ساعة خالد جميل ..
عمان جو- عبد الهادي راجي المجالي - لدي ساعة ...نوع ( اوميغا) , هي من خالد جميل الصرايرة - رحمه الله - , ناداني يوما لمكتبه , كانت مديرة المكتب – امد الله في عمرها – العقيد نهى عصفور , وقد طلبت مني أن احضر بسرعة لأن الباشا يريدني ...
حضرت ...ووجدتهم قد جهزوا للباشا افطارا خفيفا يتضمن الفول والبيض , واثناء حديثنا وتناولنا الإفطار , اعطاني الباشا ورقة ..وطلب مني قراءتها , كانت اشبه بمحاضرة القيت في كلية الحرب والأركان من قبل أحد طلبتها ,وتتعلق بالشخصية الأردنية والهوية الوطنية ...ثم طلب مني أن اتحدث عن مضمونها ورأي فيما كتب هذا الطالب ...
لم يرق لي مضمونها , ولكني بدأت اسهب في الحديث عن الشخصية العسكرية الأردنية وكيف ساهمت في تشكيل الهوية الوطنية ...بدأت اتحدث عن حابس المجالي وفتحي ابو طالب والشريف زيد , وكيف انتجت المؤسسة العسكرية رموزا لدى الناس اهم من الرموز السياسية ...كنت (اشبر) بيدي اثناء الحديث , وكان الباشا – رحمه الله- يستمع باهتمام ...واعترتني بعض الحماسة , لم انتبه اني يومها كنت قد قمت بشد الساعة لمعمصي ..ومن جراء الحركة انقطع (الكستك) الخاص بها وسقطت في صحن الفول ....خجلت يومها جدا مما حدث ..لكن الباشا استدرك وقال : (كمل وظلك شوبر بايديك ...كل الكركية زيك)...ثم خلع ساعته من معصمه وطلب مني ان ارتديها ...فارتديتها ...
واكملت حديثي , كان مقتنعا جدا ..بما قلت , وطلب مني ان ازوده به مكتوبا ....لم يكن اللقاء الأول ولا الأخير , ولكن هذا الرجل كان يحب ان يستمع ..يجيد فن الإصغاء والتواضع باحتراف , وكان يخزن كل شيء في ذهنه ...
كنت ارتدي الساعة كثيرا , وحين يسألني البعض عنها اقول لهم : ( هاي ساعة الباشا) ...وللعلم كل ما كتبته عن الباشا كان مقالا واحدا وهو مرثية من قلبي حين توفاه الله ..كونه لم يكن يحب الصحافة كثيرا , فقد كان يخبرني بأمر مهم ويقول لي دوما : ( أنا ابن ميدان ..مش ابن مكاتب) ..فيما بعد فهمت منه , أن الضباط الذين امضوا خدمتهم في الميدان ...يكون تقييمهم اعلى من الذين امضوا العمر في العمل المكتبي ...
منذ فترة والساعة تتعطل ,ولا اكذب إن قلت لكم منذ أن مات , لقد غيرت فيها ...مؤشر التوقيت , ومع ذلك بقيت تتعطل ..قمت بتغيير البطارية , ومازالت تتعطل ..ويبدو ان الثواني فيها كانت مربوطة بقلب هذا الكبير الحنون ...وقررت الموت حين توقف قلبه عن الخفقان , أنا لا أحاول ان انسج قصة رومانسية فالرجل مات ...ولكنها الحقيقة , فكلما حاولت اصلاحها تمنعت مؤشراتها عن الدوران ...هل الساعات تحن لاصحابها , أنا لا أعرف ...ولكني اليوم احضرتها من عند (فني الساعات) ..واخبرني أنها خرجت من الخدمة ولا يوجد امل منها ..
الكبار الكبار حين يغادرون هذه الدنيا , يغادر الزمن معهم ...يختطفون الزمن أيضا ..ويتركون لنا الحنين فقط ..
رحم الله أحد كبار العسكرية الأردنية , واجمل رموزها ..واحلى فرسانها خالد باشا الصرايرة .
اه....لو أنهم يتعلمون منك يا خالد !
عبدالهادي راجي
حضرت ...ووجدتهم قد جهزوا للباشا افطارا خفيفا يتضمن الفول والبيض , واثناء حديثنا وتناولنا الإفطار , اعطاني الباشا ورقة ..وطلب مني قراءتها , كانت اشبه بمحاضرة القيت في كلية الحرب والأركان من قبل أحد طلبتها ,وتتعلق بالشخصية الأردنية والهوية الوطنية ...ثم طلب مني أن اتحدث عن مضمونها ورأي فيما كتب هذا الطالب ...
لم يرق لي مضمونها , ولكني بدأت اسهب في الحديث عن الشخصية العسكرية الأردنية وكيف ساهمت في تشكيل الهوية الوطنية ...بدأت اتحدث عن حابس المجالي وفتحي ابو طالب والشريف زيد , وكيف انتجت المؤسسة العسكرية رموزا لدى الناس اهم من الرموز السياسية ...كنت (اشبر) بيدي اثناء الحديث , وكان الباشا – رحمه الله- يستمع باهتمام ...واعترتني بعض الحماسة , لم انتبه اني يومها كنت قد قمت بشد الساعة لمعمصي ..ومن جراء الحركة انقطع (الكستك) الخاص بها وسقطت في صحن الفول ....خجلت يومها جدا مما حدث ..لكن الباشا استدرك وقال : (كمل وظلك شوبر بايديك ...كل الكركية زيك)...ثم خلع ساعته من معصمه وطلب مني ان ارتديها ...فارتديتها ...
واكملت حديثي , كان مقتنعا جدا ..بما قلت , وطلب مني ان ازوده به مكتوبا ....لم يكن اللقاء الأول ولا الأخير , ولكن هذا الرجل كان يحب ان يستمع ..يجيد فن الإصغاء والتواضع باحتراف , وكان يخزن كل شيء في ذهنه ...
كنت ارتدي الساعة كثيرا , وحين يسألني البعض عنها اقول لهم : ( هاي ساعة الباشا) ...وللعلم كل ما كتبته عن الباشا كان مقالا واحدا وهو مرثية من قلبي حين توفاه الله ..كونه لم يكن يحب الصحافة كثيرا , فقد كان يخبرني بأمر مهم ويقول لي دوما : ( أنا ابن ميدان ..مش ابن مكاتب) ..فيما بعد فهمت منه , أن الضباط الذين امضوا خدمتهم في الميدان ...يكون تقييمهم اعلى من الذين امضوا العمر في العمل المكتبي ...
منذ فترة والساعة تتعطل ,ولا اكذب إن قلت لكم منذ أن مات , لقد غيرت فيها ...مؤشر التوقيت , ومع ذلك بقيت تتعطل ..قمت بتغيير البطارية , ومازالت تتعطل ..ويبدو ان الثواني فيها كانت مربوطة بقلب هذا الكبير الحنون ...وقررت الموت حين توقف قلبه عن الخفقان , أنا لا أحاول ان انسج قصة رومانسية فالرجل مات ...ولكنها الحقيقة , فكلما حاولت اصلاحها تمنعت مؤشراتها عن الدوران ...هل الساعات تحن لاصحابها , أنا لا أعرف ...ولكني اليوم احضرتها من عند (فني الساعات) ..واخبرني أنها خرجت من الخدمة ولا يوجد امل منها ..
الكبار الكبار حين يغادرون هذه الدنيا , يغادر الزمن معهم ...يختطفون الزمن أيضا ..ويتركون لنا الحنين فقط ..
رحم الله أحد كبار العسكرية الأردنية , واجمل رموزها ..واحلى فرسانها خالد باشا الصرايرة .
اه....لو أنهم يتعلمون منك يا خالد !
عبدالهادي راجي
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات