إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

دموع النساء


عبدالهادي راجي المجالي اجبد


عمان جو.
... مشهد غريب حدث أمامي أمس , وربما يدعو للسخرية والحزن في ذات الوقت ...جدل حاد بين سائق تكسي يبدو أنه شاب في مقتبل العمر , واشترت له العائلة سيارة صغيرة وجديدة , ويعمل ضمن الشركات التي تتبع التطبيقات الذكية , وصبية جميلة في مقتبل العمر أيضا .
أنا كنت أمشي في الشارع المحاذي لمنزلي , على أمل أن أحرق مزيدا من الكوليسترول ..وصادفتهم يتجادلون بحدة , ويبدو أن الصبية في نظرتها أحسست أنها تريد الإستنجاد بي وأنا بطبعي (نشمي) ولا أخذل صبية .
القصة باختصار أن الصبية معها كلب , وتريد الذهاب إلى (البوليفارد) , والشاب يرفض أن يصعد الكلب معه , قال لي بالحرف الواحد : أن الحيوانات لا تصعد معه في السيارة , بالمقابل الفتاة مصرة أن يصعد كلبها معها وأخبرتني بغضب وألم : (اطلع عمو ئديش كيوت والله ما بأذي) - أنا أوجعتني كلمة عمو بصراحة - ..ولكني مررتها .
حاولت تجسير الفجوة بين الأطراف , وحاولت إقناع السائق ..بأنه في النهاية حيوان , وإذا فعلها على الفرش الخاص بالسيارة فهي مجبرة على دفع ثمن الأضرار , ولكن الشاب سائق التكسي عاند الأمر وأخبرني أن السيارة التي يملكها , لم تقطع (2000) كيلوا بعد ...وأنه لا ينقل الكلاب لأن الأمر ليس مرتبطا بالكلب بقدر ارتباطه بالكرامة .
الصبية غضبت , ودونت رقم السيارة على هاتفها , واقسمت أن تتصل بالشرطة ..والشاب هو الاخر غضب , وقال لي : ( عمو إنت شاهد ع القصىة بلاش هاي اتروح تبليني ) ...وأنا بطبعي كرهت هذا الوصف وقلت في قلبي : (عمى الدببة ان شالله) ..ولكني جسرت الفجوة بينهم , وأخذت الشاب على انفراد , وأخبرته أن الرزق يحتاج لتضحية وتحمل , وعرضت بعضا من تجاربي في الحياة – طبعا ليس مع الكلاب – ولكن مع أناس يعتقدون في لحظة أن الكلاب مخلوقات رقيقة ويجب أن تحترم , في النهاية اقتنع الشاب بالأمر .
الغريب في المشهد أن الكلب بقي صامتا ويراقب صراخهم , ولم يحتد أو يفعل شيئا ..وحين هدأت الصبية وهمت بصعود السيارة , تحول إلى أسد وانطلق نحوي ..وأنا هربت , وهي تمسكه بقوة وتصرخ عليه : (بارني إهدا ..) .
في النهاية تمت السيطرة على الكلب , ولكن السيطرة على سائق التكسي باءت بالفشل لأنه حين شاهد شراسة كلبها واندفاعه , عاد لرفض الأمر من جديد ...وشعر بالخوف , وأظن أنه محق في ذلك ... وأنا انسحبت خوفا من الكلب , والصبية ظلت وقفت على الرصيف ودمعها ..على الخد , والبرد كان يجتاحها , فرجفة يديها كانت واضحة .
تلك ليست قصة من نسج الخيال ولكنها حادثة حصلت أمامي أمس , واختصرت حياتي كلها فحين دققت في المشهد ..اكتشف أن الحياة تختزل في هذه القصة , فأنا موزع بين دموع النساء التي تقهرني ولا أجرؤ إلا أن انحاز لها , وبين الكلاب التي تنهش لحمي وتطاردني ..وبين رزق يسير وبسيط , يريده هذا الشاب ولكن بكرامة ..ومن دون أن يوصل الكلاب لغايتهم ...
بين دموع النساء وتعب الرزق وعواء الكلاب ...تختصر الحياة .

نقلا عن الرأي




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :