى تصفية القضية الفلسطينية من جذورها، محولةً الصراع إلى مجرد تنازلات سياسية يقبلها الفلسطينيون تحت تهديد الجوع والفقر والمجازر اليومية. أما ما تبقى من الأمل الفلسطيني فقد أُغلِق الباب أمامه بأحكام أميركية لا تعترف بحق الشعب في مقاومة الاحتلال، ولا بأي حق تاريخي في بناء دولة مستقلة.

لكن الأخطر من ذلك هو أن ترامب لا يتوقف عند حدود فلسطين فقط، بل يسعى من خلال هذه الخطة إلى إعادة تشكيل المنطقة العربية بأكملها وفقاً لمصالح القوى الكبرى، مستغلاً حالة الضعف والتشرذم التي تمر بها المنطقة. في فترة رئاسته الجديدة، من المتوقع أن يزيد الضغط الأمريكي على الفلسطينيين، على قاعدة فرض الأمر الواقع، ويدفعهم نحو التنازل عن كل ما تبقى من حقوقهم، عبر استخدام الأدوات السياسية والاقتصادية التي تتسم بالقسوة والابتزاز. أما بالنسبة لإسرائيل، فهي لن تجد في عهد ترامب إلا الدعم المطلق، سواء على المستوى السياسي أو العسكري، مما يعزز من موقفها في محاولة تنفيذ مشروعها التوسعي بكل وضوح وبلا رادع.

إن المشهد الذي يلوح في الأفق يحمل في طياته تهديداً خطيراً ليس فقط لفلسطين بل للأمة العربية برمتها. فالصفقة لا تستهدف الأرض الفلسطينية فحسب، بل هي حلقة من سلسلة محاولات لتصفية القضايا العربية الأساسية: من القضايا الاقتصادية التي تثقل كاهل الشعوب، إلى القضايا السياسية التي لا تجد صوتًا حقيقيًا يدافع عنها في ظل المصالح الدولية الضاغطة. كما أن الاستمرار في إضعاف الموقف العربي إزاء فلسطين يعني فقدان المزيد من أوراق القوة في مواجهة المشاريع الغربية التي لا تتوقف عن إعادة رسم خريطة المنطقة وفقاً لإرادتها.

اليوم، تعيش فلسطين في قلب معركة مصيرية، ليست فقط من أجل استعادة الأرض، ولكن من أجل الحفاظ على الهوية والوجود. وفي مواجهة هذا المشروع الاستعماري الجائر، يجد الفلسطينيون أنفسهم وحدهم في ساحة معركة قاسية، بينما يُفرض عليهم أن يقبلوا بالحلول التي لا تمثل سوى خيانة لتاريخهم وأحلامهم. في هذا السياق، تأتي “صفقة القرن” كأداة من أدوات الهيمنة، ليس فقط لتصفية القضية الفلسطينية، بل لتحويلها إلى مسألة هامشية تُستخدم كورقة ضغط في سوق السياسة الدولية، دون أي اهتمام لما تفعله هذه السياسة بمستقبل أمة بأكملها.

إن الصمت على هذه الصفقة يعني استسلاماً لواقع مرير سيطول تأثيره على الأجيال القادمة. فالصفقة لا تعدو كونها محاولة لإعادة رسم المنطقة على مقاس القوى الكبرى، في وقت تغيب فيه أي رؤية حقيقية للسلام العادل. إذا كانت هذه هي سياسة ترامب، فإنها تمثل إعلاناً عن فصل جديد من فصول الظلم والتسلط على الشعب الفلسطيني، وقد تتحول المنطقة إلى ساحة جديدة من الصراع المستمر الذي لا يحمل في طياته سوى مزيد من الجراح والألم.

في هذا التوقيت التاريخي الحساس، يحتاج العرب إلى رؤية استراتيجية موحدة، وتضامن حقيقي من أجل التصدي لهذا المخطط الذي يهدد ليس فقط فلسطين، بل جميع الشعوب العربية التي ستظل تدفع الثمن إذا ما تم تمرير هذه الصفقة. إن القضية الفلسطينية هي قلب الأمة العربية، والتخلي عنها يعني التخلي عن ذاتها، والانزلاق إلى هاوية لم يعد فيها مكان للأمل.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :