صراع في الأردن بين سفارتي واشنطن وموسكو والضحية علاقات عمان ودمشق… والطريق «لم تعد سالكة»
عمان جو - بسام البدارين
وجه سياسيون أردنيون خلال عزاء في بيت الوزير الأسبق والمرجع الدستوري المهم الدكتور محمد الحموري للأخير سؤالاً علنياً ينطوي على قدر من الاستفهام والاستفزاز المقصود عن سبب غيابه عن المشهد المتعلق بالدستور حصرياً في الآونة الأخيرة. الحموري العجوز أجاب بعبارة دبلوماسية مشتكياً من أن أحداً اليوم في دوائر النخبة لا يريد أن يسمع.
الرجل وقد يكون من أبرز فقهاء الدستور في المملكة الأردنية الهاشمية، وفي آخر اشتباكاته السياسية المتعلقة بأحكام الدستور حصرياً، ظهر في مؤتمر يعلن عن حزب الشراكة والإنقاذ الجديد بمعية المراقب العام الأسبق للإخوان المسلمين الشيخ سالم الفلاحات.
الفلاحات والحموري ورفاقهما في التجربة المعتدلة الجديدة، التي استمعت «القدس العربي» مرتين على الأقل لشروحات حول أدبياتها وبرامجها، من الفلاحات حصرياً، كانوا قد عادوا معاً إلى تأسيس تجربة علنية تحاول إحياء قيمة الاحتكام للدستور في اللعبة السياسية. حصل ذلك طبعاً قبل أسابيع قليلة من تشكيل حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز.
غاب الحموري، المخضرم والفقيه الدستوري الذي كان وزيراً للعدل في الماضي، وبقي مرجعاً في سياق تفسير النصوص الدستورية طوال عقود عن المشهد. طبعاً، ثمة سبب اجتماعي تقليدي وسياسي منطقي لهذا الغياب؛ فنجل الرجل أصبح وزيراً للصناعة والتجارة في حكومة الرزاز، وانتهى المشهد بأن خفف الحموري الأب من ظهوره ونشاطه قبل معالجته بسؤال استفزازي في مناسبة عزاء اجتماعية تحت سياق حاجة الوطن الملحة إلى أن لا يغيب المختصون القلائل للدستور عن المشهد.
هنا حصرياً تمكن المراقبون من رصد تصريح قوي بعد عام على الأقل من الغياب للفقيه الدستوري الحموري، تداولته منصات التواصل الاجتماعي وتحدث فيه عن عدم وجود شبيه لنظام الحكم في الأردن، حسب دراساته، إلا في القرون الوسطى، داعياً مجدداً إلى العودة للأساس الدستوري في إدارة كل تفاصيل اللعبة السياسية.
في كل حال، كان تصريح الحموري الأب إشارة فارقة سياسياً في الأسبوعين الماضيين، فيما صعد نجم ابنه الشاب الدكتور طارق الحموري في نفس الفترة والسياق الزمني تقريباً وبصفته وزيراً للصناعة والتجارة باتجاهات مثيرة إعلامياً وسياسياً. الحموري الابن تصدى بخشونة للتأزيم الأخير والعلني في العلاقات الأردنية السورية، فأصدر قراراً ونسب به إلى مجلس الوزراء يحظر فيه أو يمنع الاستيراد من سوريا أو يرفع الجمارك على المنتجات السورية من باب المعاملة بالمثل.
قرر الوزير الحالي الحموري الابن تقريباً منع استيراد «كل شيء» من سوريا فجأة بدعوى الحفاظ على الصناعات الوطنية الأردنية وعدم تعاون الحكومة السورية مع بلاده فيما اتفق عليه سابقاً بخصوص الجمارك والنقل وغيرها.
الأردن عموماً يتجه للتصعيد منذ أعلنت وزارة الخارجية بقيادة خصم دمشق السياسي الرئيسي، كما تصفه الأوساط السورية، وهو الوزير أيمن الصفدي، عن وجود 30 معتقلاً أردنياً دون وجه حق في الداخل السوري.
هذا التصعيد يلغي عملياً، بضغط أمريكي وإسرائيلي متوقع، خطوات الانفتاح والتقارب مع دمشق في مرحلة ما بعد إعادة افتتاح معبر نصيب الضخم بين البلدين. قبل ذلك، حظرت مصفاة البترول الأردنية تراخيص توريدات المشتقات النفطية إلى سوريا عبر الأردن.
وبعد ذلك، أمسك الوزير الحموري الابن بالتصعيد الإعلامي والخشونة عندما خطر استيراد مئات السلع والمنتجات المصنعة في سوريا بما في ذلك سلعة مثل مستخرجات طينة البحر الميت والتي لا توجد في أي مكان في العالم إلا في الأردن.
حماسة الحموري، الوزير الحالي، واضحة في الدفاع عن قراره المتذرع بحجج فنية وجمركية، وتشدده في المسألة لا يقل عن إفراطه في الحماسة العام الماضي، منذ تسلم حقيبة التجارة والصناعة، في إلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا.
عموماً، في دوائر الانحياز الشخصي يمكن ملاحظة أن حماسة الحموري الابن ضد الانفتاح التجاري مع سوريا المجاورة تزيد لسببين مرجحين، أولهما التعويض عن الجدل الذي أثاره تصريح والده خبير الدستور مؤخراً، وثانيهما على الأرجح تجنب أن تطاله ماكينة التعديل الوزاري المقبل.
كلاهما سببان مرتبطان ببعضهما عملياً، لكن حظر التجارة تماماً مع دمشق لا يمكنه أن يكون إلا خياراً للدولة الأردنية وليس لرئيس أو حكومة، الأمر الذي يعني عملياً أن الوزير الشاب والديناميكي يستثمر بطريقته الخاصة في قرارات تخضع لغطاء سياسي، وأهم ملامحها الالتزام أولاً بما تقترحه الملحقية التجارية في سفارة واشنطن في العاصمة عمان.
وثانيهما الالتزام بسياسة أكثر انغلاقاً مع الحدود السورية في وقت حرج، الأمر الذي لا يمكن قراءته أصلاً خارج سياق رغبة واشنطن في تقليص قوة ونفوذ بروتوكولات التعاون الحدودي التي قررها الأردن مع سوريا بغطاء روسي، وبالتنسيق مع الملحق الأمني والعسكري الروسي ورفيقه السفير في سفارة موسكو في عمان.
بمعنى أخير، سفارتا واشنطن وموسكو اصطدمتا علناً في العاصمة الأردنية تحت عنوان منسوب الانفتاح المسموح به في العلاقات الأردنية السورية. أما وزير الصناعة والتجارة الشاب والحيوي فيمارس سياسياً ما يمكن وصفه بـ«الحج وبيع المسابح».القدس العربي
عمان جو - بسام البدارين
وجه سياسيون أردنيون خلال عزاء في بيت الوزير الأسبق والمرجع الدستوري المهم الدكتور محمد الحموري للأخير سؤالاً علنياً ينطوي على قدر من الاستفهام والاستفزاز المقصود عن سبب غيابه عن المشهد المتعلق بالدستور حصرياً في الآونة الأخيرة. الحموري العجوز أجاب بعبارة دبلوماسية مشتكياً من أن أحداً اليوم في دوائر النخبة لا يريد أن يسمع.
الرجل وقد يكون من أبرز فقهاء الدستور في المملكة الأردنية الهاشمية، وفي آخر اشتباكاته السياسية المتعلقة بأحكام الدستور حصرياً، ظهر في مؤتمر يعلن عن حزب الشراكة والإنقاذ الجديد بمعية المراقب العام الأسبق للإخوان المسلمين الشيخ سالم الفلاحات.
الفلاحات والحموري ورفاقهما في التجربة المعتدلة الجديدة، التي استمعت «القدس العربي» مرتين على الأقل لشروحات حول أدبياتها وبرامجها، من الفلاحات حصرياً، كانوا قد عادوا معاً إلى تأسيس تجربة علنية تحاول إحياء قيمة الاحتكام للدستور في اللعبة السياسية. حصل ذلك طبعاً قبل أسابيع قليلة من تشكيل حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز.
غاب الحموري، المخضرم والفقيه الدستوري الذي كان وزيراً للعدل في الماضي، وبقي مرجعاً في سياق تفسير النصوص الدستورية طوال عقود عن المشهد. طبعاً، ثمة سبب اجتماعي تقليدي وسياسي منطقي لهذا الغياب؛ فنجل الرجل أصبح وزيراً للصناعة والتجارة في حكومة الرزاز، وانتهى المشهد بأن خفف الحموري الأب من ظهوره ونشاطه قبل معالجته بسؤال استفزازي في مناسبة عزاء اجتماعية تحت سياق حاجة الوطن الملحة إلى أن لا يغيب المختصون القلائل للدستور عن المشهد.
هنا حصرياً تمكن المراقبون من رصد تصريح قوي بعد عام على الأقل من الغياب للفقيه الدستوري الحموري، تداولته منصات التواصل الاجتماعي وتحدث فيه عن عدم وجود شبيه لنظام الحكم في الأردن، حسب دراساته، إلا في القرون الوسطى، داعياً مجدداً إلى العودة للأساس الدستوري في إدارة كل تفاصيل اللعبة السياسية.
في كل حال، كان تصريح الحموري الأب إشارة فارقة سياسياً في الأسبوعين الماضيين، فيما صعد نجم ابنه الشاب الدكتور طارق الحموري في نفس الفترة والسياق الزمني تقريباً وبصفته وزيراً للصناعة والتجارة باتجاهات مثيرة إعلامياً وسياسياً. الحموري الابن تصدى بخشونة للتأزيم الأخير والعلني في العلاقات الأردنية السورية، فأصدر قراراً ونسب به إلى مجلس الوزراء يحظر فيه أو يمنع الاستيراد من سوريا أو يرفع الجمارك على المنتجات السورية من باب المعاملة بالمثل.
قرر الوزير الحالي الحموري الابن تقريباً منع استيراد «كل شيء» من سوريا فجأة بدعوى الحفاظ على الصناعات الوطنية الأردنية وعدم تعاون الحكومة السورية مع بلاده فيما اتفق عليه سابقاً بخصوص الجمارك والنقل وغيرها.
الأردن عموماً يتجه للتصعيد منذ أعلنت وزارة الخارجية بقيادة خصم دمشق السياسي الرئيسي، كما تصفه الأوساط السورية، وهو الوزير أيمن الصفدي، عن وجود 30 معتقلاً أردنياً دون وجه حق في الداخل السوري.
هذا التصعيد يلغي عملياً، بضغط أمريكي وإسرائيلي متوقع، خطوات الانفتاح والتقارب مع دمشق في مرحلة ما بعد إعادة افتتاح معبر نصيب الضخم بين البلدين. قبل ذلك، حظرت مصفاة البترول الأردنية تراخيص توريدات المشتقات النفطية إلى سوريا عبر الأردن.
وبعد ذلك، أمسك الوزير الحموري الابن بالتصعيد الإعلامي والخشونة عندما خطر استيراد مئات السلع والمنتجات المصنعة في سوريا بما في ذلك سلعة مثل مستخرجات طينة البحر الميت والتي لا توجد في أي مكان في العالم إلا في الأردن.
حماسة الحموري، الوزير الحالي، واضحة في الدفاع عن قراره المتذرع بحجج فنية وجمركية، وتشدده في المسألة لا يقل عن إفراطه في الحماسة العام الماضي، منذ تسلم حقيبة التجارة والصناعة، في إلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا.
عموماً، في دوائر الانحياز الشخصي يمكن ملاحظة أن حماسة الحموري الابن ضد الانفتاح التجاري مع سوريا المجاورة تزيد لسببين مرجحين، أولهما التعويض عن الجدل الذي أثاره تصريح والده خبير الدستور مؤخراً، وثانيهما على الأرجح تجنب أن تطاله ماكينة التعديل الوزاري المقبل.
كلاهما سببان مرتبطان ببعضهما عملياً، لكن حظر التجارة تماماً مع دمشق لا يمكنه أن يكون إلا خياراً للدولة الأردنية وليس لرئيس أو حكومة، الأمر الذي يعني عملياً أن الوزير الشاب والديناميكي يستثمر بطريقته الخاصة في قرارات تخضع لغطاء سياسي، وأهم ملامحها الالتزام أولاً بما تقترحه الملحقية التجارية في سفارة واشنطن في العاصمة عمان.
وثانيهما الالتزام بسياسة أكثر انغلاقاً مع الحدود السورية في وقت حرج، الأمر الذي لا يمكن قراءته أصلاً خارج سياق رغبة واشنطن في تقليص قوة ونفوذ بروتوكولات التعاون الحدودي التي قررها الأردن مع سوريا بغطاء روسي، وبالتنسيق مع الملحق الأمني والعسكري الروسي ورفيقه السفير في سفارة موسكو في عمان.
بمعنى أخير، سفارتا واشنطن وموسكو اصطدمتا علناً في العاصمة الأردنية تحت عنوان منسوب الانفتاح المسموح به في العلاقات الأردنية السورية. أما وزير الصناعة والتجارة الشاب والحيوي فيمارس سياسياً ما يمكن وصفه بـ«الحج وبيع المسابح».القدس العربي