الأردن: وزراء من «الصين»
الاستعصاء الحقيقي في الأردن هو مرض المحاصصة وقد قيل لنا دوما إنها المتكفلة بالتوازن والاستقرار الاجتماعي وفي بعض الأحيان الأمني
عمان جو - بسام البدارين
لا يعرف الوزير في الأردن لماذا يصبح وزيرا وعلى أي أساس أو متى ولماذا يقال من وزارته وعلى أي أساس.
مطلوب أن نتذكر بمناسبة التعديل الوزاري الخامس الوشيك على حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز بأن الحكومات المتعاقبة لا تختار الوزراء بناء على المهنية والكفاءة أو بناء على برنامجها السياسي والاقتصادي.
ومطلوب أن نتذكر خصوصا في هذه الأيام الصعبة والحالكة بأن الوزير يصبح وزيرا أو لا يعود ليس بناء على برنامج تقييم شفاف للأداء فقد يصبح المرء في الأردن وزيرا بالصدفة وقد يغادر وزارته بسبب سوء حظه فقط فلا يأتي بناء على تقييم أداء ولا يغادر بناء على مؤشرات تقييم من أي نوع. طبعا إلا ما ندر من بعض النخب الوزارية التي تطالب بها المؤسسات الدولية.
دون ذلك تبقى آلية اختيار الوزراء تقليدية وعقيمة وفكرتها كما كانت طوال عقود هي المحاصصة الجغرافية والعشائرية ومحاولة تمثيل المكونات والشرائح في المجتمع حيث يبدأ أي رئيس حكومة بتشكيل طاقمه وهو في ذهنه بعض المعلبات التي يرثها دوما عن سلفه بصرف النظر عن الاحتياجات والمسار المهني والسيرة الذاتية والقدرة على الأداء فهذه عناصر تقرر لاحقا لاختيار الشخص.
لاحقا بقيت الفكرة طوال عقود أن الحكومة مادامت الديمقراطية مغيبة والأحكام عرفية والشارع لا ينتخب وزيره ينبغي أن تحاول إرضاء المكونات الاجتماعية والمناطقية وفي الكثير من الأحيان العشائرية.
الهدف في الماضي كان عبقريا وأنجز ولو قدر من التوازن ومعالجة مشكلة الشرائح والمناطق عبر توزير أولادها وأبنائها في حكومة العاصمة عمان والمبرر كان دائما هو غياب التمثيل الانتخابي والبرلماني. على هذا الأساس صمدت المحاصصة العشائرية والمناطقية والمكوناتية طوال عقود.
وعلى هذا الأساس تشكلت بعض العائلات دون غيرها في بعض المناطق والمدن والمحافظات وأصبحت أقرب إلى فهم ميكانيزم التعيين والتزلف للسلطة وتملقها بمعنى احتكار الوظيفة العليا بناء على تمثيل مزيف لمنطقة أو مدينة أو قبيلة يعلي من شأن أحد أفرادها وينكر بقية أطيافها ومكوناتها.
الغريب جدا أن التحول الديمقراطي عام 1989 نتج عنه انتخابات عامة وبرلمان لكن المحاصصة في الحقائب الوزارية صمدت.
المحاصصة صمدت رغم أنها بغيظة والجميع يشتكي منها بما في ذلك رأس الدولة وكل النخب السياسية ولازلنا كأردنيين نذكر السؤال الاستفهامي اللافت الذي طرح بعنوان: هل نستورد وزراء من الصين؟
يخفق وزير ما في حكومة ما بكل المقاييس علنا وسرا فيبحث رئيس الحكومة عن وزير آخر مخفق من نفس المنطقة أو العشيرة أو المكون في متتالية هندسية محترفة ومتمرسة في مراكمة الإحباط والاحتقان والتكلس مع انحيازات للأنسباء والأصدقاء ضمن العلبة نفسها.
قالها وزير سابق بوضوح في القصر الملكي عندما رفع صوته ضد الإصلاح والتغيير محذرا من أن المهنية ينبغي أن لا تتصدر عن الولاء ويقصد صاحبنا على الأرجح النمط الذي يناسبه من الولاء والقائم على قدر من الابتزاز واحتكار الامتيازات والمصالح وعلى الجلوس في مقاعد الصف الأول له ولنخبة صغيرة لا تمثل حتى أبناء العشائر الأردنية.
وقالها في اجتماعات إصلاحية نائب رئيس الوزراء الحالي وعلنا: ثمة حقوق مكتسبة للأردنيين لكن الرجل لم يحدد من هم الأردنيون الذين يقصدهم ولم يحدد ماهية هذه الحقوق المكتسبة وإن كان الأمر في سياقه مفهوما وله علاقة بالمناصب العليا والحقائب والوظائف ومقاعد التمثيل بموجب توزيع الدوائر الانتخابية ومقاعد مجلس الأعيان ووظائف الدرجة الأولى.
الاستعصاء الحقيقي في الأردن هو مرض المحاصصة وقد قيل لنا دوما إنها المتكفلة بالتوازن والاستقرار الاجتماعي وفي بعض الأحيان الأمني.
لكن الغاضبين من الأردنيين اليوم أكثر من غيرهم وأصحاب الصوت الذي يثقب الأسقف قبل غيرهم هم أبناء القطاع العام والمحافظات والمدن المهمشة وأبناء العشائر الذين يتم تضليلهم دوما ثم تضليل الذات الوطنية بفرية اسمها المحاصصة والتمثيل والتوزيع العادل.
المطلوب في الأردن عدالة اجتماعية وتوزيع عادل للتنمية والنمو والثروة وفرص تعليم منصفة للجميع.
لا اؤمن شخصيا بأن اختيار أحد ما في موقع رفيع المستوى على أساس تمثيل قبيلته أو عشيرته أو منطقته أو محافظته أكثر من خطوة متذاكية مختلة لا علاقة لها بأسس التمثيل الحقيقي.
ولا علاقة لها بالعدالة والإنصاف بقدر ما لها علاقة بتزييف الوعي واختراع كذبة ثم تصديقها وتحويلها إلى خط أحمر بدلالة أن كل المكونات التي يزعم علية القوم تمثيلها في المحاصصة أصبحت بحد ذاتها هدفا سهلا لمن اختارتهم عمتان من أولادها حيث تجاهل وإقصاء وتفكير بمصالح وامتيازات الذات على حساب المجموعة.
لا يمكن إعداد طبق عجة بدون تكسير البيض. ولا يمكن التنظير لمحاصصة مريضة لم يعد لها معنى ويرفضها الشعب قبل الحكم اليوم ولم يعد يؤمن بها.
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»
الاستعصاء الحقيقي في الأردن هو مرض المحاصصة وقد قيل لنا دوما إنها المتكفلة بالتوازن والاستقرار الاجتماعي وفي بعض الأحيان الأمني
عمان جو - بسام البدارين
لا يعرف الوزير في الأردن لماذا يصبح وزيرا وعلى أي أساس أو متى ولماذا يقال من وزارته وعلى أي أساس.
مطلوب أن نتذكر بمناسبة التعديل الوزاري الخامس الوشيك على حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز بأن الحكومات المتعاقبة لا تختار الوزراء بناء على المهنية والكفاءة أو بناء على برنامجها السياسي والاقتصادي.
ومطلوب أن نتذكر خصوصا في هذه الأيام الصعبة والحالكة بأن الوزير يصبح وزيرا أو لا يعود ليس بناء على برنامج تقييم شفاف للأداء فقد يصبح المرء في الأردن وزيرا بالصدفة وقد يغادر وزارته بسبب سوء حظه فقط فلا يأتي بناء على تقييم أداء ولا يغادر بناء على مؤشرات تقييم من أي نوع. طبعا إلا ما ندر من بعض النخب الوزارية التي تطالب بها المؤسسات الدولية.
دون ذلك تبقى آلية اختيار الوزراء تقليدية وعقيمة وفكرتها كما كانت طوال عقود هي المحاصصة الجغرافية والعشائرية ومحاولة تمثيل المكونات والشرائح في المجتمع حيث يبدأ أي رئيس حكومة بتشكيل طاقمه وهو في ذهنه بعض المعلبات التي يرثها دوما عن سلفه بصرف النظر عن الاحتياجات والمسار المهني والسيرة الذاتية والقدرة على الأداء فهذه عناصر تقرر لاحقا لاختيار الشخص.
لاحقا بقيت الفكرة طوال عقود أن الحكومة مادامت الديمقراطية مغيبة والأحكام عرفية والشارع لا ينتخب وزيره ينبغي أن تحاول إرضاء المكونات الاجتماعية والمناطقية وفي الكثير من الأحيان العشائرية.
الهدف في الماضي كان عبقريا وأنجز ولو قدر من التوازن ومعالجة مشكلة الشرائح والمناطق عبر توزير أولادها وأبنائها في حكومة العاصمة عمان والمبرر كان دائما هو غياب التمثيل الانتخابي والبرلماني. على هذا الأساس صمدت المحاصصة العشائرية والمناطقية والمكوناتية طوال عقود.
وعلى هذا الأساس تشكلت بعض العائلات دون غيرها في بعض المناطق والمدن والمحافظات وأصبحت أقرب إلى فهم ميكانيزم التعيين والتزلف للسلطة وتملقها بمعنى احتكار الوظيفة العليا بناء على تمثيل مزيف لمنطقة أو مدينة أو قبيلة يعلي من شأن أحد أفرادها وينكر بقية أطيافها ومكوناتها.
الغريب جدا أن التحول الديمقراطي عام 1989 نتج عنه انتخابات عامة وبرلمان لكن المحاصصة في الحقائب الوزارية صمدت.
المحاصصة صمدت رغم أنها بغيظة والجميع يشتكي منها بما في ذلك رأس الدولة وكل النخب السياسية ولازلنا كأردنيين نذكر السؤال الاستفهامي اللافت الذي طرح بعنوان: هل نستورد وزراء من الصين؟
يخفق وزير ما في حكومة ما بكل المقاييس علنا وسرا فيبحث رئيس الحكومة عن وزير آخر مخفق من نفس المنطقة أو العشيرة أو المكون في متتالية هندسية محترفة ومتمرسة في مراكمة الإحباط والاحتقان والتكلس مع انحيازات للأنسباء والأصدقاء ضمن العلبة نفسها.
قالها وزير سابق بوضوح في القصر الملكي عندما رفع صوته ضد الإصلاح والتغيير محذرا من أن المهنية ينبغي أن لا تتصدر عن الولاء ويقصد صاحبنا على الأرجح النمط الذي يناسبه من الولاء والقائم على قدر من الابتزاز واحتكار الامتيازات والمصالح وعلى الجلوس في مقاعد الصف الأول له ولنخبة صغيرة لا تمثل حتى أبناء العشائر الأردنية.
وقالها في اجتماعات إصلاحية نائب رئيس الوزراء الحالي وعلنا: ثمة حقوق مكتسبة للأردنيين لكن الرجل لم يحدد من هم الأردنيون الذين يقصدهم ولم يحدد ماهية هذه الحقوق المكتسبة وإن كان الأمر في سياقه مفهوما وله علاقة بالمناصب العليا والحقائب والوظائف ومقاعد التمثيل بموجب توزيع الدوائر الانتخابية ومقاعد مجلس الأعيان ووظائف الدرجة الأولى.
الاستعصاء الحقيقي في الأردن هو مرض المحاصصة وقد قيل لنا دوما إنها المتكفلة بالتوازن والاستقرار الاجتماعي وفي بعض الأحيان الأمني.
لكن الغاضبين من الأردنيين اليوم أكثر من غيرهم وأصحاب الصوت الذي يثقب الأسقف قبل غيرهم هم أبناء القطاع العام والمحافظات والمدن المهمشة وأبناء العشائر الذين يتم تضليلهم دوما ثم تضليل الذات الوطنية بفرية اسمها المحاصصة والتمثيل والتوزيع العادل.
المطلوب في الأردن عدالة اجتماعية وتوزيع عادل للتنمية والنمو والثروة وفرص تعليم منصفة للجميع.
لا اؤمن شخصيا بأن اختيار أحد ما في موقع رفيع المستوى على أساس تمثيل قبيلته أو عشيرته أو منطقته أو محافظته أكثر من خطوة متذاكية مختلة لا علاقة لها بأسس التمثيل الحقيقي.
ولا علاقة لها بالعدالة والإنصاف بقدر ما لها علاقة بتزييف الوعي واختراع كذبة ثم تصديقها وتحويلها إلى خط أحمر بدلالة أن كل المكونات التي يزعم علية القوم تمثيلها في المحاصصة أصبحت بحد ذاتها هدفا سهلا لمن اختارتهم عمتان من أولادها حيث تجاهل وإقصاء وتفكير بمصالح وامتيازات الذات على حساب المجموعة.
لا يمكن إعداد طبق عجة بدون تكسير البيض. ولا يمكن التنظير لمحاصصة مريضة لم يعد لها معنى ويرفضها الشعب قبل الحكم اليوم ولم يعد يؤمن بها.
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»