إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

هذه حكايتي مع كشك ابو علي للثقافة


عمان جو .

"" "" "" "" "" "" """"" "" "" "" "" "" "
بقلم الكاتب والمحلل الأمني د.بشير الدعجة

لمن لايعرف كشك حسن ابو علي للثقافة.... هو كشك لبيع الكتب في وسط البلد/عمّان... بجانب البنك العربي... مقابل مركز امن المدينة... كان ومازال رواده من المثقفين وطلبة العلم... حيث كانت قهوة السنترال (فوق) مطعم هاشم... واصبح تلاميذه لاحقا في مستويات وظيفة عليا وصلت إلى درجة رؤساء وزارات وأدنى من ذلك....
في ذات يوم واذكر في صيف عام 2007 - ان لم تَخُني ذاكرتي- وكنت ناطقاً اعلامياً للأمن العام.... وبينما كنت في جولة على وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية... تلقيت اتصالاً عبر الموبايل من مدير الأمن العام الفريق اول محمد ماجد العيطان - طيب الله ثراه - وجرى الحوار التالي بيننا...
الباشا العيطان: وين انت الآن؟
انا: جولة على وسائل الإعلام سيدي..
الباشا: تعرف كشك ابو علي لبيع الكتب اللي بوسط البلد؟
انا : نعم سيدي.. اعرفه مكانه جيداً لكني لا اعرف صاحبه..
الباشا: تنزل عليه ولما تصل لعنده خبرني هاتفياً ... وما بدي اشوف اي مظهر شرطة هناك في المنطقة كلها... ولا تخبر احد بذلك..
انا : امرك يا باشا...
اغلق الباشا هاتفه وانتهى الحوار بيننا... مباشرة التقطت الاشارة التي ارادها الباشا ... فاتصلت مع المكتب الإعلامي الأمني (إدارة الإعلام الأمني لاحقا) والتي كنت رئيسها... وطلبت من مساعدي ارسال مصورين ( مصور تلفزيوني... مصور فيديو ... مصور فوتغرافي) على ان يُقابلوني عند مركز أمن المدينة بوسط البلد / عمان بأسرع وقت ممكن...
توجهت إلى وسط البلد مع سائقي محمد الدعجة... ووصلت عند كشك ابو علي للثقافة ولكني لم اتحدث اليه... وقمت بمسح المنطقة والتأكد من عدم وجود أي مظهر وتواجد لرجال الأمن... فشاهدت رجل مرور... فاتح(نقطة تفتيش) وواضع (الاقماع الفسفورية) بالقرب من الكشك... فتوجهت الية - وكنت ارتدي اللباس المدني- وعرفّته بصبغتي الوظيفية... وطلبت منه تغيير مكان نقطة التفتيش والتوجه إلى منطقة مطعم القدس وفتح النقطة هناك ... الا انه رفض... وقال لي ( يا سيدي هذا امر عمليات ولا استطيع تغيير مكانها على راسي لانهم رايحيين يحاكموني...)... فأجريت اتصال مع رئيس قسم مرور العاصمة... المقدم محمد الزبيدي... واخبرته ان الباشا مرّ من منطقة وسط البلد وشاهد نقطة التفتيش عند كشك ابو علي للثقافة وكان بجولة وكنت بمعيته... وأمر بتحريك النقطة للأعلى بإتجاه مطعم القدس... لأن وضعها ليس صحيحاً على تقاطع طرق وهذا يعيق حركة المرور ويخلق مشكلة مرورية... فأمر المقدم الزبيدي بتغييرها فورا.... بعدها توجهت إلى مركز أمن المدينة حيث شاهدت عدد من رجاله يقفون امام المركز على الشارع المقابل لكشك ابو علي... فقابلت رئيس المركز المقدم قاسم الرحاحلة- رحمة الله عليه-وكان صديقاً فاضطررت لابلاغه بقدوم مدير الأمن العام لوسط البلد... ولا اعرف لأي منطقة في وسط البلد. ... وقلت له صدقاً لا أعرف لماذا... فقط طلب مني التوجه لوسط البلد.. .. ومن باب الاحتياط دير بالك ورتب امورك... ممكن تكون زيارة له على المركز الامني... وطلبت منه عدم تواجد رجال الأمن العام بالزي العسكري او المدني التابعين للمركز في المنطقة... (وخليهم) داخل المركز الامني..
بعدها توجهت إلى بوابة المركز الامني وماهي الا لحظات حضر طاقمي التصويري... وتوجهنا معاً إلى كشك ابو علي... واتصلت مع الباشا أنني الآن متواجد عند الكشك... فاخبرني انه بإتجاهنا... وانا لغاية اللحظة لا اعرف السبب ويسألوني زملائي المصورين عن سبب تواجدنا فأخبرتهم بعد قليل تعرفوا كل شيء.. وقلت لهم فقط كونوا جاهزين..
فعلاً ما هي الا لحظات وصل الباشا مع مرافقه النقيب جوزيف كركر... واوقف سيارته امام مركز أمن المدينة وترجل سيراً على الاقدام باتجاه كشك ابو علي... وانا لا اعرف ما السبب....وطلبت من المصورين التقاط الصور بالتركيز واية احداث تجري... وابلغت المصور التلفزيوني ان يكون مستعداً لتصوير اي حوار او مقابلة تلفزيونية سأجريها مع الباشا او اي شخص آخر...
نظر الباشا اللي وإلى طاقم التصوير وسلم علينا... عندها علمت ان التقاطي لاشارته كان صحيحا ( احضاري) لطاقم التصوير....
اقترب من الكشك وسلم على مالكه حسن ابو علي... ودار الحديث التالي بينهما:-
الباشا: كيفك يا ابو علي..
ابو علي : الحمد لله يا باشا والله يديم نعمة الأمن والأمان علينا..
الباشا: يا ابو علي انت انسان كويس ومعروف وعلم ثقافي في عمان وتتلمذ من كشك عشرات المثقفين الذين اصبحوا اعلاما في الاردن...
ابو علي: هذا من فضل الله يا باشا والحمد لله..
الباشا: ابو علي انت رجل مخلص وتحافظ على أمن البلد من خلال بيعك الكتب اللي ما فيها أي شيء يسيء للوطن... كيف يا ابو علي صاير تبيع كتب ممنوع تداولها داخل الاردن؟
ابو علي: والله يا باشا ما بعرف عن الكتابين انهم ممنوعات لانه حصلت عليم من شركة التوزيع واعتقدت انهم مسموح تداولهم... فتفاجأت بأمن وقائي مركز امن المدينة وطلبوا مني تفتيش الكشك وضبطوا الكتابين والقوا القبض علي واقتادوني للمركز الأمني وحققوا معي...
الباشا : كيف كان تعامل الامن الوقائي معك..
ابو علي: والله يا باشا كانوا محترمين جدا جدا معي ومابدر منهم اي شيء غلط لاسمح الله..
الباشا : هاي المرة سماح يا ابو علي لانك رجل صنعت معظم مثقفين الاردن ودير بالك من توزيع اي كتاب ممنوع..
ابو علي: ان شاء الله تعالى ياباشا انا احافظ على أمن البلد ولكن هفوة وان شاء الله تعالى ما بتتكرر..
الباشا: كم ثمن الكتابين اللي صادروهم الأمن الوقائي..
ابو علي : هظول هدية مني الك..
الباشا: هديتك مقبولة لكن ليس بمثل هذا الظرف وبمثل هذه الكتب... كم ثمنهم يا ابو علي
ابو علي : اعتبرهن هدية مني لوزير الداخلية...
الباشا: قلت لك هديتك مقبولة لكن مش بهذه الظروف وبمثل هيك كتب... كم الثمن يا ابو علي..
ابو علي: ثمنهم خمسة دنانير...
الباشا: الكتاب الوحد...
ابو علي: الاثنين يا باشا...
الباشا: اكيد يا ابو علي... اكيد خمسة دنانير بس..
ابو علي: نعم يا باشا خمسة دنانير...
عندها التفت الباشا اليَّ... وقال معك خمسين دينار... فقلت نعم يا باشا... قال اعطيهم لابو علي وبس نرجع على المديرية خليهم يرجعوهن الك.... قلت تأمر يا باشا... واعطيت ابو علي خمسين دينار بدل مصادرة الكتابين...
ودار حديث ودي بين ابو علي والباشا... وبعد ذلك غادر الباشا باتجاه مديرية الأمن العام....
وهنا بدأ دوري الإعلامي... فمن معطيات الحادثة وزيارة الباشا شخصياً لأبي علي.... فأن الأمر يحتاج إلى تغطية اعلامية... ولكن اي تغطية... هل احرر خبر صحفي بذلك واسرد الحدث كما حصل واقوم بتوزيعه على وسائل الاعلام والصحافة ؟ وبالتالي تكون روايتنا ضعيفة وقد يأخذ بها البعض وقد لا يأخذ... فتيقنت ان موقفي الإعلامي في هذه الحالة ضعيف.... ام اقوم باخبار الصحفيين والاعلاميين بذلك وهم كل واحد منهم يتناوله من منظوره الشخصي وتكون المصداقية اكثر ونسبتها أعلى...
فاخترت الخيار الثاني... وقمت بالاتصال بالصحفيين وكذلك كتاب الزاويا والاعمدة المهتمين بالشأن الأمني وسردت عليهم الواقعة... وابلغتهم ان لدي صور متنوعة عن الحادثة استطيع تزويدهم بها....
ثم اجريت اتصال مع مندوبي الصحف اليومية الصحفي موفق كمال .. جريدة الغد... وليندا معايعة... جريدة العرب اليوم... واحمد كريشان جريدة الرأي.... ونايف المعاني - طيب الله ثراه - جريدة الدستور وابلغتهم بالحادثك... واستعديت لهم بتزويدهم بالصور كاملة....لكن الصحفية المبدعة ليندا معايعة رغبت باجراء مقابلة مع ابو علي حول ذلك... و أخبرتني ان ليس لديها سيارة في هذه اللحظة من أجل اجراء المقابلة الصحفية... فارسلت لها سيارتي وسائقي... وفعلا حضرت ومعها مصورها واجرت مقابلة صحفية موسعة مع ابو علي حول الزيارة....
ثم توجهت إلى مديرية الأمن العام وابلغت الباشا بالاجراء الإعلامي الذي اتخذته فشكرني مع عبارة ما كان له داعي... لكنني اعرف الباشا جيدا وكنت حافظ سلوكياته ورغباته عن ظهر قلب...
وقال لي : انه اتصل كثيرا من المسؤولين والمثقفين والادباء وغيرهم عندما القى الأمن الوقائي على ابو علي اثر عرضه كتابين ممنوع تداولهما في الاردن... وابلغوني انه معلم حضاري وثقافي في عمان... وعلم من اعلامها... لذلك قررت زيارته اكراما لهذا الصرح العلمي والحضاري والثقافي... مع يقيني التام انه لا يعلم بممنوعية تداول هاذين الكتابين...
في اليوم التالي امتلأت صفحات الصحف والمواقع الالكترونية بخبر الزيارة وردود الفعل كانت ابجاببة جدا من الصحفيين وكتاب الزوايا والاعمدة وبعض المثقفين والمسؤولين بالدولة... حتى ان الباشا قال لي انه تلقى اتصالات كثيرة من غالبية رجالات الدولة الذين يعرفون ابو علي وتتلمذوا على كتبه عدا المثقفين والادباء..ويشكروني على هذه اللفتة الانسانية...
الباشا العيطان- رحمة الله عليه - كان إنسانا وحليما... كان ذو حكمة... يزن الأمور... ويقدر ويحترم الإنسان... كان ذو بصيرة ونظرة ثاقبة... ذكي فوق العادة... قائداً فذاً تعلمت منه القيادة الصحيحة... وكيف تكون قائدا حازما شديدا وانسان في نفس الوقت.... كان صاحب علم وثقافة ... يحب المثقفين ويجلهم ويحترمهم....

مناسبة المقال
"" "" "" "" "" "" ""
انا أمارس الرياضة بشكل يومي... واقطع مسافة (8-10) كم يوميا... وانزل كل اسبوع... يوم الخميس على وسط البلد سيرا على الاقدام... وهذا الخميس... مارست الرياضة من دوار المدينة الرياضية مرورا بدوار الداخلية فشارع الملك الحسين باتجاه العبدلي حتى انتهيت بوسط البلد... فقررت زيارة كشك ابو علي وتذكرت في تلك اللحظة الحادثة.... حيث اقتربت من ابو علي ونظرت اليه... الا انه كان مشغولا ولم يعرني انتباها.ً...فتسمرت واطلت النظر اليه... عندها انتبه... وتوجه نحوي... وقال لي... شو طلبك... فقلت له ان بيني وبينك قصة فجئت إلى كشك لاتذكرها... فنظر الي بتمعن وصمت... فذكرّته بالحادثة.... فتقدم نحوي وطبع قبلة على راسي... وقال والحسرة ظاهرة بنبرات صوته... الرجال راحت... الرجال الكويسة ما ظل منها ناس.... رحمة الله على الباشا العيطان... ثم دار حديث قصير بيني وبينه وطلب مني الجلوس وضيافتي كأس شاي او شراب بارد.... فاعتذرت منه... وطلبت منه مواصلت مسيري باتجاه المسجد الحسيني لاداء فريضة صلاة العصر....
هذه إحدى ذكريات الزمن الجميل... وهذه قصتي مع قائد فذّ وانسان نبيل ( الباشا محمد العيطان) رحمة الله عليه .. ومع علم حضاري وثقافي من اعلام الاردن(حسن ابوعلي)... وللذكزيات بقية...
د. بشير _الدعجة




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :