إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

الدولة العربية في أذهان مفكري العرب .. استقلال .. حرية .. عدالة .. هوية جامعة


عمان جو - مؤيد الحباشنة ومازن النعيمي- خلصت ندوة متخصصة حول "الثورة العربية الكبرى ودورها في تشكيل النظام العربي" إلى أن فكرة الدولة العربية كانت ناضجة في أذهان مفكري العرب في بلاد الشام ومصر وعرب المهجر، واتضحت في الجمعيات الفكرية والأحزاب ومداخلات الموفدين العرب إلى مجلس "المبعوثان".
وعلى ذلك قدمت الندوة أنموذجا للدولة مثلته الحكومة العربية الفيصلية في دمشق والتي كانت أول تجربة عربية لقيام دولة عربية حديثة بعد انهيار الحكم العثماني، تبعها توحيد العراق (الموصل وبغداد والبصرة) تحت حكم واحد ليفضي إلى إقامة دولة ديمقراطية برلمانية دستورية، مثلما اعتبرت أن التجربة البرلمانية العربية الأولى في دمشق تعد أنموذجاً راقياً لبدايات الدولة وتطبيقاً متميزاً لفكر النهضة.
وشارك في الندوة التي نظمتها وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أساتذة التاريخ في جامعة آل البيت الدكتورة هند أبو الشعر، وفي الجامعة الأردنية الدكتور عبد المجيد الشناق، وفي جامعة اليرموك الدكتور أحمد الجوارنة.
ولفت المتحدثون إلى أن وجود تحديات وقفت أمام قيام الدولة العربية الموحدة ابتداءً من الزحف الأوروبي للمنطقة العربية واحتلالهم لدول المغرب العربي وبعض المناطق الواقعة على الخليج العربي باستثناء الحجاز وبلاد الشام والعراق التي كانت تتبع لحكم الدولة العثمانية، ومروراً بتبعيات الجهل والأمية، وانتهاء بالواقع الاقتصادي الصعب الذي كان يلقي بظلاله على المنطقة آنذاك.
وأكد المتحدثون أن الحديث عن الثورة العربية الكبرى وفكرها ومبادئها وسجل انجازاتها يتطلب الخوض في أدبيات الثورة وقراءة ما كتبه الآخرون عنها في إشارة إلى بعض الكتاب العرب في المهجر الذين تحدثوا عن عمق ونضج المطالب العربية بالحرية والاستقلال والحياة الفضلى تحت راية عربية موحدة جامعة.
وفي نقاش مستفيض تمخض عن تساؤلات واستفسارات للمتحدثين، تناولت الندوة مفاصل مهمةً في مسارات الثورة والفكر التنويري الذي كان يحمله الشريف الحسين بن علي وأنجاله، ودور جريدة القبلة في إظهار منجزات النهضة التي انبثقت عنها الثورة العربية الكبرى، وغياب الجريدة عن الدراسة والتحليل لفترة طويلة، إلى جانب غياب التوسع والبحث في فكر الثورة عن المناهج المدرسية، وجدلية نظرة الحكم على الدولة العثمانية التي امتدت ولايتها لأربعة قرون بين حضور من جهة، وغطرسة وظلم تمثل في ممارسات جمعية الإتحاد والترقي من جهة أخرى.

د. هند أبو الشعر.
واستهلت الدكتورة هند أبو الشعر حديثها بطرح تساؤلات عن "كيف فكر العرب في شكل الدولة التي يريدونها بعد انهيار الدولة العثمانية؟" فالعرب -حسب قولها- لم يعرفوا طوال القرون الأربعة غير نموذج الدولة العثمانية التي لم تعرف "هموم الرعايا ولن نسميهم مواطنين لأنهم في عرف دولتهم "رعايا".
واستعرضت بعضا من إجراءات الدولة في فرض الضرائب من الإقطاعيين على الرعايا، والتضييق عليهم، وممارسة أشد أنواع الاستبداد بحقهم وهي عوامل دفعت باتجاه التفكير بالخلاص من هذه الممارسات العبثية في اللغة والثقافة والاقتصاد.
وفي سرد تتابعي توقفت أبو الشعر عند مرحلة النصف الثاني من القرن التاسع عشر والتي شهدت بدايات حركة التنوير بظهور الجمعيات الأدبية والفكرية في بلاد الشام ومصر والأحزاب في الأستانة ودمشق وبيروت والقاهرة وبغداد وحلب وانتشار الصحافة العربية فيهم إضافة إلى بلاد المهجر، حيث كان لكل هذه المظاهر الفكرية أثرها في تشكيل فكرة الدولة العربية وصورة الحكم المطلوبة سواء كانت لامركزية أم مستقلة، وقد لعبت النخب السياسية العربية في الأستانة دوراً كبيراً في بلورة هذه التصورات خاصة مع قدوم المبعوثين العرب إلى مجلس المبعوثان أو بالبعثات العسكرية العربية إلى معاهد اسطنبول وتحديداً من العراقيين.
وظهرت كتابات بحسب قولها تؤكد على عروبة الخلافة وأنها في قريش كما جاهر بذلك عبد الرحمن الكواكبي أو على ضرورة قيام خليفة عربي في الحجاز يحكم الحجاز ويتولى الرئاسة الدينية لجميع المسلمين، مع انفصال العرب عن الدولة العثمانية وإنشاء دولة عربية تضم شبه الجزيرة العربية ودول الهلال الخصيب، وهو ما أشهره نجيب عازوري صاحب جريدة "جامعة الوطن العربي" ودعا إلى منح الحرية الدينية لجميع المواطنين، والمساواة بينهم في الحقوق والواجبات، وكل هذه المقدمات تؤشر على أن المفكرين العرب كانوا يهيئون للانسلاخ عن الدولة ويطرحون البديل عنها، والتي كانت تتورط في الحروب والديون وتبالغ بفرض الضرائب على الرعايا من عرب وغير عرب.
ولفتت أبو الشعر إلى أن عقد مؤتمر باريس عام 1913 كان خطوة حاسمة في مواجهة العروبة مع الطورانية التي أثارها حزب الاتحاد والترقي بعد وصوله إلى السلطة، وقد خرج بقرارات تطالب بالإصلاح الحقيقي والتمتع بالحقوق السياسية والاشتراك بالإدارة المركزية، ومنحهم الإدارة اللامركزية في كل ولاية عربية، واعتبار اللغة العربية لغة رسمية في البلاد العربية وان تكون الخدمة العسكرية محلية في الولايات العربية إلا في الظروف التي تدعو للاستثناء الأقصى.
واستعرضت محاور الدولة العربية لدى الشريف الحسين بن علي في مملكة الحجاز، وشملت أن تكون الدولة العربية واضحة المعالم في مراسلات الحسين - مكماهون، حيث اعتبرت اللغة العربية هي معيار العروبة والمطالبة بالاستقلال، وتلازم العروبة والإسلام معا في كل مطالباته، وحصول الأقليات على حقوقهم باعتبار العروبة هي مقياس الانتماء للمواطنة، مثلما شملت توضيح لواجبات الحاكم والمحكوم، ومعاني ومفهوم المواطنة، وإعطاء راية الدولة العربية الهاشمية موقعا خاصا، وجعل الرموز العربية حاضرة في تشكيلها وتعميمها.
وتمثلت المحاور في ايلاء التعليم جل الرعاية ودوره في بناء الدولة والاهتمام أيضا في شؤون الحجاج وإدارة مواسم الحج، وانتقاء القضاة وإعطائهم موقعا مميزا، لتأكيده على العدالة والمساواة وإحقاق الحق وتطبيق القانون في الدولة، وإعطاء جيش الدولة العربية الهاشمية في الحجاز أهمية استثنائية، كما أبرزت المحاور رؤية الحسين للدولة العربية بأنها دولة واحدة موحدة، ولم يطرح تصورات لحكم مركزي أو لا مركزي لأنه كان يدعو للتحرر والاستقلال والوحدة.
وفي إطار حديثها عن جريدة القبلة، قالت أبو الشعر أن "القبلة" التي نطقت بلسان النهضة العربية واشرف على افتتاحياتها وساهم في بعضها دلت على أن صورة الدولة كانت واضحة في ذهن الشريف وممارسته، كما أنها تنطلق من ترابط العروبة والإسلام بسبب دوره المعنوي الكبير في العالمين العربي والإسلامي انطلاقا من حفاظه على حقوق الأقليات وتأكيدها ممارسة وفكرا.
وتناولت صورة الدولة في أول دولة عربية خارج الحجاز والتجربة البرلمانية العربية الأولى في دمشق وفكرة الدولة العربية ونضوجها في أذهان مفكري العرب، ووضوحها في الجمعيات الفكرية والأحزاب ومداخلات الموفدين العرب إلى مجلس المبعوثان، ودور الصحافة العربية والمهجرية، وقراءة تحليلية في حياة العرب تحت مظلة الدولة العثمانية عبر 402 من السنوات.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :