إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

قراءة في مظالم العرب وهمومهم عبر "المنشورات الهاشمية الشريفة


 

  

  عمان جو -

تركز دراسة معمقة لأستاذ التاريخ في جامعة اليرموك الدكتور احمد الجوارنة حول "المنشورات الهاشمية الشريفة" على قراءة مظالم العرب وهمومهم وطموحهم إبان الثورة العربية الكبرى، مستندا الى دراسة ثلاثة اعداد من جريدة القبلة التي كانت لسان حال الثورة وبمثابة خطابها النهضوي وأدبياتها.
ووفق الجوارنة، فقد صدر عن الشريف الحسين بن علي أربعة مناشير جميعها تدعو الى نهضة الأمة العربية من خلال تحقيق استقلالها من هيمنة "الاتحاديين" الذين سيطروا على الدولة التركية الحديثة وأسقطوا الخليفة العثماني السلطان عبدالحميد سنة 1908، اضافة الى نزعتهم الطورانية التي تحمل مشروعا عنصريا خالصا يدعو الى كراهية العرب ومحاربتهم ومحاربة دينهم ولغتهم وتاريخهم.
ويضيف، ان المنشور الهاشمي الشريف الأول، صدر من قلعة أجياد في مكة المكرمة في 25 شعبان 1334هـ الموافق 26 حزيران 1916م، ولم ينشر هذا المنشور في "جريدة القبلة" لأنها لم تكن قد صدرت بعد، حيث صدرت في 15 شوال 1334هـ.
ويلاحظ الجوارنة في المنشور ان الشريف الحسين بن علي وقف من خلاله على حقيقة راسخة تمثلت بتأييده المطلق للخليفة العثماني، ومساندته للخلافة العثمانية كمظلة يستظل بها المسلمون، ويقتبس من اقواله "كل من له إلمام بالتاريخ يعلم أن أمراء مكة المكرمة هم أول من اعترف بالدولة العليّة من حكام المسلمين وأمرائهم رغبة منهم في جمع كلمة المسلمين وإحكاماً لعرى جامعتهم، لتمسك سلاطينها من (آل عثمان) العظام طاب ثراهم وجعل دار الخلد مثواهم، بعروة الايمان بكتاب الله وسنة رسوله صلوات الله وسلامه عليه، ولبناء أحكام دولتهم على الشريعة الغراء، ولنفس تلك الغاية السامية الرفيعة، ما زال الأمراء المشار اليهم، يحافظون عليها،... الى ان نشأت في الدولة جمعية الاتحاد، وتوصلت للقبض على ادارتها وجميع شؤونها بقوة الثورة، فحادوا بها عن صراط الدين، ومنهج الشرع القويم ومهدوا السبل للمروق منه واحتقار أئمته، وسلبوا شوكة السلطان المعظم ما له من حق التصرف الشرعي والقانوني أيضاً، وجعلوه هو ومجلس الأمة ومجلس الوكلاء منفذين للقرارات السرية لجمعيتهم الثورية، وأسرفوا في أموال الدولة وحملوها الديون الفاحشة التي لا يخفى أمر خطرها ووخامة عاقبتها على أحد. وأضاعوا عدة ممالك كبيرة من مملكتها، ومزقوا شمل الأمة العثمانية بمحاولة جعل شعوبها كلها تركية بالقوة القاهرة، فأوقعوا بينها وبين العنصر الذي أرادوا تسويده عليها وإدغامها فيه العداوة والبغضاء، وخصوا العرب ولغتهم بالاضطهاد".
ويعلق الجوارنة على المنشور انه تناول قضية توريط الاتحاديين للأمة الإسلامية بحرب كونية لا قبل لها بها، حيث القوا بالدولة ومصيرها الى التهلكة، اضافة الى انهم تعرضوا لحرمة الرسول الكريم وحرمة مدينته التي سعوا الى خرابها بمنع المساعدات المستحقة لها، كما انهم ابطلوا الالتزام بالصلاة في جميع معسكرات الدولة، وجعلوها اختيارية غير واجبة، وشرعوا في إبطال أحكام الشريعة المنصوصة في القرآن الكريم.
ويوضح ان اقوال الشريف تشير الى ان الاتحاديين نشروا مؤلفات وكتبا تحارب الإسلام والمسلمين وتسيء الى نبيهم وصحابتهم الكرام، ومن هذه الكتب "قوم جديد"، ومجلة "اجتهاد" التي شوهت سيرة النبي المصطفى صلوات الله عليه وسلامه، كما سعوا الى إرهاق الدولة بالقروض الفاحشة والتبذير المفرط ما اوقع الدولة العثمانية في مأزق اقتصادي خطير بات يهدد اركان الدولة.
كما سعوا الى إثارة الأحقاد العرقية والجنسية التي مزقت شمل الأمة العثمانية أيما ممزق، واضاعوا عدة ممالك من ممالك الدولة العثمانية، كمملكة البوسنة والهرسك، ومملكة مكدونيا، والممالك الألبانية، وطرابلس الغرب وبرقة، وامعنوا في اضطهاد واحتقار لغة العرب، حيث حاولوا قتل اللغة العربية في جميع الولايات العثمانية بإبطالها من المدارس والدواوين والمحاكم.
اما المنشور الهاشمي الشريف الثاني، فصدر عن الشريف الحسين بن علي ونشر في "جريدة القبلة" الحجازية في 21 ذي القعدة 1334هـ الموافق 20 ايلول 1916م، العدد 11 وخاطب فيه عموم العرب والمسلمين.
ويؤكد الشريف الحسين في منشوره ان دخول الدولة العثمانية التي تترأسها "جمعية الاتحاد والترقي"، أدخلت الأمة في ورطة سياسية واقتصادية مدمرة، وستكون عواقبها وخيمة وضارة ضررا بعيد المدى، وهنا يؤكد الشريف الحسين بن علي انه "من المعلوم ان عقلاء المسلمين وذوي البصيرة من ساكني الممالك العثمانية وسائر اقطار الدنيا، غير راضين عن دخول الدولة العثمانية في الحرب الحاضرة ولأسباب جوهرية اجمعوا عليها: منها ان الدولة العثمانية قريبة عهد الخروج من الحرب الايطالية اولاً والحرب البلقانية ثانيا، وقد اصاب جيوشها وخزائنها وكل مرافقها وعامة تشكلاتها من الضعف والضياع والفناء ما لا يخفى تأثيره على ثروة الدولة خاصة، وثروة المملكة واهلها عامة، حتى كان الجندي لا يكاد يصل الى قريته او الى مكان عمله ليحصل على ما يسد به رمقه ورمق اولاده وسائر اهل بيته- الا ويكون قد دعي الى التجنيد مرة ثانية، وهكذا شأن الصانع والحمال والمحتطب، فالأمة التي اصيب افرادها بمثل هذه الكوارث لا ترى حاجة الى بيان مصيرها ومصير دولتها اذا دفعت بنفسها في هوة حرب جديدة لا تشبه غيرها من الحروب، لا سيما وان واردات الدولة هي من الضرائب المفروضة على مساعي هؤلاء الافراد منكودي الحظ بين تجارية وصناعية وزراعية. 
ووفق دراسة الجوارنة فإن "المنشور الهاشمي الشريف" الثالث، صدر عن الشريف الحسين بن علي، ونُشر في "جريدة القبلة" في 4 صفر الخير 1335هـ، العدد "31" وفيه يظهر إدراك الشريف لعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه تجاه أمته العربية والإسلامية، لا سيما ما وقع عليه من ظلم وجبروت من قبل الحكومة "الاتحادية " التي سامت العرب تحديدا سوء العذاب، وأوصلتهم الى مدارج الضياع والهلاك، ومع ذلك، كان الشريف ناصحا أمينا للحكومة الاتحادية التي كانت تحكم الآستانة، وتسيطر على مقاليد الأمور في عموم الدولة العثمانية.
وتتوقف الدراسة هنا عند المشاعر الفياضة التي تحدث بها الشريف حينما بذل جهودا كبيرة في تقديم النصح لأولئك الحكام الجدد ليغيروا من سياستهم العنصرية والقمعية تجاه أمة العرب، فيقول: "بذلنا ما في الوسع لدفع الأذى عن هذه الديار بالطريقة المتقدمة، ولم نأل جهدا في تخفيف ظلمهم عن المسلمين واهل ذمتهم في كل أنحاء المملكة، وحملهم على اجتناب كل ما ينكره الناس عليهم، وإقناعهم بخطر أعمالهم، وما ستؤول اليه من ضياع البلاد وهلاك العباد، وكنا نُخلص النُصح لرجالهم في الآستانة بكتابات محفوظة لدينا صورها وأعدادها وتواريخها، لا سيما في السنين الأخيرة، ومن المتيسر لكل انسان ان يطلع عليها، وكذلك كنا ننصح لولاتهم هنا بطريق المشافهة والمخاطبة، وأوفدنا بعض اولادنا الى الآستانة والشام لهذا الغرض، ولكنهم لم تزدهم دعوتنا الا ظلما وطغيانا، وبغيا وعدوانا. ومما زاد مسؤوليتنا بين يدي الله، ثم أمام واجب الوطنية والقومية، ما وقع فيه قومي وابناء جلدتي من الشدة التي لا تحتمل، حتى أمست بلادنا بسبب أولئك الأغرار الجاهلين منقطعة عن كل أقطار الدنيا، وأن قلب المؤمن لا يرضى في حال من الأحوال رؤية جيران بيت الله الحرام يموتون من الجوع والعري على قوارع الطريق، وذلك مما هو معلوم لدى الخاص والعام والبدوي والحضري، ولا ريب أن أهل بلادنا لم ينسوا تلك الحالة المؤلمة والهلكة التي لمستها الأيدي وعاينتها الأبصار".
اما المنشور الرابع فصدر عن الشريف في يوم الأحد 10 جمادى الأولى 1335هـ ، ونشر في "جريدة القبلة" الحجازية يوم الاثنين 11 جمادى الأولى 1335هـ ، العدد "58" ، ويتحدث عن تحقيق المناشير السابقة وغايتها التي سعى الى تحقيقها الشريف الحسين بن علي، وذلك من خلال نشر الوعي في شأن النهضة العربية بين صفوف العرب والمسلمين.
وينوه المنشور الى وقاحة التورانيين بقول الشريف، "فمن يتأمل وقاحة التورانية المغرورة يوم خلعهم للسلطان عبدالحميد، من نهب داره وحلي ازواجه وبناته، حتى أخرجوا الخرصان من آذانهن بالصورة التي يعلمها كل فرد من ساكني الآستانة، وسلبهم كل ما في تلك الدار التي لا بد لهم ان يعترفوا بأنها حسب دعواهم دار خليفة، ويُفترض على المسلمين احترام دور خلفائهم". 




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :