كيف كرّس وصفي التل مبادئ الحرّاثين وأسقط من بعده الحكومات العابرة
عمان جو . تامر خورما -
ثمانية وأربعون عاما مضت على رحيل الرمز الوطني الأردني، وصفي التل، الذي مازال حيّا في الوجدان الشعبيّ، تستحضره الذاكرة الجمعيّة، في كلّ محطّة أو منعطف أو مفترق طرق تواجهه الدولة الأردنيّة. منذ نشأة هذه الدولة وحتّى اليوم، لم يتمكّن أيّ رئيس وزراء أردني، من مجرّد الإقتراب من المنزلة التي اعتلاها وصفي، دون غيره، فلماذا؟
ما هو سرّ هذا الإستحضار الدائم لرمزيّة وصفي وما تمثّله هذه الرمزيّة عند الحديث عن مفهوم الهويّة الأردنيّة؟ أو كلّما اشتدّت حلكة الضياع أو الإغتراب عن الذات الوطنيّة؟ حتّى أصبح مجرّد ذكر اسمه كافيا للعودة إلى الأساس الوجودي، الذي يمسّك به الأردنيّون، كلّما مال بعض الساسة حيث تميل الرياح؟
الفراغ الذي تركه الشهيد برحيله جسدا، وبقائه نهجا بكامل رمزيّته، لا يزال يفتقر اليوم إلى أيّة شخصيّة حكوميّة تتمكّن من ملئه، أو تعويض خسارته.. لمّ يمرّ حتّى اليوم أيّ مسؤول قادر على تقديم ما يمكن حتّى وصفه بالبرنامج -ولن نقول النهج- كالذي ميّز وصفي وجعله أيقونة الهويّة الوطنيّة الأردنيّة.
عند الحديث عن مفهوم الهويّة، لا بدّ قبل أيّ اعتبار آخر، النظر في واقع استقلال هذه الهويّة، عن أيّة سيادة غير سيادتها، وأن يكون من يحملها قادر على اتّخاذ قراره ذاتيّا، دون أن تكون قراراته محض أوراق في مهبّ الرياح.. وصفي كان أوّل من وضع النقاط على الحروف فيما يتعلّق بهذه المسألة، عندما أكد في أكثر من محطّة، أن من لا يزرع قمحه لا يملك قراره السياسي.
اليوم.. تقف الحكومات الأردنيّة المتعاقبة عاجزة أمام قرارات وإملاءات المؤسّسات الماليّة الدوليّة، حتّى باتت السفارات الأجنبيّة بؤر استقطاب لكثير من الساسة الذين يحاولون تلميع أسمائهم وتسويقها.. القرارات الإقتصاديّة لا تخرج عن دائرة الإملاءات الخارجيّة، ما يعني استحالة امتلاك قرار سياسي مستقلّ، بالمعنى الحقيقيّ للكلمة، وها هي اتّفاقيّة الغاز مع العدوّ الصهيوني، التي سترهن مستقبل البلاد لإرادة الإحتلال، خير برهان.. وفي هذه الليلة الظلماء، يفتقد الأردنيون فقيدهم وصفي.
الشهيد راهن على إرادة الناس، وآمن بإمكانيّة ووجوب استقلال القرار الأردني، كقرار سيادي، بصرف النظر عن ضعف إمكانيّات الدولة الأردنيّة، فكان له أن سارت الناس خلف مبادئه، التي مازال صداها يتردّد حتّى اليوم، مؤكدا استحالة الخلاص من نير التبعيّة، دون الإعتماد الكامل على الذات.
رفض الإعتراف بمعادلات القوّة الماديّة المجرّدة، والتسليم بأن الأردن بلد ضعيف الإمكانيّات، بل آمن بقوّة الإرادة، وبأن الإعتماد على الذات يحقّق المعجزات.. وهذا من يفتقر إليه الساسة الذين قوّضوا أهمّ قطاعات الإنتاج في الدولة الأردنيّة، وأخفوا عجزهم خلف ذرائع من قبيل شحّ الموارد، وضعف الإمكانات.
هنا يكمن السرّ الذي مكّن وصفي، دون سواه ممن تخلّوا عن نهجه، من صنع رمزيّة شكّلت نقطة ارتكاز، تنبغي الرجوع إليها في ظلّ حالة الضياع والالتباس المعياري، والاغتراب عن الذات والهويّة، في أتون التبعية.
النموذج الذي قدّمه وصفي يمكن تلخيصه بمصطلح "مبادئ الحرّاثين"، فمن لا يزرع قمحه لا يملك قراره.. هكذا وبكلّ اختصار.. أمّا المؤتمرات والندوات الإستعراضيّة الإعلاميّة، للعابرين بعده على الدوّار الرابع، وكلّ ما حاولوا تركه من بصمات، فلن يذكرها التاريخ إلاّ كمحطّات عابرة، كرّست كوارث التبعيّة، على حساب وجود الهويّة الوطنيّة الأردنيّة، التي كان وصفي حارسا لها. الإرادة تصنع المعجزات، هذه رسالة وصفي، التي تشكّل صفعة لكلّ من لا يراهن على الناس، وينحني أمام الإملاءات الخارجيّة.
نقلا عن jo24
ثمانية وأربعون عاما مضت على رحيل الرمز الوطني الأردني، وصفي التل، الذي مازال حيّا في الوجدان الشعبيّ، تستحضره الذاكرة الجمعيّة، في كلّ محطّة أو منعطف أو مفترق طرق تواجهه الدولة الأردنيّة. منذ نشأة هذه الدولة وحتّى اليوم، لم يتمكّن أيّ رئيس وزراء أردني، من مجرّد الإقتراب من المنزلة التي اعتلاها وصفي، دون غيره، فلماذا؟
ما هو سرّ هذا الإستحضار الدائم لرمزيّة وصفي وما تمثّله هذه الرمزيّة عند الحديث عن مفهوم الهويّة الأردنيّة؟ أو كلّما اشتدّت حلكة الضياع أو الإغتراب عن الذات الوطنيّة؟ حتّى أصبح مجرّد ذكر اسمه كافيا للعودة إلى الأساس الوجودي، الذي يمسّك به الأردنيّون، كلّما مال بعض الساسة حيث تميل الرياح؟
الفراغ الذي تركه الشهيد برحيله جسدا، وبقائه نهجا بكامل رمزيّته، لا يزال يفتقر اليوم إلى أيّة شخصيّة حكوميّة تتمكّن من ملئه، أو تعويض خسارته.. لمّ يمرّ حتّى اليوم أيّ مسؤول قادر على تقديم ما يمكن حتّى وصفه بالبرنامج -ولن نقول النهج- كالذي ميّز وصفي وجعله أيقونة الهويّة الوطنيّة الأردنيّة.
عند الحديث عن مفهوم الهويّة، لا بدّ قبل أيّ اعتبار آخر، النظر في واقع استقلال هذه الهويّة، عن أيّة سيادة غير سيادتها، وأن يكون من يحملها قادر على اتّخاذ قراره ذاتيّا، دون أن تكون قراراته محض أوراق في مهبّ الرياح.. وصفي كان أوّل من وضع النقاط على الحروف فيما يتعلّق بهذه المسألة، عندما أكد في أكثر من محطّة، أن من لا يزرع قمحه لا يملك قراره السياسي.
اليوم.. تقف الحكومات الأردنيّة المتعاقبة عاجزة أمام قرارات وإملاءات المؤسّسات الماليّة الدوليّة، حتّى باتت السفارات الأجنبيّة بؤر استقطاب لكثير من الساسة الذين يحاولون تلميع أسمائهم وتسويقها.. القرارات الإقتصاديّة لا تخرج عن دائرة الإملاءات الخارجيّة، ما يعني استحالة امتلاك قرار سياسي مستقلّ، بالمعنى الحقيقيّ للكلمة، وها هي اتّفاقيّة الغاز مع العدوّ الصهيوني، التي سترهن مستقبل البلاد لإرادة الإحتلال، خير برهان.. وفي هذه الليلة الظلماء، يفتقد الأردنيون فقيدهم وصفي.
الشهيد راهن على إرادة الناس، وآمن بإمكانيّة ووجوب استقلال القرار الأردني، كقرار سيادي، بصرف النظر عن ضعف إمكانيّات الدولة الأردنيّة، فكان له أن سارت الناس خلف مبادئه، التي مازال صداها يتردّد حتّى اليوم، مؤكدا استحالة الخلاص من نير التبعيّة، دون الإعتماد الكامل على الذات.
رفض الإعتراف بمعادلات القوّة الماديّة المجرّدة، والتسليم بأن الأردن بلد ضعيف الإمكانيّات، بل آمن بقوّة الإرادة، وبأن الإعتماد على الذات يحقّق المعجزات.. وهذا من يفتقر إليه الساسة الذين قوّضوا أهمّ قطاعات الإنتاج في الدولة الأردنيّة، وأخفوا عجزهم خلف ذرائع من قبيل شحّ الموارد، وضعف الإمكانات.
هنا يكمن السرّ الذي مكّن وصفي، دون سواه ممن تخلّوا عن نهجه، من صنع رمزيّة شكّلت نقطة ارتكاز، تنبغي الرجوع إليها في ظلّ حالة الضياع والالتباس المعياري، والاغتراب عن الذات والهويّة، في أتون التبعية.
النموذج الذي قدّمه وصفي يمكن تلخيصه بمصطلح "مبادئ الحرّاثين"، فمن لا يزرع قمحه لا يملك قراره.. هكذا وبكلّ اختصار.. أمّا المؤتمرات والندوات الإستعراضيّة الإعلاميّة، للعابرين بعده على الدوّار الرابع، وكلّ ما حاولوا تركه من بصمات، فلن يذكرها التاريخ إلاّ كمحطّات عابرة، كرّست كوارث التبعيّة، على حساب وجود الهويّة الوطنيّة الأردنيّة، التي كان وصفي حارسا لها. الإرادة تصنع المعجزات، هذه رسالة وصفي، التي تشكّل صفعة لكلّ من لا يراهن على الناس، وينحني أمام الإملاءات الخارجيّة.
نقلا عن jo24
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات