الجهل الذي لا يتوقف أبدا
عمان جو. ماهر ابو طير.
لا يتغير العقل العربي، أبدا، فهو يتشكل بطريقة محددة، ولا يريد أن يخرج عن هذه القواعد، التي من أبرزها قناعته أنه يختلف عن بقية الأمم، والعرق الأكثر سمواً.
لا تعرف هل هذه مبالغة بتقدير الذات، أم سببها الشعور بالضعف وانتظار تدخل أقوى وأعلى، ينصف العرب، خصوصا، أمام الأمم الأقوى، وبرغم أن هناك أدلة كثيرة، على أن هذه الأمة، تخضع لذات القواعد المادية التي تخضع لها بقية الأمم، إلا أننا نصرّ على عدم تصديق ذلك، والاعتقاد بكوننا نختلف، وبالتالي، لا بد أن تكون النتائج مختلفة؟.
خذوا مثلا حالة الظلم التي تعرض لها أميركي، على يد شرطي أميركي، مما أدى إلى مقتله، وحالة الفوضى والنهب التي دبّت في الولايات المتحدة، والذي يقرأ التعليقات يجدها جميعها شامتة بما يحدث بالولايات المتحدة، التي يعيش بها ملايين العرب والمسلمون الذين فروا أساسا من نعيم بلادنا، والأغلبية تصر على أن هذه نهاية أميركا، وأن الانتقام الإلهي لأوجاع العرب والمسلمين قد بدأ، وأن الولايات المتحدة ستنهار.
حين تقول لهؤلاء إن مشاكل السود في الولايات المتحدة، لم تبدأ اليوم، وحدثت مواجهات كثيرة، قبل ذلك، وإن عمليات النهب والفوضى، سلوك إنساني، وليس أميركيا وحسب، وقد شهدنا مثلها في مظاهرات فرنسا، وقبل سنوات في مظاهرات بريطانيا، وقد نراها في دول أخرى، وإن سقوط الدول لا يخضع لهذه الطريقة ببساطة، يصر الغاضبون على الولايات المتحدة التي ظلمت الفلسطينيين والعراقيين، وغيرهم، على أن أميركا سوف تتسول قريبا بسبب الأزمات الاقتصادية، جراء وباء كورونا، ويجلس أصحاب هذا الرأي في بيوتهم، بانتظار سقوط الولايات المتحدة، متناسين أننا لسنا الورثة في كل الأحوال، إذ إن سقوطها وتقسيمها وتفتتها، إذا حدث وفقا لرؤى هؤلاء، سيؤدي إلى بروز قوى أخرى في العالم، جاهزة للوراثة، ولسنا منها بطبيعة الحال، أي أنها إذا نزلت عن أكتافنا فسوف يصعد غيرها.
خذوا مثلا قصة غزة، إذ عند بدء تفشي الوباء، اشتغل ذات العقل العربي، على ذات الديزل القديم المحروق، وقال الناس، سبحان الله، الأهل في غزة محميون، ولا يأتيهم الوباء، فهم في حصار أساسا، والحماية الإلهية لهم، ستمنع تفشي الوباء، فهم في حالة حرب مع الاحتلال، ولا ينقصهم بلاء جديد، وكانت قصة غزة بارزة في التدليل على أن المؤمنين تم استثناؤهم في الوباء، لكن حين بدأت الحالات بالظهور في غزة، في ظل إمكانات طبية قليلة، خفتت أصوات هؤلاء، ولم تعد تسمع لهم صوتا، وتركوا خلفهم فقط آثارهم التي تدلل على أنهم يفكرون بذات الطريقة، أي الركون إلى الغيبيات، وانتظار الكرامات، وصولا إلى الحديث عن زوال إسرائيل بسبب كورونا، على مشارف العام 2022، وانتظار زوالها.
لنعد مثلا إلى قصة الصين، حين خرجت أصوات ذات المدرسة لتقول إن الله انتقم من الصين، بسبب الأذى الواقع على مسلمي تركستان الشرقية، وإن الوباء يصيب غير المسلمين، وقد قيل لأصحاب هذا الرأي إن عليهم أن يتوقفوا، فالصين ذاتها يعيش بها أكثر من مائة مليون مسلم من ثمانية أعراق، وإن الوباء لا يتحرك على أساس ديني، وقد تصل العدوى إلى المسلمين، داخل الصين وخارجها، وحين تمدد الوباء كما نرى إلى أغلب الدول العربية والإسلامية، وتضرر مئات الملايين في صحتهم أو أرزاقهم، اختبأ كثيرون، ولم نعد نسمع لهم صوتا.
لقد آن الأوان أن يعاد تشكيل العقل العربي، الذي يعاني من مشاكل مزمنة، عبر ركونه إلى التفسيرات الغيبية، واعتقاده أنه أحسن الأمم، وأن كل الأمم سوف تعاقب من أجله، وأنه مستثنى من قواعد الحياة وقوانينها المادية.
لا شك أن أصواتا عاقلة خرجت وحاولت تصحيح هذه المفاهيم، إلا أنها حوربت، لصالح بقاء المنهج القائم، الذي سيؤدي أيضا إلى خسائر كبرى، على صعيد قراءة المستقبل، وإدارة الوجود، وصناعة الحياة، وتغيير معادلة الجهل والهزيمة، ومن المؤلم حقا، أن تمتد هذه الطريقة إلى تصرفات الأفراد بين بعضهم البعض، فالضرر الذي يقع على غيرك هو انتقام إلهي، لكون غيرك كان متجبرا، فيما الضرر الذي يقع عليك، ابتلاء وتكريم لمعرفة مستوى إيمانك النبيل، وهذه حالة نشهدها يوميا، في تعاملاتنا بين بعضنا البعض.
اقرأ أيضاً :
عمان جو. ماهر ابو طير.
لا يتغير العقل العربي، أبدا، فهو يتشكل بطريقة محددة، ولا يريد أن يخرج عن هذه القواعد، التي من أبرزها قناعته أنه يختلف عن بقية الأمم، والعرق الأكثر سمواً.
لا تعرف هل هذه مبالغة بتقدير الذات، أم سببها الشعور بالضعف وانتظار تدخل أقوى وأعلى، ينصف العرب، خصوصا، أمام الأمم الأقوى، وبرغم أن هناك أدلة كثيرة، على أن هذه الأمة، تخضع لذات القواعد المادية التي تخضع لها بقية الأمم، إلا أننا نصرّ على عدم تصديق ذلك، والاعتقاد بكوننا نختلف، وبالتالي، لا بد أن تكون النتائج مختلفة؟.
خذوا مثلا حالة الظلم التي تعرض لها أميركي، على يد شرطي أميركي، مما أدى إلى مقتله، وحالة الفوضى والنهب التي دبّت في الولايات المتحدة، والذي يقرأ التعليقات يجدها جميعها شامتة بما يحدث بالولايات المتحدة، التي يعيش بها ملايين العرب والمسلمون الذين فروا أساسا من نعيم بلادنا، والأغلبية تصر على أن هذه نهاية أميركا، وأن الانتقام الإلهي لأوجاع العرب والمسلمين قد بدأ، وأن الولايات المتحدة ستنهار.
حين تقول لهؤلاء إن مشاكل السود في الولايات المتحدة، لم تبدأ اليوم، وحدثت مواجهات كثيرة، قبل ذلك، وإن عمليات النهب والفوضى، سلوك إنساني، وليس أميركيا وحسب، وقد شهدنا مثلها في مظاهرات فرنسا، وقبل سنوات في مظاهرات بريطانيا، وقد نراها في دول أخرى، وإن سقوط الدول لا يخضع لهذه الطريقة ببساطة، يصر الغاضبون على الولايات المتحدة التي ظلمت الفلسطينيين والعراقيين، وغيرهم، على أن أميركا سوف تتسول قريبا بسبب الأزمات الاقتصادية، جراء وباء كورونا، ويجلس أصحاب هذا الرأي في بيوتهم، بانتظار سقوط الولايات المتحدة، متناسين أننا لسنا الورثة في كل الأحوال، إذ إن سقوطها وتقسيمها وتفتتها، إذا حدث وفقا لرؤى هؤلاء، سيؤدي إلى بروز قوى أخرى في العالم، جاهزة للوراثة، ولسنا منها بطبيعة الحال، أي أنها إذا نزلت عن أكتافنا فسوف يصعد غيرها.
خذوا مثلا قصة غزة، إذ عند بدء تفشي الوباء، اشتغل ذات العقل العربي، على ذات الديزل القديم المحروق، وقال الناس، سبحان الله، الأهل في غزة محميون، ولا يأتيهم الوباء، فهم في حصار أساسا، والحماية الإلهية لهم، ستمنع تفشي الوباء، فهم في حالة حرب مع الاحتلال، ولا ينقصهم بلاء جديد، وكانت قصة غزة بارزة في التدليل على أن المؤمنين تم استثناؤهم في الوباء، لكن حين بدأت الحالات بالظهور في غزة، في ظل إمكانات طبية قليلة، خفتت أصوات هؤلاء، ولم تعد تسمع لهم صوتا، وتركوا خلفهم فقط آثارهم التي تدلل على أنهم يفكرون بذات الطريقة، أي الركون إلى الغيبيات، وانتظار الكرامات، وصولا إلى الحديث عن زوال إسرائيل بسبب كورونا، على مشارف العام 2022، وانتظار زوالها.
لنعد مثلا إلى قصة الصين، حين خرجت أصوات ذات المدرسة لتقول إن الله انتقم من الصين، بسبب الأذى الواقع على مسلمي تركستان الشرقية، وإن الوباء يصيب غير المسلمين، وقد قيل لأصحاب هذا الرأي إن عليهم أن يتوقفوا، فالصين ذاتها يعيش بها أكثر من مائة مليون مسلم من ثمانية أعراق، وإن الوباء لا يتحرك على أساس ديني، وقد تصل العدوى إلى المسلمين، داخل الصين وخارجها، وحين تمدد الوباء كما نرى إلى أغلب الدول العربية والإسلامية، وتضرر مئات الملايين في صحتهم أو أرزاقهم، اختبأ كثيرون، ولم نعد نسمع لهم صوتا.
لقد آن الأوان أن يعاد تشكيل العقل العربي، الذي يعاني من مشاكل مزمنة، عبر ركونه إلى التفسيرات الغيبية، واعتقاده أنه أحسن الأمم، وأن كل الأمم سوف تعاقب من أجله، وأنه مستثنى من قواعد الحياة وقوانينها المادية.
لا شك أن أصواتا عاقلة خرجت وحاولت تصحيح هذه المفاهيم، إلا أنها حوربت، لصالح بقاء المنهج القائم، الذي سيؤدي أيضا إلى خسائر كبرى، على صعيد قراءة المستقبل، وإدارة الوجود، وصناعة الحياة، وتغيير معادلة الجهل والهزيمة، ومن المؤلم حقا، أن تمتد هذه الطريقة إلى تصرفات الأفراد بين بعضهم البعض، فالضرر الذي يقع على غيرك هو انتقام إلهي، لكون غيرك كان متجبرا، فيما الضرر الذي يقع عليك، ابتلاء وتكريم لمعرفة مستوى إيمانك النبيل، وهذه حالة نشهدها يوميا، في تعاملاتنا بين بعضنا البعض.
اقرأ أيضاً :