الأردن… وزارة لـ«شؤون المعسل والتبغ»
عمان جو - بسام بدارين
عندما حظرت السلطات «الأرجيلة» حفاظا على الصحة العامة زادت مبيعات «المعسل» المادة الرئيسية لتعديل «كيف ومزاج الأردنيين» بنسبة قد لا تقل عن 40 في المئة. آنذاك نقل المواطنون ممارستهم القاتلة إلى بيوتهم ومكاتبهم وفي كراجات الأبنية وحواشي المنازل، مما يسمح عمليا بحاضنة نشطة للفيروس لا يمكن مراقبتها خلافا لأن الرقابة ممكنة وبقسوة في المحلات والمقاهي.
لاحقا فتحت غالبية «القطاعات» تحت عنوان «الصيف الآمن» باستثناء القطاعات التجارية المعنية بالمقاهي الشعبية وصالات الأفراح.
«تتفنن» الحكومة بتثبيت أركان الوقاية الصحية من الفيروس حصريا في المنشآت الترفيهية الصغيرة، فيما أجريت انتخابات عامة ولقاءات عشائرية، وأفلت الفيروس اللعين من مراكز الحدود وعبر سائقي الشاحنات موجها ضربات قوية جدا للناس. أتيح لي من باب «تنويع» الاشتباك بدلا من التركيز على ملفي «الفتنة والإصلاح» تصفح وثيقة «تعليمات صحية» تزعم أنها تحاول «حماية الشعب» مما يجري في منشآت دافعة للضريبة ومعنية بقضاء الوقت الخاص. تلك التعليمات مفصلة وتوحي بأن اللجان البيروقراطية دقيقة لدرجة تشعرك بأن كل شيء في البلاد عال العال، وكل الملفات أنجزت وما ينقص شعبنا الطيب هو تنظيم تلك الأرصفة التي تشعل فيها برابيش الأرجيلة حيث أعلم يقينا بأن تعاطي «الصنف الشرعي» يتحول إلى عمل سري مكثف مثير بعدما ترنحت المقاهي الشعبية جراء التركيز عليها. مثلا تحدد التعليمات هوية المكان الذي ينبغي أن تشعل بها تلك «الجمرة الفحمية» من قبل العامل المختص، وماذا يرتدي بعد حصوله على شهادة تطعيم.
تتحول لجنة صحية إلى مجموعة خبراء في «تغليف المعسل» ودرجة الحرارة والرطوية وكيفية تخزينه قبل وضعه على طاولة الزبائن وأين ومتى وما هي الأصناف المسموح بها..إلخ.
شعرت لوهلة بأن حجم لوائح التعليمات يتطلب لاحقا تخصيص حقيبة وزارية باسم «المعسل والتبغ» فيما تلك الدقة والحرفية لا نشعر بها عندما يتعلق الأمر بمعرفة مصير ملف تهريب الدخان وإمبراطور التبغ الشهير الذي قيل لنا إنه أهلك الزرع ونهب الضرع والعباد ولا أحد يعرف حتى اللحظة ماذا حصل معه.
الحكومة منعت إشعال الأرجيلة داخل صالات المقاهي الشعبية وسمحت بها على أرصفتها وفي الهواء الطلق، فيما حظرت تدخين السجائر في نفس الصالات… بأمانة هذا إفصاح نفسي ويا ليتني أفهمه، فخط الدخان الضار داخل الصالة يضر بالمرتادين فقط، أما إطلاق الهواء المسموم عبر الأرصفة فيضر الجار والعابر.
نوع وطول وسعة «الأنبوب» الذي ينفث الدخان مواصفات حددتها اللجان البيروقراطية، وإنشغلت كل المؤسسات بالأمر من المواصفات والمقاييس إلى الصناعة والصحة وبينهما رئاسة الوزراء.
الحكومة التي تنشغل بكل هذه التفاصيل الخاصة بالمجالس البلدية لديها «فائض وقت» تنفقه في ترسيم مسار أي طفل يرافق أي امرأة إلى صالة عرس فيما كل القضايا الوطنية الأساسية الملحة لا تزال معلقة. لكن وزير الصحة الذي يشن الحرب على «التدخين» لا يخبرنا كيف التهمنا كأردنيين أيام حكومة المصفوفات سجائر مزورة بمئات الملايين من الدنانير، علما بأني أقر وأعترف كمدخن بأن التبغ المزور أكثر «لذة وتأثيرا» في حالتي من التبغ الشرعي، حتى أكاد أطالب بالإفراج عن إمبراطور تهريب السجائر السجين.
وزارة الصحة أيضا لا تحدد موقفها من الحقيقة الرقمية التي تقول بأن «السجائر» ومصانعها هي من أكبر موردي المال للخزينة التي تدفع رواتب الوزير وطاقمه ومجلس الوزراء.
ما دامت الحكومة ترى في سجائر الأردنيين خطرا داهما لماذا لا تنسجم مع نفسها وتعلن الحرب وتغلق المصانع والشركات المعنية، وأضمن لها أن يصبر المواطن على تلاشي نحو مليار وربع المليار من واردات الخزينة العامة.
الصالات التي تمنع فيها اللجان بذريعة الفيروس اليوم استعمال مواد مصنعة محليا وشرعيا داخل محلات مخصصة ومرخصة أصلا، وتدفع الضرائب، تنفق في الحد الأدنى على خمس عائلات، والإجراءات على الأرجح عبثية لأن الإشتباك مع «الكيف» بمحاصرته بهذه الطريقة يتحول إلى ممارسة محببة أكثر سرا وفي الأماكن الخاصة البعيدة عن الرقابة.
بالمقابل منع صالات الأفراح من استقبال أكثر من 100 زبون جميعهم خضعوا للتطعيم شرط تعجيزي وينتهي بإغلاق استثمارات ضخمة تنفق على عائلات وتدفع الرسوم والضريبة لصالح «مزارع خاصة» تحولت إلى «بزنس» سريع وفعال ومربح وخارج النظام الضريبي. تمنع الحكومة المواطنين من التجمع في صالات متخصصة فيحتشدون في مزارع خاصة.
إنها أشبه بلعبة كلمات متقاطعة فالإجراءات لا تحقق أهدافها وتفعيل سبل الوقاية ممكن فقط في المواقع المرخصة مع وجود أكثر من «13» جهة على الأقل بمشيئة ألله وبركاته، تراقب التاجر أو المستثمر الذي ينتظر الآن خلال الترنح فقط إعلان «وقف أوامر الدفاع» حتى يغلق أبوابه ويحمل ما تبقى من ملابسه ويهاجر إلى بلاد الله الواسعة.
بصراحة أصوت لأي إجراء وقائي وتنظيمي ولأي تثقيف في مجال «مكافحة التدخين». لكن ما يجري لا يكافح التدخين بل يزيد في معدلاته السرية والاجتماعية، ولا يحد منه ويستهدف قطاعات ومنشآت مرخصة وشرعية بطريقة غامضة وغريبة.
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»
عمان جو - بسام بدارين
عندما حظرت السلطات «الأرجيلة» حفاظا على الصحة العامة زادت مبيعات «المعسل» المادة الرئيسية لتعديل «كيف ومزاج الأردنيين» بنسبة قد لا تقل عن 40 في المئة. آنذاك نقل المواطنون ممارستهم القاتلة إلى بيوتهم ومكاتبهم وفي كراجات الأبنية وحواشي المنازل، مما يسمح عمليا بحاضنة نشطة للفيروس لا يمكن مراقبتها خلافا لأن الرقابة ممكنة وبقسوة في المحلات والمقاهي.
لاحقا فتحت غالبية «القطاعات» تحت عنوان «الصيف الآمن» باستثناء القطاعات التجارية المعنية بالمقاهي الشعبية وصالات الأفراح.
«تتفنن» الحكومة بتثبيت أركان الوقاية الصحية من الفيروس حصريا في المنشآت الترفيهية الصغيرة، فيما أجريت انتخابات عامة ولقاءات عشائرية، وأفلت الفيروس اللعين من مراكز الحدود وعبر سائقي الشاحنات موجها ضربات قوية جدا للناس. أتيح لي من باب «تنويع» الاشتباك بدلا من التركيز على ملفي «الفتنة والإصلاح» تصفح وثيقة «تعليمات صحية» تزعم أنها تحاول «حماية الشعب» مما يجري في منشآت دافعة للضريبة ومعنية بقضاء الوقت الخاص. تلك التعليمات مفصلة وتوحي بأن اللجان البيروقراطية دقيقة لدرجة تشعرك بأن كل شيء في البلاد عال العال، وكل الملفات أنجزت وما ينقص شعبنا الطيب هو تنظيم تلك الأرصفة التي تشعل فيها برابيش الأرجيلة حيث أعلم يقينا بأن تعاطي «الصنف الشرعي» يتحول إلى عمل سري مكثف مثير بعدما ترنحت المقاهي الشعبية جراء التركيز عليها. مثلا تحدد التعليمات هوية المكان الذي ينبغي أن تشعل بها تلك «الجمرة الفحمية» من قبل العامل المختص، وماذا يرتدي بعد حصوله على شهادة تطعيم.
تتحول لجنة صحية إلى مجموعة خبراء في «تغليف المعسل» ودرجة الحرارة والرطوية وكيفية تخزينه قبل وضعه على طاولة الزبائن وأين ومتى وما هي الأصناف المسموح بها..إلخ.
شعرت لوهلة بأن حجم لوائح التعليمات يتطلب لاحقا تخصيص حقيبة وزارية باسم «المعسل والتبغ» فيما تلك الدقة والحرفية لا نشعر بها عندما يتعلق الأمر بمعرفة مصير ملف تهريب الدخان وإمبراطور التبغ الشهير الذي قيل لنا إنه أهلك الزرع ونهب الضرع والعباد ولا أحد يعرف حتى اللحظة ماذا حصل معه.
الحكومة منعت إشعال الأرجيلة داخل صالات المقاهي الشعبية وسمحت بها على أرصفتها وفي الهواء الطلق، فيما حظرت تدخين السجائر في نفس الصالات… بأمانة هذا إفصاح نفسي ويا ليتني أفهمه، فخط الدخان الضار داخل الصالة يضر بالمرتادين فقط، أما إطلاق الهواء المسموم عبر الأرصفة فيضر الجار والعابر.
نوع وطول وسعة «الأنبوب» الذي ينفث الدخان مواصفات حددتها اللجان البيروقراطية، وإنشغلت كل المؤسسات بالأمر من المواصفات والمقاييس إلى الصناعة والصحة وبينهما رئاسة الوزراء.
الحكومة التي تنشغل بكل هذه التفاصيل الخاصة بالمجالس البلدية لديها «فائض وقت» تنفقه في ترسيم مسار أي طفل يرافق أي امرأة إلى صالة عرس فيما كل القضايا الوطنية الأساسية الملحة لا تزال معلقة. لكن وزير الصحة الذي يشن الحرب على «التدخين» لا يخبرنا كيف التهمنا كأردنيين أيام حكومة المصفوفات سجائر مزورة بمئات الملايين من الدنانير، علما بأني أقر وأعترف كمدخن بأن التبغ المزور أكثر «لذة وتأثيرا» في حالتي من التبغ الشرعي، حتى أكاد أطالب بالإفراج عن إمبراطور تهريب السجائر السجين.
وزارة الصحة أيضا لا تحدد موقفها من الحقيقة الرقمية التي تقول بأن «السجائر» ومصانعها هي من أكبر موردي المال للخزينة التي تدفع رواتب الوزير وطاقمه ومجلس الوزراء.
ما دامت الحكومة ترى في سجائر الأردنيين خطرا داهما لماذا لا تنسجم مع نفسها وتعلن الحرب وتغلق المصانع والشركات المعنية، وأضمن لها أن يصبر المواطن على تلاشي نحو مليار وربع المليار من واردات الخزينة العامة.
الصالات التي تمنع فيها اللجان بذريعة الفيروس اليوم استعمال مواد مصنعة محليا وشرعيا داخل محلات مخصصة ومرخصة أصلا، وتدفع الضرائب، تنفق في الحد الأدنى على خمس عائلات، والإجراءات على الأرجح عبثية لأن الإشتباك مع «الكيف» بمحاصرته بهذه الطريقة يتحول إلى ممارسة محببة أكثر سرا وفي الأماكن الخاصة البعيدة عن الرقابة.
بالمقابل منع صالات الأفراح من استقبال أكثر من 100 زبون جميعهم خضعوا للتطعيم شرط تعجيزي وينتهي بإغلاق استثمارات ضخمة تنفق على عائلات وتدفع الرسوم والضريبة لصالح «مزارع خاصة» تحولت إلى «بزنس» سريع وفعال ومربح وخارج النظام الضريبي. تمنع الحكومة المواطنين من التجمع في صالات متخصصة فيحتشدون في مزارع خاصة.
إنها أشبه بلعبة كلمات متقاطعة فالإجراءات لا تحقق أهدافها وتفعيل سبل الوقاية ممكن فقط في المواقع المرخصة مع وجود أكثر من «13» جهة على الأقل بمشيئة ألله وبركاته، تراقب التاجر أو المستثمر الذي ينتظر الآن خلال الترنح فقط إعلان «وقف أوامر الدفاع» حتى يغلق أبوابه ويحمل ما تبقى من ملابسه ويهاجر إلى بلاد الله الواسعة.
بصراحة أصوت لأي إجراء وقائي وتنظيمي ولأي تثقيف في مجال «مكافحة التدخين». لكن ما يجري لا يكافح التدخين بل يزيد في معدلاته السرية والاجتماعية، ولا يحد منه ويستهدف قطاعات ومنشآت مرخصة وشرعية بطريقة غامضة وغريبة.
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»