جارتنا الحيفاوية ترى المسيح فلسطينياً
عمان جو - د. تيسير المشارقة
أم رمزي جارتنا من حيفا قريبتي وهي المسيحية النقية. اعتبرها أماً لي وهي تُشبّهني دائماً بابنها رمزي، صديقي وأخي. ما يميّز جارتي أنها كانت تخصني بالطعام والشراب اللذيذ الحلو بطعم النعناع.
وانا في الأعياد(الأضحى والمبارك) أزوّدها بالمعمول والكعك. لم أنس هرولتها إلى منزلنا لمّا سمعت أنني قد وقعت أرضاً وجاءني الإسعاف. ظلت تبكي.
لم تبخل عليّ بالمسكنات والأسبرين حتى جاءت سيارة الدفاع المدني. أحب جارتي كما أحب أمي.
لم أغضب عندما قامت جدة ابني البولندي غسان بتعميده في الكنيسة. اخذته الجدة واختها (خالة زوجتي السابقة) إلى الكنيسة يوم الأحد واستغلتا القدّاس للتعميد وحصل.
لم أقلب الدنيا ولم أقعدها، لأنني من أصول دينية أخرى، وجلبت لابني من تركيا نسخة مترجمة للقرآن بالبولندية والفرنسية والتركية والعربية. وبقي ابني غسان "لا أدرياً" بالرغم من التعميد والكتاب الذي وضعه على الرف، وحافظ على إزالة الغبار عنه بين وقت وآخر.
الشاعر محمود درويش من (البروة) شمال فلسطين المحتلة أحب ريتا اليهودية، وظل يعتقد أنه يستطيع الاقتراب من السيد المسيح دون خجل أو خوف.
ولما توفي في أميركا اعتقد أنه وصل أكثر من مرة إلى الآخرة ورأى ما رأى.. ولم يتخل عن إيمانه بالله بالرغم من أنه انتمى في صغره للحزب الشيوعي.
التدين مسألة إنسانية صافية. ومكفولٌ الإيمان وحرية الاعتقاد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948). ولا أحد يمنعنا من التدين كما نشتهي ونريد.
فالله في السماوات ينكشف على المؤمنين الأتقياء ويتعرف على المخلصين من المنافقين. فالانكشاف والعرفانية للأتقياء المخلصين ولا أحد يستطيع الوقوف بين الله والمريدين.
أحرص في كل مرة أزور فيها بولندا على زيارة مدينة جيراردوف بالقرب من محافظة العاصمة وارسو. هناك كنيسة جميلة زارها البابا الراحل يوحنا بولص الثاني.
وخلفها بالضبط اشترينا بيتاً ولم يكن لي نصيب السكن فيه. لأنني غادرت إلى الأردن وفلسطين. للاستقرار في نهاية المطاف في العاصمة الأردنية عمّان.
في القدس كنت أزور المسجد الأقصى وأصلي هناك وأزور كنيسة القيامة الدافئة وهي لكل الطوائف المسيحية قاطبة. أصلي تحت الصخرة في قبو دافئ يملأ قلب الإنسان بالإيمان وأتجول في كنيسة القيامة وألمس بيدي حيطانها وتماثيلها وأيقوناتها التي تبجّل السيّد المسيح الفلسطيني.
في بيت لحم وهي قريبة من دورا الخليل مسقط رأس والدي طه. زرت مدينة سيدنا المسيح وكنيسة المهد ودخلت مغارة الحليب، واشعلت الشموع لروحه المقدسة.
فهو حيّ في قلوبنا رغم ما صنعه يهوذا به. ولما زرت الناصرة مطلع الألفية الثالثة حرصت على تتبع مسيرة سيدنا المسيح عيسى بن مريم.
فهو نبينا أيضا فلسطيني المنبت وتحدّث الآرامية ولم يكن يهودياً أبداً، وعاداهم لما اقترفته أيديهم من ربا وزيف وخداع ووشاية وكذب وسرقة وتحايل. قلَبَ المسيح قدورهم وكشف زيفَهم وثار على تعاليمِهم المزوّرة.
في الأردن، شاءت الظروف أن أزور الفحيص مع صديقي البولندي المسيحي القومي يوريك سمولاريك(وهو موسيقار معروف في بولندا)، وزرنا كل كنائس الفحيص ورافقنا أحد الشباب النبلاء هناك(الشاب فيصل صويص) وشرح لنا تاريخ المدينة الذي ما زال عالقاً في ذاكرتنا.
وعاد البولندي إلى بلده، وظل يتحدّث عن طيب المعشر في الأردن والتآخي الديني، وأراد مؤاخاة مدينته (ميلانوفيك) بمدينة "الفحيص" الهادئة والجميلة.
أثناء إقامتي في رام الله (1999-2005) كنت أعيش في رام الله القديمة (التحتا) ويقطنها مسيحيون رائعون في ملبسهم ومأكلهم وطباعهم وتسامحهم وبيوتهم القديمة ذات المعمار خاص. أبت المدينة التي تَقرع كنائسها الأجراس في كل المناسبات الفلسطينية عامة إلا التآخي والتجاور مع مدينة "البيرة" التي تمتاز بمآذنها وبيوتها ومعمارها الإسلامي المميز. ((محافظة رام الله والبيرة)) نموذج للتآخي الإنساني والديني داخل البيت الواحد.
الشارع الذي يربط بين المدينتين مليء بالمطاعم والمقاهي وحسبة رام الله وسينماتيك القصبة.
السيد المسيح العظيم بأفكاره ومقولاته التي نحفظها عن ظهر قلب. نثر تعاليمه فينا. وصاغ التعايش والألفة والمحبة بين الناس. أرغب في رسمه وتصويره دائماً وأحرص على الأيقونات التي تحمل ملامحه المستوحاة من التراث. ربما أنشغل في المستقبل في رسم أيقونات له وأمه مريم عليهما السلام.
عمان جو: 9/06/2020
د. تيسير المشارقة: باحث في الدراسات الثقافية والاتصال.
عمان جو - د. تيسير المشارقة
أم رمزي جارتنا من حيفا قريبتي وهي المسيحية النقية. اعتبرها أماً لي وهي تُشبّهني دائماً بابنها رمزي، صديقي وأخي. ما يميّز جارتي أنها كانت تخصني بالطعام والشراب اللذيذ الحلو بطعم النعناع.
وانا في الأعياد(الأضحى والمبارك) أزوّدها بالمعمول والكعك. لم أنس هرولتها إلى منزلنا لمّا سمعت أنني قد وقعت أرضاً وجاءني الإسعاف. ظلت تبكي.
لم تبخل عليّ بالمسكنات والأسبرين حتى جاءت سيارة الدفاع المدني. أحب جارتي كما أحب أمي.
لم أغضب عندما قامت جدة ابني البولندي غسان بتعميده في الكنيسة. اخذته الجدة واختها (خالة زوجتي السابقة) إلى الكنيسة يوم الأحد واستغلتا القدّاس للتعميد وحصل.
لم أقلب الدنيا ولم أقعدها، لأنني من أصول دينية أخرى، وجلبت لابني من تركيا نسخة مترجمة للقرآن بالبولندية والفرنسية والتركية والعربية. وبقي ابني غسان "لا أدرياً" بالرغم من التعميد والكتاب الذي وضعه على الرف، وحافظ على إزالة الغبار عنه بين وقت وآخر.
الشاعر محمود درويش من (البروة) شمال فلسطين المحتلة أحب ريتا اليهودية، وظل يعتقد أنه يستطيع الاقتراب من السيد المسيح دون خجل أو خوف.
ولما توفي في أميركا اعتقد أنه وصل أكثر من مرة إلى الآخرة ورأى ما رأى.. ولم يتخل عن إيمانه بالله بالرغم من أنه انتمى في صغره للحزب الشيوعي.
التدين مسألة إنسانية صافية. ومكفولٌ الإيمان وحرية الاعتقاد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948). ولا أحد يمنعنا من التدين كما نشتهي ونريد.
فالله في السماوات ينكشف على المؤمنين الأتقياء ويتعرف على المخلصين من المنافقين. فالانكشاف والعرفانية للأتقياء المخلصين ولا أحد يستطيع الوقوف بين الله والمريدين.
أحرص في كل مرة أزور فيها بولندا على زيارة مدينة جيراردوف بالقرب من محافظة العاصمة وارسو. هناك كنيسة جميلة زارها البابا الراحل يوحنا بولص الثاني.
وخلفها بالضبط اشترينا بيتاً ولم يكن لي نصيب السكن فيه. لأنني غادرت إلى الأردن وفلسطين. للاستقرار في نهاية المطاف في العاصمة الأردنية عمّان.
في القدس كنت أزور المسجد الأقصى وأصلي هناك وأزور كنيسة القيامة الدافئة وهي لكل الطوائف المسيحية قاطبة. أصلي تحت الصخرة في قبو دافئ يملأ قلب الإنسان بالإيمان وأتجول في كنيسة القيامة وألمس بيدي حيطانها وتماثيلها وأيقوناتها التي تبجّل السيّد المسيح الفلسطيني.
في بيت لحم وهي قريبة من دورا الخليل مسقط رأس والدي طه. زرت مدينة سيدنا المسيح وكنيسة المهد ودخلت مغارة الحليب، واشعلت الشموع لروحه المقدسة.
فهو حيّ في قلوبنا رغم ما صنعه يهوذا به. ولما زرت الناصرة مطلع الألفية الثالثة حرصت على تتبع مسيرة سيدنا المسيح عيسى بن مريم.
فهو نبينا أيضا فلسطيني المنبت وتحدّث الآرامية ولم يكن يهودياً أبداً، وعاداهم لما اقترفته أيديهم من ربا وزيف وخداع ووشاية وكذب وسرقة وتحايل. قلَبَ المسيح قدورهم وكشف زيفَهم وثار على تعاليمِهم المزوّرة.
في الأردن، شاءت الظروف أن أزور الفحيص مع صديقي البولندي المسيحي القومي يوريك سمولاريك(وهو موسيقار معروف في بولندا)، وزرنا كل كنائس الفحيص ورافقنا أحد الشباب النبلاء هناك(الشاب فيصل صويص) وشرح لنا تاريخ المدينة الذي ما زال عالقاً في ذاكرتنا.
وعاد البولندي إلى بلده، وظل يتحدّث عن طيب المعشر في الأردن والتآخي الديني، وأراد مؤاخاة مدينته (ميلانوفيك) بمدينة "الفحيص" الهادئة والجميلة.
أثناء إقامتي في رام الله (1999-2005) كنت أعيش في رام الله القديمة (التحتا) ويقطنها مسيحيون رائعون في ملبسهم ومأكلهم وطباعهم وتسامحهم وبيوتهم القديمة ذات المعمار خاص. أبت المدينة التي تَقرع كنائسها الأجراس في كل المناسبات الفلسطينية عامة إلا التآخي والتجاور مع مدينة "البيرة" التي تمتاز بمآذنها وبيوتها ومعمارها الإسلامي المميز. ((محافظة رام الله والبيرة)) نموذج للتآخي الإنساني والديني داخل البيت الواحد.
الشارع الذي يربط بين المدينتين مليء بالمطاعم والمقاهي وحسبة رام الله وسينماتيك القصبة.
السيد المسيح العظيم بأفكاره ومقولاته التي نحفظها عن ظهر قلب. نثر تعاليمه فينا. وصاغ التعايش والألفة والمحبة بين الناس. أرغب في رسمه وتصويره دائماً وأحرص على الأيقونات التي تحمل ملامحه المستوحاة من التراث. ربما أنشغل في المستقبل في رسم أيقونات له وأمه مريم عليهما السلام.
عمان جو: 9/06/2020
د. تيسير المشارقة: باحث في الدراسات الثقافية والاتصال.