ملك الأردن في «خلايا العمل» ويحمل ملف «الاقتصاد» والقصر يطيح بـ «الورق» ويأمر بثلاثية «تقييم ومراقبة وسقف زمني»
عمان جو - بسام البدارين
مساء الخميس، ظهر الملك عبد الله الثاني مجدداً وفي عمق المشهد الاقتصادي أيضاً، وللمرة السادسة تقريباً خلال أقل من شهرين. بوضوح شديد، يضع الملك على الطاولة وبقوة ملف الوضع الاقتصادي لبلاده باعتباره الأولوية المطلقة.
ويوجه الملك رسالة ضمنية لجميع المسؤولين وهو يحضر فجأة إلى اجتماع خلية عمل وخبراء في الديوان الملكي، ثم يفاجئ كلية الأركان بحديث عن الاقتصاد وسط نخبة من العسكر، ويحرص شخصياً على حضور ورشة عمل مستقلة ويتحدث فيها أيضاً عن رؤيته الاقتصادية.
تلك لا يمكنها إلا أن تكون رسائل تحذير ملكية تطالب جميع المسؤولين والنخب والأدوات ضمنياً بالتركيز قليلاً؛ لأن المطلوب دوماً وأبداً خطة لبناء اقتصاد الوطني على حد تعبير رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان الدكتور خير أبو صعليك وضمن رؤية وطنية. والمطلوب برنامج مستقل ينطوي على تفكير عميق والتزام الأذرع التنفيذية والمسؤولين والوزراء بمضمون الرؤية الملكية في احتواء التحديات والمشكلات وإزالة العقبات، كما يرى رئيس غرفة تجارة عمان الناشط خليل الحاج توفيق.
الملك، وفي المشهد الأخير، تحدث مجدداً عن إطار تقييمي ومراقبة أداء وأسقف زمنية لأي خطوات تقررها السلطات. ويعني ذلك أن القصر الملكي لم يعد يقبل باستراتيجيات وخطط ورقية أو تعرض في سلايدات، وأنه يتحول في المسألة الاقتصادية إلى أعلى مستويات الرقابة على الأداء. والأهم أن ما قاله الملك، الخميس، مؤشر حيوي إلى أن مؤسسة القصر دخلت وتدخل في التفاصيل وعلى أساس خطة حماية اقتصاد وطني محسوبة على الدولة وليس على الحكومة فقط.
لوحظ هنا حصرياً بأن النقاشات التي عقدت تحت مظلة ملكية، سواء حضرها الملك شخصياً أو لم يحضر، يغيب عنها رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، رغم أنه من أعلن الاستجابة للتوجيهات بوضع خطة لحماية الاقتصاد الوطني، ورغم أنه أحد المحسوبين على الخلفية الاقتصادية في التفكير، وكان قبل الوظيفة الحكومية من عناوين كادر البنك الدولي.
يحتاج غياب الرزاز عن مثل هذه النقاشات إلى تفسير سياسي، لكنه ينبغي أن لا يطيل أمد التوقف في التكهن؛ لأن الرسائل تصل رئيس الحكومة في المحصلة، ولأن مسؤوليته الإشراف والمتابعة في التفاصيل.
طبعاً، الحاضر الدائم لهذه النقاشات هو رئيس الطاقم الاقتصادي في الحكومة الدكتور رجائي المعشر، الذي تطلب منه التلخيصات والتوصيات ويهتم بالتحضيرات والملخصات ويتلقى الملاحظات والتوجيهات، ويتوجه له الخطاب الملكي مباشرة في بعض التفاصيل، كما لاحظ خبراء شاركوا في بعض اللقاءات.
المثير في المسألة أن الكيمياء لا تبدو منسجمة بين المعشر ورئيسه الرزاز، حتى في برنامج الإصلاح الهيكلي الاقتصادي والأول بدأ، مؤخراً، يعبر عن ذلك ويلمح إليه وهو يؤشر إلى بوصلة تبدو تائهة أحياناً.
الملك في الأثناء أمر بوضع خطة تنفيذية قوامها تقييم الأداء والسقف الزمني والمراجعة. وصدرت في الأثناء توجيهات مرجعية لكل أجهزة وأذرع الدولة؛ لمساعدة مشروع الاحتواء الاقتصادي الجديد، والذي برمج بسرعة وعليه بعض الملاحظات، بالتزامن مع مخاوف انتقال فايروس وعدوى الحراكات والاحتجاجات الشعبية في لبنان والعراق.
في القصر الملكي، وفي أحد الاجتماعات، طلبت المخضرمة الدكتورة ريما خلف من المسؤولين الانتباه بحرص لما يجري في بيروت. وهنا من الواضح أن إضراب المعلمين الشهير وجه رسالة إنذار مبكر لجميع رموز السلطة ومؤسساتها بعنوان سيناريو حراكات مطلبية في القطاع العام، في الوقت الذي تقرر فيه مرجعياً سيناريو الاحتياط والوقاية بعنوان عدم ترك الساحة نهشاً للاحتمالات والفراغ.
وبعنوان ضرورة التقدم بمبادرات، يرى نائب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور محمد الحلايقة، أنها أصبحت ضرورة وطنية ملحة ولا يمكن الاستغناء عنها، بصرف النظر عن بقية الاعتبارات، وعلى أساس الانتباه لاتجاه المسارات. يبدو أن الأمل في الأردن ارتفع قليلاً مؤخراً باحتمالية حضور استثمارات سعودية وكويتية، بعد الانفراج الأخير في الاتصال مع الرياض. لكن الرزاز ورفاقه في الحكومة، ومعهم وزير التخطيط الدكتور محمد العسعس، مؤمنون علناً بأن المطلوب وضع إطار وطني للتصرف وبفعالية وحرص بمعزل عن ملف المساعدات بصرف النظر عن مصدرها، وبمعزل أيضاً عن برامج وخطط صندوق النقد الدولي.
مال الرزاز عدة مرات إلى استعمال مفردة «فطام» وهو يحاول تذكير الأردنيين بأن زمن المساعدات ولى بلا رجعة. وتميل البوصلة الملكية بوضوح الآن، وبإلحاح وإصرار، إلى مراقبة سياق وطني للإصلاح الاقتصادي، بصرف النظر عن بقية المسارات وعن برامج المساعدات ونتائج التحالفات السياسية والتجول بين المحاور والعواصم.
والجديد في المشهد ليس وضع خطة، فالخطط متناثرة وموجودة في الأدراج والمتحف. لكن الجديد اليوم هو حرائق الإقليم الشعبية والشوارع التي تتحرك في الجوار. والجديد أكثر هو أن الحكومة لا تملك ترف الانتظار، والقصر الملكي اليوم يتابع تفاصيل التفاصيل، منتجاً الأمل في صناعة شيء ما من الضروري تجنب إعاقته قبل نضوجه.
القدس العربي
عمان جو - بسام البدارين
مساء الخميس، ظهر الملك عبد الله الثاني مجدداً وفي عمق المشهد الاقتصادي أيضاً، وللمرة السادسة تقريباً خلال أقل من شهرين. بوضوح شديد، يضع الملك على الطاولة وبقوة ملف الوضع الاقتصادي لبلاده باعتباره الأولوية المطلقة.
ويوجه الملك رسالة ضمنية لجميع المسؤولين وهو يحضر فجأة إلى اجتماع خلية عمل وخبراء في الديوان الملكي، ثم يفاجئ كلية الأركان بحديث عن الاقتصاد وسط نخبة من العسكر، ويحرص شخصياً على حضور ورشة عمل مستقلة ويتحدث فيها أيضاً عن رؤيته الاقتصادية.
تلك لا يمكنها إلا أن تكون رسائل تحذير ملكية تطالب جميع المسؤولين والنخب والأدوات ضمنياً بالتركيز قليلاً؛ لأن المطلوب دوماً وأبداً خطة لبناء اقتصاد الوطني على حد تعبير رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان الدكتور خير أبو صعليك وضمن رؤية وطنية. والمطلوب برنامج مستقل ينطوي على تفكير عميق والتزام الأذرع التنفيذية والمسؤولين والوزراء بمضمون الرؤية الملكية في احتواء التحديات والمشكلات وإزالة العقبات، كما يرى رئيس غرفة تجارة عمان الناشط خليل الحاج توفيق.
الملك، وفي المشهد الأخير، تحدث مجدداً عن إطار تقييمي ومراقبة أداء وأسقف زمنية لأي خطوات تقررها السلطات. ويعني ذلك أن القصر الملكي لم يعد يقبل باستراتيجيات وخطط ورقية أو تعرض في سلايدات، وأنه يتحول في المسألة الاقتصادية إلى أعلى مستويات الرقابة على الأداء. والأهم أن ما قاله الملك، الخميس، مؤشر حيوي إلى أن مؤسسة القصر دخلت وتدخل في التفاصيل وعلى أساس خطة حماية اقتصاد وطني محسوبة على الدولة وليس على الحكومة فقط.
لوحظ هنا حصرياً بأن النقاشات التي عقدت تحت مظلة ملكية، سواء حضرها الملك شخصياً أو لم يحضر، يغيب عنها رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، رغم أنه من أعلن الاستجابة للتوجيهات بوضع خطة لحماية الاقتصاد الوطني، ورغم أنه أحد المحسوبين على الخلفية الاقتصادية في التفكير، وكان قبل الوظيفة الحكومية من عناوين كادر البنك الدولي.
يحتاج غياب الرزاز عن مثل هذه النقاشات إلى تفسير سياسي، لكنه ينبغي أن لا يطيل أمد التوقف في التكهن؛ لأن الرسائل تصل رئيس الحكومة في المحصلة، ولأن مسؤوليته الإشراف والمتابعة في التفاصيل.
طبعاً، الحاضر الدائم لهذه النقاشات هو رئيس الطاقم الاقتصادي في الحكومة الدكتور رجائي المعشر، الذي تطلب منه التلخيصات والتوصيات ويهتم بالتحضيرات والملخصات ويتلقى الملاحظات والتوجيهات، ويتوجه له الخطاب الملكي مباشرة في بعض التفاصيل، كما لاحظ خبراء شاركوا في بعض اللقاءات.
المثير في المسألة أن الكيمياء لا تبدو منسجمة بين المعشر ورئيسه الرزاز، حتى في برنامج الإصلاح الهيكلي الاقتصادي والأول بدأ، مؤخراً، يعبر عن ذلك ويلمح إليه وهو يؤشر إلى بوصلة تبدو تائهة أحياناً.
الملك في الأثناء أمر بوضع خطة تنفيذية قوامها تقييم الأداء والسقف الزمني والمراجعة. وصدرت في الأثناء توجيهات مرجعية لكل أجهزة وأذرع الدولة؛ لمساعدة مشروع الاحتواء الاقتصادي الجديد، والذي برمج بسرعة وعليه بعض الملاحظات، بالتزامن مع مخاوف انتقال فايروس وعدوى الحراكات والاحتجاجات الشعبية في لبنان والعراق.
في القصر الملكي، وفي أحد الاجتماعات، طلبت المخضرمة الدكتورة ريما خلف من المسؤولين الانتباه بحرص لما يجري في بيروت. وهنا من الواضح أن إضراب المعلمين الشهير وجه رسالة إنذار مبكر لجميع رموز السلطة ومؤسساتها بعنوان سيناريو حراكات مطلبية في القطاع العام، في الوقت الذي تقرر فيه مرجعياً سيناريو الاحتياط والوقاية بعنوان عدم ترك الساحة نهشاً للاحتمالات والفراغ.
وبعنوان ضرورة التقدم بمبادرات، يرى نائب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور محمد الحلايقة، أنها أصبحت ضرورة وطنية ملحة ولا يمكن الاستغناء عنها، بصرف النظر عن بقية الاعتبارات، وعلى أساس الانتباه لاتجاه المسارات. يبدو أن الأمل في الأردن ارتفع قليلاً مؤخراً باحتمالية حضور استثمارات سعودية وكويتية، بعد الانفراج الأخير في الاتصال مع الرياض. لكن الرزاز ورفاقه في الحكومة، ومعهم وزير التخطيط الدكتور محمد العسعس، مؤمنون علناً بأن المطلوب وضع إطار وطني للتصرف وبفعالية وحرص بمعزل عن ملف المساعدات بصرف النظر عن مصدرها، وبمعزل أيضاً عن برامج وخطط صندوق النقد الدولي.
مال الرزاز عدة مرات إلى استعمال مفردة «فطام» وهو يحاول تذكير الأردنيين بأن زمن المساعدات ولى بلا رجعة. وتميل البوصلة الملكية بوضوح الآن، وبإلحاح وإصرار، إلى مراقبة سياق وطني للإصلاح الاقتصادي، بصرف النظر عن بقية المسارات وعن برامج المساعدات ونتائج التحالفات السياسية والتجول بين المحاور والعواصم.
والجديد في المشهد ليس وضع خطة، فالخطط متناثرة وموجودة في الأدراج والمتحف. لكن الجديد اليوم هو حرائق الإقليم الشعبية والشوارع التي تتحرك في الجوار. والجديد أكثر هو أن الحكومة لا تملك ترف الانتظار، والقصر الملكي اليوم يتابع تفاصيل التفاصيل، منتجاً الأمل في صناعة شيء ما من الضروري تجنب إعاقته قبل نضوجه.
القدس العربي