لماذا "ترتجل" حكومة الأردن: خدمة "علم" بدلاً من "وطن"… السماح بالعشائري وتأجيل النقابي
عمان جو - بسام بداريين
تبدو مقاربة مزعجة للحكومة الأردنية في وقت حساس قوامه الاقتراب، مع الأسف الشعبي والرسمي، من مرحلة انتشار مجتمعية للفيروس كورونا.
مرة جديدة تخالف اللجنة الوبائية الوطنية منطوق الحكومة السياسي حين يصرح الناطق باسمها الدكتور نذير عبيدات بعدم وجود أدلة علمية على الدخول فيما يسمى بالموجة الثانية للفيروس. أنتج عبيدات هامشاً زمنياً بين ما قاله بلغة الأطباء وبين تصريح سابق لرئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، ألمح فيه إلى أن حكومة بلاده دخلت في مواجهة الموجة الثانية من كورونا.
يبدو أن الرزاز قبل أسبوعين كان يخطط للإيحاء بأسوأ السيناريوهات بعدما أخفقت الحكومة في تبرير وشرح مسوغات ثغرة الحدود والمعابر التي أعادت إنتاج تسلل الفيروس كورونا حتى وصل مجدداً لنحو 7 محافظات تشكلت في بعضها بؤر فيروسية، ما يوحي ضمنياً بالحاجة الملحة إلى إعادة تقييم المرحلة صحياً والاعتماد على وسائل جديدة في المتابعة والرصد والمواجهة.
لكن المفارقات في مسيرة سلطة الحكومة لا تقف عند هذه الحدود، فالبلاد كانت مغلقة وكان الحظر شاملاً نهاية الأسبوع في حالات كان فيها الفيروس بعدد قليل جداً يقل عن 10، لكن الإغلاق انتهى، وفتحت غالبية القطاعات، وزال الحظر في الوقت الذي تسجل فيه وزارة الصحة عشرات الإصابات.
تلك مفارقة لا تفسرها الحكومة، فقد أغلقت البلاد والقطاعات عندما كانت أرقام الإصابات قليلة جدا، وفتحت المطار وألغت الحظر عندما زاد الحظر على نحو مقلق دون تفسير بيروقراطي أو علمي للمسألة خارج حسابات الجغرافيا الاقتصادية وأوضاع مالية الخزينة وفوبيا التراجع الاقتصادي والمعيشي الحاد.
لا تدل مثل هذه المفارقة إلا على الارتجال وكثير من العشوائية، لكن الارتجال أصبح متعدد الأوجه، فالحكومة أعلنت سابقاً عن برنامج التشغيل لاحتواء البطالة باسم خدمة وطن، وفجأة اختفى البرنامج عن الرادار قبل حتى اختباره فعلاً، ليستبدل ببرنامج جديد بعنوان خدمة العلم، بنكهة جديدة ولأغراض احتواء البطالة. في الحالتين، لم تقل الحكومة ما الذي حصل مع البرنامجين.
وفي الحالتين، ثمة شكوك في المجتمع وحتى في الوسط النخبوي السياسي بعدم وجود خطة مركزية وشمولية طالب بها الخبير الاقتصادي والوزير الأسب،ق عبر «القدس العربي» الدكتور محمد حلايقة عدة مرات، محذراً من توسع ونمو الكلف الاقتصادية، وبالتالي الوطنية إذا لم تستدرك الحكومة بمثل تلك الخطة.
عدلت حكومة الرزاز تفاصيل وحيثيات أوامر الدفاع عدة مرات، وبدت متقلبة في بعض الإجراءات.
آخر محطات التقلب كانت تلك التي تسمح باسم لجنة الوباء لاجتماعات الإجماع العشائري من أجل الانتخابات بالانعقاد خلافاً لمضمون قانون الدفاع، حيث -وبناء على طلب الهيئة المستقلة للانتخابات ورغبة في تفعيل المشاركة وتحريك المناخ- تسقط الاعتبارات الصحية والوقائية بقرار حكومي هنا. لكن تلك الاعتبارات تبنى عليها إجراءات أخرى في المسار الانتخابي وبصورة غير مفهومة، فقد أعلنت الحكومة عن سقف زمني لإجراء الانتخابات في 7 نقابات مهنية على الأقل تأخر الاستحقاق الانتخابي القانوني فيها. الحجة هنا كانت الوضع الفيروسي والبيئي. وقصداً، ربط وزير التنمية السياسية موسى المعايطة، بين ذلك القرار الغريب وما أوصت به لجنة الوباء عندما حظرت الاجتماعات العامة في النقابات أو غيرها.
تلك مفارقة ليست مفهومة فقط، في رأي الناشط النقابي أحمد أبو غنيمة، لكنها مخالفة صريحة للقانون، ولا تبدو منطقية؛ فالحكومة تسمح باجتماعات عشائرية قد يحضرها آلاف لكنها تحظر لأسباب فيروسية اجتماعات تخص المئات فقط، فيما يمنح الإجراء مجالس النقابات المهنية سنة إضافية مجاناً وبدون مبرر، الأمر الذي سينتهي بطبيعة الحال بطعونات بالجملة بأي قرارات تتخذها المجالس النقابية الحالية التي لم تعد شرعية.
كان يمكن لانتخابات النقابات أن تجري بهدوء ودون ضجيج وبشروط تنسجم مع التباعد والوقاية، كما يقترح نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي. لكن الحكومة بدت مرتجلة أيضاً هنا وهي تمرر قرارات متعاكسة ومتناقضة إلى حد ما تقل أهميتها عن تلك المشاريع الاستثمارية الضخمة المكدسة في أدراج رئاسة الوزراء، والتي يتم تعليقها مع أن ترخيصها والسماح بها والسعي لإزالة العراقيل البيروقراطية أمامها هو السلوك الواجب في سياق خطة الحكومة المعلنة لجذب الاستثمار.
الخبراء أيضاً يتحدثون عن ارتجال غير مفهوم هنا، لكن الخبيثين بينهم يشيرون إلى ما هو أبعد من ذلك عندما يتعلق الأمر بمشاريع استثمارية كبيرة لا تعبر من أروقة مجلس الوزراء، من بينها مشاريع ضخمة في تحلية المياه، والأمن المائي، وأخرى لها علاقة بالطاقة، وثالثة بقيمة نصف مليار على الأقل بتحفيز استثماري سعودي لإقامة جامعة طبية ضخمة.
طبعاً تلك حكايات لا تعلق عليها الحكومة، لكن الواضح أن الارتجال أصبح أكثر من أي احتمالات، لملاعبته سياسياً.
القدس العربي
عمان جو - بسام بداريين
تبدو مقاربة مزعجة للحكومة الأردنية في وقت حساس قوامه الاقتراب، مع الأسف الشعبي والرسمي، من مرحلة انتشار مجتمعية للفيروس كورونا.
مرة جديدة تخالف اللجنة الوبائية الوطنية منطوق الحكومة السياسي حين يصرح الناطق باسمها الدكتور نذير عبيدات بعدم وجود أدلة علمية على الدخول فيما يسمى بالموجة الثانية للفيروس. أنتج عبيدات هامشاً زمنياً بين ما قاله بلغة الأطباء وبين تصريح سابق لرئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، ألمح فيه إلى أن حكومة بلاده دخلت في مواجهة الموجة الثانية من كورونا.
يبدو أن الرزاز قبل أسبوعين كان يخطط للإيحاء بأسوأ السيناريوهات بعدما أخفقت الحكومة في تبرير وشرح مسوغات ثغرة الحدود والمعابر التي أعادت إنتاج تسلل الفيروس كورونا حتى وصل مجدداً لنحو 7 محافظات تشكلت في بعضها بؤر فيروسية، ما يوحي ضمنياً بالحاجة الملحة إلى إعادة تقييم المرحلة صحياً والاعتماد على وسائل جديدة في المتابعة والرصد والمواجهة.
لكن المفارقات في مسيرة سلطة الحكومة لا تقف عند هذه الحدود، فالبلاد كانت مغلقة وكان الحظر شاملاً نهاية الأسبوع في حالات كان فيها الفيروس بعدد قليل جداً يقل عن 10، لكن الإغلاق انتهى، وفتحت غالبية القطاعات، وزال الحظر في الوقت الذي تسجل فيه وزارة الصحة عشرات الإصابات.
تلك مفارقة لا تفسرها الحكومة، فقد أغلقت البلاد والقطاعات عندما كانت أرقام الإصابات قليلة جدا، وفتحت المطار وألغت الحظر عندما زاد الحظر على نحو مقلق دون تفسير بيروقراطي أو علمي للمسألة خارج حسابات الجغرافيا الاقتصادية وأوضاع مالية الخزينة وفوبيا التراجع الاقتصادي والمعيشي الحاد.
لا تدل مثل هذه المفارقة إلا على الارتجال وكثير من العشوائية، لكن الارتجال أصبح متعدد الأوجه، فالحكومة أعلنت سابقاً عن برنامج التشغيل لاحتواء البطالة باسم خدمة وطن، وفجأة اختفى البرنامج عن الرادار قبل حتى اختباره فعلاً، ليستبدل ببرنامج جديد بعنوان خدمة العلم، بنكهة جديدة ولأغراض احتواء البطالة. في الحالتين، لم تقل الحكومة ما الذي حصل مع البرنامجين.
وفي الحالتين، ثمة شكوك في المجتمع وحتى في الوسط النخبوي السياسي بعدم وجود خطة مركزية وشمولية طالب بها الخبير الاقتصادي والوزير الأسب،ق عبر «القدس العربي» الدكتور محمد حلايقة عدة مرات، محذراً من توسع ونمو الكلف الاقتصادية، وبالتالي الوطنية إذا لم تستدرك الحكومة بمثل تلك الخطة.
عدلت حكومة الرزاز تفاصيل وحيثيات أوامر الدفاع عدة مرات، وبدت متقلبة في بعض الإجراءات.
آخر محطات التقلب كانت تلك التي تسمح باسم لجنة الوباء لاجتماعات الإجماع العشائري من أجل الانتخابات بالانعقاد خلافاً لمضمون قانون الدفاع، حيث -وبناء على طلب الهيئة المستقلة للانتخابات ورغبة في تفعيل المشاركة وتحريك المناخ- تسقط الاعتبارات الصحية والوقائية بقرار حكومي هنا. لكن تلك الاعتبارات تبنى عليها إجراءات أخرى في المسار الانتخابي وبصورة غير مفهومة، فقد أعلنت الحكومة عن سقف زمني لإجراء الانتخابات في 7 نقابات مهنية على الأقل تأخر الاستحقاق الانتخابي القانوني فيها. الحجة هنا كانت الوضع الفيروسي والبيئي. وقصداً، ربط وزير التنمية السياسية موسى المعايطة، بين ذلك القرار الغريب وما أوصت به لجنة الوباء عندما حظرت الاجتماعات العامة في النقابات أو غيرها.
تلك مفارقة ليست مفهومة فقط، في رأي الناشط النقابي أحمد أبو غنيمة، لكنها مخالفة صريحة للقانون، ولا تبدو منطقية؛ فالحكومة تسمح باجتماعات عشائرية قد يحضرها آلاف لكنها تحظر لأسباب فيروسية اجتماعات تخص المئات فقط، فيما يمنح الإجراء مجالس النقابات المهنية سنة إضافية مجاناً وبدون مبرر، الأمر الذي سينتهي بطبيعة الحال بطعونات بالجملة بأي قرارات تتخذها المجالس النقابية الحالية التي لم تعد شرعية.
كان يمكن لانتخابات النقابات أن تجري بهدوء ودون ضجيج وبشروط تنسجم مع التباعد والوقاية، كما يقترح نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي. لكن الحكومة بدت مرتجلة أيضاً هنا وهي تمرر قرارات متعاكسة ومتناقضة إلى حد ما تقل أهميتها عن تلك المشاريع الاستثمارية الضخمة المكدسة في أدراج رئاسة الوزراء، والتي يتم تعليقها مع أن ترخيصها والسماح بها والسعي لإزالة العراقيل البيروقراطية أمامها هو السلوك الواجب في سياق خطة الحكومة المعلنة لجذب الاستثمار.
الخبراء أيضاً يتحدثون عن ارتجال غير مفهوم هنا، لكن الخبيثين بينهم يشيرون إلى ما هو أبعد من ذلك عندما يتعلق الأمر بمشاريع استثمارية كبيرة لا تعبر من أروقة مجلس الوزراء، من بينها مشاريع ضخمة في تحلية المياه، والأمن المائي، وأخرى لها علاقة بالطاقة، وثالثة بقيمة نصف مليار على الأقل بتحفيز استثماري سعودي لإقامة جامعة طبية ضخمة.
طبعاً تلك حكايات لا تعلق عليها الحكومة، لكن الواضح أن الارتجال أصبح أكثر من أي احتمالات، لملاعبته سياسياً.
القدس العربي