المعشر يكتب: شدة وبتزول الضوء في آخر النفق
عمان جو. د. رجائي المعشر.
يعكس حديثُ جلالة الملك إلى شعبهِ ظاهرةً أردنيّةً فريدة: القائد يفتخر بشعبه الوفي الواعي الصبور ويفاخر به الدنيا. والشعب في كُلّ مناسبةٍ يفاخر العالم بملكه الشجاع الذي لا يوفر جهدا في سبيلِ رفع مستوى معيشة شعبه وتحسين نوعية حياته، وقبل كُلّ ذلك حماية هذا الشعب الساكن في قلب مليكه من كُلّ ما يمكن أن يُلحق به الأذى. فهذا هو أمن الأردن واستقراره وعزته.
جاء حديث جلالة الملك ليؤكد من جديد قدرتنا على تجاوز المحن لأن القائد والشعب في مركب واحد يعملان معاً للوصول إلى برّ الأمان.
أثبتت الإحصاءات حتى الآن وبشهادة العديد من وسائل الإعلام العالمية أن الدولة الأردنيّة نجحت في التعامل مع وباء الكورونا المستجد وتفوقت في معركتها هذه على كثير الدول المتقدمة. نسبة عدد الإصابات إلى السكان هو الأقل بين الدول، وعدد حالات الشفاء أفضل من العديد من دول العالم، والوفيات تدمي قلوبنا وإن كانت قليلة. وهذا الإنجاز بفضل قيادة حكيمة تنبهت مبكرا وأجهزة أمنية ملتزمة ومميزة بأدائها وسلطة تنفيذيّة تتعامل مع تطورات الوباء بعلم ودراية ومرونة وشعب واعٍ يقوم بواجبه على أكمل وجه حتى وإن كان ذلك على حساب راحته وروتين حياته اليوميّة وفي كثير من الأحيان بإمكانيات ماليّة ضئيلة.
ليس من شك في أن مرحلة التصدي لوباء كورونا سيكون لها كُلّفة اقتصاديّة ومالية تؤثر على الموازنة العامة وعلى قدرة المواطن على تأمين قوت يومه وعلى الاقتصاد الوطنيّ بشكل عام نتيجة توقف شبه كامل لعملية الإنتاج والتجارة والاستثمار، لكني على يقين بأن الحكومة تعي هذا الأمر وتعمل من خلال اللجان الوزاريّة التي تم تشكيلها على وضع خطط الاستجابة للتحديات التي تواجهها حاليا وستواجهها بعد انتهاء مرحلة الإغلاق التي نعيشها الآن.
إن العمل بقانون الدفاع كان ضروريا لمواجهة المرحلة الطارئة التي تمر بنا، وقد اعتمدت الحكومة على أوامر الدفاع من أجل تلبية متطلبات المرحلة بأقل تكلفة ممكنة مع إعطاء المواطن وصحته الأولويّة القصوى. هكذا أقرأ أوامر الدفاع التي صدرت حتى الآن، وأقيّمها بمدى ما تحقق من أهداف صدرت من أجلها ومع مدى الالتزام بقانون الدفاع الذي أناط برئيس الوزراء اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة. لذلك أجد نفسي مُتفقاً مع بعضها وإن اختلفت مع بعضها الآخر.
في رأيي إن مرحلة الإغلاق الكُلّي أو الجزئيّ سيكون لها أثارٌ سلبيّةٌ على قدرة القطاع الخاص على دفع رواتب العاملين لديه لشهري نيسان وأيار من هذا العام (على اقل تقدير) كما سيكون له أثارٌ سلبيّةٌ على عمال المياومة المتعطلين عن العمل وأصحاب الأعمال الفردية أو الحرفية بسبب وقف نشاطهم، وعلى قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على الاستمرار في دفع الرواتب أو حتى الاستمرار في العمل. وهذه المرحلة تتطلب إجراءات تختلف في مضمونها عن متطلبات مرحلة إعادة النشاط الاقتصاديّ الكامل ولكنها في الوقت ذاته تؤثر إيجاباً على سرعة عودة النشاط إلى سابق عهده.
لذلك نقدم للمرحلة الحالية – أي مرحلة الإغلاق الكُلّي أو الجزئيّ – البرنامج التالي:
أولا: تقوم الحكومة بتوفير تسهيلات ائتمانيّة بقيمة ٥٠٠ مليون دينار تمنح لمؤسسات القطاع الخاص بهدف دفع رواتب العاملين لديها لشهري نيسان وأيار من العام الحالي.
ثانيا: تمنح هذه التسهيلات للمؤسسات بدون فائدة.
ثالثا: يتم تسديد هذه التسهيلات على مدى سنتين اعتبارا من الأول من شهر كانون الثاني عالم ٢٠٢١.
رابعا: لا يستفيد من هذه التسهيلات الشركات الكبرى والبنوك وشركات التعدين وشركات التأمين وغيرهم من القطاعات القادرة على دفع رواتب موظفيها.
خامسا: يدفع لجميع العاملين الراتب الأساسيّ إذا كان الإغلاق تاماً والراتب الأساسيّ يضاف إليه جزءاً من الامتيازات الأخرى تتوافق مع مدة الإغلاق وساعات العمل.
سادسا: لغايات تخفيف العبء على مؤسسات القطاع الخاص يمكن حسم الإجازات والامتيازات الأخرى خلال هذه المدة.
أما بالنسبة للمؤسسات الفردية والمهنية والعاملين لحسابهم الخاص فيكون بإمكانهم اقتراض ٤٠٠ دينار أردني بدون فوائد لتغطية احتياجاتهم لشهري نيسان وأيار من هذا العام، على أن يتم تسديد هذه السلف خلال خمس سنوات اعتباراً من شهر كانون الثاني عام ٢٠٢١.
هذه التسهيلات تقدمها البنوك ويتم تأمينها بنسبة ٨٥ بالمئة من قبل شركة ضمان القروض وتتحمل البنوك كُلّفة إدارة هذه التسهيلات وتحسم هذه التكلفة من مجمل الدخل الخاضع للضريبة.
قد تصل كلفة هذا المقترح في حال استنفاذ التسهيلات بكاملها وقد تكون بحدود حوالي ٣٠ مليون دينار في السنة الأولى لكنها ستتناقص تدريجيّاً مع بدء التسديد للقروض.
وأخيرا تلتزم البنوك ومؤسسات التسهيلات المختلفة بتأجيل أقساط القروض لشهري نيسان وأيار وكذلك تقوم شركات الكهرباء والاتصالات والمياه بتأجيل فواتيرهم حتى نهاية عام ٢٠٢٠ على أن يتم تقسيط المبالغ المستحقة على مدى سنه اعتباراً من بداية عام 2021.
إن هذا المقترح في حال تطبيقه بالإضافة إلى برنامج التمويل الميسر الذي قدمه البنك المركزيّ بقيمة ٥٠٠ مليون دينار للشركات الصغيرة والمتوسطة سيساعد على تجاوز مرحلة الإغلاق الكامل أو الجزئيّ بأقل التكاليف على الاقتصاد الوطنيّ.
يواجه الاقتصاد الوطنيّ في مرحلة العودة إلى النشاط الاقتصاديّ ووقف الإغلاقات تحديات كبيرة، ففي هذه المرحلة على سبيل المثال سترتفع النفقات العامة بسبب حالة الطوارئ التي نمر بها وستقل الإيرادات العامة بسبب توقف الإنتاج لمرحلة ما وعودته تدريجيا إلى المستويات التي كان عليها. كذلك سيتراجع مُعدّل النُمُوّ في الناتج المحليّ الإجماليّ، وسيرى ميزان المدفوعات تغييرات جذريّة منها جوانب إيجابيّة من حيث تراجع المستوردات وجوانب سلبيّة من حيث تراجع الدخل السياحيّ وغيره من الإيرادات.
من المؤكد أن الاقتصاد سيشهد تراجعاً كبيراً في الدخل السياحيّ والخدمات على اختلافها وبخاصة في مجالات النقل الجويّ، وسنرى أيضا تحديات تواجه قطاع الإنشاءات وتؤثر على تكلفة القطاع من حيث التجهيز وإعادة التشغيل.
كما سيرى القطاع التجاريّ تراجعاً أيضا بسبب ضعف القوة الشرائيّة للمواطنين بشكل عام. ولمعالجة هذه التحديات اقترح أن يتم اتخاذ إجراءات سريعة لتدارك مشاكل القطاعات المختلفة من خلال برنامج وطنيّ شامل يعيد هيكلة الاقتصاد الوطنيّ والماليّة العامة للدولة.
ندرك أن هذه ليست المرّة الأولى التي يواجه فيها الاقتصاد الأردني مثل هذه التحديات الصعبة إذ سبق وواجه مثلها وتغلب عليها لكن ما يميز هذه الفترة حجم التحديات وليس مضمونها. وسيتمكن الأردن من مواجهة هذه التحديات بالإضافة إلى معالجة الكثير من الاختلالات في الماليّة العامة.
فقد اكتسب القطاعان العام والخاص الخبرة المتراكمة بخصوص التعامل مع هذه التحديات، وانطلاقا من هذه الحقائق أقترح في هذا المجال:
أولا: تشكيل لجان قطاعيّة مُكونة من القطاعين الخاص والعام وأصحاب الخبرة والمعرفة في ذلك القطاع لوضع البرامج الآنية لمواجهة التحديات التي تواجه كُلّ قطاع على حدة.
ثانيا: اعتماد أوامر الدفاع لإصدار القرارات التنفيذيّة التي تمكّن من مواجهة التحديات القطاعيّة تجنبا للتعقيدات البيروقراطيّة.
ثالثا: الطلب من هذه اللجان القطاعية وضع برامج وخطط خماسيّة لتحفيز القطاع ذات العلاقة وإعادة هيكلته.
رابعا: تشكيل لجنة عليا تقوم على وضع خطط شاملة للاقتصاد الأردنيّ يتم بموجبها موائمة الأحداث الاقتصاديّة الكُلّية مع الأحداث القطاعيّة.
لقد لجأ الأردن في معالجة التحديات الماليّة والاقتصاديّة إلى صندوق النقد الدوليّ بهدف مساعدته في وضع أهداف عامة يسعى إلى تطبيقها من خلال أجندات داخليّة ماليّة أو اقتصاديّة. وقد علمتنا التجارب أن قيام الأردن بتبني برنامج إصلاحيّ أو اقتصاديّ لمدة خمس سنوات يراعي واقع حال الاقتصاد الوطنيّ والأبعاد الاجتماعيّة والسياسية للقرارات الاقتصاديّة سيكون له أثر أفضل على الاقتصاد الوطنيّ خاصة إذا اخذ هذا البرنامج بإجراءات حاسمة لإعادة هيكلة القطاعات التي تؤثر سلبا على كلفة الإنتاج في الأردن وتنافسيّة الاقتصاد الوطنيّ.
من أجل هذا فإنني أقترح أن لا تتأخر الحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص والخبراء والمختصين بالبدء بوضع هذا البرنامج تمهيدا لتبنيه ليصبح أساساً لتقييم أداء الاقتصاد الوطنيّ ومؤسساته المختلفة.
إن تشكيل فريق العمل والبدء بوضع هذا البرنامج الوطنيّ في رأيي هو أمر مُلِح جداً قد لا يحتمل التأجيل كما أنه ضروري لاستقرار الاقتصاد الوطنيّ على المديين القصير والمتوسط.
يثبت الأردن على الدوام أنه قوي بقيادته ووعي شعبه وقدرة أبنائه على العمل الجاد، ولذلك فإنني أرى أن هذه المرحلة الصعبة لا بد أن تكون منطلقا لنهج اقتصاديّ جديد يواصل جلالة الملك في كل مناسبة بالدعوة له وللعمل به لأن بلدنا دائما يستحق الأفضل.
يعكس حديثُ جلالة الملك إلى شعبهِ ظاهرةً أردنيّةً فريدة: القائد يفتخر بشعبه الوفي الواعي الصبور ويفاخر به الدنيا. والشعب في كُلّ مناسبةٍ يفاخر العالم بملكه الشجاع الذي لا يوفر جهدا في سبيلِ رفع مستوى معيشة شعبه وتحسين نوعية حياته، وقبل كُلّ ذلك حماية هذا الشعب الساكن في قلب مليكه من كُلّ ما يمكن أن يُلحق به الأذى. فهذا هو أمن الأردن واستقراره وعزته.
جاء حديث جلالة الملك ليؤكد من جديد قدرتنا على تجاوز المحن لأن القائد والشعب في مركب واحد يعملان معاً للوصول إلى برّ الأمان.
أثبتت الإحصاءات حتى الآن وبشهادة العديد من وسائل الإعلام العالمية أن الدولة الأردنيّة نجحت في التعامل مع وباء الكورونا المستجد وتفوقت في معركتها هذه على كثير الدول المتقدمة. نسبة عدد الإصابات إلى السكان هو الأقل بين الدول، وعدد حالات الشفاء أفضل من العديد من دول العالم، والوفيات تدمي قلوبنا وإن كانت قليلة. وهذا الإنجاز بفضل قيادة حكيمة تنبهت مبكرا وأجهزة أمنية ملتزمة ومميزة بأدائها وسلطة تنفيذيّة تتعامل مع تطورات الوباء بعلم ودراية ومرونة وشعب واعٍ يقوم بواجبه على أكمل وجه حتى وإن كان ذلك على حساب راحته وروتين حياته اليوميّة وفي كثير من الأحيان بإمكانيات ماليّة ضئيلة.
ليس من شك في أن مرحلة التصدي لوباء كورونا سيكون لها كُلّفة اقتصاديّة ومالية تؤثر على الموازنة العامة وعلى قدرة المواطن على تأمين قوت يومه وعلى الاقتصاد الوطنيّ بشكل عام نتيجة توقف شبه كامل لعملية الإنتاج والتجارة والاستثمار، لكني على يقين بأن الحكومة تعي هذا الأمر وتعمل من خلال اللجان الوزاريّة التي تم تشكيلها على وضع خطط الاستجابة للتحديات التي تواجهها حاليا وستواجهها بعد انتهاء مرحلة الإغلاق التي نعيشها الآن.
إن العمل بقانون الدفاع كان ضروريا لمواجهة المرحلة الطارئة التي تمر بنا، وقد اعتمدت الحكومة على أوامر الدفاع من أجل تلبية متطلبات المرحلة بأقل تكلفة ممكنة مع إعطاء المواطن وصحته الأولويّة القصوى. هكذا أقرأ أوامر الدفاع التي صدرت حتى الآن، وأقيّمها بمدى ما تحقق من أهداف صدرت من أجلها ومع مدى الالتزام بقانون الدفاع الذي أناط برئيس الوزراء اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة. لذلك أجد نفسي مُتفقاً مع بعضها وإن اختلفت مع بعضها الآخر.
في رأيي إن مرحلة الإغلاق الكُلّي أو الجزئيّ سيكون لها أثارٌ سلبيّةٌ على قدرة القطاع الخاص على دفع رواتب العاملين لديه لشهري نيسان وأيار من هذا العام (على اقل تقدير) كما سيكون له أثارٌ سلبيّةٌ على عمال المياومة المتعطلين عن العمل وأصحاب الأعمال الفردية أو الحرفية بسبب وقف نشاطهم، وعلى قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على الاستمرار في دفع الرواتب أو حتى الاستمرار في العمل. وهذه المرحلة تتطلب إجراءات تختلف في مضمونها عن متطلبات مرحلة إعادة النشاط الاقتصاديّ الكامل ولكنها في الوقت ذاته تؤثر إيجاباً على سرعة عودة النشاط إلى سابق عهده.
لذلك نقدم للمرحلة الحالية – أي مرحلة الإغلاق الكُلّي أو الجزئيّ – البرنامج التالي:
أولا: تقوم الحكومة بتوفير تسهيلات ائتمانيّة بقيمة ٥٠٠ مليون دينار تمنح لمؤسسات القطاع الخاص بهدف دفع رواتب العاملين لديها لشهري نيسان وأيار من العام الحالي.
ثانيا: تمنح هذه التسهيلات للمؤسسات بدون فائدة.
ثالثا: يتم تسديد هذه التسهيلات على مدى سنتين اعتبارا من الأول من شهر كانون الثاني عالم ٢٠٢١.
رابعا: لا يستفيد من هذه التسهيلات الشركات الكبرى والبنوك وشركات التعدين وشركات التأمين وغيرهم من القطاعات القادرة على دفع رواتب موظفيها.
خامسا: يدفع لجميع العاملين الراتب الأساسيّ إذا كان الإغلاق تاماً والراتب الأساسيّ يضاف إليه جزءاً من الامتيازات الأخرى تتوافق مع مدة الإغلاق وساعات العمل.
سادسا: لغايات تخفيف العبء على مؤسسات القطاع الخاص يمكن حسم الإجازات والامتيازات الأخرى خلال هذه المدة.
أما بالنسبة للمؤسسات الفردية والمهنية والعاملين لحسابهم الخاص فيكون بإمكانهم اقتراض ٤٠٠ دينار أردني بدون فوائد لتغطية احتياجاتهم لشهري نيسان وأيار من هذا العام، على أن يتم تسديد هذه السلف خلال خمس سنوات اعتباراً من شهر كانون الثاني عام ٢٠٢١.
هذه التسهيلات تقدمها البنوك ويتم تأمينها بنسبة ٨٥ بالمئة من قبل شركة ضمان القروض وتتحمل البنوك كُلّفة إدارة هذه التسهيلات وتحسم هذه التكلفة من مجمل الدخل الخاضع للضريبة.
قد تصل كلفة هذا المقترح في حال استنفاذ التسهيلات بكاملها وقد تكون بحدود حوالي ٣٠ مليون دينار في السنة الأولى لكنها ستتناقص تدريجيّاً مع بدء التسديد للقروض.
وأخيرا تلتزم البنوك ومؤسسات التسهيلات المختلفة بتأجيل أقساط القروض لشهري نيسان وأيار وكذلك تقوم شركات الكهرباء والاتصالات والمياه بتأجيل فواتيرهم حتى نهاية عام ٢٠٢٠ على أن يتم تقسيط المبالغ المستحقة على مدى سنه اعتباراً من بداية عام 2021.
إن هذا المقترح في حال تطبيقه بالإضافة إلى برنامج التمويل الميسر الذي قدمه البنك المركزيّ بقيمة ٥٠٠ مليون دينار للشركات الصغيرة والمتوسطة سيساعد على تجاوز مرحلة الإغلاق الكامل أو الجزئيّ بأقل التكاليف على الاقتصاد الوطنيّ.
يواجه الاقتصاد الوطنيّ في مرحلة العودة إلى النشاط الاقتصاديّ ووقف الإغلاقات تحديات كبيرة، ففي هذه المرحلة على سبيل المثال سترتفع النفقات العامة بسبب حالة الطوارئ التي نمر بها وستقل الإيرادات العامة بسبب توقف الإنتاج لمرحلة ما وعودته تدريجيا إلى المستويات التي كان عليها. كذلك سيتراجع مُعدّل النُمُوّ في الناتج المحليّ الإجماليّ، وسيرى ميزان المدفوعات تغييرات جذريّة منها جوانب إيجابيّة من حيث تراجع المستوردات وجوانب سلبيّة من حيث تراجع الدخل السياحيّ وغيره من الإيرادات.
من المؤكد أن الاقتصاد سيشهد تراجعاً كبيراً في الدخل السياحيّ والخدمات على اختلافها وبخاصة في مجالات النقل الجويّ، وسنرى أيضا تحديات تواجه قطاع الإنشاءات وتؤثر على تكلفة القطاع من حيث التجهيز وإعادة التشغيل.
كما سيرى القطاع التجاريّ تراجعاً أيضا بسبب ضعف القوة الشرائيّة للمواطنين بشكل عام. ولمعالجة هذه التحديات اقترح أن يتم اتخاذ إجراءات سريعة لتدارك مشاكل القطاعات المختلفة من خلال برنامج وطنيّ شامل يعيد هيكلة الاقتصاد الوطنيّ والماليّة العامة للدولة.
ندرك أن هذه ليست المرّة الأولى التي يواجه فيها الاقتصاد الأردني مثل هذه التحديات الصعبة إذ سبق وواجه مثلها وتغلب عليها لكن ما يميز هذه الفترة حجم التحديات وليس مضمونها. وسيتمكن الأردن من مواجهة هذه التحديات بالإضافة إلى معالجة الكثير من الاختلالات في الماليّة العامة.
فقد اكتسب القطاعان العام والخاص الخبرة المتراكمة بخصوص التعامل مع هذه التحديات، وانطلاقا من هذه الحقائق أقترح في هذا المجال:
أولا: تشكيل لجان قطاعيّة مُكونة من القطاعين الخاص والعام وأصحاب الخبرة والمعرفة في ذلك القطاع لوضع البرامج الآنية لمواجهة التحديات التي تواجه كُلّ قطاع على حدة.
ثانيا: اعتماد أوامر الدفاع لإصدار القرارات التنفيذيّة التي تمكّن من مواجهة التحديات القطاعيّة تجنبا للتعقيدات البيروقراطيّة.
ثالثا: الطلب من هذه اللجان القطاعية وضع برامج وخطط خماسيّة لتحفيز القطاع ذات العلاقة وإعادة هيكلته.
رابعا: تشكيل لجنة عليا تقوم على وضع خطط شاملة للاقتصاد الأردنيّ يتم بموجبها موائمة الأحداث الاقتصاديّة الكُلّية مع الأحداث القطاعيّة.
لقد لجأ الأردن في معالجة التحديات الماليّة والاقتصاديّة إلى صندوق النقد الدوليّ بهدف مساعدته في وضع أهداف عامة يسعى إلى تطبيقها من خلال أجندات داخليّة ماليّة أو اقتصاديّة. وقد علمتنا التجارب أن قيام الأردن بتبني برنامج إصلاحيّ أو اقتصاديّ لمدة خمس سنوات يراعي واقع حال الاقتصاد الوطنيّ والأبعاد الاجتماعيّة والسياسية للقرارات الاقتصاديّة سيكون له أثر أفضل على الاقتصاد الوطنيّ خاصة إذا اخذ هذا البرنامج بإجراءات حاسمة لإعادة هيكلة القطاعات التي تؤثر سلبا على كلفة الإنتاج في الأردن وتنافسيّة الاقتصاد الوطنيّ.
من أجل هذا فإنني أقترح أن لا تتأخر الحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص والخبراء والمختصين بالبدء بوضع هذا البرنامج تمهيدا لتبنيه ليصبح أساساً لتقييم أداء الاقتصاد الوطنيّ ومؤسساته المختلفة.
إن تشكيل فريق العمل والبدء بوضع هذا البرنامج الوطنيّ في رأيي هو أمر مُلِح جداً قد لا يحتمل التأجيل كما أنه ضروري لاستقرار الاقتصاد الوطنيّ على المديين القصير والمتوسط.
يثبت الأردن على الدوام أنه قوي بقيادته ووعي شعبه وقدرة أبنائه على العمل الجاد، ولذلك فإنني أرى أن هذه المرحلة الصعبة لا بد أن تكون منطلقا لنهج اقتصاديّ جديد يواصل جلالة الملك في كل مناسبة بالدعوة له وللعمل به لأن بلدنا دائما يستحق الأفضل.
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات