برلمان الأردن ووثيقة “تحديث المنظومة”: إرهاق “التمرير” وغموض الخطة وكلفة الاشتباك
عمان جو – بسام البدارين
لا أحد يعلم بصورة محددة بعد في الأردن كيفية وآلية نقل التوصيات، التي يمكن أن تصدر لاحقاً عن اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية بخصوص تعديلات جوهرية وأساسية على تشريعات متعددة، إلى سلطة البرلمان ومجلس النواب الحالي الذي يعاني من التشكيك في قدراته ومن تجاهله على أكثر من صعيد.
مسألة الانتقال بالتوصيات بعد إقرارها من الهيئة العامة للجنة قوامها 90 عضواً إلى السلطة التشريعية، يفترض أن تتكفل بها الحكومة. لكن حتى الآن، لم تعلن كيفية التعامل مع هذا الاستحقاق المهم، وإن كان الحديث حول هذا الموضوع يعبر عن استحقاق استباقي له علاقة بتجاذبات وخلافات على أكثر من صعيد، وفي أكثر من مضمار، خصوصاً أن سياسيين كباراً لا يزالون يؤكدون – كما يقدر البرلماني والسياسي المعروف الدكتور ممدوح العبادي- بأن دور اللجان الملكية استشاري الطابع بالمقام الأول، وهو دور – بعيداً عن أهميته وضرورته- يحتاج من باب الالتزام الدستوري إلى تأصـيل وخطـوات.
واعتبر أمام «القدس العربي» مرات عدة، أن التشريع حق دستوري لسلطة مجلس النواب. لكن هذا لا يعني بأن المطبخ الذي يدير الأمور بخصوص تحديث المنظومة السياسية خارج عن سياق خطة يفترض أنها محكمة وضعها، مبكراً، مجلس النواب الحالي.
بمعنى آخر، لا بد من الانشغال بخطة تتميز بالدقة والفعالية حتى تناور وتبادر حكومة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة في اتجاهات تفعيل نقاش مع البرلمان تحت عنوان التعديلات التي اقترحتها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، فجهة الاختصاص المركزية والمفصلية في اختيار التشريعات وتمريرها ودفعها نحو الاستحقاق الدستوري هي مجلس النواب فقط، وليس اللجنة أو الحكومة.
ويبدو أن التشاور مع رئيس مجلس النواب عبد المنعم العودات، ورئيس الوزراء بشر الخصاونة، ورئيس اللجنة الملكية سمير الرفاعي، أصبح محطة اضطرارية للانتقال لما بعد الخطوة اللاحقة بخصوص الإعلان عن التوصيات واعتمادها ووضعها في مسودة كاملة ورفعها للمقام الملكي.
وكان الملك في رسالة التكليف للجنة الرفاعي، قد أوضح مسار التوصيات بشكل لا يقبل الغموض والالتباس عندما أعلن بأن حكومته ستكون ملزمة بنقل توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية إلى مجلس النواب، وهي إلزامية علنية تحصل لأول مرة، وإن كانت قد أثارت الجدل حول مدى دستورية التزام المؤسسة الملكية بمسألة من هذا النوع.
«ترجمة ذلك واضحة»
في كل حال، ترجمة ذلك واضحة، ووردت على لسان الرفاعي، وبحضور «القدس العربي» ومعناها أن الحكومة ملزمة وبتوجيه ملكي، بنقل ما تصل إليه اللجنة إلى مجلس النواب، والدفاع عنه وشرحه وتفصيله. ويبقى القرار الأخير طبعاً لمجلس النواب؛ باعتباره السلطة التشريعية الدستورية الأساسية، وهو دور افترض الرفاعي أيضاً أن واجب مجلس الأعيان، وهو مجلس الملك، أن يتولاه باعتباره الغرفة الثانية في التشريع.
تلك الخطة تبدو غير واضحة بعد، لكنها تعبر عن مسار قسري إذا ما أريد لتوصيات اللجنة الملكية ووثيقتها النهائية أن تعبر ويتم إقرارها من السلطة الممثلة للشعب والمختصة بالتشريع. لكن موقف وموقع مجلس النواب يبقى أساسياً في تفسير وتفعيل هذه الخطة، فالمجلس لديه ملاحظات، ولا تستطيع لا الحكومة ولا اللجنة الملكية إجباره على إقرار تعديلات على قوانين من أي نوع، بما في ذلك القوانين والتشريعات المهمة، مثل الانتخاب والأحزاب، دون الأخذ بالاعتبار موقف المجلس وتكتلاته الداخلية من التعديلات المقترحة.
يعني ذلك بأن مجلس النواب سيفلتر ويدقق في التفاصيل باعتباره الجهة الدستورية المعنية، وهذا ما لمسه جميع المراقبين من تعليقات على مسار الأحداث وردت على لسان القطب البرلماني الإسلامي صالح العرموطي. ويبدو أن المجلس لديه تحفظات على اللجنة من بداية تشكيلها، لا أحد يعلم ما إذا كانت ستبرز أو تظهر مجدداً.
ومن أهم تلك الملاحظات أن اللجنة لم يكن فيها أي من أعضاء البرلمان الحالي، وأن العضوية العريضة للجنة كان ينبغي أن تضم، على الأقل، رئيس اللجنة القانونية أو مقررها في مجلس النواب، حيث تم اختيار بعض أعضاء مجلس الأعيان لعضوية اللجنة، وهو ما لم يحصل مع النواب، الأمر الذي فسر في وقته على أنه محاولة لتكريس الفصل بين السلطات وتجنب إحراج مجلس النواب.
عملياً، لا توجد ضمانات بأن يمرر مجلس النواب الأردني ما تقترحه اللجنة بصفتها الاستشارية كما ورد منها، وقد كان النص الملكي واضحاً عندما تعلق الأمر بإلزام الحكومة، وليس مجلس النواب، بتحويل المادة التي ستنتج إلى السلطة التشريعية.
«لعدم مناكفة اللجنة»
لكن مجلس النواب يمكنه لأسباب سياسية وليست دستورية، أن يقرر بدوره كيفية تعامله مع التوصيات التشريعية تحديداً، باعتباره يمارس صلاحياته الأساسية، وباعتباره أميل لعدم مناكفة اللجنة والحكومة بسبب صعوبة تحمل كلفة هذه المناكفة سياسياً، على الأقل في المرحلة المقبلة، ما دامت ثلاثة أطراف تقف بقوة خلف تلك التوصيات من لجنة تحديث المنظومة السياسية، وهي الحكومة، ومجلس الأعيان، والقصر الملكي.
وهي جهات من الصعب أن يعارضها معاً مجلس النواب أو ينقلب على تصوراتها، لكنه يستطيع المشاغبة والمناكفة والاشتباك بخصوص تعديل هنا أو صياغة قانونية هناك، وهي مسألة – في كل حال- تحتاج إلى وقت حتى تنضج وتتضح معالمها لعموم الأطراف.
وهنا قد يشكل هوس مجلس النواب الحالي بتكريس شرعيته وقوته وصلابته وبالعمل على تجنب خيارات ترحيل للبرلمان أو تقصير مدة ولايته الدستورية لصالح التوصيات الجديدة بشكل أو بآخر، وهو أمر قد يؤدي إلى تعقيد في النقاشات.
لكنه نوع من التعقيد الذي ينبغي أن تكون الحكومة قد استعدت له، فيما كان الرئيس الرفاعي مسبقاً قد استبق الأحداث وأعلن في وقت مبكر بأن توصيات لجنته بخصوص قانون الانتخاب الجديد، وكذلك قانون الأحزاب، سيتم الالتزام بها بعد ثلاث سنوات، وليس فور الانتهاء من التوصيات، ويعني ذلك مـحاولة واضحـة لطمأنة مجلس النواب الحالي بأنه لن يرحل قريباً لأغراض تمرير تلك التوصيات، وأنه سيكمل مدته الدستورية، بحيث إن التوصـيات تبدأ بعـد ثلاث سـنوات.القدس العربي
عمان جو – بسام البدارين
لا أحد يعلم بصورة محددة بعد في الأردن كيفية وآلية نقل التوصيات، التي يمكن أن تصدر لاحقاً عن اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية بخصوص تعديلات جوهرية وأساسية على تشريعات متعددة، إلى سلطة البرلمان ومجلس النواب الحالي الذي يعاني من التشكيك في قدراته ومن تجاهله على أكثر من صعيد.
مسألة الانتقال بالتوصيات بعد إقرارها من الهيئة العامة للجنة قوامها 90 عضواً إلى السلطة التشريعية، يفترض أن تتكفل بها الحكومة. لكن حتى الآن، لم تعلن كيفية التعامل مع هذا الاستحقاق المهم، وإن كان الحديث حول هذا الموضوع يعبر عن استحقاق استباقي له علاقة بتجاذبات وخلافات على أكثر من صعيد، وفي أكثر من مضمار، خصوصاً أن سياسيين كباراً لا يزالون يؤكدون – كما يقدر البرلماني والسياسي المعروف الدكتور ممدوح العبادي- بأن دور اللجان الملكية استشاري الطابع بالمقام الأول، وهو دور – بعيداً عن أهميته وضرورته- يحتاج من باب الالتزام الدستوري إلى تأصـيل وخطـوات.
واعتبر أمام «القدس العربي» مرات عدة، أن التشريع حق دستوري لسلطة مجلس النواب. لكن هذا لا يعني بأن المطبخ الذي يدير الأمور بخصوص تحديث المنظومة السياسية خارج عن سياق خطة يفترض أنها محكمة وضعها، مبكراً، مجلس النواب الحالي.
بمعنى آخر، لا بد من الانشغال بخطة تتميز بالدقة والفعالية حتى تناور وتبادر حكومة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة في اتجاهات تفعيل نقاش مع البرلمان تحت عنوان التعديلات التي اقترحتها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، فجهة الاختصاص المركزية والمفصلية في اختيار التشريعات وتمريرها ودفعها نحو الاستحقاق الدستوري هي مجلس النواب فقط، وليس اللجنة أو الحكومة.
ويبدو أن التشاور مع رئيس مجلس النواب عبد المنعم العودات، ورئيس الوزراء بشر الخصاونة، ورئيس اللجنة الملكية سمير الرفاعي، أصبح محطة اضطرارية للانتقال لما بعد الخطوة اللاحقة بخصوص الإعلان عن التوصيات واعتمادها ووضعها في مسودة كاملة ورفعها للمقام الملكي.
وكان الملك في رسالة التكليف للجنة الرفاعي، قد أوضح مسار التوصيات بشكل لا يقبل الغموض والالتباس عندما أعلن بأن حكومته ستكون ملزمة بنقل توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية إلى مجلس النواب، وهي إلزامية علنية تحصل لأول مرة، وإن كانت قد أثارت الجدل حول مدى دستورية التزام المؤسسة الملكية بمسألة من هذا النوع.
«ترجمة ذلك واضحة»
في كل حال، ترجمة ذلك واضحة، ووردت على لسان الرفاعي، وبحضور «القدس العربي» ومعناها أن الحكومة ملزمة وبتوجيه ملكي، بنقل ما تصل إليه اللجنة إلى مجلس النواب، والدفاع عنه وشرحه وتفصيله. ويبقى القرار الأخير طبعاً لمجلس النواب؛ باعتباره السلطة التشريعية الدستورية الأساسية، وهو دور افترض الرفاعي أيضاً أن واجب مجلس الأعيان، وهو مجلس الملك، أن يتولاه باعتباره الغرفة الثانية في التشريع.
تلك الخطة تبدو غير واضحة بعد، لكنها تعبر عن مسار قسري إذا ما أريد لتوصيات اللجنة الملكية ووثيقتها النهائية أن تعبر ويتم إقرارها من السلطة الممثلة للشعب والمختصة بالتشريع. لكن موقف وموقع مجلس النواب يبقى أساسياً في تفسير وتفعيل هذه الخطة، فالمجلس لديه ملاحظات، ولا تستطيع لا الحكومة ولا اللجنة الملكية إجباره على إقرار تعديلات على قوانين من أي نوع، بما في ذلك القوانين والتشريعات المهمة، مثل الانتخاب والأحزاب، دون الأخذ بالاعتبار موقف المجلس وتكتلاته الداخلية من التعديلات المقترحة.
يعني ذلك بأن مجلس النواب سيفلتر ويدقق في التفاصيل باعتباره الجهة الدستورية المعنية، وهذا ما لمسه جميع المراقبين من تعليقات على مسار الأحداث وردت على لسان القطب البرلماني الإسلامي صالح العرموطي. ويبدو أن المجلس لديه تحفظات على اللجنة من بداية تشكيلها، لا أحد يعلم ما إذا كانت ستبرز أو تظهر مجدداً.
ومن أهم تلك الملاحظات أن اللجنة لم يكن فيها أي من أعضاء البرلمان الحالي، وأن العضوية العريضة للجنة كان ينبغي أن تضم، على الأقل، رئيس اللجنة القانونية أو مقررها في مجلس النواب، حيث تم اختيار بعض أعضاء مجلس الأعيان لعضوية اللجنة، وهو ما لم يحصل مع النواب، الأمر الذي فسر في وقته على أنه محاولة لتكريس الفصل بين السلطات وتجنب إحراج مجلس النواب.
عملياً، لا توجد ضمانات بأن يمرر مجلس النواب الأردني ما تقترحه اللجنة بصفتها الاستشارية كما ورد منها، وقد كان النص الملكي واضحاً عندما تعلق الأمر بإلزام الحكومة، وليس مجلس النواب، بتحويل المادة التي ستنتج إلى السلطة التشريعية.
«لعدم مناكفة اللجنة»
لكن مجلس النواب يمكنه لأسباب سياسية وليست دستورية، أن يقرر بدوره كيفية تعامله مع التوصيات التشريعية تحديداً، باعتباره يمارس صلاحياته الأساسية، وباعتباره أميل لعدم مناكفة اللجنة والحكومة بسبب صعوبة تحمل كلفة هذه المناكفة سياسياً، على الأقل في المرحلة المقبلة، ما دامت ثلاثة أطراف تقف بقوة خلف تلك التوصيات من لجنة تحديث المنظومة السياسية، وهي الحكومة، ومجلس الأعيان، والقصر الملكي.
وهي جهات من الصعب أن يعارضها معاً مجلس النواب أو ينقلب على تصوراتها، لكنه يستطيع المشاغبة والمناكفة والاشتباك بخصوص تعديل هنا أو صياغة قانونية هناك، وهي مسألة – في كل حال- تحتاج إلى وقت حتى تنضج وتتضح معالمها لعموم الأطراف.
وهنا قد يشكل هوس مجلس النواب الحالي بتكريس شرعيته وقوته وصلابته وبالعمل على تجنب خيارات ترحيل للبرلمان أو تقصير مدة ولايته الدستورية لصالح التوصيات الجديدة بشكل أو بآخر، وهو أمر قد يؤدي إلى تعقيد في النقاشات.
لكنه نوع من التعقيد الذي ينبغي أن تكون الحكومة قد استعدت له، فيما كان الرئيس الرفاعي مسبقاً قد استبق الأحداث وأعلن في وقت مبكر بأن توصيات لجنته بخصوص قانون الانتخاب الجديد، وكذلك قانون الأحزاب، سيتم الالتزام بها بعد ثلاث سنوات، وليس فور الانتهاء من التوصيات، ويعني ذلك مـحاولة واضحـة لطمأنة مجلس النواب الحالي بأنه لن يرحل قريباً لأغراض تمرير تلك التوصيات، وأنه سيكمل مدته الدستورية، بحيث إن التوصـيات تبدأ بعـد ثلاث سـنوات.القدس العربي