الأردن يتقشف "شكليا" لمواجهة أزمته الاقتصادية
عمان جو - طارق الديلواني
يسابق الأردن الزمن في محاولة منه لمواجهة أزمته الاقتصادية، خصوصاً بعد الزيارة الأخيرة لوفد صندوق النقد الدولي. ففي سبيل ذلك، اتخذت الحكومة الأردنية سلسلة قرارات اعتُبرت مجرد حبر على ورق، نظراً إلى ضغوط صندوق النقد لاتخاذ إجراءات قاسية تتمثل في ارتفاعات جديدة للأسعار والضرائب.
وعمدت عمان إلى إيقاف تنفيذ المشاريع الرأسمالية كافة التي لم يتم البدء بإنشائها بعد، كما باشرت بإجراءات للتقشف وخفض الإنفاق الحكومي، إضافةً إلى إطلاق حزم عدّة لتحسين مستويات المعيشة للمواطن والتقليل من الترهل الإداري وخفض عدد الموظفين الحكوميين.
وخلافاً لآراء المتشائمين، يتوقع البنك المركزي الأردني معدلات نمو اقتصادي خلال السنوات الخمس المقبلة، تتراوح بين 2 و3.3 في المئة، كما أن المؤشرات تتحدث عن تحسن الصادرات والعجز في الميزان التجاري، ونمو الدخل السياحي وثبات معدل نمو حوالات العاملين في الخارج، وارتفاع الاستثمار الأجنبي المباشر خلال السنوات المقبلة.
زيادة مرتقبة لأسعار الكهرباء
ويقول المحلل الاقتصادي أنس ضمرة لـ"اندبندنت عربية"، إن "الأردنيين اعتادوا على قرارات اقتصادية صعبة عقب إعلان أي برنامج إصلاح مالي مع صندوق النقد الدولي، وإن البنك الدولي تحدث في ورقة سياسات أعدّها بناءً على طلب الحكومة الأردنية عن آلية جديدة لأسعار الكهرباء، تتضمن إعادة توجيه الدعم". وهذا الحديث أيضاً تكرر في المؤتمر الصحافي لمندوب صندوق النقد الدولي أثناء الإعلان الرسمي للقرض الأردني الأخير. وهذا يعني زيادة مرتقبة على أسعار الكهرباء، بناء على توجيهات الصندوق.
صناديق التقاعد تئن
يؤكد ضمرة أن الحكومة الأردنية أحالت موظفين إلى التقاعد، بهدف إيجاد مزيد من فرص العمل في القطاع الحكومي لمواجهة أرقام البطالة المتصاعدة، إلاّ أنّ هذا القرار يدلّ على حجم الأزمة والإفلاس لدى عمان لتلجأ لخيار "استبدال" الموظفين، عوضاً عن خلق فرص عمل جديدة للعاطلين عن العمل.
ويرى أن عملية الإحالة إلى التقاعد حصلت بشكل "غير طبيعي" يفوق توقعات واستيعاب صناديق التقاعد، وبالتالي سيشكّل ضغطاً بشكل رئيس على هذه الصناديق وموجوداتها، باعتبار أن هؤلاء الموظفين كانوا مجدولين على عدد من السنوات لتتم إحالتهم إلى التقاعد تدريجاً بشكل طبيعي... إنما أُقيلوا في يوم واحد وهذا ربما سينعكس صدمة اقتصادية على صندوق التقاعد.
أما زيادة الحد الأدنى للأجور الذي شمل الأردنيين والمهاجرين بحسب ضمرة، فله انعكاسات إيجابية على السوق، إلاّ أنّ الفجوة بالأجور بين العمال الأردنيين والوافدين ستعمّق أزمة الحكومة بمحاولاتها الدائمة في "أردنة" الوظائف، بحيث يتجه القطاع الخاص دائماً إلى العمال الأقل تكلفة. وفي الحالة الأردنية العمالة المهاجرة هي الأقل تكلفة وبذلك تكون لها الأفضلية في الحصول على فرص العمل، ناهيك عن التمييز الذي يلي هذا القرار.
تقشف شكلي
وبالنسبة إلى إجراءات التقشف، يوضح ضمرة، أن "مجلس النواب أقرّ موازنة العام 2020 وهي تقريباً نسخة مطابقة للأعوام السابقة، والحكومة لم تتحدث عن موازنة تقشفية في الـ2020، علماً أنها تذهب بغالبيتها إلى نفقات جارية وأهمها الرواتب والأجور، إضافةً إلى كلفة التمويل المتعلقة بسداد القروض الداخلية والخارجية".
ويعتبر تعليق مجموعة من المشاريع الاستثمارية خطوة غير تقشفية، لأنها يمكن أن تسهم في تعميق الأزمة، باعتبار أن هذه المشاريع تساعد في تحريك الاقتصاد، وتخلق فرص عمل جديدة. بالتالي، فإنّ وقفها ينعكس سلباً على السوق.
ويرى أن على الحكومة أن تفكر الآن في محركات الاقتصاد الرئيسة وهي التحفيز والنمو، إذ لا يمكن لحالة الركود التي نعيشها أن تنتهي إلاّ بتحقيق نسب مرتفعة لا تقل عن أربعة في المئة سنوياً، بينما لا تتجاوز حاليا نسبة 2.2 في المئة.
كما أن قانون ضريبة الدخل يزيد نسب الاقتطاع في العام الحالي 2020 وهذا من شأنه زيادة الأعباء الضريبية المباشرة على المكلفين، بينما تهمل الحكومة مواجهة التهرب الضريبي المقدر بحوالى مليار دينار.
حزمة اقتصاديّة بلا دسم
في السياق، يشير الكاتب الاقتصادي محمود الخطاطبة إلى استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية، وخلُص إلى أنّ أكثر من نصف الأردنيين يرون أنه يتوجب على الحكومة إنفاق مزيد من الأموال على خدمات التعليم والصحة والتأمين الصحي.
الخطاطبة يقول إن "المواطن الأردني أصبح فاقداً للأمل بتحسين وضعه المعيشي، كما أصبح على ما يبدو غير مهتم بقضيتي الفقر والبطالة وأي أمور أخرى، وبات اهتمامه ينصبّ على التعليم والصحة، وهما أمران أساسيان في الدستور".
ويشير إلى أن بعثة صندوق النقد الدولي، التي زارت عمان في الفترة الأخيرة، حدّدت أربع أولويات لاعتماد برنامج اقتصادي جديد مدته ثلاثة أعوام، تتمثل في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي ودعم النمو وإيجاد وظائف وتعزيز الحماية الاجتماعية، مؤكداً بدوره الحديث عن تسريبات تشير إلى رفع الدعم عن الكهرباء والماء، وكذلك عن الخبز، المادة الرئيسة بطبيعة الحال.
ويصف الخطاطبة الحزم الاقتصادية التي أطلقتها الحكومة الأردنية على مراحل بأنها "بلا دسم"، لافتاً إلى حالة الركود الاقتصادي التي تخيّم على قطاع تجاري كبير في العاصمة عمان.
التوسع في الاقتراض
أما وزير المالية الأسبق الدكتور محمد أبو حمور، فيوضح أن الأردن طوّر خلال السنوات الماضية أسلوب إعداد الموازنة وتحديثها وتنفيذها ورفع مستوى شفافيتها إلى مراتب متقدمة أهّلته ليحتلّ المرتبة الأولى عربياً بتقرير شفافية الموازنة، مضيفاً "كان لا بد من الاستمرار بتعميق نهج الإصلاح المالي لضمان كفاءة الإنفاق وتوزيعه بشكل عادل على مختلف مناطق البلاد، وبما يعزّز النمو الاقتصادي ويسهم في خلق بيئة استثمارية محفّزة، وصولاً إلى تخفيض العجز وزيادة الاعتماد على الذات".
ويؤكد أبو حمور أن ظروف الأردن اختلفت، إذ شهدت خلال السنوات العشر الأخيرة توسعاً في الاقتراض لتغطية نفقات جارية، وهذا من أخطر ما قد يتم اللجوء إليه، نظراً إلى ما يترتب عليه من مصاعب وآثار اقتصادية سلبية، إضافة إلى زيادة أعباء خدمة الدين وتراجع التصنيف الائتماني.
عبء الطاقة يثقل كاهل الأردن
في السياق ذاته، يوصي الوزير الأسبق ابراهيم بدران بضرورة إعادة تنظيم قطاع الطاقة وإلغاء اتفاقية الغاز الإسرائيلي وإعادة هيكلة التعرفة الكهربائية وتوسيع استخدام الطاقة البديلة واستغلال الغاز الطبيعي والتركيز على اقتصاديات الطاقة، لافتاً إلى أن مجمل كلفة الطاقة في الأردن تبلغ أكثر من خمسة مليارات دولار، إضافة إلى مليار ونصف دولار كرسوم وجمارك، في حين يستورد الأردن حوالى 93 في المئة من حاجاته من الخارج، تتوزع بين نفط خام ومشتقاته وغاز طبيعي سائل وعادي، كاشفاً عن أن عبء الطاقة في البلاد يشكّل عشرة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
اندبيندت
عمان جو - طارق الديلواني
يسابق الأردن الزمن في محاولة منه لمواجهة أزمته الاقتصادية، خصوصاً بعد الزيارة الأخيرة لوفد صندوق النقد الدولي. ففي سبيل ذلك، اتخذت الحكومة الأردنية سلسلة قرارات اعتُبرت مجرد حبر على ورق، نظراً إلى ضغوط صندوق النقد لاتخاذ إجراءات قاسية تتمثل في ارتفاعات جديدة للأسعار والضرائب.
وعمدت عمان إلى إيقاف تنفيذ المشاريع الرأسمالية كافة التي لم يتم البدء بإنشائها بعد، كما باشرت بإجراءات للتقشف وخفض الإنفاق الحكومي، إضافةً إلى إطلاق حزم عدّة لتحسين مستويات المعيشة للمواطن والتقليل من الترهل الإداري وخفض عدد الموظفين الحكوميين.
وخلافاً لآراء المتشائمين، يتوقع البنك المركزي الأردني معدلات نمو اقتصادي خلال السنوات الخمس المقبلة، تتراوح بين 2 و3.3 في المئة، كما أن المؤشرات تتحدث عن تحسن الصادرات والعجز في الميزان التجاري، ونمو الدخل السياحي وثبات معدل نمو حوالات العاملين في الخارج، وارتفاع الاستثمار الأجنبي المباشر خلال السنوات المقبلة.
زيادة مرتقبة لأسعار الكهرباء
ويقول المحلل الاقتصادي أنس ضمرة لـ"اندبندنت عربية"، إن "الأردنيين اعتادوا على قرارات اقتصادية صعبة عقب إعلان أي برنامج إصلاح مالي مع صندوق النقد الدولي، وإن البنك الدولي تحدث في ورقة سياسات أعدّها بناءً على طلب الحكومة الأردنية عن آلية جديدة لأسعار الكهرباء، تتضمن إعادة توجيه الدعم". وهذا الحديث أيضاً تكرر في المؤتمر الصحافي لمندوب صندوق النقد الدولي أثناء الإعلان الرسمي للقرض الأردني الأخير. وهذا يعني زيادة مرتقبة على أسعار الكهرباء، بناء على توجيهات الصندوق.
صناديق التقاعد تئن
يؤكد ضمرة أن الحكومة الأردنية أحالت موظفين إلى التقاعد، بهدف إيجاد مزيد من فرص العمل في القطاع الحكومي لمواجهة أرقام البطالة المتصاعدة، إلاّ أنّ هذا القرار يدلّ على حجم الأزمة والإفلاس لدى عمان لتلجأ لخيار "استبدال" الموظفين، عوضاً عن خلق فرص عمل جديدة للعاطلين عن العمل.
ويرى أن عملية الإحالة إلى التقاعد حصلت بشكل "غير طبيعي" يفوق توقعات واستيعاب صناديق التقاعد، وبالتالي سيشكّل ضغطاً بشكل رئيس على هذه الصناديق وموجوداتها، باعتبار أن هؤلاء الموظفين كانوا مجدولين على عدد من السنوات لتتم إحالتهم إلى التقاعد تدريجاً بشكل طبيعي... إنما أُقيلوا في يوم واحد وهذا ربما سينعكس صدمة اقتصادية على صندوق التقاعد.
أما زيادة الحد الأدنى للأجور الذي شمل الأردنيين والمهاجرين بحسب ضمرة، فله انعكاسات إيجابية على السوق، إلاّ أنّ الفجوة بالأجور بين العمال الأردنيين والوافدين ستعمّق أزمة الحكومة بمحاولاتها الدائمة في "أردنة" الوظائف، بحيث يتجه القطاع الخاص دائماً إلى العمال الأقل تكلفة. وفي الحالة الأردنية العمالة المهاجرة هي الأقل تكلفة وبذلك تكون لها الأفضلية في الحصول على فرص العمل، ناهيك عن التمييز الذي يلي هذا القرار.
تقشف شكلي
وبالنسبة إلى إجراءات التقشف، يوضح ضمرة، أن "مجلس النواب أقرّ موازنة العام 2020 وهي تقريباً نسخة مطابقة للأعوام السابقة، والحكومة لم تتحدث عن موازنة تقشفية في الـ2020، علماً أنها تذهب بغالبيتها إلى نفقات جارية وأهمها الرواتب والأجور، إضافةً إلى كلفة التمويل المتعلقة بسداد القروض الداخلية والخارجية".
ويعتبر تعليق مجموعة من المشاريع الاستثمارية خطوة غير تقشفية، لأنها يمكن أن تسهم في تعميق الأزمة، باعتبار أن هذه المشاريع تساعد في تحريك الاقتصاد، وتخلق فرص عمل جديدة. بالتالي، فإنّ وقفها ينعكس سلباً على السوق.
ويرى أن على الحكومة أن تفكر الآن في محركات الاقتصاد الرئيسة وهي التحفيز والنمو، إذ لا يمكن لحالة الركود التي نعيشها أن تنتهي إلاّ بتحقيق نسب مرتفعة لا تقل عن أربعة في المئة سنوياً، بينما لا تتجاوز حاليا نسبة 2.2 في المئة.
كما أن قانون ضريبة الدخل يزيد نسب الاقتطاع في العام الحالي 2020 وهذا من شأنه زيادة الأعباء الضريبية المباشرة على المكلفين، بينما تهمل الحكومة مواجهة التهرب الضريبي المقدر بحوالى مليار دينار.
حزمة اقتصاديّة بلا دسم
في السياق، يشير الكاتب الاقتصادي محمود الخطاطبة إلى استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية، وخلُص إلى أنّ أكثر من نصف الأردنيين يرون أنه يتوجب على الحكومة إنفاق مزيد من الأموال على خدمات التعليم والصحة والتأمين الصحي.
الخطاطبة يقول إن "المواطن الأردني أصبح فاقداً للأمل بتحسين وضعه المعيشي، كما أصبح على ما يبدو غير مهتم بقضيتي الفقر والبطالة وأي أمور أخرى، وبات اهتمامه ينصبّ على التعليم والصحة، وهما أمران أساسيان في الدستور".
ويشير إلى أن بعثة صندوق النقد الدولي، التي زارت عمان في الفترة الأخيرة، حدّدت أربع أولويات لاعتماد برنامج اقتصادي جديد مدته ثلاثة أعوام، تتمثل في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي ودعم النمو وإيجاد وظائف وتعزيز الحماية الاجتماعية، مؤكداً بدوره الحديث عن تسريبات تشير إلى رفع الدعم عن الكهرباء والماء، وكذلك عن الخبز، المادة الرئيسة بطبيعة الحال.
ويصف الخطاطبة الحزم الاقتصادية التي أطلقتها الحكومة الأردنية على مراحل بأنها "بلا دسم"، لافتاً إلى حالة الركود الاقتصادي التي تخيّم على قطاع تجاري كبير في العاصمة عمان.
التوسع في الاقتراض
أما وزير المالية الأسبق الدكتور محمد أبو حمور، فيوضح أن الأردن طوّر خلال السنوات الماضية أسلوب إعداد الموازنة وتحديثها وتنفيذها ورفع مستوى شفافيتها إلى مراتب متقدمة أهّلته ليحتلّ المرتبة الأولى عربياً بتقرير شفافية الموازنة، مضيفاً "كان لا بد من الاستمرار بتعميق نهج الإصلاح المالي لضمان كفاءة الإنفاق وتوزيعه بشكل عادل على مختلف مناطق البلاد، وبما يعزّز النمو الاقتصادي ويسهم في خلق بيئة استثمارية محفّزة، وصولاً إلى تخفيض العجز وزيادة الاعتماد على الذات".
ويؤكد أبو حمور أن ظروف الأردن اختلفت، إذ شهدت خلال السنوات العشر الأخيرة توسعاً في الاقتراض لتغطية نفقات جارية، وهذا من أخطر ما قد يتم اللجوء إليه، نظراً إلى ما يترتب عليه من مصاعب وآثار اقتصادية سلبية، إضافة إلى زيادة أعباء خدمة الدين وتراجع التصنيف الائتماني.
عبء الطاقة يثقل كاهل الأردن
في السياق ذاته، يوصي الوزير الأسبق ابراهيم بدران بضرورة إعادة تنظيم قطاع الطاقة وإلغاء اتفاقية الغاز الإسرائيلي وإعادة هيكلة التعرفة الكهربائية وتوسيع استخدام الطاقة البديلة واستغلال الغاز الطبيعي والتركيز على اقتصاديات الطاقة، لافتاً إلى أن مجمل كلفة الطاقة في الأردن تبلغ أكثر من خمسة مليارات دولار، إضافة إلى مليار ونصف دولار كرسوم وجمارك، في حين يستورد الأردن حوالى 93 في المئة من حاجاته من الخارج، تتوزع بين نفط خام ومشتقاته وغاز طبيعي سائل وعادي، كاشفاً عن أن عبء الطاقة في البلاد يشكّل عشرة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
اندبيندت