الشحاتيت يكتب ، ثلاثةٌ وثلاثون عاما من العشقِ لجامعة مؤتة
عمان جو - صلحي الشحاتيت- ان تعشق إنسانًا وأنتَ بعمر السابعة عشر، فهذا يبدو حدثًا طبيعياً للوهلة الأولى؛ ولكنْ أن تعشق مكانًا بهذا السن فهذا الأمر لا يبدو عادياً، ليس من باب كيل المديح وعبارات الثناء والتفخيم والتعظيم لشخوص بعينهم، وليس من باب المجاملة فحسب، إنما حينما نتحدث عن صرح وطني وعلمي يحتل مكانة في ذاكرة وقلوب الأردنيين جميعهم، وكل من ارتاد هذا الصرح الشامخ شموخ الطود الراسخ عبر عقودٍ من الزمن حتمًا سيكون الحديث مختلف.
إنّ جامعة مؤتة بحكم موقعها على أرض معركة مؤتة الخالدة، فقد جاءت تجسيدًا لرؤية الملك الراحل المغفور له الحسين بن طلال طيّب الله ثراه، فأكرمها بكلماتٍ ما زالت إكليلًا يتوجُ أفواج الخريجين ليومنا هذا، فنقرأ من دفتر التاريخ والوطن ما قاله طيب الله ثراه: (إنّ لمؤتةَ في النفسِ مكانــةً وفي القلب منزلــةً، وفي الخاطر رعشة اعتزازٍ، كما لها في الذكرى مستقرَّ مجدٍ وانتماء)…
بدأت قصتي مع مؤتة القلب، منذ أيامي الأولى بالثانوية العامة بفرعها العلمي، حيث التحقت سابقًا بمدرسة المفرق الثانوية الأولى للبنين، ولا شكّ أن هذه الفترة كانت وما تزال لنا جميعًا بمثابة نقلة نوعية مختلفة لمستقبلنا؛ فجميعنا نجتهد في تلك المرحلة لترسوا سفننا في مينائها المنشود، فكانت مؤتة القلب بمثابة الميناء المنشود، فقد كنتُ أحلمُ بالدراسةِ في هذا الصرح الوطني العلمي الشامخ، وتحديدًا الجناح العسكري (مصنع الرجال ورافد قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية بأبطالنا البواسل)، فبعد إجتيازي تلك المرحلة تقدمت وثُلة من زملاء المدرسة بطلبات الإلتحاق الخاصة بالجناح العسكري فيها، فكان لي الشرف بإجتياز مراحل التصفية المختلفة (الرياضية والطبية) وصولًا للمقابلة الشخصية مع كبار قادة قواتنا المسلحة، وللأسف فالحلم لم يدم طويلًا، وذلك مع إعلان قائمة المقبولين لاحقًا، حيث لم يكن لي إسم بينهم لأسباب تتعلق بالبعد الجغرافي، والمعتمدة بذلك الوقت على مكان ولادة الأب وعدد المقاعد المخصصة لكل محافظة.
ولكن يكفيني شرفُ المحاولة، وظل الأمل معقودًا بمؤتة القلب، وبعدها بدأت مسيرتي العلمية؛ حيث التحقت بجامعة اليرموك من العام نفسه، وأتممتُ بها ست سنواتٍ متواصلة، حصلت خلالها على درجتي البكالوريوس والماجستير في الكيمياء، بعد تخرجي بشهرين ولحسن الحظ، طرحت جامعة مؤتة إعلانًا تطلب فيه مساعدي بحث وتدريس من حملة الماجستير بالكيمياء، وكان ذلك في تشرين الثاني من عام 1993، فرحت كثيرًا ومضيت مسرعًا للكرك (وكانت هذه المرة الأولى التي أزورها )؛ كي اقدم طلب التوظيف من خلال رئاسة الجامعة، وفي البال تجولُ كلمات: ها قد تحقق الحلم ولو بعد حين، بعد ذلك بأسبوع تم استدعائي للمقابلة من قبل أساتذة كرام أعزاء، مجتازًا معها جميع المراحل المطلوبة، إلى أن تم التنسيب لمجلس العمداء بقرار تعيني في مؤتة القلب، انتظرت بعدها ما يقارب الثمانية شهور إلى حين استكمال الموافقات الأمنية من الجهات المختصة، وذات يوم من شهر أب وصلني إتصالاً هاتفياً من جامعة مؤتة يطلب مني الإلتحاق بالعمل مباشرة بعد أن تم إستكمال جميع متطلبات التعيين.
تحقق حلمي أخيرًا بعد أن التحقت بمؤتة مدرسًا وليس طالباً، واستمرت مسيرتي بمؤتة بجناحيها العسكري والمدني لمدة ثلاث سنواتٍ ما بين مدرسًا للمختبرات الكيميائية، وباحثًا مع بعض الأساتذة المميزين بالقسم بذلك الوقت. كان لدي رغبةً قوية بإكمال دراستي والحصول على الدكتوراة، فحاولتُ جاهدًا طيلة تلك السنوات أن أحصل على منحة لإكمال دراسة الدكتوراه من خلال جامعة مؤتة، ولكن للأسف لم أنجح نتيجة الظروف المالية الصعبة التي كانت تمر بها الجامعة بذلك الوقت، فكان الخيار الأقوى لدي أن أقدم استقالتي من مؤتة القلب على أمل العودة من جديد، غادرتُ بعدها لاستراليا لإتمام دراسة الدكتوراه بعد أن حصلت على منحة من مجلس البحث الأسترالي لألتحق بعدها بجامعة نيو ساوث ويلز
مرت السنين وحصلت على درجة الدكتوراه في الكيمياء العضوية الفيزيائية، وعملت بعدها بمراكز بحثية وجامعات عالمية شملت: استراليا، سنغافورة، أمريكيا، والسعودية، عشرُسنواتٍ مضت مذ غادرت مؤتة، ظل الحنين يراودني خلال تلك السنوات للعودة للأستقرار بوطني الأردن وتحديدًا جامعة مؤتة.
شاءت الصدف أن تطرح جامعة مؤتة إعلان توظيف لحملة الدكتوراه بتخصصي الدقيق، وقمت بتقديم طلبي على الفور، والحمدلله رب العالمين تم إختياري من بين المتقدمين، وتجاوزت جميع متطلبات التعيين الأكاديمية والأمنية، والتحقت بجامعة مؤتة كعضو هيئة تدريس اعتبارًا من مطلع العام الدراسي 2007/2008 لأستمر بها متسلسلاً بالرتب الأكاديمية، إلى أن جاء العام الدراسي 2016/2017 حيث غادرتها بإجازة تفرغ علمي لمدة عامٍ واحد للبحث العلمي، ووقع الاختيار على جامعة العقبة للتكنولوجيا، جامعةٍ واعده فتية، حيث عملت بها ثلاثة سنوات تسلسلت بها إدارياً بدءً من عميدا للبحث العلمي ثم قائمًا بأعمال رئيس الجامعة وأخيرًا رئيسًا لها.
مسلسل العشق لا زال مستمر، ها أنا أعود لمؤتة ثانية أستاذًا بعد أن تمت ترقيتي لرتبة الأستاذية خلال إجازة التفرغ العلمي، أعود وكلي شوق لقاعاتها التدريسية ومختبراتها العلمية وزملاء أكاديمين وإداريين أعزاء وأحباء لقلبي، فجامعة مؤتة هي (جامعة وطن) ومنهل للعلم والمعرفة، ظلت وستبقى منارة شامخة تجود بالكفاءات والطاقات البشرية في شتى المجالات ومناحي الحياة الحضارية والتكنولوجية والفكرية، وتساهم وتشارك في دروب الفكر والإبداع الإنساني.
– قسم الكيمياء – جامعة مؤتة
اقرأ أيضا :
عمان جو - صلحي الشحاتيت- ان تعشق إنسانًا وأنتَ بعمر السابعة عشر، فهذا يبدو حدثًا طبيعياً للوهلة الأولى؛ ولكنْ أن تعشق مكانًا بهذا السن فهذا الأمر لا يبدو عادياً، ليس من باب كيل المديح وعبارات الثناء والتفخيم والتعظيم لشخوص بعينهم، وليس من باب المجاملة فحسب، إنما حينما نتحدث عن صرح وطني وعلمي يحتل مكانة في ذاكرة وقلوب الأردنيين جميعهم، وكل من ارتاد هذا الصرح الشامخ شموخ الطود الراسخ عبر عقودٍ من الزمن حتمًا سيكون الحديث مختلف.
إنّ جامعة مؤتة بحكم موقعها على أرض معركة مؤتة الخالدة، فقد جاءت تجسيدًا لرؤية الملك الراحل المغفور له الحسين بن طلال طيّب الله ثراه، فأكرمها بكلماتٍ ما زالت إكليلًا يتوجُ أفواج الخريجين ليومنا هذا، فنقرأ من دفتر التاريخ والوطن ما قاله طيب الله ثراه: (إنّ لمؤتةَ في النفسِ مكانــةً وفي القلب منزلــةً، وفي الخاطر رعشة اعتزازٍ، كما لها في الذكرى مستقرَّ مجدٍ وانتماء)…
بدأت قصتي مع مؤتة القلب، منذ أيامي الأولى بالثانوية العامة بفرعها العلمي، حيث التحقت سابقًا بمدرسة المفرق الثانوية الأولى للبنين، ولا شكّ أن هذه الفترة كانت وما تزال لنا جميعًا بمثابة نقلة نوعية مختلفة لمستقبلنا؛ فجميعنا نجتهد في تلك المرحلة لترسوا سفننا في مينائها المنشود، فكانت مؤتة القلب بمثابة الميناء المنشود، فقد كنتُ أحلمُ بالدراسةِ في هذا الصرح الوطني العلمي الشامخ، وتحديدًا الجناح العسكري (مصنع الرجال ورافد قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية بأبطالنا البواسل)، فبعد إجتيازي تلك المرحلة تقدمت وثُلة من زملاء المدرسة بطلبات الإلتحاق الخاصة بالجناح العسكري فيها، فكان لي الشرف بإجتياز مراحل التصفية المختلفة (الرياضية والطبية) وصولًا للمقابلة الشخصية مع كبار قادة قواتنا المسلحة، وللأسف فالحلم لم يدم طويلًا، وذلك مع إعلان قائمة المقبولين لاحقًا، حيث لم يكن لي إسم بينهم لأسباب تتعلق بالبعد الجغرافي، والمعتمدة بذلك الوقت على مكان ولادة الأب وعدد المقاعد المخصصة لكل محافظة.
ولكن يكفيني شرفُ المحاولة، وظل الأمل معقودًا بمؤتة القلب، وبعدها بدأت مسيرتي العلمية؛ حيث التحقت بجامعة اليرموك من العام نفسه، وأتممتُ بها ست سنواتٍ متواصلة، حصلت خلالها على درجتي البكالوريوس والماجستير في الكيمياء، بعد تخرجي بشهرين ولحسن الحظ، طرحت جامعة مؤتة إعلانًا تطلب فيه مساعدي بحث وتدريس من حملة الماجستير بالكيمياء، وكان ذلك في تشرين الثاني من عام 1993، فرحت كثيرًا ومضيت مسرعًا للكرك (وكانت هذه المرة الأولى التي أزورها )؛ كي اقدم طلب التوظيف من خلال رئاسة الجامعة، وفي البال تجولُ كلمات: ها قد تحقق الحلم ولو بعد حين، بعد ذلك بأسبوع تم استدعائي للمقابلة من قبل أساتذة كرام أعزاء، مجتازًا معها جميع المراحل المطلوبة، إلى أن تم التنسيب لمجلس العمداء بقرار تعيني في مؤتة القلب، انتظرت بعدها ما يقارب الثمانية شهور إلى حين استكمال الموافقات الأمنية من الجهات المختصة، وذات يوم من شهر أب وصلني إتصالاً هاتفياً من جامعة مؤتة يطلب مني الإلتحاق بالعمل مباشرة بعد أن تم إستكمال جميع متطلبات التعيين.
تحقق حلمي أخيرًا بعد أن التحقت بمؤتة مدرسًا وليس طالباً، واستمرت مسيرتي بمؤتة بجناحيها العسكري والمدني لمدة ثلاث سنواتٍ ما بين مدرسًا للمختبرات الكيميائية، وباحثًا مع بعض الأساتذة المميزين بالقسم بذلك الوقت. كان لدي رغبةً قوية بإكمال دراستي والحصول على الدكتوراة، فحاولتُ جاهدًا طيلة تلك السنوات أن أحصل على منحة لإكمال دراسة الدكتوراه من خلال جامعة مؤتة، ولكن للأسف لم أنجح نتيجة الظروف المالية الصعبة التي كانت تمر بها الجامعة بذلك الوقت، فكان الخيار الأقوى لدي أن أقدم استقالتي من مؤتة القلب على أمل العودة من جديد، غادرتُ بعدها لاستراليا لإتمام دراسة الدكتوراه بعد أن حصلت على منحة من مجلس البحث الأسترالي لألتحق بعدها بجامعة نيو ساوث ويلز
مرت السنين وحصلت على درجة الدكتوراه في الكيمياء العضوية الفيزيائية، وعملت بعدها بمراكز بحثية وجامعات عالمية شملت: استراليا، سنغافورة، أمريكيا، والسعودية، عشرُسنواتٍ مضت مذ غادرت مؤتة، ظل الحنين يراودني خلال تلك السنوات للعودة للأستقرار بوطني الأردن وتحديدًا جامعة مؤتة.
شاءت الصدف أن تطرح جامعة مؤتة إعلان توظيف لحملة الدكتوراه بتخصصي الدقيق، وقمت بتقديم طلبي على الفور، والحمدلله رب العالمين تم إختياري من بين المتقدمين، وتجاوزت جميع متطلبات التعيين الأكاديمية والأمنية، والتحقت بجامعة مؤتة كعضو هيئة تدريس اعتبارًا من مطلع العام الدراسي 2007/2008 لأستمر بها متسلسلاً بالرتب الأكاديمية، إلى أن جاء العام الدراسي 2016/2017 حيث غادرتها بإجازة تفرغ علمي لمدة عامٍ واحد للبحث العلمي، ووقع الاختيار على جامعة العقبة للتكنولوجيا، جامعةٍ واعده فتية، حيث عملت بها ثلاثة سنوات تسلسلت بها إدارياً بدءً من عميدا للبحث العلمي ثم قائمًا بأعمال رئيس الجامعة وأخيرًا رئيسًا لها.
مسلسل العشق لا زال مستمر، ها أنا أعود لمؤتة ثانية أستاذًا بعد أن تمت ترقيتي لرتبة الأستاذية خلال إجازة التفرغ العلمي، أعود وكلي شوق لقاعاتها التدريسية ومختبراتها العلمية وزملاء أكاديمين وإداريين أعزاء وأحباء لقلبي، فجامعة مؤتة هي (جامعة وطن) ومنهل للعلم والمعرفة، ظلت وستبقى منارة شامخة تجود بالكفاءات والطاقات البشرية في شتى المجالات ومناحي الحياة الحضارية والتكنولوجية والفكرية، وتساهم وتشارك في دروب الفكر والإبداع الإنساني.
– قسم الكيمياء – جامعة مؤتة
اقرأ أيضا :