مبادرة ملكية أردنية جديدة في ظل تصاعد «الهويات الفرعية»
عمان جو – بسام بدارين
صعب جداً حتى اللحظة تحديد المقصود الأعمق في الرسالة الإصلاحية التي توجه بها الملك عبد الله الثاني بعد ظهر الأحد، بعنوان «إصلاح يلمسه المواطن».
تلك عبارة تقارب مع توجيهات ملكية في المسار الاقتصادي تكررت سابقاً ولم تلتزم بها الحكومات. يحتاج الأمر فوراً إلى تعريف وإلى الغرق في كثير من المفاهيم توخياً للحذر من احتمالية اندلاع خلاف وتجاذب برسم الإجابة على السؤال التالي: «ما هي مصلحة المواطن الإصلاحية».
لكن لا أحد يعلم حتى هذه اللحظة ما هي طبيعة الإصلاح الذي يلمسه المواطن، حيث أمر الملك على هامش لقاء مع نخبة من الوزراء السابقين والشخصيات النقابية والإعلامية، بأن تبادر الحكومة إلى عملية إصلاح في الاقتصاد والسياسة، وفي التشريعات، معتبراً بأن الشعارات ليست إصلاحاً، والمطلوب برامج عمل مرتبطة بسقف زمني وآثار يلمسها المواطن، مما يتطلب -حسب التوجيه الملكي- أن يكون المواطن طرفاً في الحوار المنتج حول الإصلاح.
يفترض هنا أن تعمل المؤسسات أو تبادر فوراً لصياغة التوجيه الملكي الجديد، فالحديث عن إصلاح يلمس أثره المواطن يعتبر بمثابة ضوء أخضر مرجعي وملكي يسمح بإطلاق حوارات سياسية مفصلة يساهم فها المواطنون أنفسهم وفق تنظيماتهم المدنية، وقد لوحظ بأن وزير التنمية السياسية في الحكومة، ومباشرة بالتزامن مع توجيه الملك الجديد الذي أعقب عملياً سلسلة حوارات معمقة مع مسؤولين بارزين في الإدارة الأمريكية، قد لجأ (أي الوزير موسى المعايطة) إلى الحديث عن هدف محدد مسبقاً، لكن دون تفاصيل أيضاً، مشيراً إلى الدولة المدنية.
الحديث عن الإصلاح الذي يلمسه المواطن والدولة المدنية يصعد في المشهد الأردني بالتزامن مع تراجع خطاب الدولة في الأسابيع القليلة الثلاثة الماضية، وصعود الخطاب العشائري والدعوة إلى هويات فرعية بعد الإشكالات التي شهدتها ملفات محددة، من بينها الفتنة، ولاحقاً مسألة النائب أسامة العجارمة. بطبيعة الحال، لا يمكن الآن تعريف الإصلاح الذي تنعكس آثاره على المواطنين الأردنيين.
لكن مهمة التعريف والتفصيل والتقميش هنا قد تكون معنية بالحكومة وبمجلس النواب، وقد نقل عن رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة القول خلف الكواليس والستارة، عدة مرات، بأن النية تتجه لتدشين حوار وطني له علاقة بمراجعة تشريعات التنمية السياسية أولاً، وثانياً التشريعات المتعلقة بالاقتصاد، وثالثاً التشريعات المرتبطة بالإدارة العامة.
بمعنى أن الخصاونة، وقد سمعته بالسياق «القدس العربي» يتحدث عن ورشة عصف ذهني أفقية لا تقوم بها الحكومة وحدها على أساس التفكير بإصلاح ثلاثي الأبعاد ومتزامن وبسقف زمني دون إسقاط العامل السياسي المتعلق أولاً بالضائقة الاقتصادية الداخلية المتنامية، وثانياً بالضغوط المفترضة من الإدارة الأمريكية الجديدة تحت عنوان التنمية الديمقراطية والحقوق العامة والإصلاح السياسي.
لكن يعتقد مبكراً ومسبقاً وعلى نطاق واسع، بأن أي محاولة لتعريف الإصلاح الذي يلمس تأثيره المواطن قد تشهد تجاذبات يمكن أن تنتهي بإضاعة كثير من الوقت؛ فالتيار الإسلامي، أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، طالب بحوار وطني مفتوح يشمل كل الملفات الإصلاحية وبدون شروط مسبقة وبضمانات باتخاذ إجراءات فور إنهاء الحوار.
لكن المطروح على مستوى الحكومة حتى الآن تدشين نمط من أنماط الحوار المتوازي وليس ضمن إطار لجنة الأجندة الوطنية أو ضمن المقارنة بسياقات الميثاق الوطني، ولكن على أساس لجان تفكير ومجموعات عصف ذهني مدعومة عن بعد ملكياً ولا تمثلها لجنة واحدة تتولى إقامة حوار مع الفعاليات الوطنية بمراجعة التشريعات في الإدارة والاقتصاد والإصلاح السياسي. وهي مسألة كانت تشكل خطة لحكومة الرئيس الخصاونة في الواقع، والمفروض أن هذا النمط من الحوارات بدأ مع استدعاء شخصيات ذات وزن للتحدث إليها والإصغاء لها ضمن الحوارات التي يجريها القصر الملكي بين الحين والآخر.
المطروح حتى اللحظة إذاً وفي هذه الحالة هو تكليف مجموعات من شخصيات نقابية وحزبية ومثقفة تمثل الأطياف والألوان السياسية بالاجتماع معاً ووضع وثائق جديدة على أساس تطوير ومراجعة التشريعات الناظمة للحياة السياسية وقوانين الاستثمار والتنمية الاقتصادية، وحتى في مجال الإدارة العامة التي أصيبت بترهل شديد على صعيد خدمات القطاع العام وسط إجماع على ضرورة إجراء تصويبات كبيرة فيها.
لم يُعرف بعد ما إذا كان هذا المطروح سيقنع أطياف المعارض الحقيقية والشارع الذي سبق دعوة الدولة ودعوة الحكومة لإقامة إصلاح سياسي. فالخطابات في الشارع اليوم، خصوصاً في إيقاعها العشائري، تتحدث عن إسقاط الحكومة والبرلمان الحاليين، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، وإجراء تعديلات دستورية فارقة، وعودة السلطة إلى الشعب.
وهي تعبيرات فضفاضة أيضاً تشكل سقفاً مرتفعاً من الواضح أنه ليس المطروح، لا أردنياً ولا أمريكياً، ولا حتى على المستوى الشعبي أو الشعبوي الأردني، الذي يريد مشاهدة نتائج لعملية الإصلاح وليس حديثاً في المجال اللفظي فقط عن إصلاحات لا تتم.القدس العربي
عمان جو – بسام بدارين
صعب جداً حتى اللحظة تحديد المقصود الأعمق في الرسالة الإصلاحية التي توجه بها الملك عبد الله الثاني بعد ظهر الأحد، بعنوان «إصلاح يلمسه المواطن».
تلك عبارة تقارب مع توجيهات ملكية في المسار الاقتصادي تكررت سابقاً ولم تلتزم بها الحكومات. يحتاج الأمر فوراً إلى تعريف وإلى الغرق في كثير من المفاهيم توخياً للحذر من احتمالية اندلاع خلاف وتجاذب برسم الإجابة على السؤال التالي: «ما هي مصلحة المواطن الإصلاحية».
لكن لا أحد يعلم حتى هذه اللحظة ما هي طبيعة الإصلاح الذي يلمسه المواطن، حيث أمر الملك على هامش لقاء مع نخبة من الوزراء السابقين والشخصيات النقابية والإعلامية، بأن تبادر الحكومة إلى عملية إصلاح في الاقتصاد والسياسة، وفي التشريعات، معتبراً بأن الشعارات ليست إصلاحاً، والمطلوب برامج عمل مرتبطة بسقف زمني وآثار يلمسها المواطن، مما يتطلب -حسب التوجيه الملكي- أن يكون المواطن طرفاً في الحوار المنتج حول الإصلاح.
يفترض هنا أن تعمل المؤسسات أو تبادر فوراً لصياغة التوجيه الملكي الجديد، فالحديث عن إصلاح يلمس أثره المواطن يعتبر بمثابة ضوء أخضر مرجعي وملكي يسمح بإطلاق حوارات سياسية مفصلة يساهم فها المواطنون أنفسهم وفق تنظيماتهم المدنية، وقد لوحظ بأن وزير التنمية السياسية في الحكومة، ومباشرة بالتزامن مع توجيه الملك الجديد الذي أعقب عملياً سلسلة حوارات معمقة مع مسؤولين بارزين في الإدارة الأمريكية، قد لجأ (أي الوزير موسى المعايطة) إلى الحديث عن هدف محدد مسبقاً، لكن دون تفاصيل أيضاً، مشيراً إلى الدولة المدنية.
الحديث عن الإصلاح الذي يلمسه المواطن والدولة المدنية يصعد في المشهد الأردني بالتزامن مع تراجع خطاب الدولة في الأسابيع القليلة الثلاثة الماضية، وصعود الخطاب العشائري والدعوة إلى هويات فرعية بعد الإشكالات التي شهدتها ملفات محددة، من بينها الفتنة، ولاحقاً مسألة النائب أسامة العجارمة. بطبيعة الحال، لا يمكن الآن تعريف الإصلاح الذي تنعكس آثاره على المواطنين الأردنيين.
لكن مهمة التعريف والتفصيل والتقميش هنا قد تكون معنية بالحكومة وبمجلس النواب، وقد نقل عن رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة القول خلف الكواليس والستارة، عدة مرات، بأن النية تتجه لتدشين حوار وطني له علاقة بمراجعة تشريعات التنمية السياسية أولاً، وثانياً التشريعات المتعلقة بالاقتصاد، وثالثاً التشريعات المرتبطة بالإدارة العامة.
بمعنى أن الخصاونة، وقد سمعته بالسياق «القدس العربي» يتحدث عن ورشة عصف ذهني أفقية لا تقوم بها الحكومة وحدها على أساس التفكير بإصلاح ثلاثي الأبعاد ومتزامن وبسقف زمني دون إسقاط العامل السياسي المتعلق أولاً بالضائقة الاقتصادية الداخلية المتنامية، وثانياً بالضغوط المفترضة من الإدارة الأمريكية الجديدة تحت عنوان التنمية الديمقراطية والحقوق العامة والإصلاح السياسي.
لكن يعتقد مبكراً ومسبقاً وعلى نطاق واسع، بأن أي محاولة لتعريف الإصلاح الذي يلمس تأثيره المواطن قد تشهد تجاذبات يمكن أن تنتهي بإضاعة كثير من الوقت؛ فالتيار الإسلامي، أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، طالب بحوار وطني مفتوح يشمل كل الملفات الإصلاحية وبدون شروط مسبقة وبضمانات باتخاذ إجراءات فور إنهاء الحوار.
لكن المطروح على مستوى الحكومة حتى الآن تدشين نمط من أنماط الحوار المتوازي وليس ضمن إطار لجنة الأجندة الوطنية أو ضمن المقارنة بسياقات الميثاق الوطني، ولكن على أساس لجان تفكير ومجموعات عصف ذهني مدعومة عن بعد ملكياً ولا تمثلها لجنة واحدة تتولى إقامة حوار مع الفعاليات الوطنية بمراجعة التشريعات في الإدارة والاقتصاد والإصلاح السياسي. وهي مسألة كانت تشكل خطة لحكومة الرئيس الخصاونة في الواقع، والمفروض أن هذا النمط من الحوارات بدأ مع استدعاء شخصيات ذات وزن للتحدث إليها والإصغاء لها ضمن الحوارات التي يجريها القصر الملكي بين الحين والآخر.
المطروح حتى اللحظة إذاً وفي هذه الحالة هو تكليف مجموعات من شخصيات نقابية وحزبية ومثقفة تمثل الأطياف والألوان السياسية بالاجتماع معاً ووضع وثائق جديدة على أساس تطوير ومراجعة التشريعات الناظمة للحياة السياسية وقوانين الاستثمار والتنمية الاقتصادية، وحتى في مجال الإدارة العامة التي أصيبت بترهل شديد على صعيد خدمات القطاع العام وسط إجماع على ضرورة إجراء تصويبات كبيرة فيها.
لم يُعرف بعد ما إذا كان هذا المطروح سيقنع أطياف المعارض الحقيقية والشارع الذي سبق دعوة الدولة ودعوة الحكومة لإقامة إصلاح سياسي. فالخطابات في الشارع اليوم، خصوصاً في إيقاعها العشائري، تتحدث عن إسقاط الحكومة والبرلمان الحاليين، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، وإجراء تعديلات دستورية فارقة، وعودة السلطة إلى الشعب.
وهي تعبيرات فضفاضة أيضاً تشكل سقفاً مرتفعاً من الواضح أنه ليس المطروح، لا أردنياً ولا أمريكياً، ولا حتى على المستوى الشعبي أو الشعبوي الأردني، الذي يريد مشاهدة نتائج لعملية الإصلاح وليس حديثاً في المجال اللفظي فقط عن إصلاحات لا تتم.القدس العربي