وسائل الاعلام خدمة للمحكومين ام الحكام
عمان جو. عبد الرزاق الدليمي.
قبل ثلاث سنوات وانا على متن الطائرة المتوجهه الى واشنطن دي سي (العاصمة) قدر لي مشاهدة احد الافلام المهمة وهو ( THE POST) الفيلم من إخراج مخرج الروائع ستيفن سبيلبرج وبالصدفة شاهدته مرة ثانية قبل ايام وقد اغرتني عبارة قالها قاضي المحكمة العليا وهو يصدر حكمه لصالح اهم واكبر صحيفتين ليس في الولايات المتحدة بل وربما في العالم وهما(نيويورك تايمز وواشنطن بوست) بعد ان قامتا الصحيفتين بنشر التقارير السرية للغاية المتعلقة بحرب فيتنام والعبارة كانت (الصحافة وجدت لخدمة المحكومين وليس الحكام ). تذكرنا احداث هذا الفلم (المأخوذ عن قصة حقيقية)بدور وسائل الاعلام وفي المقدمة منها الصحافة المناضلة وبالمواقف الشجاعة للقائمين عليها، لاسيما في بلدنا العراق التي تعانى اغلبها من تشوه بغيض، وفقدان لهويتها ودورها، حيث أصبحت كالتائهة في بحر الظلمات، تنتظر فجرا تستعيد معه مسارها ومسيرتها. وثمة اسئلة تفرض نفسها اليوم عن دور وسائل الاعلام في العراق المحتل وأهدافها ولمصلحة من تعمل، أسئلة تحتمل الجدل والنزاع، فقد غاب عن هذه الوسائل تطبيق ما يسمى بكتاب الأسلوب «ستايل بوك» وهو أشبه بدستور لوسائل الاعلام ، وعليها أن تلتزم بما جاء به من معايير وأهداف ولكن هذا لا يحدث غير موجود في العراق. في فيلم THE POST ذكر في احد اهم الحوارات ما جاء في كتاب «ستايل بوك » حين قالت مالكة صحيفة الواشنطن بوست: (الصحيفة ملتزمة بالمهنية والإجادة في جمع المعلومات ونشرها وهى مكرسة لمصلحة الأمة ولمبادئ حرية الصحافة، وبناء على ذلك اتخذت موقفها من نشر وثائق سرية خاصة بالبنتاجون وعرضت الجريدة للمساءلة القانونية وغضب الرئيس الأمريكى نيكسون في هذا الوقت) قصة الفلم تجري في دهاليز اهم الصحافة الامريكية ،و للعلاقة بين الصحفى والمسؤول، ولمواقف يجد فيها الصحفى أو الناشر نفسه في حيرة بين التزامه المهنى وعلاقته بقادة البيت الابيض. ان نشر وثائق تدين النظام الحاكم دليل على شجاعة المسؤولين عن أي الجريدة، لكننى أجد أن الأكثر شجاعة هو الموظف الذي قدم هذه الوثائق للصحف، الشجاعة تفيد الصحف وتجعلها أكثر شعبية وصيتا، لكن في حالة الموظف فهو يعرض مستقبله وأمانه الشخصى للخطر، لأنه خان أمانة وظيفته وسرب تقارير اطلع عليها بحكم عمله، وهو في هذه الحالة دانيال إلسبرج (ماثيو ريس) شخص تم تكليفه بالذهاب إلى فيتنام، ليقدم تقارير إلى مكنمارا فيما يخص الحرب ومجرياتها، وكان يعمل في مؤسسة راند التي تعمل بدورها لحساب وزارة الدفاع الأمريكية، هذا الشخص ظل لشهور ينسخ التقارير التي جمعت خلال سنوات (الفيلم أحداثه تدور في عام 1971) وسربها للجرائد، ووجهت إليه بعدها تهمة بموجب قانون التجسس المعمول به في أمريكا إلى جانب اتهامات أخرى بالسرقة والتآمر، حيث بلغ مجموع الأحكام التي صدرت ضده السجن لمدة 115 عاما. ولكن بسبب سوء الأداء الحكومي وجمع الأدلة بصورة غير قانونية ولوجود دفاع قوى عنه، رفض القاضي جميع التهم الموجهة ضده في 11 مايو 1973.. ويرى كثيرين ونحن منهم ان دانيال إلسبرج هو بطل الملحمة، فهو رعم المخاطر الذي كان يدرك أنه سيتعرض لها، لم يتردد في أن يطلع الشعب الأمريكى على هذه الوثائق ليضع حدا لحرب فيتنام، التي استمر عدد من الرؤساء الأمريكيين فيها رغم معرفتهم بفشلها، حتى لا يكون ذلك مهينا لصورة أمريكا، ضحى دانيال بمستقبله وحريته ليضع حدا لهذه الحرب القذرة التي راح ضحيتها مئات من الشباب الأمريكى.ان الشجاعة والجرأة التي تحلى بها الموظف السابق في المخابرات الأمريكية، من خلال فضحه لبرامج تجسس بلده على المواطنين الأمريكيين والعالم أجمع، بعد أن تأكد أن هدفها ليس تأمين أمريكا أو محاربة الإرهاب لكن فرض السيطرة والهيمنة والنفوذ، وكذلك الأسترالى جوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس، والأمريكية تشيلسي مانينج، المدانة بتسريب آلاف الوثائق الخاصة بالجيش الأمريكي لويكيليكس (كانت رجلا وتحول إلى امرأة). كذلك ماقام به إدوارد سنودن الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية والذي سرب تفاصيل برنامج التجسس في الولايات المتحدة ما أدى إلى اتهامه بالتجسس في بلاده حيث اتهم بالخيانة العظمى ولجأ إلى روسيا.لقد قرر ادوارد جاي سنودن أن يضحي في سن الـ29 بمستقبله الشخصي في سبيل البلاد حيث أثبت أيضا شجاعة كبرى وشئنا أم أبينا أنها قصة أميركية عظيمة. لا شك أن العالم أصبح أكثر أمانا ومدعاة للاحترام بفضل ما قام به .في 2013 كشف سنودن وجود برنامج تجسس عالمي على الاتصالات الهاتفية والإنترنت ويعيش مذاك في المنفى. واتهمته الولايات المتحدة بالتجسس وسرقة أسرار الدولة.وقام المخرج أوليفر ستون بتصوير فيلم عن قصة سنودن يؤدي فيه الممثل جوزف غوردن-ليفيت دور الموظف السابق. وظهرت قصة سنودن أيضا في الوثائقي "سيتيزن فور" (2014) الذي نال جائزة أوسكار حيث صور فأرا في غرفة في أحد فنادق هونغ كونغ.هؤلاء جميعا يعتبرهم دانيال المدافعين عن حق المواطن في معرفة ما يدور في كواليس الحكم، ويعتبرهم آخرون خونة ومتآمرين على دولهم، يعرضون أمنها القومى للخطر ويستحقون أقصى عقوبة. وأنا أعتبرهم جنود المحكومين وليس الحُكام، وهى نفس مهمة الصحافة، فهم لم يبيعوا أسرار بلادهم مقابل مال أو وظيفة، بالعكس، خسروا أموالا ووظائف وحياة ناعمة آمنة.لم نبتعد بهذه التفاصيل عن جوهر فيلم «ذى بوست» ورسالته التي جاءت مباشرة في نهاية الفيلم على لسان القاضي الذي حكم في قضية نشر النيويورك تايمز والواشنطن بوست لوثائق سرية حين قال: أعطى الآباء المؤسسون الصحافة الحرة الحماية اللازمة وفاءً لدورها الأساسي في ديمقراطيتنا، الصحافة وجِدت لخدمة المحكومين وليس الحُكّام، والحقيقة أن جميع مؤسسات الدولة وأجهزتها وجدت لخدمة المحكومين وليس الصحافة فقط، وحين لا يلتزم الرئيس ونظامه الحاكم بالقوانين فإن فضحه ليس خيانة للوطن ولا يعرض أمنه للخطر، لكن الخطر الحقيقى هو تجاوز النظام الحاكم للقانون واستبداده. يبقى أن « THE POST» ليس فقط الاسم المختصر لـ«واشنطن بوست» الجريدة الأشهر، وربما الأهم في الولايات المتحدة،
ازمة ثقة بين الحاكم والمحكومين
إن اشارتنا الى هذه الاحداث المهمة والتي تم تجسيدها بأعمال سينمائية مهمة لابد وان تجعلنا ننظر بعين فاحصة الى النظام الاتصالي في العراق بعد احتلاله بشقيه "المدخلات والمخرجات" لكشف حقيقة تعامل النظام السياسي القائم وتعاطيه مع المحكومين عموما، ومع الصحافة المكتوبة على وجه اخص ،حيث يلتبس على هذا النظام طريقة تقيمه للدور الذي تلعبه الصحافة ووسائل الاتصال الاخرى في نقل الرسائل وربط أواصر الاتصال الايجابي بين الحاكم والمحكوم ، وعدم اهتمامه بتخصيص خلايا خاصة على مستوى الأجهزة السياسية المختلفة مكلفة باستقبال هذه الرسائل والاطلاع عليها والرد عليها بشفافية واحترام.ورغم كل الهاله الاعلامية من قبل جهات بعينها التي رافقت تكليف مصطفى الكاظمي والامال الوردية التي بشروا بها !!!..الا ان هذا الاعلام لم يستطع ان يثبت للمواطن العراقي حتى هذه اللحظة ان ثمة ضوء في نهاية النفق المعتم للعملية السياسية سيئة الصيت والمحتوى.للاسف فإن نظام الاتصال في العراق نظام مبتور من احد أطرافه وهم "الحكام"، لأن المخرجات لا ترد منهم ، بل ترد من شخصيات أخرى ،هي الشخصيات المشتكى منها على هذا الأساس من الإجحاف أن يلقى باللائمة على وسائل الاعلام ومنها الصحف واتهامها بأنها السبب في حدوث هذا الاختلال في عملية الاتصال السياسي .بهذا يمكن التأكيد على أن السلطة السياسية تعمل على تقزيم دور الصحافة ، وكما إن أي وظيفة إسناد لنظام الاتصال بين عموم المحكومين والحكام عبر وسائل الاتصال الجماهيري في العراق قد تم القضاء عليها من طرف السلطة بكل قوتها ،وعملها على تحجيم كل أداة يستطيع بها الإعلاميون إيصال المطالب ورغبات الجماهير إلى صناع القرار . ان السلطات السياسية في العراق أغلقت مجمل قنوات الاتصال السياسي بينها وبين الشعب الثائر عليها ، ولم يعد هناك تفاعل بناء مع محيطيها الاجتماعي والسياسي لانها على ما يبدو تتعمد على خنق هذا النسق وجعله يفقد دوره الحقيقي ومكانته في ربط ونقل المضامين الاتصالية بين الحكام بمختلف مسؤولياتهم السياسية ومناصبهم ،مع المحكومين.ورغم ان هذا التوجه الظاهر والملموس للنظام السياسي في العراق إلا أن الشعب المحكوم ما زال يثق بنسبة جيدة من وسائل الاتصال ، ويرى انها تؤدي وظيفتها في نقل اهتماماتهم ومطالبهم، بعد أن استنفذ المحكومين كل وسائل الدفاع عن حقوقهم الضائعة والمهضومة. وهذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن وسائل الاعلام الشريفة تحظى بإقبال كبير من المواطنين ، بل ويعتبرونها من أجدى الوسائل والآليات للدفاع عن حقوقهم ،وإيصال مطالبهم واهتماماتهم للحكام
قبل ثلاث سنوات وانا على متن الطائرة المتوجهه الى واشنطن دي سي (العاصمة) قدر لي مشاهدة احد الافلام المهمة وهو ( THE POST) الفيلم من إخراج مخرج الروائع ستيفن سبيلبرج وبالصدفة شاهدته مرة ثانية قبل ايام وقد اغرتني عبارة قالها قاضي المحكمة العليا وهو يصدر حكمه لصالح اهم واكبر صحيفتين ليس في الولايات المتحدة بل وربما في العالم وهما(نيويورك تايمز وواشنطن بوست) بعد ان قامتا الصحيفتين بنشر التقارير السرية للغاية المتعلقة بحرب فيتنام والعبارة كانت (الصحافة وجدت لخدمة المحكومين وليس الحكام ). تذكرنا احداث هذا الفلم (المأخوذ عن قصة حقيقية)بدور وسائل الاعلام وفي المقدمة منها الصحافة المناضلة وبالمواقف الشجاعة للقائمين عليها، لاسيما في بلدنا العراق التي تعانى اغلبها من تشوه بغيض، وفقدان لهويتها ودورها، حيث أصبحت كالتائهة في بحر الظلمات، تنتظر فجرا تستعيد معه مسارها ومسيرتها. وثمة اسئلة تفرض نفسها اليوم عن دور وسائل الاعلام في العراق المحتل وأهدافها ولمصلحة من تعمل، أسئلة تحتمل الجدل والنزاع، فقد غاب عن هذه الوسائل تطبيق ما يسمى بكتاب الأسلوب «ستايل بوك» وهو أشبه بدستور لوسائل الاعلام ، وعليها أن تلتزم بما جاء به من معايير وأهداف ولكن هذا لا يحدث غير موجود في العراق. في فيلم THE POST ذكر في احد اهم الحوارات ما جاء في كتاب «ستايل بوك » حين قالت مالكة صحيفة الواشنطن بوست: (الصحيفة ملتزمة بالمهنية والإجادة في جمع المعلومات ونشرها وهى مكرسة لمصلحة الأمة ولمبادئ حرية الصحافة، وبناء على ذلك اتخذت موقفها من نشر وثائق سرية خاصة بالبنتاجون وعرضت الجريدة للمساءلة القانونية وغضب الرئيس الأمريكى نيكسون في هذا الوقت) قصة الفلم تجري في دهاليز اهم الصحافة الامريكية ،و للعلاقة بين الصحفى والمسؤول، ولمواقف يجد فيها الصحفى أو الناشر نفسه في حيرة بين التزامه المهنى وعلاقته بقادة البيت الابيض. ان نشر وثائق تدين النظام الحاكم دليل على شجاعة المسؤولين عن أي الجريدة، لكننى أجد أن الأكثر شجاعة هو الموظف الذي قدم هذه الوثائق للصحف، الشجاعة تفيد الصحف وتجعلها أكثر شعبية وصيتا، لكن في حالة الموظف فهو يعرض مستقبله وأمانه الشخصى للخطر، لأنه خان أمانة وظيفته وسرب تقارير اطلع عليها بحكم عمله، وهو في هذه الحالة دانيال إلسبرج (ماثيو ريس) شخص تم تكليفه بالذهاب إلى فيتنام، ليقدم تقارير إلى مكنمارا فيما يخص الحرب ومجرياتها، وكان يعمل في مؤسسة راند التي تعمل بدورها لحساب وزارة الدفاع الأمريكية، هذا الشخص ظل لشهور ينسخ التقارير التي جمعت خلال سنوات (الفيلم أحداثه تدور في عام 1971) وسربها للجرائد، ووجهت إليه بعدها تهمة بموجب قانون التجسس المعمول به في أمريكا إلى جانب اتهامات أخرى بالسرقة والتآمر، حيث بلغ مجموع الأحكام التي صدرت ضده السجن لمدة 115 عاما. ولكن بسبب سوء الأداء الحكومي وجمع الأدلة بصورة غير قانونية ولوجود دفاع قوى عنه، رفض القاضي جميع التهم الموجهة ضده في 11 مايو 1973.. ويرى كثيرين ونحن منهم ان دانيال إلسبرج هو بطل الملحمة، فهو رعم المخاطر الذي كان يدرك أنه سيتعرض لها، لم يتردد في أن يطلع الشعب الأمريكى على هذه الوثائق ليضع حدا لحرب فيتنام، التي استمر عدد من الرؤساء الأمريكيين فيها رغم معرفتهم بفشلها، حتى لا يكون ذلك مهينا لصورة أمريكا، ضحى دانيال بمستقبله وحريته ليضع حدا لهذه الحرب القذرة التي راح ضحيتها مئات من الشباب الأمريكى.ان الشجاعة والجرأة التي تحلى بها الموظف السابق في المخابرات الأمريكية، من خلال فضحه لبرامج تجسس بلده على المواطنين الأمريكيين والعالم أجمع، بعد أن تأكد أن هدفها ليس تأمين أمريكا أو محاربة الإرهاب لكن فرض السيطرة والهيمنة والنفوذ، وكذلك الأسترالى جوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس، والأمريكية تشيلسي مانينج، المدانة بتسريب آلاف الوثائق الخاصة بالجيش الأمريكي لويكيليكس (كانت رجلا وتحول إلى امرأة). كذلك ماقام به إدوارد سنودن الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية والذي سرب تفاصيل برنامج التجسس في الولايات المتحدة ما أدى إلى اتهامه بالتجسس في بلاده حيث اتهم بالخيانة العظمى ولجأ إلى روسيا.لقد قرر ادوارد جاي سنودن أن يضحي في سن الـ29 بمستقبله الشخصي في سبيل البلاد حيث أثبت أيضا شجاعة كبرى وشئنا أم أبينا أنها قصة أميركية عظيمة. لا شك أن العالم أصبح أكثر أمانا ومدعاة للاحترام بفضل ما قام به .في 2013 كشف سنودن وجود برنامج تجسس عالمي على الاتصالات الهاتفية والإنترنت ويعيش مذاك في المنفى. واتهمته الولايات المتحدة بالتجسس وسرقة أسرار الدولة.وقام المخرج أوليفر ستون بتصوير فيلم عن قصة سنودن يؤدي فيه الممثل جوزف غوردن-ليفيت دور الموظف السابق. وظهرت قصة سنودن أيضا في الوثائقي "سيتيزن فور" (2014) الذي نال جائزة أوسكار حيث صور فأرا في غرفة في أحد فنادق هونغ كونغ.هؤلاء جميعا يعتبرهم دانيال المدافعين عن حق المواطن في معرفة ما يدور في كواليس الحكم، ويعتبرهم آخرون خونة ومتآمرين على دولهم، يعرضون أمنها القومى للخطر ويستحقون أقصى عقوبة. وأنا أعتبرهم جنود المحكومين وليس الحُكام، وهى نفس مهمة الصحافة، فهم لم يبيعوا أسرار بلادهم مقابل مال أو وظيفة، بالعكس، خسروا أموالا ووظائف وحياة ناعمة آمنة.لم نبتعد بهذه التفاصيل عن جوهر فيلم «ذى بوست» ورسالته التي جاءت مباشرة في نهاية الفيلم على لسان القاضي الذي حكم في قضية نشر النيويورك تايمز والواشنطن بوست لوثائق سرية حين قال: أعطى الآباء المؤسسون الصحافة الحرة الحماية اللازمة وفاءً لدورها الأساسي في ديمقراطيتنا، الصحافة وجِدت لخدمة المحكومين وليس الحُكّام، والحقيقة أن جميع مؤسسات الدولة وأجهزتها وجدت لخدمة المحكومين وليس الصحافة فقط، وحين لا يلتزم الرئيس ونظامه الحاكم بالقوانين فإن فضحه ليس خيانة للوطن ولا يعرض أمنه للخطر، لكن الخطر الحقيقى هو تجاوز النظام الحاكم للقانون واستبداده. يبقى أن « THE POST» ليس فقط الاسم المختصر لـ«واشنطن بوست» الجريدة الأشهر، وربما الأهم في الولايات المتحدة،
ازمة ثقة بين الحاكم والمحكومين
إن اشارتنا الى هذه الاحداث المهمة والتي تم تجسيدها بأعمال سينمائية مهمة لابد وان تجعلنا ننظر بعين فاحصة الى النظام الاتصالي في العراق بعد احتلاله بشقيه "المدخلات والمخرجات" لكشف حقيقة تعامل النظام السياسي القائم وتعاطيه مع المحكومين عموما، ومع الصحافة المكتوبة على وجه اخص ،حيث يلتبس على هذا النظام طريقة تقيمه للدور الذي تلعبه الصحافة ووسائل الاتصال الاخرى في نقل الرسائل وربط أواصر الاتصال الايجابي بين الحاكم والمحكوم ، وعدم اهتمامه بتخصيص خلايا خاصة على مستوى الأجهزة السياسية المختلفة مكلفة باستقبال هذه الرسائل والاطلاع عليها والرد عليها بشفافية واحترام.ورغم كل الهاله الاعلامية من قبل جهات بعينها التي رافقت تكليف مصطفى الكاظمي والامال الوردية التي بشروا بها !!!..الا ان هذا الاعلام لم يستطع ان يثبت للمواطن العراقي حتى هذه اللحظة ان ثمة ضوء في نهاية النفق المعتم للعملية السياسية سيئة الصيت والمحتوى.للاسف فإن نظام الاتصال في العراق نظام مبتور من احد أطرافه وهم "الحكام"، لأن المخرجات لا ترد منهم ، بل ترد من شخصيات أخرى ،هي الشخصيات المشتكى منها على هذا الأساس من الإجحاف أن يلقى باللائمة على وسائل الاعلام ومنها الصحف واتهامها بأنها السبب في حدوث هذا الاختلال في عملية الاتصال السياسي .بهذا يمكن التأكيد على أن السلطة السياسية تعمل على تقزيم دور الصحافة ، وكما إن أي وظيفة إسناد لنظام الاتصال بين عموم المحكومين والحكام عبر وسائل الاتصال الجماهيري في العراق قد تم القضاء عليها من طرف السلطة بكل قوتها ،وعملها على تحجيم كل أداة يستطيع بها الإعلاميون إيصال المطالب ورغبات الجماهير إلى صناع القرار . ان السلطات السياسية في العراق أغلقت مجمل قنوات الاتصال السياسي بينها وبين الشعب الثائر عليها ، ولم يعد هناك تفاعل بناء مع محيطيها الاجتماعي والسياسي لانها على ما يبدو تتعمد على خنق هذا النسق وجعله يفقد دوره الحقيقي ومكانته في ربط ونقل المضامين الاتصالية بين الحكام بمختلف مسؤولياتهم السياسية ومناصبهم ،مع المحكومين.ورغم ان هذا التوجه الظاهر والملموس للنظام السياسي في العراق إلا أن الشعب المحكوم ما زال يثق بنسبة جيدة من وسائل الاتصال ، ويرى انها تؤدي وظيفتها في نقل اهتماماتهم ومطالبهم، بعد أن استنفذ المحكومين كل وسائل الدفاع عن حقوقهم الضائعة والمهضومة. وهذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن وسائل الاعلام الشريفة تحظى بإقبال كبير من المواطنين ، بل ويعتبرونها من أجدى الوسائل والآليات للدفاع عن حقوقهم ،وإيصال مطالبهم واهتماماتهم للحكام
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات