سلك الأردنيون عصور الأسلاف وجاءوا بفرائد الأشعار وتراث العرب
عمان جو- محمد هليل الرويلي
يا عرب .. يا عرب، تعالوا شاهدوا ما أشاهد في الأردن، تعالوا اسمعوا ما أسمع في حضرة الأردنيين؟ أي المجد إلا ما اعتلاه هؤلاء المخلصين لموروثهم وتراث العرب «المادي وغير المادي»، لكل ما فيه من قيمة نفيسة منقولة أو مخلوفة استحالت ردحًا من الأحقاب تبرًا ملموعًا أخمص الحضارات أرتال نفيسية ماجدة.
من قال إن الريح العاتية بصرصرتها لا يمكن الوقوف في وجهها إذ لا مناص من سطوة اقتلاعها حتى للكلام المحفوظ في الذاكرة فكيف لها تبقي من بطون المخطوطات للتاريخ باقية. ومن قال إن العصور الغالسة والدهور الغاربة طمرتها وما زال بيننا أردنيون يعلِّمُون الدنيا مناط الحروف ورباط اللغة!
أي كُنّا نظن أن ريحًا هبّت طوال السنين والأعقاب المتعاقبة من القرون غدت بمخطوطات ومطولات دواوين العرب، وكنا نظن أن عماد الأجداد وعُدّت المشاعر خَبَاها الزمن فتاهت قصائد الشعراء وأن رصائعهم معلقة في (ذاكرة منسية)، تجور بذي اللبانة ذا الهمة، هيهات هيهات، على الضفة الأخرى ما زال أردنيون تكفلوها ونذروا أن يتعلوها ويعلوا بها لمصافحة الجدي والفرقد.
قالوا قولتهم وجالوا جولتهم وصالوا صولة يمتد عُمرها بالعناية لأكثر من نصف قرن، إذ كان ديوان قيس بن الخطيم الذي أخرجه ناصر الدين الأسد سنة (1382هـ -1962م)، أوَّل جهد أُردني خالص بُذل في هذا الاتجاه، ثم توالت عناياتهم بجمع الشعر وتحقيقه في العقود اللاحقة إلى راهن وقتنا، حتى أربت الدواوين والمجاميع والشروح الشعرية المحققة على مئتي عمل، إذ يشمل هذا العدّ ما نشره المحققون الأُردنيون داخل الأُردن وخارجه.
أوتعلمون يا عرب أن الأردنيين الذين أحدثكم في رحلة رقيمي اليوم عنهم، استعادوا فجر التاريخ وسلكوا فجاج العصر الجاهلي هم الحاضرون المحضرون والمجددون للثقافة استطاعوا تحقيق ديوان امرئ القيس، ولبيد بن ربيعة، وعامر بن الطفيل، والمسيب بن عَلَس، وقيس بن الخطيم، ومن العصر الأُموي طالعونا ثبتاً طويلاً يضم شعراء كالفرزدق وجرير وكثير عزة والصمة بن عبدالله وزياد الأعجم وغيرهم. ومن العصر العباسي نطالع جُهوداً أوسع في جمع شعر ابن ميادة، والخليل بن أحمد الفراهيدي، وربيعة الرقي، والعكوَّك، وعوف بن مُحلم الخزاعي، وأبي الفرج الببغاء، والصنوبري، وابن طباطا العلوي، وابن سنان الخفاجي، وغيرهم. إضافة لما ضمه الثبت الأُردني من أسماء شعراء آخرين من شعراء الدول والإمارات المتعاقبة، وشعراء الأندلس والمغرب. وفضلاً عن هذا الجانب المهم، صنع الأُردنيون دواوين لعدد من الظواهر، أو الموضوعات التي استهوتهم، ومن ذلك العناية بإقامة شعر بعض القبائل العربية التي ضاعت دواوينها، فيما ضاع من خرائد الشعر العربي. فهل أحسنت حين ناديت يا عرب! كل هذا فعلوه بشعور الباحثين لشديد انتمائهم إلى الموروث الحضاريّ العربي الإسلاميّ وهي ورب العباد مكمن العناية الأردنية ببعث التراث الأدبيّ، وتقديمه للجيل المعاصر تقديماً أميناً.
المشهد الثقافي في الأردنّ
أوضح أستاذ الآداب في الجامعة الأردنية الدكتور «صلاح جرار» في مستهل تناوله للمشهد الثقافي في الأردن أن كثيرًا من الكتّاب والمفكّرين يُرجعون ما تمرُّ به الأمّة العربيّة من تفكّك وضعف إلى وجود أزمة ثقافيّة ذات أبعاد متنوّعة تتصل بالخطاب ومناهج التفكير ومنظومات القيم والمفاهيم والمعتقدات وسواها، ويرون أن الخيط الأوّل من فجر التغلّب على هذه الأوضاع الخطيرة يبدأ بالثقافة، ولكنها وإن بدت سلسة لينة إلاّ أنّ مركبها وعر لشدّة تشابكاتها ومبلغ تعقيداتها ومماطلتها في منح النتائج المرجوّة. وتجمع الأوساط الثقافيّة في الأردنّ على أنّه لا مفرّ أمام الأمّة من اعتلاء هذا المركب لوقف نزيف الروح والعقل والدم أوّلا ومعالجة آثار الحالة الراهنة ثانياً ثمّ استئناف النشاط النهضوي في مختلف المجالات ثالثاً.
وقال: الذي يرصد المشهد الثقافي في الساحة الأردنيّة يتبين له بشكل جليّ أنّه مشهد متطوّرٌ على الدوام وأنّه يواكب ما تمرّ به الأمّة من أزمات وتطلعات، وأن أوجاع الأمّة وأحلامها من محيطها إلى خليجها لم تغب عنه لحظة واحدة، ذلك أن الثقافة في الأردنّ هي ثقافة عربيّة قوميّة أصيلة حسّاسة لكلّ ما تتعرّض له أي بقعة من بقاع الوطن العربيّ من أحزان أو أفراح.
إذ شهد الأردنّ نشاطاً ثقافيّاً ملموساً في المدّة ما بين إعلان عمّان عاصمة للثقافة العربيّة سنة 2002 وإعلانها عاصمة للثقافة الإسلاميّة في العام الحالي 2017، وما بين الإعلانين تبنّت وزارة الثقافة اختيار مدينة من المدن الأردنيّة سنويّاً لتكون مدينة الثقافة، حيث توجّه الأنظار إلى مقوّمات العمل الثقافيّ في تلك المدينة أو المحافظة ويعدّ برنامجًا ثقافيًّا حافلاً بالأنشطة التي تغطّي العام كلّه بدعم، وإن كان محدوداً، من وزارة الثقافة.
المثقف الأردني لا تعوقه المحدوديات
وممّا يميّز النشاط الثقافي في المملكة أنّه متواصلٌ ومتصاعدٌ رغم قلّة الموارد، فالمثقف أيّا كان ميدان إبداعه لا تعوقه محدودية ميزانية وزارة الثقافة عن الاستمرار في إبداعه شعراً كان أو رواية أو مسرحاً أو فكراً أو غير ذلك. كما أنّ النشر الإلكتروني فتح أبواباً واسعة للمبدع كي يوصل إبداعاته إلى كلّ مكان دون أن يكلّفه ذلك شيئاً يذكر، يضاف إلى ذلك أنّ وزارة الثقافة لم تعد هي المؤسسة الوحيدة التي تدعم العمل الثقافيّ وترعاه، بل هنالك العشرات من المؤسّسات الثقافيّة والمجتمعيّة والهيئات الثقافيّة والمؤسسات التعليميّة التي تسهم في تنشيط العمل الثقافيّ في الأردنّ.
وأضاف: لا ينكر ما لوزارة الثقافة من دور أساسيّ في رعاية الثقافة والفنون في المملكة رغم الشكوى الدائمة من محدودية ميزانياتها، وهذه الشكوى تمثّل في العادة طموح القطاع الثقافيّ وتطلّعه إلى مزيد من الفعل الثقافيّ الخلاق، وهو تطلُّعٌ مشروع لوطن يزخر بمئات الشعراء والروائيين والكتّاب والمسرحيّين والفنّانين والمؤلّفين وسواهم.
وقد نجحت وزارة الثقافة في الاستمرار في تنفيذ برامجها الثقافيّة المرسومة من دعم للنشر والمهرجانات السنويّة وإقامة المعارض وإصدار المجلات ومنح الجوائز وتكريم المبدعين ودعم الهيئات الثقافيّة، ومن أهمّ مشاريعها في مجال دعم النشر وتشجيعه مشروع مكتبة الأسرة، كذلك تبنّي نشر الأعمال الإبداعيّة والفكريّة المتميّزة للكتّاب والمؤلّفين الأردنيّين، إمّا من خلال الدعم الكامل أو الدعم الجزئي لهذه الأعمال.
كما تصدر مجموعة من المجلات الثقافيّة والفنيّة أهمّها مجلّة أفكار، وهي مجلة ثقافيّة شهريّة، تجاوز عمرها خمسين عاماً، ولعلّها من أكثر المجلات الثقافيّة الأردنيّة استقراراً ومحافظة على رسالتها وتطوّرها، وهي مفتوحة للأقلام الأردنيّة والعربيّة على السواء.
كذلك تنظم الوزارة مهرجانات سنويّة مسرحيّة وفنيّة تشارك فيها فرقٌ عربيّة وعالميّة، بعضها للشباب وبعضها للمحترفين وبعضها للأطفال، بالإضافة إلى مشاركتها الفاعلة في مهرجان جرش السنويّ. إضافة لمشروع جوائز الدولة التقديرية والتشجيعيّة، وتمنح فيه جوائز رفيعة ومبالغ مالية لشخصيات أردنيّة متميّزة في مجالات تحدّد سنويّاً ولكنها في إطار العمل الثقافيّ والفكري.
وتابع: كما تسهم في دعم نحو ستمائة هيئة ثقافيّة تمارس أنشطتها الثقافيّة في مختلف محافظات المملكة وفي مجالات مختلفة، ومن أشهر هذه الهيئات ذات النشاط الثقافيّ الملموس: رابطة الكتّاب الأردنيّين، واتحاد الكتّاب الأردنيّين، واتحاد الناشرين الأردنيّين، وجمعية النقاد الأردنيّين، وجمعية المكتبات الأردنيّة، ورابطة الأدب الإسلاميّ، ونقابة الفنانين الأردنيّين، وجمعية المصوّرين الأردنيّين، ورابطة الفنانين التشكيليّين، وجمعية الخطّ الأردنيّة، إضافة إلى عدد كبير من فرق الفنون الشعبيّة، والمراكز الثقافيّة الشاملة مثل المركز الثقافيّ الملكي في عمّان، ومركز الملك عبدالله الثاني بن الحسين في الزرقاء، ومركز الأميرة سلمى في الزرقاء، والمركز الثقافي في معان، وبيت عرار في إربد، وتشهد هذه المراكز نشاطات ثقافيّة مختلفة طوال العام.
وإلى جانب الدوائر المختلفة التابعة للوزارة التي تعنى بثقافة الطفل ونشر التراث الشعبيّ والتدريب على الفنون المختلفة، فإنّه يوجد في المملكة عددٌ كبير من المراكز والمنتديات والمؤسّسات الثقافيّة التي تعنى بالمشهد الثقافيّ بفعالياتها المختلفة، مثل: الجامعات الأردنيّة، ومؤسّسة عبدالحميد شومان، ومنتدى الفكر العربيّ، ومنتدى الرواد الكبار، ومركز هيا الثقافيّ، ومركز زها الثقافيّ، والمعهد الملكي للدراسات الدينية، والمعهد الدبلوماسي، والنادي الدبلوماسي، وجمعية الشؤون الدوليّة، وأمانة عمّان الكبرى، وبيت الشعر في المفرق، ومجمع النقابات المهنية، ونقابة الصحفيين، ومراكز الدراسات المختلفة، والصالونات الأدبيّة الخاصّة.
وغالبيّة هذه المراكز والمنتديات والصالونات تشهد نشاطات أسبوعيّة، بحيث لا يكاد يمرّ يومٌ إلاّ ويشهد نشاطاً ثقافيّاً أو أدبيّاً أو فكريّاً أو أكثر.
وزاد: ومع كثرة هذه المؤسّسات والمراكز يكثر النشر الثقافيّ، إذ تخصّص الصحف اليوميّة ملاحق للأخبار الثقافيّة يوميّاً وملاحق للمساهمات الإبداعيّة والثقافيّة أسبوعيّاً. كما تصدر معظم الجامعات الأردنيّة مجلات ثقافيّة، وكذلك تفعل بعض الهيئات الثقافيّة والمنتديات.
وممّا ينبغي الإشارة إليه معرض عمّان الدوليّ للكتاب الذي يقام مرّة كلّ سنتين في عمّان وتشارك فيه دور نشر عربيّة وعالمية.
ويشهد سوق الكتاب في الأردنّ نشاطاً كبيراً لكثرة دور النشر. ولا ننسى دور المكتبات العامّة المشهورة في إغناء الواقع الثقافيّ وتشجيعه مثل المكتبة الوطنيّة في عمّان، ومكتبة أمانة عمّان، ومكتبة عبدالحميد شومان، ومكتبة مجمع اللغة العربيّة الأردنيّ، ومكتبات الجامعات الأردنيّة، وأكثرها غنى مكتبة الجامعة الأردنيّة، ومكتبات البلديات.
هذه بعض الملامح الرئيسية للمشهد الثقافيّ في الأردنّ، غير أنّ التفاصيل تحمل الكثير من جوانب هذه المشهد
الجهود التراثية في المأثورات
وسلط الباحث «نايف النوايسة» الضوء على الجهود التراثية المادية منها وغير المادية «المأثورات الشعبية»، مبينًا أنها قامت في بداية الأمر بجهود ومبادرات فردية وقال: اشتمل مسار الحركة الثقافية في الأردن على موضوعة مهمة في الفعل الثقافي ألا وهي توجيه الأنظار إلى تراثنا الثقافي في الأردن سواء المادي منه أو غير المادي،وهو ما تعارف عليه البعض بالتراث الشعبي أو الفنون الشعبية أو المأثورات الشعبية، وتجلت الجهود الراصدة للتراث بمبادرات فردية في بداية الأمر قام بها عدد من الباحثين في شؤون التراث من أمثال فايز الغول وروكس بن زايد العزيزي وغيرهما توافقًا مع ما يجري في وطننا العربي والعالم في هذا المجال، وبعد اشتغل على التراث باحثون نابهون مثل هاني العمد وطه الهباهبة ونايف النوايسة وعبدالله رشيد ومصطفى الخشمان ومحمد الغوانمة وعمر الساريسي وأحمد شريف الزعبي وعيسى الجراجرة ومحمد أبو حسان وحكمت النوايسة ونايف أبو عبيد وعبدالله المنزلاوي.
إذ لم تكن هناك مؤسسة حكومية راعية للشؤون الثقافية حتى منتصف الستينيات حينما تأسست دائرة للثقافة والفنون التابعة لوزارة الإعلام، فأخذت هذه الدائرة على عاتقها توجيه مسار الحركة الثقافية في الأردن على مستوى التأليف والنشاطات الثقافية والمسرح والفنون التشكيلية والفرق الفنية ورصد التراث الشعبي وحصره وتقييده وإجراء المسوحات الفلكلورية له في كل أنحاء الأردن ثم تطور الأمر لتأسيس متحف للحياة الشعبية ضم الكثير من مقتنيات التراث المادي والكتب ذات العلاقة بالتراث والمجلات الخاصة بالفنون الشعبية وأشرطة الكاسيت التي سُجّل عليها جهود الباحثين في المسوحات التراثية، ثم انضوت هذه الدائرة داخل هيكل وزارة الثقافة التي تشكلت سنة 1977م، وما زالت هذه الأشرطة التي نيفت على الألف شريط موجودة حتى الآن منذ منتصف السبعينيات، كما تُشكل مجلة الفنون الشعبية التي ما زالت تصدر منذ ذلك الحين وعاء معرفياً للتراث.
وأضاف: في مطلع عام 2005 دُعيتُ إلى مؤتمرٍ لخبراء التراث في القاهرة لأُمثل وزارة الثقافة، كانت الغاية من هذا المؤتمر معرفة جهود كل دولة عربية في خدمة تراثها الشعبي، قدمت في هذا المؤتمر ورقة بحثية بينتُ فيها الجهود الأردنية في مجال التراث، واتفقنا جميعاً في المؤتمر على أن نحمل لوزارات الثقافة في بلداننا تجربة مهمة قامت بها بعض الدول في هذا المجال وهي تجربة مكانز التراث، وقد اطلعتُ على التجربة المصرية التي قام بها منفرداً الصديق الدكتور مصطفى جاد بإصداره مكنز التراث الشعبي في مصر واعتمد فيه على رصد رؤوس الموضوعات وما يتصل بها من عناوين فردية دون شرح، وكذلك على التجربة المغربية من خلال مكنز التراث الشعبي الذي أصدرته الدكتورة السعدية عزيزي وحذتْ فيه حذو الدكتور جاد.
المكنز الأردني
حينما عدتُ إلى الأردن نقلت نتائج المؤتمر وتوصياته إلى وزير الثقافة، وأكدت أهمية إصدار مكنز للتراث الأردني فوافق الوزير مرحباً بذلك، وتشكلت لجنة عليا لهذه الغاية تضم كبار الباحثين في التراث الأردني برئاسة الدكتور هاني العمد وأمضينا فترة طويلة في التجهيز لهذا العمل الذي حمل عنوان (المكنز الوطني للتراث الأردني) وبقي عملنا يراوح مكانه إلى أن استقر رأينا على ألا يكون المكنز في منهجه قائماً على رؤوس الموضوعات فقط طالما أن البحث فيه يتعلق بالمفردات الخاصة بالتراث الثقافي غير المادي، فتم الاتفاق على شرح كل مفردة شرحاً مشبعاً بما لا يزيد عن سطرين.
وحددنا الموضوعات التراثية التي سنبحث فيها وفق ما هو معروف في اليونسكو والمنظمة العربية للثقافة والعلوم والتربية وهي (المعتقدات، العادات والتقاليد، الأدب الشعبي، فنون الأداء، والمعارف والحرف والصناعات التقليدية).
كما اتفقنا على أن نستعين بباحثين من أساتذة وباحثين في الجامعات الأردنية ومؤسسات المجتمع الأردني والهيئات الثقافية والمثقفين المهتمين بالتراث للوصول إلى المادة التراثي على النحو الذي تم الاتفاق عليه.
وتفريغ الكتب التراثية التي رصدت كل أبواب التراث الشعبي في الأردن والمجلات الثقافية وكتب الأدب وبخاصة بعض الروايات التي ضمنها كُتّابُها الكثير من مفردات التراث على شكل تناصات محكمة فنياً، واتصلت اللجنة العليا بكل هؤلاء في الفترة الواقعة ما بين 2008 حتى نهاية 2017، واستطاعت جمع أكثر من 75 ألف مفردة مشروحة حسب المنهج الذي أشرت إليه دون أن تطغى على هذه المفردات مصادر غير موثوق بها كالإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، بمعنى أن هذه المواد خضعت للتحكيم الدقيق قبل أن تدخل في قاعدة بيانات كبيرة للمكنز وستكون هذه القاعدة متاحة لكل الباحثين في الوطن العربي قي القريب العاجل من خلال الموقع الإلكتروني لوزارة الثقافة.
وفي السنوات الأخيرة تأسست في الوزارة مديرية للتراث التي أخذت على عاتقها إدارة شؤون الجهود التراثية بما في ذلك المكنز الوطني.
وتابع النوايسة: كذلك للإذاعة الأردنية والتلفزيون الأردني إسهام كبير في توثيق التراث الشعبي الأردني، إذ قام عدد من الباحثين في الإذاعة بجمع الأغاني الشعبية من أرياف الأردن وبواديه ثم تلحينها وغناؤها، مع مراعاة أن لا يُفقد اللحن الجديد أصالة الأغنية التراثية، فبرز عدد من المطربين الشعبيين الذين عُرفوا على مستوى الوطن العربي أمثال توفيق النمري وسميرة توفيق وسلوى وعبده موسى؛ فضلاً عن البرامج التراثية والمضافات الشعبية التي حملت على عاتقها إبراز العادات والتقاليد والآداب الشعبية الأردنية.
وتنبه التلفزيون الأردني إلى القيمة التراثية في الدراما البدوية والريفية التي كشفتْ عن مخزون تراثي كبير في الذاكرة الجَمَعية الأردنية، كما عُرفت الكثير من قيم المجتمع الأردني وعاداته وطباعه ولهجاته وشخصيته الوطنية وأصالته من خلال هذه الدراما التي تسلسلت تحت العديد من العناوين وطافت معظم بلادنا العربية.
ولا بد من الإشارة إلى المهرجانات والفرق الشعبية مثل مهرجان الأزرق ومهرجان الفحيص ومهرجان شبيب، أما الفرق الشعبية التي عُرفت برقصاتها الشعبية وعلى رأسه (السامر) وملابسها التراثية فأبرزها فرقتا معان والرمثا.
حركة إحياء الموروث الشعريّ العربيّ في الأُردن
وحول الموروث الشعري وحركة إحياء هذا الموروث الشعري العربي في الأردن الذي حظى بعناية فائقة من لدن المُشتغلين بتحقيق التراث في الأُردن قال نائب رئيس جامعة آل البيت الدكتور «محمد محمود الدروبي»: يبدو واضحاً أن عُمر هذه العناية يمتد أكثر من نصف قرن، إذ كان ديوان قيس بن الخطيم الذي أخرجه ناصر الدين الأسد سنة (1382هـ - 1962م)، أوَّل جهد أُردني خالص بُذل في هذا الاتجاه.
وتوالت العناية الأُردنية بجمع الشعر وتحقيقه في العقود اللاحقة إلى راهن وقتنا، حتى أربت الدواوين والمجاميع والشروح الشعرية المحققة على مئتي عمل، ويشمل هذا العدّ ما نشره المحققون الأُردنيون داخل الأُردن وخارجه.
ويبدو واضحاً أن تلك العناية انصبت أكثر ما يكون على الجمع وصناعة الدواوين، مع عنايةٍ واضحة بنشر الأُصول الخطية، إذ من المعروف أن منهج الجمع والتحقيق هو خير سبيل يُنتهج في ضوء فقدان المخطوطات الأصيلة، أو عدم العثور عليها.
وأضاف: لقد انصبت العناية الأُردنية على جمع شعر الأفراد، أو تحقيق دواوينهم المخطوطة، على مدار الأعصر الأدبية، على تفاوت في نصيب كل عصر منها، فمن العصر الجاهلي نطالع جهوداً أُردنية في تحقيق ديوان امرئ القيس، ولبيد بن ربيعة، وعامر بن الطفيل، والمسيب بن عَلَس، وقيس بن الخطيم، وغيرها.
في العصر الأموي والعباسي
ومن العصر الأُموي نطالع ثبتاً طويلاً يضم شعراء عدة كالفرزدق وجرير وكثير عزة والصمة بن عبدالله وزياد الأعجم، وغيرهم. ومن العصر العباسي نطالع جُهوداً أوسع في جمع شعر ابن ميادة، والخليل بن أحمد الفراهيدي، وربيعة الرقي، والعكوَّك، وعوف بن مُحلم الخزاعي، وأبي الفرج الببغاء، والصنوبري، وابن طباطا العلوي، وابن سنان الخفاجي، وغيرهم. وضمَّ الثبت الأُردني أسماء شعراء آخرين من شعراء الدول والإمارات المتعاقبة، وشعراء الأندلس والمغرب، مما لا ينفسح المجال لذكره.
وفضلاً عن هذا الجانب المهم، صنع الأُردنيون دواوين لعدد من الظواهر، أو الموضوعات التي استهوتهم، ومن ذلك العناية بإقامة شعر بعض القبائل العربية التي ضاعت دواوينها، فيما ضاع من خرائد الشعر العربي، وقد أثمر هذا الاتجاه عن جمع الباقيات عن أشعار عدد من القبائل مثل: تميم، وطيئ، وعبد القيس، وضبة، وقيس بن ثعلبة، وغني، وغطفان، وغيرها، مما أخذ طريقه إلى النشر، أو بقي على شكل رسائل جامعية لم تمسسها يدُ النشر بعد.
ويتصل بهذا اللون لون آخر يقوم على جمع شعر ما بقي مُتناثراً من شعر بعض الأُسر الشاعرة، ولا سيّما في العصرين الأُموي والعباسيّ، كما هي الحال في جمع عبدالقادر الرباعيّ «شعر آل أبي أُميَّة»، و»شعر آل أبي عُينية». ويمكن أن ينضاف إلى ذلك لون يستدل على جمع شعر الفرق الإسلامية، ويمثل هذا الاتجاه اهتمام إحسان عباس بجمع «شعر الخوارج» غير مرَّة.
وثمة لون يتناغم مع هذه الألوان!! إذ وجد بعض الدَّارسين أنفسهم مدفوعين إلى جمع الشعر المتعلق ببعض الموضوعات التي كانت مناط عنايتهم، كما في جمع عفيف عبدالرحمن شعر أيام العرب، وجمع عبدالجليل عبدالمُهدي شعر المدينة المقدسة، وجمع صلاح جرار الأشعار المتناثرة في رُدهات قصر الحمراء وجنة العريف في مدينة غرناطة.
وتابع: كما اهتمُّ بعض المحققين بنشر قصائد وأراجيز مفردة بعينها، كما في تحقيق يوسف بكار قصيدة الناشئ الأكبر في مدح الرَّسول محمد صلى الله عليه وسلَّم، وما نشره حنا حدَّاد وعلي البواب ومحمود أبو الخير وياسين عايش من قصائد وأراجيز مشهورة قائمة بذاتها.
وفي قبالة ذلك توفر محققون أُردنيون على تحقيق طائفة نفيسة من شروح دواوين الشعر العربي، ولعل ديواناً لم يحظ بالعناية كما حظي ديوانا: امرئ القيس والمتنبي، بوصفهما أشعر شعراء العربية، فقد نُشر من شروح ديوان امرئ القيس بسواعد أُردنية: شرح السكري، وشرح ابن النحاس، وشرح الخضري، وشرح ابن كيسان للمعلقة، ونشروا من شروح ديوان المتنبي شرح الأفليليّ والصقليّ. كما أسدى المحققون الأُردنيون جهوداً في إخراج عددٍ لا بأس من الاختيارات الشعرية على مدار الأعصر، مثل كتاب «التشبيهات من أشعار الأندلس» للكتاني، وكتاب «المختار من شعر شعراء الأندلس» لابن الصيرفي، وكتاب «المنتخب والمختار من النوادر والأشعار» لابن منظور، و»جمهرة الإسلام ذات النثر والنظام» للشيزري، وغيرها. ولعل من الجدير الإشارة إلى عمل مهم أُنجز في هذا السبيل، وهو كتاب «الدُّر الفريد وبيت القصيد» لابن أيدمر، الذي نشر في أزيد من ألفي صفحة بتحقيق عفيف عبدالرحمن، بوصفه كتاباً موسوعاً فريداً عُني بالأبيات المفردة المشهورة من الشعر العربي، مرتبة على نسق حروف المعجم.
أسماء المحققين
وقد ظهرت في السَّاحة أسماء عشرات الأُردنيين ممن عُنوا بجمع الشعر العربي الموروث وتحقيقه، ولا بأس أن يعرف القارئ أسماء ثُلة منهم، من مثل: إحسان عباس، وناصرالدين الأسد، ويوسف بكار، وعبدالجليل عبدالمهدي، وحنا حدَّاد، وعبدالحميد المعيني، وعفيف عبدالرحمن، ونصرت عبدالرحمن، وحسين عطوان، ومحمد حوَّر، وعبدالقادر الرباعي، وأنور أبو سويلم، وسعود عبدالجابر، وعبدالرزاق حسين، وصلاح جرَّار، ورشدي حسن، ومحمد الشوابكة، ومصطفى عليان، ومحمود أبو الخير، وشريف علاونة، وخالد جبر، وعمر الفجاوي، ومحمد العبسي، وغيرهم.
وفي الختام أكد د. محمد الدروبي أن بواعث عدَّة أفضت إلى تدفق حركة إحياء التراث العربي في الأُردن عامة، والموروث الشعري خاصة، ومن أهم هذه البواعث: إنشاء الجامعات الأُردنية – الرسمية والخاصة – التي أخذ أساتذتها على عاتقهم إنجاز هذه المهمة العلمية الشريفة، فضلاً عن الرسائل الجامعية التي أراها الباحثون حوله، ومن ذلك ظهور المجلات العلميَّة المحكمة التي فتحت منافذ لنشر التراث المُحقق، ولا سيّما «مجلة مجمع اللغة العربية الأردني»، و»المجلة الأُردنية في اللغة العربية وآدابها».
ومن ذلك ظهور دور النشر وحوانيت الوراقة التي أوجدت منافذ لنشر التراث المحقق «دار البشير، ودار عمار، ومكتبة المنار، وغيرها».
مشيرًا إلى أن شعور الباحثين الأُردنيين بشديد انتمائهم إلى الموروث الحضاريّ العربي الإسلاميّ هو مكمن العناية الأردنية ببعث التراث الأدبيّ، وتقديمه للجيل المعاصر تقديماً أميناً.
عمان جو- محمد هليل الرويلي
يا عرب .. يا عرب، تعالوا شاهدوا ما أشاهد في الأردن، تعالوا اسمعوا ما أسمع في حضرة الأردنيين؟ أي المجد إلا ما اعتلاه هؤلاء المخلصين لموروثهم وتراث العرب «المادي وغير المادي»، لكل ما فيه من قيمة نفيسة منقولة أو مخلوفة استحالت ردحًا من الأحقاب تبرًا ملموعًا أخمص الحضارات أرتال نفيسية ماجدة.
من قال إن الريح العاتية بصرصرتها لا يمكن الوقوف في وجهها إذ لا مناص من سطوة اقتلاعها حتى للكلام المحفوظ في الذاكرة فكيف لها تبقي من بطون المخطوطات للتاريخ باقية. ومن قال إن العصور الغالسة والدهور الغاربة طمرتها وما زال بيننا أردنيون يعلِّمُون الدنيا مناط الحروف ورباط اللغة!
أي كُنّا نظن أن ريحًا هبّت طوال السنين والأعقاب المتعاقبة من القرون غدت بمخطوطات ومطولات دواوين العرب، وكنا نظن أن عماد الأجداد وعُدّت المشاعر خَبَاها الزمن فتاهت قصائد الشعراء وأن رصائعهم معلقة في (ذاكرة منسية)، تجور بذي اللبانة ذا الهمة، هيهات هيهات، على الضفة الأخرى ما زال أردنيون تكفلوها ونذروا أن يتعلوها ويعلوا بها لمصافحة الجدي والفرقد.
قالوا قولتهم وجالوا جولتهم وصالوا صولة يمتد عُمرها بالعناية لأكثر من نصف قرن، إذ كان ديوان قيس بن الخطيم الذي أخرجه ناصر الدين الأسد سنة (1382هـ -1962م)، أوَّل جهد أُردني خالص بُذل في هذا الاتجاه، ثم توالت عناياتهم بجمع الشعر وتحقيقه في العقود اللاحقة إلى راهن وقتنا، حتى أربت الدواوين والمجاميع والشروح الشعرية المحققة على مئتي عمل، إذ يشمل هذا العدّ ما نشره المحققون الأُردنيون داخل الأُردن وخارجه.
أوتعلمون يا عرب أن الأردنيين الذين أحدثكم في رحلة رقيمي اليوم عنهم، استعادوا فجر التاريخ وسلكوا فجاج العصر الجاهلي هم الحاضرون المحضرون والمجددون للثقافة استطاعوا تحقيق ديوان امرئ القيس، ولبيد بن ربيعة، وعامر بن الطفيل، والمسيب بن عَلَس، وقيس بن الخطيم، ومن العصر الأُموي طالعونا ثبتاً طويلاً يضم شعراء كالفرزدق وجرير وكثير عزة والصمة بن عبدالله وزياد الأعجم وغيرهم. ومن العصر العباسي نطالع جُهوداً أوسع في جمع شعر ابن ميادة، والخليل بن أحمد الفراهيدي، وربيعة الرقي، والعكوَّك، وعوف بن مُحلم الخزاعي، وأبي الفرج الببغاء، والصنوبري، وابن طباطا العلوي، وابن سنان الخفاجي، وغيرهم. إضافة لما ضمه الثبت الأُردني من أسماء شعراء آخرين من شعراء الدول والإمارات المتعاقبة، وشعراء الأندلس والمغرب. وفضلاً عن هذا الجانب المهم، صنع الأُردنيون دواوين لعدد من الظواهر، أو الموضوعات التي استهوتهم، ومن ذلك العناية بإقامة شعر بعض القبائل العربية التي ضاعت دواوينها، فيما ضاع من خرائد الشعر العربي. فهل أحسنت حين ناديت يا عرب! كل هذا فعلوه بشعور الباحثين لشديد انتمائهم إلى الموروث الحضاريّ العربي الإسلاميّ وهي ورب العباد مكمن العناية الأردنية ببعث التراث الأدبيّ، وتقديمه للجيل المعاصر تقديماً أميناً.
المشهد الثقافي في الأردنّ
أوضح أستاذ الآداب في الجامعة الأردنية الدكتور «صلاح جرار» في مستهل تناوله للمشهد الثقافي في الأردن أن كثيرًا من الكتّاب والمفكّرين يُرجعون ما تمرُّ به الأمّة العربيّة من تفكّك وضعف إلى وجود أزمة ثقافيّة ذات أبعاد متنوّعة تتصل بالخطاب ومناهج التفكير ومنظومات القيم والمفاهيم والمعتقدات وسواها، ويرون أن الخيط الأوّل من فجر التغلّب على هذه الأوضاع الخطيرة يبدأ بالثقافة، ولكنها وإن بدت سلسة لينة إلاّ أنّ مركبها وعر لشدّة تشابكاتها ومبلغ تعقيداتها ومماطلتها في منح النتائج المرجوّة. وتجمع الأوساط الثقافيّة في الأردنّ على أنّه لا مفرّ أمام الأمّة من اعتلاء هذا المركب لوقف نزيف الروح والعقل والدم أوّلا ومعالجة آثار الحالة الراهنة ثانياً ثمّ استئناف النشاط النهضوي في مختلف المجالات ثالثاً.
وقال: الذي يرصد المشهد الثقافي في الساحة الأردنيّة يتبين له بشكل جليّ أنّه مشهد متطوّرٌ على الدوام وأنّه يواكب ما تمرّ به الأمّة من أزمات وتطلعات، وأن أوجاع الأمّة وأحلامها من محيطها إلى خليجها لم تغب عنه لحظة واحدة، ذلك أن الثقافة في الأردنّ هي ثقافة عربيّة قوميّة أصيلة حسّاسة لكلّ ما تتعرّض له أي بقعة من بقاع الوطن العربيّ من أحزان أو أفراح.
إذ شهد الأردنّ نشاطاً ثقافيّاً ملموساً في المدّة ما بين إعلان عمّان عاصمة للثقافة العربيّة سنة 2002 وإعلانها عاصمة للثقافة الإسلاميّة في العام الحالي 2017، وما بين الإعلانين تبنّت وزارة الثقافة اختيار مدينة من المدن الأردنيّة سنويّاً لتكون مدينة الثقافة، حيث توجّه الأنظار إلى مقوّمات العمل الثقافيّ في تلك المدينة أو المحافظة ويعدّ برنامجًا ثقافيًّا حافلاً بالأنشطة التي تغطّي العام كلّه بدعم، وإن كان محدوداً، من وزارة الثقافة.
المثقف الأردني لا تعوقه المحدوديات
وممّا يميّز النشاط الثقافي في المملكة أنّه متواصلٌ ومتصاعدٌ رغم قلّة الموارد، فالمثقف أيّا كان ميدان إبداعه لا تعوقه محدودية ميزانية وزارة الثقافة عن الاستمرار في إبداعه شعراً كان أو رواية أو مسرحاً أو فكراً أو غير ذلك. كما أنّ النشر الإلكتروني فتح أبواباً واسعة للمبدع كي يوصل إبداعاته إلى كلّ مكان دون أن يكلّفه ذلك شيئاً يذكر، يضاف إلى ذلك أنّ وزارة الثقافة لم تعد هي المؤسسة الوحيدة التي تدعم العمل الثقافيّ وترعاه، بل هنالك العشرات من المؤسّسات الثقافيّة والمجتمعيّة والهيئات الثقافيّة والمؤسسات التعليميّة التي تسهم في تنشيط العمل الثقافيّ في الأردنّ.
وأضاف: لا ينكر ما لوزارة الثقافة من دور أساسيّ في رعاية الثقافة والفنون في المملكة رغم الشكوى الدائمة من محدودية ميزانياتها، وهذه الشكوى تمثّل في العادة طموح القطاع الثقافيّ وتطلّعه إلى مزيد من الفعل الثقافيّ الخلاق، وهو تطلُّعٌ مشروع لوطن يزخر بمئات الشعراء والروائيين والكتّاب والمسرحيّين والفنّانين والمؤلّفين وسواهم.
وقد نجحت وزارة الثقافة في الاستمرار في تنفيذ برامجها الثقافيّة المرسومة من دعم للنشر والمهرجانات السنويّة وإقامة المعارض وإصدار المجلات ومنح الجوائز وتكريم المبدعين ودعم الهيئات الثقافيّة، ومن أهمّ مشاريعها في مجال دعم النشر وتشجيعه مشروع مكتبة الأسرة، كذلك تبنّي نشر الأعمال الإبداعيّة والفكريّة المتميّزة للكتّاب والمؤلّفين الأردنيّين، إمّا من خلال الدعم الكامل أو الدعم الجزئي لهذه الأعمال.
كما تصدر مجموعة من المجلات الثقافيّة والفنيّة أهمّها مجلّة أفكار، وهي مجلة ثقافيّة شهريّة، تجاوز عمرها خمسين عاماً، ولعلّها من أكثر المجلات الثقافيّة الأردنيّة استقراراً ومحافظة على رسالتها وتطوّرها، وهي مفتوحة للأقلام الأردنيّة والعربيّة على السواء.
كذلك تنظم الوزارة مهرجانات سنويّة مسرحيّة وفنيّة تشارك فيها فرقٌ عربيّة وعالميّة، بعضها للشباب وبعضها للمحترفين وبعضها للأطفال، بالإضافة إلى مشاركتها الفاعلة في مهرجان جرش السنويّ. إضافة لمشروع جوائز الدولة التقديرية والتشجيعيّة، وتمنح فيه جوائز رفيعة ومبالغ مالية لشخصيات أردنيّة متميّزة في مجالات تحدّد سنويّاً ولكنها في إطار العمل الثقافيّ والفكري.
وتابع: كما تسهم في دعم نحو ستمائة هيئة ثقافيّة تمارس أنشطتها الثقافيّة في مختلف محافظات المملكة وفي مجالات مختلفة، ومن أشهر هذه الهيئات ذات النشاط الثقافيّ الملموس: رابطة الكتّاب الأردنيّين، واتحاد الكتّاب الأردنيّين، واتحاد الناشرين الأردنيّين، وجمعية النقاد الأردنيّين، وجمعية المكتبات الأردنيّة، ورابطة الأدب الإسلاميّ، ونقابة الفنانين الأردنيّين، وجمعية المصوّرين الأردنيّين، ورابطة الفنانين التشكيليّين، وجمعية الخطّ الأردنيّة، إضافة إلى عدد كبير من فرق الفنون الشعبيّة، والمراكز الثقافيّة الشاملة مثل المركز الثقافيّ الملكي في عمّان، ومركز الملك عبدالله الثاني بن الحسين في الزرقاء، ومركز الأميرة سلمى في الزرقاء، والمركز الثقافي في معان، وبيت عرار في إربد، وتشهد هذه المراكز نشاطات ثقافيّة مختلفة طوال العام.
وإلى جانب الدوائر المختلفة التابعة للوزارة التي تعنى بثقافة الطفل ونشر التراث الشعبيّ والتدريب على الفنون المختلفة، فإنّه يوجد في المملكة عددٌ كبير من المراكز والمنتديات والمؤسّسات الثقافيّة التي تعنى بالمشهد الثقافيّ بفعالياتها المختلفة، مثل: الجامعات الأردنيّة، ومؤسّسة عبدالحميد شومان، ومنتدى الفكر العربيّ، ومنتدى الرواد الكبار، ومركز هيا الثقافيّ، ومركز زها الثقافيّ، والمعهد الملكي للدراسات الدينية، والمعهد الدبلوماسي، والنادي الدبلوماسي، وجمعية الشؤون الدوليّة، وأمانة عمّان الكبرى، وبيت الشعر في المفرق، ومجمع النقابات المهنية، ونقابة الصحفيين، ومراكز الدراسات المختلفة، والصالونات الأدبيّة الخاصّة.
وغالبيّة هذه المراكز والمنتديات والصالونات تشهد نشاطات أسبوعيّة، بحيث لا يكاد يمرّ يومٌ إلاّ ويشهد نشاطاً ثقافيّاً أو أدبيّاً أو فكريّاً أو أكثر.
وزاد: ومع كثرة هذه المؤسّسات والمراكز يكثر النشر الثقافيّ، إذ تخصّص الصحف اليوميّة ملاحق للأخبار الثقافيّة يوميّاً وملاحق للمساهمات الإبداعيّة والثقافيّة أسبوعيّاً. كما تصدر معظم الجامعات الأردنيّة مجلات ثقافيّة، وكذلك تفعل بعض الهيئات الثقافيّة والمنتديات.
وممّا ينبغي الإشارة إليه معرض عمّان الدوليّ للكتاب الذي يقام مرّة كلّ سنتين في عمّان وتشارك فيه دور نشر عربيّة وعالمية.
ويشهد سوق الكتاب في الأردنّ نشاطاً كبيراً لكثرة دور النشر. ولا ننسى دور المكتبات العامّة المشهورة في إغناء الواقع الثقافيّ وتشجيعه مثل المكتبة الوطنيّة في عمّان، ومكتبة أمانة عمّان، ومكتبة عبدالحميد شومان، ومكتبة مجمع اللغة العربيّة الأردنيّ، ومكتبات الجامعات الأردنيّة، وأكثرها غنى مكتبة الجامعة الأردنيّة، ومكتبات البلديات.
هذه بعض الملامح الرئيسية للمشهد الثقافيّ في الأردنّ، غير أنّ التفاصيل تحمل الكثير من جوانب هذه المشهد
الجهود التراثية في المأثورات
وسلط الباحث «نايف النوايسة» الضوء على الجهود التراثية المادية منها وغير المادية «المأثورات الشعبية»، مبينًا أنها قامت في بداية الأمر بجهود ومبادرات فردية وقال: اشتمل مسار الحركة الثقافية في الأردن على موضوعة مهمة في الفعل الثقافي ألا وهي توجيه الأنظار إلى تراثنا الثقافي في الأردن سواء المادي منه أو غير المادي،وهو ما تعارف عليه البعض بالتراث الشعبي أو الفنون الشعبية أو المأثورات الشعبية، وتجلت الجهود الراصدة للتراث بمبادرات فردية في بداية الأمر قام بها عدد من الباحثين في شؤون التراث من أمثال فايز الغول وروكس بن زايد العزيزي وغيرهما توافقًا مع ما يجري في وطننا العربي والعالم في هذا المجال، وبعد اشتغل على التراث باحثون نابهون مثل هاني العمد وطه الهباهبة ونايف النوايسة وعبدالله رشيد ومصطفى الخشمان ومحمد الغوانمة وعمر الساريسي وأحمد شريف الزعبي وعيسى الجراجرة ومحمد أبو حسان وحكمت النوايسة ونايف أبو عبيد وعبدالله المنزلاوي.
إذ لم تكن هناك مؤسسة حكومية راعية للشؤون الثقافية حتى منتصف الستينيات حينما تأسست دائرة للثقافة والفنون التابعة لوزارة الإعلام، فأخذت هذه الدائرة على عاتقها توجيه مسار الحركة الثقافية في الأردن على مستوى التأليف والنشاطات الثقافية والمسرح والفنون التشكيلية والفرق الفنية ورصد التراث الشعبي وحصره وتقييده وإجراء المسوحات الفلكلورية له في كل أنحاء الأردن ثم تطور الأمر لتأسيس متحف للحياة الشعبية ضم الكثير من مقتنيات التراث المادي والكتب ذات العلاقة بالتراث والمجلات الخاصة بالفنون الشعبية وأشرطة الكاسيت التي سُجّل عليها جهود الباحثين في المسوحات التراثية، ثم انضوت هذه الدائرة داخل هيكل وزارة الثقافة التي تشكلت سنة 1977م، وما زالت هذه الأشرطة التي نيفت على الألف شريط موجودة حتى الآن منذ منتصف السبعينيات، كما تُشكل مجلة الفنون الشعبية التي ما زالت تصدر منذ ذلك الحين وعاء معرفياً للتراث.
وأضاف: في مطلع عام 2005 دُعيتُ إلى مؤتمرٍ لخبراء التراث في القاهرة لأُمثل وزارة الثقافة، كانت الغاية من هذا المؤتمر معرفة جهود كل دولة عربية في خدمة تراثها الشعبي، قدمت في هذا المؤتمر ورقة بحثية بينتُ فيها الجهود الأردنية في مجال التراث، واتفقنا جميعاً في المؤتمر على أن نحمل لوزارات الثقافة في بلداننا تجربة مهمة قامت بها بعض الدول في هذا المجال وهي تجربة مكانز التراث، وقد اطلعتُ على التجربة المصرية التي قام بها منفرداً الصديق الدكتور مصطفى جاد بإصداره مكنز التراث الشعبي في مصر واعتمد فيه على رصد رؤوس الموضوعات وما يتصل بها من عناوين فردية دون شرح، وكذلك على التجربة المغربية من خلال مكنز التراث الشعبي الذي أصدرته الدكتورة السعدية عزيزي وحذتْ فيه حذو الدكتور جاد.
المكنز الأردني
حينما عدتُ إلى الأردن نقلت نتائج المؤتمر وتوصياته إلى وزير الثقافة، وأكدت أهمية إصدار مكنز للتراث الأردني فوافق الوزير مرحباً بذلك، وتشكلت لجنة عليا لهذه الغاية تضم كبار الباحثين في التراث الأردني برئاسة الدكتور هاني العمد وأمضينا فترة طويلة في التجهيز لهذا العمل الذي حمل عنوان (المكنز الوطني للتراث الأردني) وبقي عملنا يراوح مكانه إلى أن استقر رأينا على ألا يكون المكنز في منهجه قائماً على رؤوس الموضوعات فقط طالما أن البحث فيه يتعلق بالمفردات الخاصة بالتراث الثقافي غير المادي، فتم الاتفاق على شرح كل مفردة شرحاً مشبعاً بما لا يزيد عن سطرين.
وحددنا الموضوعات التراثية التي سنبحث فيها وفق ما هو معروف في اليونسكو والمنظمة العربية للثقافة والعلوم والتربية وهي (المعتقدات، العادات والتقاليد، الأدب الشعبي، فنون الأداء، والمعارف والحرف والصناعات التقليدية).
كما اتفقنا على أن نستعين بباحثين من أساتذة وباحثين في الجامعات الأردنية ومؤسسات المجتمع الأردني والهيئات الثقافية والمثقفين المهتمين بالتراث للوصول إلى المادة التراثي على النحو الذي تم الاتفاق عليه.
وتفريغ الكتب التراثية التي رصدت كل أبواب التراث الشعبي في الأردن والمجلات الثقافية وكتب الأدب وبخاصة بعض الروايات التي ضمنها كُتّابُها الكثير من مفردات التراث على شكل تناصات محكمة فنياً، واتصلت اللجنة العليا بكل هؤلاء في الفترة الواقعة ما بين 2008 حتى نهاية 2017، واستطاعت جمع أكثر من 75 ألف مفردة مشروحة حسب المنهج الذي أشرت إليه دون أن تطغى على هذه المفردات مصادر غير موثوق بها كالإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، بمعنى أن هذه المواد خضعت للتحكيم الدقيق قبل أن تدخل في قاعدة بيانات كبيرة للمكنز وستكون هذه القاعدة متاحة لكل الباحثين في الوطن العربي قي القريب العاجل من خلال الموقع الإلكتروني لوزارة الثقافة.
وفي السنوات الأخيرة تأسست في الوزارة مديرية للتراث التي أخذت على عاتقها إدارة شؤون الجهود التراثية بما في ذلك المكنز الوطني.
وتابع النوايسة: كذلك للإذاعة الأردنية والتلفزيون الأردني إسهام كبير في توثيق التراث الشعبي الأردني، إذ قام عدد من الباحثين في الإذاعة بجمع الأغاني الشعبية من أرياف الأردن وبواديه ثم تلحينها وغناؤها، مع مراعاة أن لا يُفقد اللحن الجديد أصالة الأغنية التراثية، فبرز عدد من المطربين الشعبيين الذين عُرفوا على مستوى الوطن العربي أمثال توفيق النمري وسميرة توفيق وسلوى وعبده موسى؛ فضلاً عن البرامج التراثية والمضافات الشعبية التي حملت على عاتقها إبراز العادات والتقاليد والآداب الشعبية الأردنية.
وتنبه التلفزيون الأردني إلى القيمة التراثية في الدراما البدوية والريفية التي كشفتْ عن مخزون تراثي كبير في الذاكرة الجَمَعية الأردنية، كما عُرفت الكثير من قيم المجتمع الأردني وعاداته وطباعه ولهجاته وشخصيته الوطنية وأصالته من خلال هذه الدراما التي تسلسلت تحت العديد من العناوين وطافت معظم بلادنا العربية.
ولا بد من الإشارة إلى المهرجانات والفرق الشعبية مثل مهرجان الأزرق ومهرجان الفحيص ومهرجان شبيب، أما الفرق الشعبية التي عُرفت برقصاتها الشعبية وعلى رأسه (السامر) وملابسها التراثية فأبرزها فرقتا معان والرمثا.
حركة إحياء الموروث الشعريّ العربيّ في الأُردن
وحول الموروث الشعري وحركة إحياء هذا الموروث الشعري العربي في الأردن الذي حظى بعناية فائقة من لدن المُشتغلين بتحقيق التراث في الأُردن قال نائب رئيس جامعة آل البيت الدكتور «محمد محمود الدروبي»: يبدو واضحاً أن عُمر هذه العناية يمتد أكثر من نصف قرن، إذ كان ديوان قيس بن الخطيم الذي أخرجه ناصر الدين الأسد سنة (1382هـ - 1962م)، أوَّل جهد أُردني خالص بُذل في هذا الاتجاه.
وتوالت العناية الأُردنية بجمع الشعر وتحقيقه في العقود اللاحقة إلى راهن وقتنا، حتى أربت الدواوين والمجاميع والشروح الشعرية المحققة على مئتي عمل، ويشمل هذا العدّ ما نشره المحققون الأُردنيون داخل الأُردن وخارجه.
ويبدو واضحاً أن تلك العناية انصبت أكثر ما يكون على الجمع وصناعة الدواوين، مع عنايةٍ واضحة بنشر الأُصول الخطية، إذ من المعروف أن منهج الجمع والتحقيق هو خير سبيل يُنتهج في ضوء فقدان المخطوطات الأصيلة، أو عدم العثور عليها.
وأضاف: لقد انصبت العناية الأُردنية على جمع شعر الأفراد، أو تحقيق دواوينهم المخطوطة، على مدار الأعصر الأدبية، على تفاوت في نصيب كل عصر منها، فمن العصر الجاهلي نطالع جهوداً أُردنية في تحقيق ديوان امرئ القيس، ولبيد بن ربيعة، وعامر بن الطفيل، والمسيب بن عَلَس، وقيس بن الخطيم، وغيرها.
في العصر الأموي والعباسي
ومن العصر الأُموي نطالع ثبتاً طويلاً يضم شعراء عدة كالفرزدق وجرير وكثير عزة والصمة بن عبدالله وزياد الأعجم، وغيرهم. ومن العصر العباسي نطالع جُهوداً أوسع في جمع شعر ابن ميادة، والخليل بن أحمد الفراهيدي، وربيعة الرقي، والعكوَّك، وعوف بن مُحلم الخزاعي، وأبي الفرج الببغاء، والصنوبري، وابن طباطا العلوي، وابن سنان الخفاجي، وغيرهم. وضمَّ الثبت الأُردني أسماء شعراء آخرين من شعراء الدول والإمارات المتعاقبة، وشعراء الأندلس والمغرب، مما لا ينفسح المجال لذكره.
وفضلاً عن هذا الجانب المهم، صنع الأُردنيون دواوين لعدد من الظواهر، أو الموضوعات التي استهوتهم، ومن ذلك العناية بإقامة شعر بعض القبائل العربية التي ضاعت دواوينها، فيما ضاع من خرائد الشعر العربي، وقد أثمر هذا الاتجاه عن جمع الباقيات عن أشعار عدد من القبائل مثل: تميم، وطيئ، وعبد القيس، وضبة، وقيس بن ثعلبة، وغني، وغطفان، وغيرها، مما أخذ طريقه إلى النشر، أو بقي على شكل رسائل جامعية لم تمسسها يدُ النشر بعد.
ويتصل بهذا اللون لون آخر يقوم على جمع شعر ما بقي مُتناثراً من شعر بعض الأُسر الشاعرة، ولا سيّما في العصرين الأُموي والعباسيّ، كما هي الحال في جمع عبدالقادر الرباعيّ «شعر آل أبي أُميَّة»، و»شعر آل أبي عُينية». ويمكن أن ينضاف إلى ذلك لون يستدل على جمع شعر الفرق الإسلامية، ويمثل هذا الاتجاه اهتمام إحسان عباس بجمع «شعر الخوارج» غير مرَّة.
وثمة لون يتناغم مع هذه الألوان!! إذ وجد بعض الدَّارسين أنفسهم مدفوعين إلى جمع الشعر المتعلق ببعض الموضوعات التي كانت مناط عنايتهم، كما في جمع عفيف عبدالرحمن شعر أيام العرب، وجمع عبدالجليل عبدالمُهدي شعر المدينة المقدسة، وجمع صلاح جرار الأشعار المتناثرة في رُدهات قصر الحمراء وجنة العريف في مدينة غرناطة.
وتابع: كما اهتمُّ بعض المحققين بنشر قصائد وأراجيز مفردة بعينها، كما في تحقيق يوسف بكار قصيدة الناشئ الأكبر في مدح الرَّسول محمد صلى الله عليه وسلَّم، وما نشره حنا حدَّاد وعلي البواب ومحمود أبو الخير وياسين عايش من قصائد وأراجيز مشهورة قائمة بذاتها.
وفي قبالة ذلك توفر محققون أُردنيون على تحقيق طائفة نفيسة من شروح دواوين الشعر العربي، ولعل ديواناً لم يحظ بالعناية كما حظي ديوانا: امرئ القيس والمتنبي، بوصفهما أشعر شعراء العربية، فقد نُشر من شروح ديوان امرئ القيس بسواعد أُردنية: شرح السكري، وشرح ابن النحاس، وشرح الخضري، وشرح ابن كيسان للمعلقة، ونشروا من شروح ديوان المتنبي شرح الأفليليّ والصقليّ. كما أسدى المحققون الأُردنيون جهوداً في إخراج عددٍ لا بأس من الاختيارات الشعرية على مدار الأعصر، مثل كتاب «التشبيهات من أشعار الأندلس» للكتاني، وكتاب «المختار من شعر شعراء الأندلس» لابن الصيرفي، وكتاب «المنتخب والمختار من النوادر والأشعار» لابن منظور، و»جمهرة الإسلام ذات النثر والنظام» للشيزري، وغيرها. ولعل من الجدير الإشارة إلى عمل مهم أُنجز في هذا السبيل، وهو كتاب «الدُّر الفريد وبيت القصيد» لابن أيدمر، الذي نشر في أزيد من ألفي صفحة بتحقيق عفيف عبدالرحمن، بوصفه كتاباً موسوعاً فريداً عُني بالأبيات المفردة المشهورة من الشعر العربي، مرتبة على نسق حروف المعجم.
أسماء المحققين
وقد ظهرت في السَّاحة أسماء عشرات الأُردنيين ممن عُنوا بجمع الشعر العربي الموروث وتحقيقه، ولا بأس أن يعرف القارئ أسماء ثُلة منهم، من مثل: إحسان عباس، وناصرالدين الأسد، ويوسف بكار، وعبدالجليل عبدالمهدي، وحنا حدَّاد، وعبدالحميد المعيني، وعفيف عبدالرحمن، ونصرت عبدالرحمن، وحسين عطوان، ومحمد حوَّر، وعبدالقادر الرباعي، وأنور أبو سويلم، وسعود عبدالجابر، وعبدالرزاق حسين، وصلاح جرَّار، ورشدي حسن، ومحمد الشوابكة، ومصطفى عليان، ومحمود أبو الخير، وشريف علاونة، وخالد جبر، وعمر الفجاوي، ومحمد العبسي، وغيرهم.
وفي الختام أكد د. محمد الدروبي أن بواعث عدَّة أفضت إلى تدفق حركة إحياء التراث العربي في الأُردن عامة، والموروث الشعري خاصة، ومن أهم هذه البواعث: إنشاء الجامعات الأُردنية – الرسمية والخاصة – التي أخذ أساتذتها على عاتقهم إنجاز هذه المهمة العلمية الشريفة، فضلاً عن الرسائل الجامعية التي أراها الباحثون حوله، ومن ذلك ظهور المجلات العلميَّة المحكمة التي فتحت منافذ لنشر التراث المُحقق، ولا سيّما «مجلة مجمع اللغة العربية الأردني»، و»المجلة الأُردنية في اللغة العربية وآدابها».
ومن ذلك ظهور دور النشر وحوانيت الوراقة التي أوجدت منافذ لنشر التراث المحقق «دار البشير، ودار عمار، ومكتبة المنار، وغيرها».
مشيرًا إلى أن شعور الباحثين الأُردنيين بشديد انتمائهم إلى الموروث الحضاريّ العربي الإسلاميّ هو مكمن العناية الأردنية ببعث التراث الأدبيّ، وتقديمه للجيل المعاصر تقديماً أميناً.