التحرش الجنسي في جامعات الأردن ومدارسه بين صمت الضحايا وإنكار المجتمع
3 من كل 4 إناث تعرضن لمرة واحدة على الأقل لأحد أشكال هذه الآفة
عمان جو - طارق الديلواني
أنعش قرار قضائي قطعي في الأردن بحبس خمس سنوات لشخص تحرش بسيدة في مكان عام، آمال المدافعين عن حقوق المرأة، للحد من هذه الظاهرة التي ارتفعت نسبتها في البلاد على نحو غير مسبوق لتصل إلى 76 في المئة.
لكن مراقبين يرون أن ثمة صمتاً مقلقاً تجاه أحد أشكال التحرش في البلاد، يمارس في الجامعات والمدارس، وتزداد معاناة الضحايا يوماً بعد يوم في موازاة إنكار مجتمعي لوجودها، وعجز كل الجهات المعنية عن الحد منها.
منظومة الأخلاق
يرى متخصّصون اجتماعيون أن خللاً كبيراً أصاب منظومة القيم والأخلاق في المجتمع، لكن أبرز ما يواجه المتصدين للتحرش من معوقات عدم التقدم بشكاوى رسمية والتبليغ في معظم الحالات، إضافة الى التسامح المجتمعي مع مرتكبيه بشكل خاص.
تظهر دراسات رسمية أن ثلاثاً من كل أربع إناث تعرضن لمرة واحدة على الأقل لأحد أشكال التحرش الجنسي، وتقترح جمعيات حقوقية ومؤسسات مجتمع مدني، إنشاء نظام مبكر لهذه الظاهرة، كما تظهر دراسة لمركز المعلومات والبحوث-مؤسسة الملك الحسين، أنه تم الإبلاغ بشكل متزايد عن هذه الحالات من قبل الطلاب أخيراً في الجامعات الأردنية.
مرآة للمجتمع
يؤكد المستشار والخبير في حقوق الإنسان والوقاية من العنف هاني جهشان، أن العنف الجنسي في المدارس أو الجامعات مرآة لمستويات العنف وأنماطه في المجتمع والأسر، وانعكاس للأحوال السياسية والاجتماعية السائدة والتقاليد والقيم الثقافية ونصوص القوانين وتطبيقها على أرض الواقع.
يضيف جهشان، "أنماط العنف الجنسي في المدارس في المجتمعات العربية تختلف عن مثيله في المجتمعات الغربية إذ إن المدراس الحكومية ليست مختلطة في مرحلة المراهقة ونادراً ما تُدرّس الطالبات من قبل معلمين ذكور، وهذا الواقع يفرض أنماط عنف جنسي مختلفة عنه في المدراس الخاصة المختلطة".
تحرش أم عنف جنسي
يؤكد جهشان أن الدول العربية، بينها الأردن، تعوّدت إطلاق مصطلح تحرش على كل أشكال العنف الجنسي، مبيناً أن ثمة فرقاً بين العنف الجنسي والتحرش، ويعرّف الأول بأنه مصطلح يشمل مدى كبيراً من الجرائم والأنشطة والسلوكات، ويتضمن الاعتداءات الجنسية مثل الاغتصاب وهتك العرض والتحرش، واستغلال الأطفال جنسياً عبر الإنترنت والأجهزة الرقمية من خلال مواقع الدردشة ومنصات التواصل الاجتماعي أو التصوير الإباحي لهم، والدعارة.
المدارس بيئة خصبة
لا يوجد إحصاء رسمي حول عدد حالات التحرش في المدارس الأردنية، لكن ثمة المئات من القصص التي تكشف عن تعرض الطلاب له من قبل شخص معروف كرفيق أو زميل له وعادة ما يكون أكبر عمراً، أو من قبل المعلمين والعاملين الآخرين فيها، أو من سائقي الحافلات المدرسية، وأيضاً من شخص يسكن في حيّ الطفل، وفي حالات نادرة، يتم الاعتداء من قبل شخص مجهول يتسلل إلى حرم المدرسة.
يظهر بعض التحقيقات أن الطلاب ذوي الإعاقة أو من يعانون من صعوبات التعلم أو في ظروف انعزال اجتماعي، هم أكثر احتمالاً للتعرض للعنف الجنسي بأشكاله كافة، كما أن وجود أماكن في المدرسة خارج مراقبة الإدارة تشكل بيئة للارتكاب ضد كالغرف والمراحيض المهجورة.
وتنبه إحدى الأمهات اللواتي مررن بتجربة مريرة، من الجهل والصمت على الإساءة الجنسية التي يتعرض لها أبناؤها، وتقول "أم كرم" إنها لاحظت منذ فترة وجيزة تغيراً في تصرفات ابنها البالغ من العمر 11 سنة، لا سيما تراجع أدائه المدرسي، حتى أنه "فقد شهيته للأكل وأصبح عدوانياً وانطوائياً سريع البكاء"، وتضيف أن أسوأ ما في تجربتها عجز المدارس عن كشف هذه الظاهرة.
أشكال وأساليب
يوضح خبراء ومتخصّصون أن من اشكال العنف الجنسي ضد الطلاب كشف الأعضاء التناسلية، وإزالة الثياب عن الطفل، والملامسة أو الملاطفة الجسدية، والتلصص على طفل، وتعريضه لصور أو أفلام إباحية، أو إجباره على التلفظ بعبارات فاضحة، ويتم من طريق التحبب، أو التودد، أو الترغيب، والملاطفة، أو من طريق التهديد والترويع، ونادراً ما يتعرض الذكور للتحرش.
يقول هؤلاء الخبراء إن بيئة الدراسة في الجامعة تتحول إلى بيئة مفزعة عدائية للضحية، لا سيما مع وجود العديد من العوائق الاجتماعية والنفسية والإدارية التي تمنع المرأة من الاعتراض أو التقدم بشكوى إدارية أو قضائية نحو المتحرش.
ونادراً ما يحدث اعتداء جنسي كالاغتصاب أو هتك العرض في حرم الجامعة، ويقتصر الأمر على ممارسات من قبيل اللمس المتعمد أو النظرات والإيماءات والتلميحات الجنسية، أو حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تتضمن تلميحات أو تصريحات جنسية.
ولا تعكس نسبة الحالات المبلّغ عنها للشرطة والقضاء والمؤسسات الاجتماعية حجم شيوع هذه الأشكال من العنف في المجتمع مع وجود أسباب عديدة لعدم الإفصاح والتبليغ خشية الوصمة الاجتماعية.
ويوضح الاختصاصي الاجتماعي جهشان أن عدد الحالات المفصح والمبلغ عنها يعتمد على توعية المجتمع بأهمية طلب المساعدة، وجودة الخدمات المقدمة للضحايا ومدى ثقة المجتمع بها، وفي الأردن الجهة التي تحدد هذا العدد هي إدارة حماية الأسرة المختصة بالاستجابة لحالات العنف الجنسي، وزيادة عدد الحالات أخيراً قد يفسّر بزيادة الثقة بإدارة حماية الأسرة وليس بالضرورة بسبب زيادة ظاهرة العنف الجنسي ذاتها.
ينصح جهشان طالبات الجامعات أن يتصدين لكل أشكال التحرش، وتجاوز الخجل والوصمة المتعلقة به وإدراك حقوقهنّ بتقديم شكوى قضائية، كما يقع على الإدارات فيها عاتق وضع سياسة عامة لمنعه، وتوفير البيئة التي تحمي الطالبات، وقبول الشكاوى بخصوصية بما يتفق والأعراف الاجتماعية السائدة.
3 من كل 4 إناث تعرضن لمرة واحدة على الأقل لأحد أشكال هذه الآفة
عمان جو - طارق الديلواني
أنعش قرار قضائي قطعي في الأردن بحبس خمس سنوات لشخص تحرش بسيدة في مكان عام، آمال المدافعين عن حقوق المرأة، للحد من هذه الظاهرة التي ارتفعت نسبتها في البلاد على نحو غير مسبوق لتصل إلى 76 في المئة.
لكن مراقبين يرون أن ثمة صمتاً مقلقاً تجاه أحد أشكال التحرش في البلاد، يمارس في الجامعات والمدارس، وتزداد معاناة الضحايا يوماً بعد يوم في موازاة إنكار مجتمعي لوجودها، وعجز كل الجهات المعنية عن الحد منها.
منظومة الأخلاق
يرى متخصّصون اجتماعيون أن خللاً كبيراً أصاب منظومة القيم والأخلاق في المجتمع، لكن أبرز ما يواجه المتصدين للتحرش من معوقات عدم التقدم بشكاوى رسمية والتبليغ في معظم الحالات، إضافة الى التسامح المجتمعي مع مرتكبيه بشكل خاص.
تظهر دراسات رسمية أن ثلاثاً من كل أربع إناث تعرضن لمرة واحدة على الأقل لأحد أشكال التحرش الجنسي، وتقترح جمعيات حقوقية ومؤسسات مجتمع مدني، إنشاء نظام مبكر لهذه الظاهرة، كما تظهر دراسة لمركز المعلومات والبحوث-مؤسسة الملك الحسين، أنه تم الإبلاغ بشكل متزايد عن هذه الحالات من قبل الطلاب أخيراً في الجامعات الأردنية.
مرآة للمجتمع
يؤكد المستشار والخبير في حقوق الإنسان والوقاية من العنف هاني جهشان، أن العنف الجنسي في المدارس أو الجامعات مرآة لمستويات العنف وأنماطه في المجتمع والأسر، وانعكاس للأحوال السياسية والاجتماعية السائدة والتقاليد والقيم الثقافية ونصوص القوانين وتطبيقها على أرض الواقع.
يضيف جهشان، "أنماط العنف الجنسي في المدارس في المجتمعات العربية تختلف عن مثيله في المجتمعات الغربية إذ إن المدراس الحكومية ليست مختلطة في مرحلة المراهقة ونادراً ما تُدرّس الطالبات من قبل معلمين ذكور، وهذا الواقع يفرض أنماط عنف جنسي مختلفة عنه في المدراس الخاصة المختلطة".
تحرش أم عنف جنسي
يؤكد جهشان أن الدول العربية، بينها الأردن، تعوّدت إطلاق مصطلح تحرش على كل أشكال العنف الجنسي، مبيناً أن ثمة فرقاً بين العنف الجنسي والتحرش، ويعرّف الأول بأنه مصطلح يشمل مدى كبيراً من الجرائم والأنشطة والسلوكات، ويتضمن الاعتداءات الجنسية مثل الاغتصاب وهتك العرض والتحرش، واستغلال الأطفال جنسياً عبر الإنترنت والأجهزة الرقمية من خلال مواقع الدردشة ومنصات التواصل الاجتماعي أو التصوير الإباحي لهم، والدعارة.
المدارس بيئة خصبة
لا يوجد إحصاء رسمي حول عدد حالات التحرش في المدارس الأردنية، لكن ثمة المئات من القصص التي تكشف عن تعرض الطلاب له من قبل شخص معروف كرفيق أو زميل له وعادة ما يكون أكبر عمراً، أو من قبل المعلمين والعاملين الآخرين فيها، أو من سائقي الحافلات المدرسية، وأيضاً من شخص يسكن في حيّ الطفل، وفي حالات نادرة، يتم الاعتداء من قبل شخص مجهول يتسلل إلى حرم المدرسة.
يظهر بعض التحقيقات أن الطلاب ذوي الإعاقة أو من يعانون من صعوبات التعلم أو في ظروف انعزال اجتماعي، هم أكثر احتمالاً للتعرض للعنف الجنسي بأشكاله كافة، كما أن وجود أماكن في المدرسة خارج مراقبة الإدارة تشكل بيئة للارتكاب ضد كالغرف والمراحيض المهجورة.
وتنبه إحدى الأمهات اللواتي مررن بتجربة مريرة، من الجهل والصمت على الإساءة الجنسية التي يتعرض لها أبناؤها، وتقول "أم كرم" إنها لاحظت منذ فترة وجيزة تغيراً في تصرفات ابنها البالغ من العمر 11 سنة، لا سيما تراجع أدائه المدرسي، حتى أنه "فقد شهيته للأكل وأصبح عدوانياً وانطوائياً سريع البكاء"، وتضيف أن أسوأ ما في تجربتها عجز المدارس عن كشف هذه الظاهرة.
أشكال وأساليب
يوضح خبراء ومتخصّصون أن من اشكال العنف الجنسي ضد الطلاب كشف الأعضاء التناسلية، وإزالة الثياب عن الطفل، والملامسة أو الملاطفة الجسدية، والتلصص على طفل، وتعريضه لصور أو أفلام إباحية، أو إجباره على التلفظ بعبارات فاضحة، ويتم من طريق التحبب، أو التودد، أو الترغيب، والملاطفة، أو من طريق التهديد والترويع، ونادراً ما يتعرض الذكور للتحرش.
يقول هؤلاء الخبراء إن بيئة الدراسة في الجامعة تتحول إلى بيئة مفزعة عدائية للضحية، لا سيما مع وجود العديد من العوائق الاجتماعية والنفسية والإدارية التي تمنع المرأة من الاعتراض أو التقدم بشكوى إدارية أو قضائية نحو المتحرش.
ونادراً ما يحدث اعتداء جنسي كالاغتصاب أو هتك العرض في حرم الجامعة، ويقتصر الأمر على ممارسات من قبيل اللمس المتعمد أو النظرات والإيماءات والتلميحات الجنسية، أو حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تتضمن تلميحات أو تصريحات جنسية.
ولا تعكس نسبة الحالات المبلّغ عنها للشرطة والقضاء والمؤسسات الاجتماعية حجم شيوع هذه الأشكال من العنف في المجتمع مع وجود أسباب عديدة لعدم الإفصاح والتبليغ خشية الوصمة الاجتماعية.
ويوضح الاختصاصي الاجتماعي جهشان أن عدد الحالات المفصح والمبلغ عنها يعتمد على توعية المجتمع بأهمية طلب المساعدة، وجودة الخدمات المقدمة للضحايا ومدى ثقة المجتمع بها، وفي الأردن الجهة التي تحدد هذا العدد هي إدارة حماية الأسرة المختصة بالاستجابة لحالات العنف الجنسي، وزيادة عدد الحالات أخيراً قد يفسّر بزيادة الثقة بإدارة حماية الأسرة وليس بالضرورة بسبب زيادة ظاهرة العنف الجنسي ذاتها.
ينصح جهشان طالبات الجامعات أن يتصدين لكل أشكال التحرش، وتجاوز الخجل والوصمة المتعلقة به وإدراك حقوقهنّ بتقديم شكوى قضائية، كما يقع على الإدارات فيها عاتق وضع سياسة عامة لمنعه، وتوفير البيئة التي تحمي الطالبات، وقبول الشكاوى بخصوصية بما يتفق والأعراف الاجتماعية السائدة.