الأردن "الجديد" في أي اتجاه؟: "تطويع"وأحياناً "تفتيت أو تجريف"مراكز قوى "الماضي"
عمان جو - بسام البدارين
في أي اتجاه بصورة محددة ستظهر ملامح «الأردن الجديد»؟
قد لا يتعلق الأمر هنا بملامح محددة أو بحالة جديدة حقاً، فعلاً، في البلاد بقدر ما يتعلق بذلك الخيط الرفيع الغامض أحياناً الذي يمكن تلمسه أحياناً أخرى وهو يربط سلسلة من الوقائع والأحداث المحلية والإقليمية بعضها ببعض.
قبل الاستنتاج في عمق مسألة الربط تلك لا بد من تفهم وجود مبررات قوية أو صلبة لحالة التطويع التي تخضع لها حالياً ضمن تسلل منطقي لا أحد يعلم ما إذا كان مدروساً بعناية لمسار الأحداث.
بعد المداهمات الضريبية وتطويع مراكز قوى أساسية في المجتمع والسعي لإعادة إنتاج أخرى مثل جماعة الأخوان المسلمين ونقابة المعلمين وشبكة النفوذ التي كانت تنفذها عائلة الطراونة.
بعد كل ذلك يتردد في كواليس القرار العميقة ذلك الهمس عن استحقاق انتخابي حدد سقفه الزمني علناً سينتهي بولادة «تركيبة غير مسبوقة» لمجلس نواب يحظى بأهمية قصوى ليس بحكم رموزه أو نتائج التنافس على مقاعده، ولكن بحكم طبيعة المهام التي تنتظره ونقاط التحول التي تحتاج البلاد للعبور عبرها بالشراكة مع مجلس نواب مختلف ونوعي وقوي، والأهم يخلو تماماً من أقطاب وأركان المال السياسي والمقاولات، الأمر الذي قد يؤدي – نقول قد – إلى تعزيز محتمل وغير مسبوق لمنظومة النزاهة الانتخابية.
تحولات في العمق و«البانكرز» انضموا لـ«الدولة العميقة» وانتخابات محتملة بـ«من حضر»
لكن تلك منظومة خدشت بغير قصد أو بقصد لا يعلمه العامة عندما قرر رئيس هيئة الانتخاب الدكتور خالد كلالدة لسبب غامض حتى الآن التحدث علناً عن العبث بنتائج الانتخابات مرتين في الماضي وفق نسختي الانتخابات عامي 1989 و 2007 .
رغم الضجيج الذي أثارته إفصاحات الكلالدة، احتفظ الرجل بموقعه وصدر أمر دفاع جديد لرئيس الوزراء عمر الرزاز يستجيب بقدر من الخضوع البيروقراطي لأول تعميم تريده هيئة الانتخابات المستقلة.
في ذلك التعميم يريد الكلالدة منع كل من يحمل صفة موظف عام من التدخل بأي صيغة في العملية الانتخابية والدعائية.
تلك خطوة إدارية في اتجاه النزاهة، لكن السر الغامض في إفصاحات الكلالدة الكثيرة لم يتفكك بعد، ويوحي الأمر ومن باب الاستنتاج السياسي، بأن جزءاً من هيبة المجلس المقبل المصنعة والمطلوبة قد يتطلب التنديد مع الإقرار بالخدوش التي حصلت على نتائج الانتخابات في الماضي.
هل يعزز ذلك من مصداقية العملية الانتخابية؟
لا أحد يمكنه تقديم إجابة مقنعة الآن لمثل هذا السؤال، ولكن مبكراً ومع إيقاعات أزمة المعلمين وحالة الشيطنة المرعية للإخوان المسلمين بدأت تظهر للعلن دعوات مقاطعة، فيما أعيد إنتاج تصريح شهير للركن البرلماني عبد الكريم الدغمي قال فيه «نحن مجرد ديكور».
الانتخابات ستعقد بـ «من حضر»، ولا يبدو أن السلطات تزاحم تحت وطأة وحمأة النسخة الثانية من الفيروس كورونا لتحقيق نسبة مشاركة مرتفعة من الاقتراع، وهؤلاء الذين يلعبون في مساحة «من حضر» يفترض أن تنتهي مشاركتهم بتركيبة نوعية مختلفة تؤسس لطبقة جديدة من زعامات البرلمان.
قد يكون ذلك من المقتضيات والمتطلبات الأساسية لمرحلة جديدة، ليس بالضرورة منسجمة مع الأردن الجديد الذي يتحدث عنه السفير الأمريكي الطازج والقادم إلى عمان قريباً هنري ووستر، لكنها مرحلة تستجيب لأغراض أجندة تحول وتحديث ما.
وهو تحول تطلب على الأرجح تطويع أو إعادة إنتاج مراكز القوى الكلاسيكية في المجتمع، ابتداء من طبقة المال والأعمال ورموز المال السياسي والمقاولات، وانتهاء بـ «عوائل البزنس» مروراً بالإخوان المسلمين ونقابة المعلمين وغيرها من الأطر الضخمة التي تعيق، على أساس تفريغ وتجريف مراكز القوى تلك وتوفير مساحة جغرافية دستورية لمركز قوى جديد يمثل الجميع لا يمكنه أن يكون إلا مجلس النواب المقبل.
تلك مجازفة في كل الأحوال، وهي في بعضها مقامرة سياسية، لكنها تتفاعل الآن وسيصفق لها الشارع الأردني على الطريقة اللبنانية إذا ما انتهت بإسقاط ناعم لقوى الماضي والأمر الواقع واستبدالها بقوى أنعم ومستجدة تساند التوسع قليلاً في التنمية الاقتصادية، وتحقق قدراً من العدالة والإنصاف، وتدفع الأردن أكثر نحو «دولة مدنية» لا يعتدي فيها أي مركز قوة على حصة الآخر في الإطار التقليدي. ورغم أن نقيب المهندسين المسيس أحمد سمارة الزعبي، يعبر عن خوفه من التفتيت بدل التفكيك، إلا أن التغيير البطيء والمتدرج في الحالة البيروقراطية أغرى جميع الأردنيين وأغواهم ببرنامج استعادة مال الدولة، لكنه شمل قبل ذلك محطة غاية الأهمية، وفقاً لبيروقراطي محنك تحدث لـ «القدس العربي» مفضلاً أن يقول عبارته المهمة بدون ذكر اسمه، وبعنوان «حتى الدولة العميقة التقليدية تتغير الآن».
التقدير الأخير محطة لا يمكن إخراجها من سياق التحليل، بتقدير صاحب الرأي نفسه، المتمثل بمجموعة يطلق عليها إعلامياً اسم الـ»بانكرز» انضم إلى العضوية في الدولة العميقة مؤخراً، ومرحلة التفاعل مع فيروس كورونا بدلت وغيرت في كثير من المفاصل والمعطيات وسط الإيمان بأن «الدولة نجحت كلما أخفقت الحكومة».
لا تلتقط مجسات القرار الرسمي فقط هذه التحولات البطيئة العميقة. وفي المنطق والرؤية والخطاب والسعي للتحديث، بل في جماعة ديناميكية تقرأ البوصلة جيداً مثل الأخوان المسلمين، ثمة تسجيل جديد في القيادة ولد مؤخراً يتحدث عن «مسارات» وبدائل تنتمي إلى الطينة نفسها من التحولات العميقة … وتلك قصة أخرى.
عمان جو - بسام البدارين
في أي اتجاه بصورة محددة ستظهر ملامح «الأردن الجديد»؟
قد لا يتعلق الأمر هنا بملامح محددة أو بحالة جديدة حقاً، فعلاً، في البلاد بقدر ما يتعلق بذلك الخيط الرفيع الغامض أحياناً الذي يمكن تلمسه أحياناً أخرى وهو يربط سلسلة من الوقائع والأحداث المحلية والإقليمية بعضها ببعض.
قبل الاستنتاج في عمق مسألة الربط تلك لا بد من تفهم وجود مبررات قوية أو صلبة لحالة التطويع التي تخضع لها حالياً ضمن تسلل منطقي لا أحد يعلم ما إذا كان مدروساً بعناية لمسار الأحداث.
بعد المداهمات الضريبية وتطويع مراكز قوى أساسية في المجتمع والسعي لإعادة إنتاج أخرى مثل جماعة الأخوان المسلمين ونقابة المعلمين وشبكة النفوذ التي كانت تنفذها عائلة الطراونة.
بعد كل ذلك يتردد في كواليس القرار العميقة ذلك الهمس عن استحقاق انتخابي حدد سقفه الزمني علناً سينتهي بولادة «تركيبة غير مسبوقة» لمجلس نواب يحظى بأهمية قصوى ليس بحكم رموزه أو نتائج التنافس على مقاعده، ولكن بحكم طبيعة المهام التي تنتظره ونقاط التحول التي تحتاج البلاد للعبور عبرها بالشراكة مع مجلس نواب مختلف ونوعي وقوي، والأهم يخلو تماماً من أقطاب وأركان المال السياسي والمقاولات، الأمر الذي قد يؤدي – نقول قد – إلى تعزيز محتمل وغير مسبوق لمنظومة النزاهة الانتخابية.
تحولات في العمق و«البانكرز» انضموا لـ«الدولة العميقة» وانتخابات محتملة بـ«من حضر»
لكن تلك منظومة خدشت بغير قصد أو بقصد لا يعلمه العامة عندما قرر رئيس هيئة الانتخاب الدكتور خالد كلالدة لسبب غامض حتى الآن التحدث علناً عن العبث بنتائج الانتخابات مرتين في الماضي وفق نسختي الانتخابات عامي 1989 و 2007 .
رغم الضجيج الذي أثارته إفصاحات الكلالدة، احتفظ الرجل بموقعه وصدر أمر دفاع جديد لرئيس الوزراء عمر الرزاز يستجيب بقدر من الخضوع البيروقراطي لأول تعميم تريده هيئة الانتخابات المستقلة.
في ذلك التعميم يريد الكلالدة منع كل من يحمل صفة موظف عام من التدخل بأي صيغة في العملية الانتخابية والدعائية.
تلك خطوة إدارية في اتجاه النزاهة، لكن السر الغامض في إفصاحات الكلالدة الكثيرة لم يتفكك بعد، ويوحي الأمر ومن باب الاستنتاج السياسي، بأن جزءاً من هيبة المجلس المقبل المصنعة والمطلوبة قد يتطلب التنديد مع الإقرار بالخدوش التي حصلت على نتائج الانتخابات في الماضي.
هل يعزز ذلك من مصداقية العملية الانتخابية؟
لا أحد يمكنه تقديم إجابة مقنعة الآن لمثل هذا السؤال، ولكن مبكراً ومع إيقاعات أزمة المعلمين وحالة الشيطنة المرعية للإخوان المسلمين بدأت تظهر للعلن دعوات مقاطعة، فيما أعيد إنتاج تصريح شهير للركن البرلماني عبد الكريم الدغمي قال فيه «نحن مجرد ديكور».
الانتخابات ستعقد بـ «من حضر»، ولا يبدو أن السلطات تزاحم تحت وطأة وحمأة النسخة الثانية من الفيروس كورونا لتحقيق نسبة مشاركة مرتفعة من الاقتراع، وهؤلاء الذين يلعبون في مساحة «من حضر» يفترض أن تنتهي مشاركتهم بتركيبة نوعية مختلفة تؤسس لطبقة جديدة من زعامات البرلمان.
قد يكون ذلك من المقتضيات والمتطلبات الأساسية لمرحلة جديدة، ليس بالضرورة منسجمة مع الأردن الجديد الذي يتحدث عنه السفير الأمريكي الطازج والقادم إلى عمان قريباً هنري ووستر، لكنها مرحلة تستجيب لأغراض أجندة تحول وتحديث ما.
وهو تحول تطلب على الأرجح تطويع أو إعادة إنتاج مراكز القوى الكلاسيكية في المجتمع، ابتداء من طبقة المال والأعمال ورموز المال السياسي والمقاولات، وانتهاء بـ «عوائل البزنس» مروراً بالإخوان المسلمين ونقابة المعلمين وغيرها من الأطر الضخمة التي تعيق، على أساس تفريغ وتجريف مراكز القوى تلك وتوفير مساحة جغرافية دستورية لمركز قوى جديد يمثل الجميع لا يمكنه أن يكون إلا مجلس النواب المقبل.
تلك مجازفة في كل الأحوال، وهي في بعضها مقامرة سياسية، لكنها تتفاعل الآن وسيصفق لها الشارع الأردني على الطريقة اللبنانية إذا ما انتهت بإسقاط ناعم لقوى الماضي والأمر الواقع واستبدالها بقوى أنعم ومستجدة تساند التوسع قليلاً في التنمية الاقتصادية، وتحقق قدراً من العدالة والإنصاف، وتدفع الأردن أكثر نحو «دولة مدنية» لا يعتدي فيها أي مركز قوة على حصة الآخر في الإطار التقليدي. ورغم أن نقيب المهندسين المسيس أحمد سمارة الزعبي، يعبر عن خوفه من التفتيت بدل التفكيك، إلا أن التغيير البطيء والمتدرج في الحالة البيروقراطية أغرى جميع الأردنيين وأغواهم ببرنامج استعادة مال الدولة، لكنه شمل قبل ذلك محطة غاية الأهمية، وفقاً لبيروقراطي محنك تحدث لـ «القدس العربي» مفضلاً أن يقول عبارته المهمة بدون ذكر اسمه، وبعنوان «حتى الدولة العميقة التقليدية تتغير الآن».
التقدير الأخير محطة لا يمكن إخراجها من سياق التحليل، بتقدير صاحب الرأي نفسه، المتمثل بمجموعة يطلق عليها إعلامياً اسم الـ»بانكرز» انضم إلى العضوية في الدولة العميقة مؤخراً، ومرحلة التفاعل مع فيروس كورونا بدلت وغيرت في كثير من المفاصل والمعطيات وسط الإيمان بأن «الدولة نجحت كلما أخفقت الحكومة».
لا تلتقط مجسات القرار الرسمي فقط هذه التحولات البطيئة العميقة. وفي المنطق والرؤية والخطاب والسعي للتحديث، بل في جماعة ديناميكية تقرأ البوصلة جيداً مثل الأخوان المسلمين، ثمة تسجيل جديد في القيادة ولد مؤخراً يتحدث عن «مسارات» وبدائل تنتمي إلى الطينة نفسها من التحولات العميقة … وتلك قصة أخرى.