فصل السياسة عن الاقتصاد في الأردن إلى متى؟
الملك قوي في مكّة والرزاز بالكوفية الفلسطينية في المخيمات ومنطوق واضح لأولويات عمّان في القضية الفلسطينية
ماذا عن أولوياتها في ليبيا واليمن وإيران وسوريا؟
وإزاحة للمشاكل الاقتصادية نحو الحكومة وسياساتها
عمان جو – فرح مرقه:
تتموضع المملكة الأردنية بصورة أكثر وضوحاً في المشهد العربي والإسلامي بعد قمتي مكة اللتين شاركت بهما عمان، فتوضح أولولياتها الخارجية بدلاً من ذهابها مجاملةً للرياض فقط واتخاذ المواقف التي تناسب السعودية، وهذا بحد ذاته يمكنه ان يعكس بأن أولويات عمان الخارجية قد تكون واضحة، رغم الشعور الذي لا يزال سائداً حول ضبابية الأولويات الداخلية.
ملك الأردن عبد الله الثاني عكس عملياً في الرياض موقفاً واضحاً بما يتعلق بأولويات بلاده التي يتصدرها اليوم ملف القدس والإصرار على حل الدولتين، ورغم انه لم يشر الى رفض مؤتمر المنامة علناً إلا انه بالتركيز على الحل السياسي أوحى به، وهذا بطبيعة الحال يظهر الأردن بالمظهر القوي إلى جانب الإقرار الإسلامي مجددا بالوصاية الهاشمية في البيان الختامي وتثمينها، وهو ما تريده عمان ومن مكّة تحديداً.
عاهل الأردن وللعام الثاني على التوالي يذهب لمكة بقوّة ويعكس مواقف متقدمة في سياق أولويات عمان، فبعد ان كان مؤتمر مكة العام الماضي هدفه مساعدة عمان في أزمتها الاقتصادية بعد انتهاء موجة احتجاجات شعبية عارمة بتولي رئيس الوزراء الحالي الدكتور عمر الرزاز دفّة قيادة الحكومة، ها هو الملك يذهب اليوم بعد سلسلة تغييرات امنية وإدارية في المشهد المحلي، وبعدما ظهر اقرب لشارع بلاده منه في السابق.
في العام الماضي، ذهب الملك لمؤتمر مكة قويّاً بعدما تغلّب على معضلة داخلية دون أي احتماء بالحلفاء الذين كانوا يراقبون بلاده وهي تغلي بالاعتصامات والاحتجاجات، أما هذا العام فهو يذهب ليس فقط بعد سلسلة إجراءات داخلية، وانما ايضاً بعد استقبال مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر على طريقة غير المرحب بهم، وبالتالي يفترض ان العاصمة الأردنية تتماهى في منطوق أولوياتها مع افعالها في هذا السياق.
منطوق أولويات عمان في سياق السياسة الخارجية يبدو واضحاً وموضّحاً في سياق القضية الفلسطينية تحديداً، فالعاصمة الأردنية ترفض ان تكون جزءا من تطبيع اقتصادي عربي شامل رغم انها جزء من تطبيع ثنائي لا يمكن انكاره او مداراته، وترفض أي تغيير على وضع القدس والمقدسات فيها، كما لا تريد ولا تحب ولا تحتمل أي تغيير بملف اللاجئين، وهذا ما عززه مشهد الرزاز بالتوازي مع تواجد الملك في مكة وهو يرعى حفل المخيمات الفلسطينية في ذكرى الاستقلال الأردني ويضع على عنقه “الكوفية الفلسطينية” والعلم الفلسطيني.
ورغم ان عمان قامت بسلسلة إجراءات تسهّل على الفلسطينيين المقيمين على الأراضي الأردنية التملك والتنقل، الا ان الرزاز اصر على التأكيد على تماهي حكومته واجراءاتها مع لاءات عاهل البلاد الثلاث عن القدس والتوطين والوطن البديل، بهذا المعنى تبدو عمان وكأنها تنسّق مواقفها الداخلية مع الخارجية بصورة كبيرة، الامر الذي يراه البعض إيجابيا تماما، بينما لا يزال يثير مخاوف اخرين على اعتبار انه قد يمهّد لحلٍّ فعلي على حساب عمّان.
في سياقٍ غير القضية الفلسطينية والإرهاب لا تريد عمان ان توضح أكثر في السياسة الخارجية، وتُفضّل ان تبقى أولوياتها غير منطوقة ولا مذكورة بأكثر من ان تنعم دول الخليج بالأمان وأن “امنها من امن الأردن”، وفي الجملة المذكورة تضمّن عمان فقط قطر التي تبتعد عنها الرياض راعية القمم المختلفة، كما ان الأردن بطبيعة الحال وخلال القمتين العربية والإسلامية بعدم ذكره ايران لا سلبا ولا إيجابا يعيد التذكير بتصريح ورد على لسان ملك البلاد شخصيا قبيل مؤتمر وارسو الذي هيئته واشنطن لمعاداة ايران، حينها اعتبر الملك ان “محاربة ايران ليست أولوية اردنية”.
بهذا المعنى فالاولويات الأردنية الخارجية تبدو أوضح حين يتعلق الامر بالمنطوق وفي سياق القضية الفلسطينية تحديدا، الا ان أولويات عمان في سياقات كثيرة لا تبدو معلنة ولا واضحة (والوياتها في ليبيا واليمن وإيران وسوريا أمثلة على ذلك) وهذا ما يضع الكثير من العقبات في طريق اقامتها لاي تحالفات في العالمين العربي والإسلامي.
الأهم، ان تحديد الأولويات الخارجية بالنسبة للأردنيين قد يكون كافيا اذا ما اقتصر على مواقف واضحة تجاه القضية الفلسطينية بالإضافة لفك عمان الحصار الذي تفرضه على نفسها في التعامل مع سوريا تحديدا بعد تقدم ملحوظ في العلاقات مع العراق واشكالات في العلاقات مع الرياض، الا انهم يصرّون على إيجاد أولويات داخلية اكثر وضوحاً، وهو الامر الذي يبدو اليوم ان الشارع ليس وحيدا في التذمر منه.
فلا بد من التنبه لتقرير مهم نشرته وكالة الانباء الأردنية يمكن اعتباره مجسّاً على ان مراكز قوى اردنية ليست راضية عن طريقة الحكومة في إدارة عدد من الملفات الداخلية واهمها الاقتصادية، اذ أصدرت الوكالة الرسمية- بترا- تقريرا تحدثت فيه عن فشل السياسات التحفيزية للقوة الشرائية التي اقرتها حكومة الرزاز لهذا العام وتطرقت الى ركود الأسواق.
وان كان ما تحدثت به الوكالة تحت عنوان “ملابس العيد وصراع الاولويات.. ركود غير مسبوق في الاسواق ومواطنون يحددون اولوياتهم” قبل يومين فقط لا يحتاج الكثير من المعرفة بأحوال السوق الأردنية للتأكد بأنه يعكس واقعاً حقيقياً الا ان صدور التقرير من الوكالة الرسمية يدعو لبعض التساؤلات حول رغبة مرجعية في فصل الداخلي عن الخارجي وتحميل الحكومة لمسؤولياتها داخليا وحصر الأزمة الاقتصادية بها في الوقت الذي يتزامن فيه عيد الفطر مع سنوية الحراك الأردني.
بكل الأحوال، تماهي القيادة الحقيقي مع الشارع في سياق مؤتمر المنامة وإظهار ذلك في مؤتمرات مكة، على أهميته، لا يريح وحده الشارع الأردني المتذمر من ضعف وبطء المحاسبة في ملفات الفساد- التي يرى الشارع انها لا تنحصر بملفات الدخان والتبغ- وزيادة أعباء الحياة نتيجة الرسوم والضرائب، وعمل الحكومة بالمقابل على إقرار بعض السياسات مع اخفائها لارقام إحصائية مرجعية دقيقة لخط الفقر لن تسمح بقياس مدى دقة إنجازاتها ومدى نجاعتها.
والاهم، ان خبراء كثر يرون صعوبة نجاح المحاولات في فصل الاقتصاد عن السياسة ضمن محاولة لفصل النظام والقصر عن الشقّ الاقتصادي المرهق للداخل الأردني، طالما الحكومة هي “حكومة الملك” يعيّنها هو ويختارها، وهو المصطلح الذي ذكّر به صراحة وبوضوح احد اقدم واخبر الشخصيات الأردنية في الشأن الداخلي الجنرال علي شكري في حوار له مع صحيفة “عمون” الأردنية الالكترونية قبل أيام.راي اليوم
الملك قوي في مكّة والرزاز بالكوفية الفلسطينية في المخيمات ومنطوق واضح لأولويات عمّان في القضية الفلسطينية
ماذا عن أولوياتها في ليبيا واليمن وإيران وسوريا؟
وإزاحة للمشاكل الاقتصادية نحو الحكومة وسياساتها
عمان جو – فرح مرقه:
تتموضع المملكة الأردنية بصورة أكثر وضوحاً في المشهد العربي والإسلامي بعد قمتي مكة اللتين شاركت بهما عمان، فتوضح أولولياتها الخارجية بدلاً من ذهابها مجاملةً للرياض فقط واتخاذ المواقف التي تناسب السعودية، وهذا بحد ذاته يمكنه ان يعكس بأن أولويات عمان الخارجية قد تكون واضحة، رغم الشعور الذي لا يزال سائداً حول ضبابية الأولويات الداخلية.
ملك الأردن عبد الله الثاني عكس عملياً في الرياض موقفاً واضحاً بما يتعلق بأولويات بلاده التي يتصدرها اليوم ملف القدس والإصرار على حل الدولتين، ورغم انه لم يشر الى رفض مؤتمر المنامة علناً إلا انه بالتركيز على الحل السياسي أوحى به، وهذا بطبيعة الحال يظهر الأردن بالمظهر القوي إلى جانب الإقرار الإسلامي مجددا بالوصاية الهاشمية في البيان الختامي وتثمينها، وهو ما تريده عمان ومن مكّة تحديداً.
عاهل الأردن وللعام الثاني على التوالي يذهب لمكة بقوّة ويعكس مواقف متقدمة في سياق أولويات عمان، فبعد ان كان مؤتمر مكة العام الماضي هدفه مساعدة عمان في أزمتها الاقتصادية بعد انتهاء موجة احتجاجات شعبية عارمة بتولي رئيس الوزراء الحالي الدكتور عمر الرزاز دفّة قيادة الحكومة، ها هو الملك يذهب اليوم بعد سلسلة تغييرات امنية وإدارية في المشهد المحلي، وبعدما ظهر اقرب لشارع بلاده منه في السابق.
في العام الماضي، ذهب الملك لمؤتمر مكة قويّاً بعدما تغلّب على معضلة داخلية دون أي احتماء بالحلفاء الذين كانوا يراقبون بلاده وهي تغلي بالاعتصامات والاحتجاجات، أما هذا العام فهو يذهب ليس فقط بعد سلسلة إجراءات داخلية، وانما ايضاً بعد استقبال مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر على طريقة غير المرحب بهم، وبالتالي يفترض ان العاصمة الأردنية تتماهى في منطوق أولوياتها مع افعالها في هذا السياق.
منطوق أولويات عمان في سياق السياسة الخارجية يبدو واضحاً وموضّحاً في سياق القضية الفلسطينية تحديداً، فالعاصمة الأردنية ترفض ان تكون جزءا من تطبيع اقتصادي عربي شامل رغم انها جزء من تطبيع ثنائي لا يمكن انكاره او مداراته، وترفض أي تغيير على وضع القدس والمقدسات فيها، كما لا تريد ولا تحب ولا تحتمل أي تغيير بملف اللاجئين، وهذا ما عززه مشهد الرزاز بالتوازي مع تواجد الملك في مكة وهو يرعى حفل المخيمات الفلسطينية في ذكرى الاستقلال الأردني ويضع على عنقه “الكوفية الفلسطينية” والعلم الفلسطيني.
ورغم ان عمان قامت بسلسلة إجراءات تسهّل على الفلسطينيين المقيمين على الأراضي الأردنية التملك والتنقل، الا ان الرزاز اصر على التأكيد على تماهي حكومته واجراءاتها مع لاءات عاهل البلاد الثلاث عن القدس والتوطين والوطن البديل، بهذا المعنى تبدو عمان وكأنها تنسّق مواقفها الداخلية مع الخارجية بصورة كبيرة، الامر الذي يراه البعض إيجابيا تماما، بينما لا يزال يثير مخاوف اخرين على اعتبار انه قد يمهّد لحلٍّ فعلي على حساب عمّان.
في سياقٍ غير القضية الفلسطينية والإرهاب لا تريد عمان ان توضح أكثر في السياسة الخارجية، وتُفضّل ان تبقى أولوياتها غير منطوقة ولا مذكورة بأكثر من ان تنعم دول الخليج بالأمان وأن “امنها من امن الأردن”، وفي الجملة المذكورة تضمّن عمان فقط قطر التي تبتعد عنها الرياض راعية القمم المختلفة، كما ان الأردن بطبيعة الحال وخلال القمتين العربية والإسلامية بعدم ذكره ايران لا سلبا ولا إيجابا يعيد التذكير بتصريح ورد على لسان ملك البلاد شخصيا قبيل مؤتمر وارسو الذي هيئته واشنطن لمعاداة ايران، حينها اعتبر الملك ان “محاربة ايران ليست أولوية اردنية”.
بهذا المعنى فالاولويات الأردنية الخارجية تبدو أوضح حين يتعلق الامر بالمنطوق وفي سياق القضية الفلسطينية تحديدا، الا ان أولويات عمان في سياقات كثيرة لا تبدو معلنة ولا واضحة (والوياتها في ليبيا واليمن وإيران وسوريا أمثلة على ذلك) وهذا ما يضع الكثير من العقبات في طريق اقامتها لاي تحالفات في العالمين العربي والإسلامي.
الأهم، ان تحديد الأولويات الخارجية بالنسبة للأردنيين قد يكون كافيا اذا ما اقتصر على مواقف واضحة تجاه القضية الفلسطينية بالإضافة لفك عمان الحصار الذي تفرضه على نفسها في التعامل مع سوريا تحديدا بعد تقدم ملحوظ في العلاقات مع العراق واشكالات في العلاقات مع الرياض، الا انهم يصرّون على إيجاد أولويات داخلية اكثر وضوحاً، وهو الامر الذي يبدو اليوم ان الشارع ليس وحيدا في التذمر منه.
فلا بد من التنبه لتقرير مهم نشرته وكالة الانباء الأردنية يمكن اعتباره مجسّاً على ان مراكز قوى اردنية ليست راضية عن طريقة الحكومة في إدارة عدد من الملفات الداخلية واهمها الاقتصادية، اذ أصدرت الوكالة الرسمية- بترا- تقريرا تحدثت فيه عن فشل السياسات التحفيزية للقوة الشرائية التي اقرتها حكومة الرزاز لهذا العام وتطرقت الى ركود الأسواق.
وان كان ما تحدثت به الوكالة تحت عنوان “ملابس العيد وصراع الاولويات.. ركود غير مسبوق في الاسواق ومواطنون يحددون اولوياتهم” قبل يومين فقط لا يحتاج الكثير من المعرفة بأحوال السوق الأردنية للتأكد بأنه يعكس واقعاً حقيقياً الا ان صدور التقرير من الوكالة الرسمية يدعو لبعض التساؤلات حول رغبة مرجعية في فصل الداخلي عن الخارجي وتحميل الحكومة لمسؤولياتها داخليا وحصر الأزمة الاقتصادية بها في الوقت الذي يتزامن فيه عيد الفطر مع سنوية الحراك الأردني.
بكل الأحوال، تماهي القيادة الحقيقي مع الشارع في سياق مؤتمر المنامة وإظهار ذلك في مؤتمرات مكة، على أهميته، لا يريح وحده الشارع الأردني المتذمر من ضعف وبطء المحاسبة في ملفات الفساد- التي يرى الشارع انها لا تنحصر بملفات الدخان والتبغ- وزيادة أعباء الحياة نتيجة الرسوم والضرائب، وعمل الحكومة بالمقابل على إقرار بعض السياسات مع اخفائها لارقام إحصائية مرجعية دقيقة لخط الفقر لن تسمح بقياس مدى دقة إنجازاتها ومدى نجاعتها.
والاهم، ان خبراء كثر يرون صعوبة نجاح المحاولات في فصل الاقتصاد عن السياسة ضمن محاولة لفصل النظام والقصر عن الشقّ الاقتصادي المرهق للداخل الأردني، طالما الحكومة هي “حكومة الملك” يعيّنها هو ويختارها، وهو المصطلح الذي ذكّر به صراحة وبوضوح احد اقدم واخبر الشخصيات الأردنية في الشأن الداخلي الجنرال علي شكري في حوار له مع صحيفة “عمون” الأردنية الالكترونية قبل أيام.راي اليوم