الأردن وملف مكافحة الفساد: اعتقالات «دون تفسير» وتطورات لافتة وملاحظات ضد «العقوبة المسبقة»
عمان جو - بسام البدارين
لا تحتاج الحالة الوطنية الأردنية هذه الأيام إلى أكثر من الالتزام السياسي والفعلي بمتابعة ملفات التحقيق بالفساد في إطار معادلة توازن بين الاستحقاق القانوني والحرص بالمقابل على قواعد وأسس ونصوص العدالة بعيداً عن الانتقائية أو التشهير.
ولا يحتاج ضبط الإيقاع، خصوصاً في مساره الأمني وفي ظرف حساس ومعقد، إلى أكثر من المعيار القانوني في الاعتقال والتوقيف ثم في التحقيق، وعلى الأرجح من دون تعسف، تحسباً للآثار المعاكسة، ولاحقاً في الإفراج، وهو معيار يضمن دوماً الحد الأدنى من الجذب والتجاذب في الشارع ويؤسس لحالة يفهم فيها الجميع إما قواعد اللعبة وفي إطار القانون والدستور، أو الخطوط الحمراء.
زادت في الآونة الأخيرة في البلاد جرعة الانشغال بأنماط وملفات الفساد، كما زادت جرعة الاهتمام الشعبوي بسلسلة اعتقالات على خلفية سياسية كان يمكن طبعاً الاستغناء عنها أو على الأقل تبريرها وشرحها للرأي العام في نطاق المسار القانوني المألوف. هيئة النزاهة ومكافحة الفساد تطور على نحو لافت من أدائها ومن آليات وتقنيات العمل والاشتباك والمتابعة وبصيغة في بعض التفاصيل بدأت تثير الفضول أحياناً ووجهات النظر في مسألة ينبغي ألا تخضع أصلاً لمعايير الاختلاف في الرأي.
تحقق هيئة مكافحة الفساد باسم الدولة والقانون، وحسب الأصول… بسلسلة من العطاءات والتجاوزات، وتحارب بنجاح على جبهة موازية بعض ظواهر ومخالفات الفساد الإداري الصغير ضمن معطيات سلسلة من الرسائل التي بدأت توجهها للرأي العام والشارع حسابات الدولة والقرار بعدما أقرت الحكومة الحالية، على لسان الناطق باسمها الوزير أمجد العضايلة، بأن المعركة مع فيروس كورونا كشفت عن بعض العيوب البيروقراطية، وعن مشكلات في أداء القطاع العام وأحياناً الدولة.
تناضل هنا هيئة مكافحة الفساد لإعلان ولادة مناخ جديد -أو عهد جديد – وذراع تبدو مقنعة أكثر من أي وقت مضى الآن وملتزمة بالإطار القانوني، وتاركة الحكم النهائي للقضاء النزيه، مع إظهار مرونة بين الحين والآخر أثناء مرحلة التحقق والتحقيق عندما يتعلق الأمر بالصالح العام أو مصالح المواطنين، خصوصاً في بند الرواتب بمؤسسات أو شركات تخضع للتحقق.
مؤخراً، أعلنت الحكومة عن سعيها لتعزيز صلاحيات الهيئة في إطار التشريع ومنظومة اللوائح، وتلك على الأرجح أيضاً رسالة لصالح الشفافية والوقاية تسبق الانتخابات المقبلة، وتقول ضمنياً بأن عهد تأثير المال السياسي شارف على الانتهاء وأصبح تحت أعين سلطات الرقابة أكثر من أي وقت مضى.
تلك خطوات لا يملك المواطن الأردني إلا التصفيق لها بالرغم من وجود ملاحظة هنا أو هناك تخشى من كلفة الإفراط في الاعتماد على وسائل الإعلام أو من فاتورة الصدمات التي تنتج من قطاع المال والأعمال أثناء التحقيقات جراء ما يسميه بعض الخبراء بالعقوبات التي تسبق الإدانة، بما في ذلك منع السفر أحياناً أو الحجز على الأموال بأصنافها.
وذلك نقاش موضوعي، ويحتاج إلى التعمق قليلاً؛ لأن التفريط بمنجزات عملية مكافحة الفساد ليست خياراً الآن، ولكن الموازنة بين المصالح وحركة السوق ومنظومة التشريعات التي تضبط عمليات التحقيق تحتاج إلى توازن سياسي في بعض الأحيان، الأمر الذي تحرص عليه اليوم هيئة مكافحة الفساد وهي تؤسس لتقاليد جديدة في المجتمع، مظهرة قدراً من المرونة في الإصغاء والملاحظة، والأهم في تطوير تقنية ومنظومة العمل بما يخدم المصالح العليا للناس والدولة، ومظهرة شدة وصرامة يقرأها البعض بصيغة تعسف أحياناً، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالتوقيف قبل القضاء.
يحتاج الأمر عند بعض التفاصيل إلى مراجعة، هي وظيفة السلطة التنفيذية والتشريعية وليس الهيئة، لأنماط بعض العقوبات القانونية التي تسبق التحقيق القضائي أو الإدانة بمعناها القانوني القطعي.
تبدو أذرع الدولة المعنية بالمحاسبة والشفافية والمراقبة مفتوحة اليوم على عملية تطوير أوسع، وتتقبل بمرونة أي ملاحظات هدفها نبيل سياسياً، ويمكن في السياق الإصغاء إلى تلك الانطباعات التي تحذر مرة من التسريبات وأخرى من المبالغة في التعامل مع وسائل الإعلام، وهي مسألة خاضعة للنقاش برحابة صدر أيضاً، ولا يبدد جدالها إلا ولادة ثقافة جديدة في الحفاظ على هيبة القانون وجدية في التحقيق والمتابعة.
يحتاج الأمر أيضاً إلى جدية مماثلة في تفسير وتبرير بعض الاعتقالات التي تقول أطياف في المعارضة إنها زادت مؤخراً، حيث لا تفصح الحكومة عن أسباب اعتقالات لها علاقة بالسياسيين أو بالرأي، ولا تفصح في المقابل سلطات الحكومة عن الاتهامات أو مسار التحقيقات. وعند حصول إفراجات، لا يفهم الرأي العام بنفس القياس سبب الإفراج، كما لا يفهم سبب الاعتقال.
في كل حال، طبيعة المرحلة القاسية تتطلب مراجعة أيضاً في هذا المسار، فعودة الاعتقال السياسي خطوة يمكن الاستغناء عنها في ظل التحديات التي نتجت عن أزمة الفيروس كورونا، وفهم المواطن لأسباب الاعتقالات في إطار القانون والعدالة يساعد أيضاً في تقبلها وهضمها دون المساس أو حتى دون الادعاء بالمساس بسقف حريات الرأي والتعبير في الأردن، خصوصاً أن البلاد تتحضر لانتخابات برلمانية.
القدس العربي
عمان جو - بسام البدارين
لا تحتاج الحالة الوطنية الأردنية هذه الأيام إلى أكثر من الالتزام السياسي والفعلي بمتابعة ملفات التحقيق بالفساد في إطار معادلة توازن بين الاستحقاق القانوني والحرص بالمقابل على قواعد وأسس ونصوص العدالة بعيداً عن الانتقائية أو التشهير.
ولا يحتاج ضبط الإيقاع، خصوصاً في مساره الأمني وفي ظرف حساس ومعقد، إلى أكثر من المعيار القانوني في الاعتقال والتوقيف ثم في التحقيق، وعلى الأرجح من دون تعسف، تحسباً للآثار المعاكسة، ولاحقاً في الإفراج، وهو معيار يضمن دوماً الحد الأدنى من الجذب والتجاذب في الشارع ويؤسس لحالة يفهم فيها الجميع إما قواعد اللعبة وفي إطار القانون والدستور، أو الخطوط الحمراء.
زادت في الآونة الأخيرة في البلاد جرعة الانشغال بأنماط وملفات الفساد، كما زادت جرعة الاهتمام الشعبوي بسلسلة اعتقالات على خلفية سياسية كان يمكن طبعاً الاستغناء عنها أو على الأقل تبريرها وشرحها للرأي العام في نطاق المسار القانوني المألوف. هيئة النزاهة ومكافحة الفساد تطور على نحو لافت من أدائها ومن آليات وتقنيات العمل والاشتباك والمتابعة وبصيغة في بعض التفاصيل بدأت تثير الفضول أحياناً ووجهات النظر في مسألة ينبغي ألا تخضع أصلاً لمعايير الاختلاف في الرأي.
تحقق هيئة مكافحة الفساد باسم الدولة والقانون، وحسب الأصول… بسلسلة من العطاءات والتجاوزات، وتحارب بنجاح على جبهة موازية بعض ظواهر ومخالفات الفساد الإداري الصغير ضمن معطيات سلسلة من الرسائل التي بدأت توجهها للرأي العام والشارع حسابات الدولة والقرار بعدما أقرت الحكومة الحالية، على لسان الناطق باسمها الوزير أمجد العضايلة، بأن المعركة مع فيروس كورونا كشفت عن بعض العيوب البيروقراطية، وعن مشكلات في أداء القطاع العام وأحياناً الدولة.
تناضل هنا هيئة مكافحة الفساد لإعلان ولادة مناخ جديد -أو عهد جديد – وذراع تبدو مقنعة أكثر من أي وقت مضى الآن وملتزمة بالإطار القانوني، وتاركة الحكم النهائي للقضاء النزيه، مع إظهار مرونة بين الحين والآخر أثناء مرحلة التحقق والتحقيق عندما يتعلق الأمر بالصالح العام أو مصالح المواطنين، خصوصاً في بند الرواتب بمؤسسات أو شركات تخضع للتحقق.
مؤخراً، أعلنت الحكومة عن سعيها لتعزيز صلاحيات الهيئة في إطار التشريع ومنظومة اللوائح، وتلك على الأرجح أيضاً رسالة لصالح الشفافية والوقاية تسبق الانتخابات المقبلة، وتقول ضمنياً بأن عهد تأثير المال السياسي شارف على الانتهاء وأصبح تحت أعين سلطات الرقابة أكثر من أي وقت مضى.
تلك خطوات لا يملك المواطن الأردني إلا التصفيق لها بالرغم من وجود ملاحظة هنا أو هناك تخشى من كلفة الإفراط في الاعتماد على وسائل الإعلام أو من فاتورة الصدمات التي تنتج من قطاع المال والأعمال أثناء التحقيقات جراء ما يسميه بعض الخبراء بالعقوبات التي تسبق الإدانة، بما في ذلك منع السفر أحياناً أو الحجز على الأموال بأصنافها.
وذلك نقاش موضوعي، ويحتاج إلى التعمق قليلاً؛ لأن التفريط بمنجزات عملية مكافحة الفساد ليست خياراً الآن، ولكن الموازنة بين المصالح وحركة السوق ومنظومة التشريعات التي تضبط عمليات التحقيق تحتاج إلى توازن سياسي في بعض الأحيان، الأمر الذي تحرص عليه اليوم هيئة مكافحة الفساد وهي تؤسس لتقاليد جديدة في المجتمع، مظهرة قدراً من المرونة في الإصغاء والملاحظة، والأهم في تطوير تقنية ومنظومة العمل بما يخدم المصالح العليا للناس والدولة، ومظهرة شدة وصرامة يقرأها البعض بصيغة تعسف أحياناً، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالتوقيف قبل القضاء.
يحتاج الأمر عند بعض التفاصيل إلى مراجعة، هي وظيفة السلطة التنفيذية والتشريعية وليس الهيئة، لأنماط بعض العقوبات القانونية التي تسبق التحقيق القضائي أو الإدانة بمعناها القانوني القطعي.
تبدو أذرع الدولة المعنية بالمحاسبة والشفافية والمراقبة مفتوحة اليوم على عملية تطوير أوسع، وتتقبل بمرونة أي ملاحظات هدفها نبيل سياسياً، ويمكن في السياق الإصغاء إلى تلك الانطباعات التي تحذر مرة من التسريبات وأخرى من المبالغة في التعامل مع وسائل الإعلام، وهي مسألة خاضعة للنقاش برحابة صدر أيضاً، ولا يبدد جدالها إلا ولادة ثقافة جديدة في الحفاظ على هيبة القانون وجدية في التحقيق والمتابعة.
يحتاج الأمر أيضاً إلى جدية مماثلة في تفسير وتبرير بعض الاعتقالات التي تقول أطياف في المعارضة إنها زادت مؤخراً، حيث لا تفصح الحكومة عن أسباب اعتقالات لها علاقة بالسياسيين أو بالرأي، ولا تفصح في المقابل سلطات الحكومة عن الاتهامات أو مسار التحقيقات. وعند حصول إفراجات، لا يفهم الرأي العام بنفس القياس سبب الإفراج، كما لا يفهم سبب الاعتقال.
في كل حال، طبيعة المرحلة القاسية تتطلب مراجعة أيضاً في هذا المسار، فعودة الاعتقال السياسي خطوة يمكن الاستغناء عنها في ظل التحديات التي نتجت عن أزمة الفيروس كورونا، وفهم المواطن لأسباب الاعتقالات في إطار القانون والعدالة يساعد أيضاً في تقبلها وهضمها دون المساس أو حتى دون الادعاء بالمساس بسقف حريات الرأي والتعبير في الأردن، خصوصاً أن البلاد تتحضر لانتخابات برلمانية.
القدس العربي