سينما عمان القديمة .. إرث تاريخي يندثر
عمان جو - غبار متراكم على أقفالها وبوابتها الصدئة وبضعة إعلانات ورقية مهترئة، هو كل ما تبقى من سينما "رغدان"، أحد أقدم وأكبر صالات السينما في وسط العاصمة عمان، بعد أن تحولت بفعل هجر زوارها إلى شاهد تاريخي على الصراع بين الحداثة والأصالة. في وسط البلد، ثمة حوالي 15 داراً قديمة للسينما، أغلقت معظمها على الرغم من محاولاتها المستميتة للبقاء، تارة بالعروض المجانية، وأخرى بالاستعانة بأفلام طاولها مقص الرقيب. لكن كل هذه المحاولات ذهبت عبثاً مع افتتاح أول متجر قريب، لا يبعد سوى خطوات، لبيع الأقراص المدمجة، وانتشار شبكة الإنترنت على نحو واسع، فضلاً عن دور السينما الحديثة التي غزت مولات العاصمة الأردنية بكثافة.
غياب منذ العام 2008
ومنذ العام 2008 تحديداً، وبحسب محمد إحسان، أحد أقدم العاملين في دور السينما العمّانية، بدأ انهيار هذه الحرفة وتراكمت الديون على ملاكها، الذين قدموا ثقافة الترفيه على اختلافها للأردنيين منذ العام 1950. ويضيف إحسان "أغلقت ست دور للسينما في عام واحد، وهي سينما زهران والخيام وبسمان والأردن والبتراء، وبقيت الأخرى على أمل الصمود لكن من دون جدوى".
وقبل نحو ثلاثة أعوام فقط، أغلقت سينما رغدان إلى جانب شقيقتها سينما عمّان، التي حاولنا جاهدين التواصل مع مالكها داهكو قسطندي، لنكتشف أنه ترك البلاد وتوجه إلى لبنان، بعد أن تراكمت عليه الديون والخسائر، فتحولنا إلى أحد أهم المتابعين لشؤون دور السينما في الأردن والعاملين فيها، محمد النيرب.
3 آلاف مشاهد يومياً
أسس النيرب في العام 1972 أول شركة للإنتاج الفني في الأردن، وفي العام 1985 توجه للعمل في دور السينما حيث استثمر في دار سينما الخيام حتى العام 2002. يقول النيرب "الحال تغيرت إذ تراجع عدد المشاهدين والمرتادين دور السينما في وسط البلد من 3 آلاف مشاهد في اليوم الى عشرة فقط"، ويضيف "البعض كان يعرض ثلاثة أفلام بتذكرة واحدة لكن من دون جدوى".
يضيف محمد "حاولت إعادة فتح سينما رغدان المغلقة، لكنني فوجئت بكم الرسوم والضرائب المطلوبة من قبل أمانة عمان". ويبدو صوت النيرب وحيداً إلى جانب أصوات خافتة من ناشطين في المجال السينمائي، لإعادة تأهيل سينما وسط البلد كواجهة ثقافية وفنية عريقة وتاريخية. في سينما زهران القريبة والمغلقة، يطلعنا حارس المبنى المعروض للبيع، من زجاج خارجي جانبي، على مئات المقاعد الرثّة التي تشكو هجر مرتاديها على حد تعبيره، مضيفاً "كان لهذه الصالة اكتظاظ تشهد عليه مقاعدها الـ 500".
لكن هذه الصورة القاتمة لا تعكس واقع الحال ذاته في عمّان الغربية حيث شيّدت عشرات دور السينما الحديثة والمجهّزة بآخر ما توصل إليه العلم من تقنيات. فعلى بوابة إحداها داخل أحد المولات الشهيرة في منطقة الصويفية، تباع مئات التذاكر وتزدحم الحركة لمتابعة أحدث الأفلام العالمية.
إعادة استثمار "السينما" ثقافياً
المخرج والناقد السينمائي عدنان مدانات يوضح "أن ظاهرة إغلاق صالات السينما طاولت حتى تلك الراقية مثل "الكونكورد" و"فيلادلفيا"، معللاً السبب بانتشار الفضائيات والأقراص المدمجة وتجاهل ملّاك هذه الصالات ضرورات التحديث ومواكبة تطور التقنيات. ويشير إلى نقطة مهمة، وهي ما تمثله تلك الصالات المغلقة من إرث تاريخي يتجاوز الترفيه والاستثمار التجاري، إلى الاستثمار الثقافي. ويشرح مدانات كيف أن عدم تحديد ماهية الجمهور، وغياب التخطيط المناسب لعروض الأفلام أسهما في الفشل، وباتت عروض أفلام صالات سينما وسط البلد معزولة عن الواقع الاجتماعي والنفسي والثقافي المحلي.
وسط البلد يشكو قلة زواره
لا يقتصر الأمر على غياب دور السينما في عمّان القديمة، فبحسب مثقفين أردنيين "فإن ثقافة وسط البلد تتهاوى أمام كل أشكال الحداثة". اعتاد الأردنيون على زيارة وسط العاصمة القديم، وقضاء نهار كامل ومتعدد الأنشطة فيه، حيث تتجلى البساطة والعراقة والأصالة، من البيوت القديمة والمعلّقة والأسواق العتيقة والأزقة الضيّقة والمقاهي الثقافية وبسطات الكتب، وصولاً إلى معالم تاريخية كالمسجد الحسيني والمدرج الروماني وجبل القلعة.
تراجع هذا النشاط الأردني المحبّب اليوم لصالح "المولات" الضخمة ودور السينما الحديثة والحدائق وأماكن الترفيه غير التقليدية. وكان وسط البلد في عمّان على الدوام مركزاً اقتصادياً وتجارياً حتى نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، حيث كان أكثر الأماكن اكتظاظاً في البلاد، نظراً إلى تنوع المجال التجاري فيه.
فثمة سوق البخارية الذي يعتبر أقدم سوق في الأردن، بني في العام 1942 على يد تجار جاؤوا إلى الأردن من مدينة بخاري وسمّي السوق نسبة إليهم. أما الأسواق الأخرى في وسط البلد فتحكي عنها أسماؤها ومنها سوق الخضار، وسوق الطيور، وسوق العطارين، وسوق الصاغة، وسوق الحبوب وغيرها.اندبندنت
عمان جو - غبار متراكم على أقفالها وبوابتها الصدئة وبضعة إعلانات ورقية مهترئة، هو كل ما تبقى من سينما "رغدان"، أحد أقدم وأكبر صالات السينما في وسط العاصمة عمان، بعد أن تحولت بفعل هجر زوارها إلى شاهد تاريخي على الصراع بين الحداثة والأصالة. في وسط البلد، ثمة حوالي 15 داراً قديمة للسينما، أغلقت معظمها على الرغم من محاولاتها المستميتة للبقاء، تارة بالعروض المجانية، وأخرى بالاستعانة بأفلام طاولها مقص الرقيب. لكن كل هذه المحاولات ذهبت عبثاً مع افتتاح أول متجر قريب، لا يبعد سوى خطوات، لبيع الأقراص المدمجة، وانتشار شبكة الإنترنت على نحو واسع، فضلاً عن دور السينما الحديثة التي غزت مولات العاصمة الأردنية بكثافة.
غياب منذ العام 2008
ومنذ العام 2008 تحديداً، وبحسب محمد إحسان، أحد أقدم العاملين في دور السينما العمّانية، بدأ انهيار هذه الحرفة وتراكمت الديون على ملاكها، الذين قدموا ثقافة الترفيه على اختلافها للأردنيين منذ العام 1950. ويضيف إحسان "أغلقت ست دور للسينما في عام واحد، وهي سينما زهران والخيام وبسمان والأردن والبتراء، وبقيت الأخرى على أمل الصمود لكن من دون جدوى".
وقبل نحو ثلاثة أعوام فقط، أغلقت سينما رغدان إلى جانب شقيقتها سينما عمّان، التي حاولنا جاهدين التواصل مع مالكها داهكو قسطندي، لنكتشف أنه ترك البلاد وتوجه إلى لبنان، بعد أن تراكمت عليه الديون والخسائر، فتحولنا إلى أحد أهم المتابعين لشؤون دور السينما في الأردن والعاملين فيها، محمد النيرب.
3 آلاف مشاهد يومياً
أسس النيرب في العام 1972 أول شركة للإنتاج الفني في الأردن، وفي العام 1985 توجه للعمل في دور السينما حيث استثمر في دار سينما الخيام حتى العام 2002. يقول النيرب "الحال تغيرت إذ تراجع عدد المشاهدين والمرتادين دور السينما في وسط البلد من 3 آلاف مشاهد في اليوم الى عشرة فقط"، ويضيف "البعض كان يعرض ثلاثة أفلام بتذكرة واحدة لكن من دون جدوى".
يضيف محمد "حاولت إعادة فتح سينما رغدان المغلقة، لكنني فوجئت بكم الرسوم والضرائب المطلوبة من قبل أمانة عمان". ويبدو صوت النيرب وحيداً إلى جانب أصوات خافتة من ناشطين في المجال السينمائي، لإعادة تأهيل سينما وسط البلد كواجهة ثقافية وفنية عريقة وتاريخية. في سينما زهران القريبة والمغلقة، يطلعنا حارس المبنى المعروض للبيع، من زجاج خارجي جانبي، على مئات المقاعد الرثّة التي تشكو هجر مرتاديها على حد تعبيره، مضيفاً "كان لهذه الصالة اكتظاظ تشهد عليه مقاعدها الـ 500".
لكن هذه الصورة القاتمة لا تعكس واقع الحال ذاته في عمّان الغربية حيث شيّدت عشرات دور السينما الحديثة والمجهّزة بآخر ما توصل إليه العلم من تقنيات. فعلى بوابة إحداها داخل أحد المولات الشهيرة في منطقة الصويفية، تباع مئات التذاكر وتزدحم الحركة لمتابعة أحدث الأفلام العالمية.
إعادة استثمار "السينما" ثقافياً
المخرج والناقد السينمائي عدنان مدانات يوضح "أن ظاهرة إغلاق صالات السينما طاولت حتى تلك الراقية مثل "الكونكورد" و"فيلادلفيا"، معللاً السبب بانتشار الفضائيات والأقراص المدمجة وتجاهل ملّاك هذه الصالات ضرورات التحديث ومواكبة تطور التقنيات. ويشير إلى نقطة مهمة، وهي ما تمثله تلك الصالات المغلقة من إرث تاريخي يتجاوز الترفيه والاستثمار التجاري، إلى الاستثمار الثقافي. ويشرح مدانات كيف أن عدم تحديد ماهية الجمهور، وغياب التخطيط المناسب لعروض الأفلام أسهما في الفشل، وباتت عروض أفلام صالات سينما وسط البلد معزولة عن الواقع الاجتماعي والنفسي والثقافي المحلي.
وسط البلد يشكو قلة زواره
لا يقتصر الأمر على غياب دور السينما في عمّان القديمة، فبحسب مثقفين أردنيين "فإن ثقافة وسط البلد تتهاوى أمام كل أشكال الحداثة". اعتاد الأردنيون على زيارة وسط العاصمة القديم، وقضاء نهار كامل ومتعدد الأنشطة فيه، حيث تتجلى البساطة والعراقة والأصالة، من البيوت القديمة والمعلّقة والأسواق العتيقة والأزقة الضيّقة والمقاهي الثقافية وبسطات الكتب، وصولاً إلى معالم تاريخية كالمسجد الحسيني والمدرج الروماني وجبل القلعة.
تراجع هذا النشاط الأردني المحبّب اليوم لصالح "المولات" الضخمة ودور السينما الحديثة والحدائق وأماكن الترفيه غير التقليدية. وكان وسط البلد في عمّان على الدوام مركزاً اقتصادياً وتجارياً حتى نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، حيث كان أكثر الأماكن اكتظاظاً في البلاد، نظراً إلى تنوع المجال التجاري فيه.
فثمة سوق البخارية الذي يعتبر أقدم سوق في الأردن، بني في العام 1942 على يد تجار جاؤوا إلى الأردن من مدينة بخاري وسمّي السوق نسبة إليهم. أما الأسواق الأخرى في وسط البلد فتحكي عنها أسماؤها ومنها سوق الخضار، وسوق الطيور، وسوق العطارين، وسوق الصاغة، وسوق الحبوب وغيرها.اندبندنت