الوفاء للنص الأدبي الروائي في السينما مؤشرٌ على ضعف المرئي
عمان جو - د. تيسير المشارقة
لا يمكن أن يكون الفيلم السينمائي، كفنٍ مرئي، مطابقاً، أو وفياً كل الوفاء، للنص القصصي أو الروائي، باعتباره أدباً سردياً. والوفاء للنص سينمائياً ودرامياً مؤشرٌ على نقص وضعف في المرئي، الذي ينبغي أن تكون مفرداته أخرى (بصرية أو مشهدية) غير السرد الأدبي. لغة الشاشة تختلف عن لغة النص الأدبي. تتكوّن لغة الشاشة من مفردات أخرى، مثل: الكادر (فريم)، واللقطة، والمشهد، وحركة الكاميرا، وزوايا التصوير، والصراع. بينما "النص الأدبي" له مكوّنات أخرى كالزمان والمكان والشخوص والخيط الدرامي اللاظم والسرد والصراع.
الصراع، مسألة مشتركة بين الفن السينمائي والفن الروائي الأدبي. إذ أن الفيلم والرواية (القصة أو الحكاية) بلا صراع يجعل من التطوّر الدرامي باهتاً وسطحياً وساذجاً وغير مثير وبالتالي بعيداً عن الإقناع.
عملية السرد في القصة الروائية تستند على عناصر مختلفة تختلف عن مفردات السرد في الشريط السينمائي. هناك أنواع من السرد في الفن المرئي السينمائي: سرد لولبي أو دائري (تبدأ الحكاية من النهاية وتعود إليها)، وسرد امتدادي تطويري يسير في خط مستقيم. ويمكن لكاتب السيناريو السينمائي أن يتجاوز طريقة السرد الروائي بأن يختط آلية سرد خاصة درامية تتواءم مع لغة السينما أو لغة الشاشة المعرّفة هنا، وهي اللغة التي يراها مناسبة بصرياً في نوع معين من الأفلام دون غيره.
الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز رفض تحويل روايته (مائة عام من العزلة) لعمل سينمائي لأنه لا يرغب في تشويه الرواية (الحكاية الواقعية السحرية) ولأنه لا يريد أن يفقد القارئ روايته المذهلة.
في المقابل لم يتوان الكاتب الإيطالي أُمبرتو إيكو عن الموافقة السريعة لتحويل روايته (اسم الوردة) لاعتقاد لديه بأن السينما لغة العصر وفن بصري خالد، وله تأثيراته الخارقة.
السينما الأردنية والفلسطينية على ضفاف نهر الأردن، مثلاً، لم تستنفذ بعد كل الروايات الأردنية والفلسطينية. الروايات الأدبية كثيرة، ولكن لم يتم صياغتها بعد على شكل سيناريوهات تصلح لأفلام سينمائية. السينما الفلسطينية والأردنية لم تسرد كل (الرواية الفلسطينية) بعد، وإنما التقطت جوانب بسيطة من المأساة وعمق المسألة (القضية العربية الفلسطينية).
يُفسر المجتمع العربي ذاته بالسينما، ولا يمكن فهم المأساة المجتمعية (النكبة الفلسطينية مثلاً) إلا بالتناول المرئي أو البصري السينمائي. السينما تختصر زمن الرواية في نصف ساعة أو ساعة أو ساعة ونصف (حسب مدة الفيلم) ولكن الزمن الروائي للقراءة يحتاج ساعات كثيرة، ناهيكم عن زمن الرواية كفن أدبي.
الشهداء والأبطال العرب والبطولات الفردية والإنسانية يمكن أن تكون مادة ملهمة لصناعة الدراما. معركة الكرامة البطولية لم تحظ بالاهتمام الكافي درامياً، وهناك تقصير درامي ملحوظ حيال هذه الملحمة البطولية.
وتبقى الرواية أو القصص الوطنية النابعة من الداخل الوطني أكثر مدعاة للجدل لأنها تتناول الواقع أولاً بأول، وهي بالتالي، أقرب للواقع وتعتبر مادة زخمة للمعالجة البصرية.
وبالسينما يحافظ الأردنيون والفلسطينيون على تراثهم وتاريخهم (اقرأ: هويتهم) بلغة شاشة ذات تأثير كبير جداً على المشاهدين وفي وقت قصير جداً، وليس يوماً أو يومين وهو الوقت الذي تحتاجه الرواية لكي يقرأها القارئ.
ملاحظة أخيرة،
الدراما ذات الهوية الوطنية الأردنية للعام 2020 لم تكن كافية، واقتصرت الأشغال الدرامية (المسلسلات في شهر رمضان) على إنجاز عمليْن إثنين، الأول: مسلسل بدوي بعنوان "رياح السموم"(انتاج مؤسسة عصام حجاوي)، والثاني هو: المسلسل الاجتماعي الهام بعنوان "الخوابي" للكاتبة الأردنية وفاء بكر (لمؤسسة حجاوي أيضاً). ومن ينظر إلى هذين العمليْن والفنانين المشاركين والشخصيات التي قامت بأداء الأدوار، يلحظ أن مواقع التصوير متشابهة والحكايات متقاربة وكأنهما عمل واحد، لكن الأول بلهجة بدوية والثاني بلهجة مقدسية فلسطينية، ويرجّح الناقد الفني أن الفنان الأردني كان ينتهي من تصوير في العمل الأول ويخلع الثوب البدوي بعجالة ليلبس الزي الفلاحي الفلسطيني، ولكن مناطق التصوير متقاربة، وكأنهما عملان واحدان مقسومان بخيط اللهجة فقط.. مسلسلان واحدان بلهجتين مختلفتين، والهم واحد.
تلخيص لا بد منه: في الدراما الأردنية "" #الخوابي"" قام الزعيم (شديد بن منصور التابع) بطلب رطل لحم من الخطيب مهراً لابنته دليلة عاشقة الوحش. الوفاء للنص الأدبي الشكسبيري (تاجر البندقية) ترك أثراً سيئاً عند المشاهد العربي. لماذا؟ لأن شديد صاحب الحق وصاحب الأرض لم يكن يهودياً لئيماً ولا جشعاً أو طمّاعاً كاليهود، ولا يمكن تشبيهه ـ خبط لزق ـ باليهودي شيلوك [بطل تاجر البندقية].ـ
كان الاستنساح الشكسبيري[استنساخ الكاتبة وفاء بكر للنموذج الشيلوكي ووصم شديد به] غير موفق أبداً أبداً. ـ
ولماذا يتصرف (البطل شديد) كشيلوكي حقير؟؟!ـ
عمان/ الأردن ـ 2/06/2020
*د. تيسير المشارقة ـ باحث في الدراسات الثقافية والاتصال.
عمان جو - د. تيسير المشارقة
لا يمكن أن يكون الفيلم السينمائي، كفنٍ مرئي، مطابقاً، أو وفياً كل الوفاء، للنص القصصي أو الروائي، باعتباره أدباً سردياً. والوفاء للنص سينمائياً ودرامياً مؤشرٌ على نقص وضعف في المرئي، الذي ينبغي أن تكون مفرداته أخرى (بصرية أو مشهدية) غير السرد الأدبي. لغة الشاشة تختلف عن لغة النص الأدبي. تتكوّن لغة الشاشة من مفردات أخرى، مثل: الكادر (فريم)، واللقطة، والمشهد، وحركة الكاميرا، وزوايا التصوير، والصراع. بينما "النص الأدبي" له مكوّنات أخرى كالزمان والمكان والشخوص والخيط الدرامي اللاظم والسرد والصراع.
الصراع، مسألة مشتركة بين الفن السينمائي والفن الروائي الأدبي. إذ أن الفيلم والرواية (القصة أو الحكاية) بلا صراع يجعل من التطوّر الدرامي باهتاً وسطحياً وساذجاً وغير مثير وبالتالي بعيداً عن الإقناع.
عملية السرد في القصة الروائية تستند على عناصر مختلفة تختلف عن مفردات السرد في الشريط السينمائي. هناك أنواع من السرد في الفن المرئي السينمائي: سرد لولبي أو دائري (تبدأ الحكاية من النهاية وتعود إليها)، وسرد امتدادي تطويري يسير في خط مستقيم. ويمكن لكاتب السيناريو السينمائي أن يتجاوز طريقة السرد الروائي بأن يختط آلية سرد خاصة درامية تتواءم مع لغة السينما أو لغة الشاشة المعرّفة هنا، وهي اللغة التي يراها مناسبة بصرياً في نوع معين من الأفلام دون غيره.
الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز رفض تحويل روايته (مائة عام من العزلة) لعمل سينمائي لأنه لا يرغب في تشويه الرواية (الحكاية الواقعية السحرية) ولأنه لا يريد أن يفقد القارئ روايته المذهلة.
في المقابل لم يتوان الكاتب الإيطالي أُمبرتو إيكو عن الموافقة السريعة لتحويل روايته (اسم الوردة) لاعتقاد لديه بأن السينما لغة العصر وفن بصري خالد، وله تأثيراته الخارقة.
السينما الأردنية والفلسطينية على ضفاف نهر الأردن، مثلاً، لم تستنفذ بعد كل الروايات الأردنية والفلسطينية. الروايات الأدبية كثيرة، ولكن لم يتم صياغتها بعد على شكل سيناريوهات تصلح لأفلام سينمائية. السينما الفلسطينية والأردنية لم تسرد كل (الرواية الفلسطينية) بعد، وإنما التقطت جوانب بسيطة من المأساة وعمق المسألة (القضية العربية الفلسطينية).
يُفسر المجتمع العربي ذاته بالسينما، ولا يمكن فهم المأساة المجتمعية (النكبة الفلسطينية مثلاً) إلا بالتناول المرئي أو البصري السينمائي. السينما تختصر زمن الرواية في نصف ساعة أو ساعة أو ساعة ونصف (حسب مدة الفيلم) ولكن الزمن الروائي للقراءة يحتاج ساعات كثيرة، ناهيكم عن زمن الرواية كفن أدبي.
الشهداء والأبطال العرب والبطولات الفردية والإنسانية يمكن أن تكون مادة ملهمة لصناعة الدراما. معركة الكرامة البطولية لم تحظ بالاهتمام الكافي درامياً، وهناك تقصير درامي ملحوظ حيال هذه الملحمة البطولية.
وتبقى الرواية أو القصص الوطنية النابعة من الداخل الوطني أكثر مدعاة للجدل لأنها تتناول الواقع أولاً بأول، وهي بالتالي، أقرب للواقع وتعتبر مادة زخمة للمعالجة البصرية.
وبالسينما يحافظ الأردنيون والفلسطينيون على تراثهم وتاريخهم (اقرأ: هويتهم) بلغة شاشة ذات تأثير كبير جداً على المشاهدين وفي وقت قصير جداً، وليس يوماً أو يومين وهو الوقت الذي تحتاجه الرواية لكي يقرأها القارئ.
ملاحظة أخيرة،
الدراما ذات الهوية الوطنية الأردنية للعام 2020 لم تكن كافية، واقتصرت الأشغال الدرامية (المسلسلات في شهر رمضان) على إنجاز عمليْن إثنين، الأول: مسلسل بدوي بعنوان "رياح السموم"(انتاج مؤسسة عصام حجاوي)، والثاني هو: المسلسل الاجتماعي الهام بعنوان "الخوابي" للكاتبة الأردنية وفاء بكر (لمؤسسة حجاوي أيضاً). ومن ينظر إلى هذين العمليْن والفنانين المشاركين والشخصيات التي قامت بأداء الأدوار، يلحظ أن مواقع التصوير متشابهة والحكايات متقاربة وكأنهما عمل واحد، لكن الأول بلهجة بدوية والثاني بلهجة مقدسية فلسطينية، ويرجّح الناقد الفني أن الفنان الأردني كان ينتهي من تصوير في العمل الأول ويخلع الثوب البدوي بعجالة ليلبس الزي الفلاحي الفلسطيني، ولكن مناطق التصوير متقاربة، وكأنهما عملان واحدان مقسومان بخيط اللهجة فقط.. مسلسلان واحدان بلهجتين مختلفتين، والهم واحد.
تلخيص لا بد منه: في الدراما الأردنية "" #الخوابي"" قام الزعيم (شديد بن منصور التابع) بطلب رطل لحم من الخطيب مهراً لابنته دليلة عاشقة الوحش. الوفاء للنص الأدبي الشكسبيري (تاجر البندقية) ترك أثراً سيئاً عند المشاهد العربي. لماذا؟ لأن شديد صاحب الحق وصاحب الأرض لم يكن يهودياً لئيماً ولا جشعاً أو طمّاعاً كاليهود، ولا يمكن تشبيهه ـ خبط لزق ـ باليهودي شيلوك [بطل تاجر البندقية].ـ
كان الاستنساح الشكسبيري[استنساخ الكاتبة وفاء بكر للنموذج الشيلوكي ووصم شديد به] غير موفق أبداً أبداً. ـ
ولماذا يتصرف (البطل شديد) كشيلوكي حقير؟؟!ـ
عمان/ الأردن ـ 2/06/2020
*د. تيسير المشارقة ـ باحث في الدراسات الثقافية والاتصال.