الأردن في التعقيد الأوكراني: سقوط «الرهان» على روسيا و«القضية الفلسطينية»
عمان جو - بسام البدارين - يبدو واضحاً لأغلبية المراقبين في المشهد السياسي الأردني بأن الأزمة العسكرية الأخيرة التي اندلعت في أوكرانيا تعيد إنتاج ما يسمى بالرهان الأردني على موسكو خلف الستارة.
وهو رهان كانت تحرص وزارة الخارجية الأردنية على التعامل معه باعتباره حجر الزاوية ليس فقط في ترتيب مشاهد صغيرة لها علاقة بمصالح الأردن في الملف السوري فقط، لكن لترتيب قطع أصغر سياسياً قد تفيد لاحقاً في مربع الملف الفلسطيني الذي يحظى بالأولوية في حسابات الأردن الاستراتيجية والجيوسياسية، وسط مخاوف تبرز مجدداً للنخب الأردنية من أن تسعى حكومة اليمين الإسرائيلي الحالية، التي تعتبر حكومة ضعيفة أو آيلة للسقوط أو حكومة وضعها صعب ومعقد جداً على حد تعبير رئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة، للاستثمار في اللحظة، والعزف على أوتار الدول الأوروبية والإدارة الأمريكية؛ بهدف إبعاد البوصلة الروسية أكثر عن القضية الفلسطينية في الأسابيع والأشهر المقبلة، مع أن موسكو لم تكن متحمسة أصلاً.
لم يعد سراً بأن الأردن يخشى من أن تؤدي الحرب التي يشنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا، إلى إبعاد موسكو أكثر عن المسافة التي كانت عمان ترغب بها أو حتى تخطط لها في إطار استراتيجية العودة إلى الإطار الرباعي لمتابعة القضية الفلسطينية. وليس سراً أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، زار موسكو عدة مرات، وليس سراً أن الاتصالات ساخنة دوماً بين وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، ونظيره الروسي لافروف، على أمل أن تبقى روسيا في أقرب مسافة ممكنة، ليس من الملف السوري فقط، لكن من الملف الفلسطيني.
طوال السنوات التي حكم فيها الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب البيت الأبيض، كانت موسكو دوماً أحد رهانات عمان وشريكها السياسي الأقرب الرئيس الفلسطيني محمود عباس. لكن ذلك الرهان كان على قدر التحديات التي فرضتها إيقاعات صفقة القرن وفرضها الرئيس دونالد ترامب في وقت إدارته، وبقي الأردن مرتبطاً بهاجس اسمه تورط روسيا أكثر في الملف الفلسطيني، ليس فقط عبر إحياء اللجنة الرباعية الدولية، لكن أيضاً عبر استقبال الرئيس محمود عباس وبقاء موسكو قريبة من تصور مفاوضات عملية السلام وقضية الشرق الأوسط إلى أبعد حدود ممكنة.
لكن وفي رأي المحلل الاستراتيجي عامر السبايلة، تغيرت هذه المعطيات الآن، وأصبحت موسكو مشغولة بقضاياها المتعلقة بالصراع، لا بل بمستقبلها السياسي ومستقبل مقعدها في المجتمع الدولي، وطموحات توسعية كبيرة، وسلسلة من التعقيدات الاقتصادية التي لا قبل لروسيا كما يعرفها العالم بها حتى هذه اللحظة.
وقد يتفق معه سياسيون متعددون، فإن انشغال روسيا بمستجدات الصراع وبحالة الوجود التي فرضها الاسترسال الأمريكي على موسكو، يعني أن الجانب الروسي في أبعد ما يكون عن ملف التسوية السياسية في الشرق الأوسط، وأن موسكو ستكون مشغولة على الأرجح باتقاء شر إسرائيل ودورها في المتوسط، والمشاركة في عزلها، وبالتالي باتت موسكو في الحسابات الأردنية اليوم، وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية أيمن الصفدي، عندما تحدث عن قلق بلاده من استمرار الصراع وتأثيراته على بقية القضايا الأساسية في المنطقة، وسط القناعة اليوم في المؤسسة الأردنية بأن موسكو في أبعد مسافة، حقاً وفعلاً، عن أي تأثير له علاقة أولاً بالضغط على إسرائيل، وثانياً بالاشتراك أصلاً في أي مفاوضات أو ضغوطات أو حلقات تشاور لها علاقة بالقضية الفلسطينية.
الحسابات الأردنية إذاً، ومع تعقيدات المشهد في أوكرانيا، أصبحت إلى حد ما عقيمة سياسياً عندما يتعلق الأمر بالمحاولات المتكررة لاستدراج موسكو إلى عملية السلام والاستعانة بها حتى في الاتجاه المعاكس لقرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن لا يتقدم بطرح سياسي أو بعملية سياسية بخصوص القضية الفلسطينية، وبأن ينتظر ما يتفق عليه الطرفان، إلا أن الصراع الجديد سيشغل حسابات الجميع.
وبالتالي، موسكو في أبعد محطة ممكنة عن الرهان الأردني القديم، وعودتها إلى الاهتمام أصلاً في القضية الفلسطينية قد تكون آخر محطة في ترتيباتها وأوراقها التي تلعب فيها في الشرق الأوسط، فيما أوراقها مع إيران ومع النظام السوري هي الأهم والتي ستحظى بالأولوية في المرحلة المقبلة إذا ما خرجت بأقل خســائر اقتصــادية من الصــراع العــسكري الحــالي.
بمعنى أو بآخر، تستعد المؤسسة الأردنية لتعقيدات اقتصادية ناتجة عن الأزمة أو أزمة الصراع الجديد في أوكرانيا، كما صرح وزير المالية الدكتور محمد العسعس، بل إنها تستعد أيضاً لسلسلة من التعقيدات التي لا يمكن توقعها على صعيد القضية الفلسطينية، والتي تعتبر أساس استراتيجية الاشتباك الأردني أمنياً واقتصادياً وسياسياً، في كل المجالات والمسارات.
وأهم عنصر في هذه التعقيدات هو سقوط عملي هذه المرة بسبب انشغالات أوكرانيا لمنهجية توريط أو رهان على توريط موسكو أكثر في تفاصيل عملية السلام والقضية الفلسطينية، وهو وضع أمني سياسي جديد، يجب على المؤسسة الأردنية أن تجري حساباته بدقة متناهية تجنباً لخسائر استراتيجية، إلا أن الانطباع مبكراً بأن ما يجري في أوكرانيا سيؤثر على الضفة الغربية وعلى مستقبل اهتمام الأردن بعملية السلام، وأيضاً على الملف السوري، حيث الحدود في حالة ساخنة قوامها حلفاء مفترضون لإيران لا تريد موسكو قمعهم جنوب سوريا، يحاولون إعادة التموقع والاصطفاف ويسترسلون في محاولات تهريب المخدرات باستخدام السلاح، الأمر الذي خلق عبئاً كبيراً على القوات العسكرية للجيش العربي الأردني.
موسكو، وفقاً لهذه الحالة، في أبعد مسافة ممكنة من القضية الأساسية بالنسبة للبوصلة الأردنية، والأهم أن موسكو بعيدة الآن بالرغم من كثرة وحرارة الاتصالات بها في السنوات الخمس الماضية، فيما مشاعر الشارع الأردني تذهب في اتجاه التعاطف مع الاستراتيجية الروسية عملياً، وهو ما قاله بوضوح لاعب سياسي مخضرم من وزن الدكتور ممدوح العبادي، عندما اعتبر أن الوقوف مع المصالح الوطنية الأردنية يتطلب اليوم ليس التوازن في النظر إلى الصراع الجديد، لكن يتطلب المساندة والوقوف والانتباه إلى أن الموقف الروسي هو الداعم للقضايا العربية، ثم الأردنية، ويقصد طبعاً القضية الفلسطينية. موسكو كورقة استراتيجية، بعيدة جداً عن مجالات الاشتباك الآن، وهذا يفرض وقائع جديدة بالنسبة لقائد البوصلة الدبلوماسية الأردنية وزير الخارجية أيمن الصفدي، والجميع يراقب عمان في الأسابيع القليلة المقبلة برفقة سؤال: ما الذي تستطيع أن تفعله في هذا الاتجاه؟
«القدس العربي»
وهو رهان كانت تحرص وزارة الخارجية الأردنية على التعامل معه باعتباره حجر الزاوية ليس فقط في ترتيب مشاهد صغيرة لها علاقة بمصالح الأردن في الملف السوري فقط، لكن لترتيب قطع أصغر سياسياً قد تفيد لاحقاً في مربع الملف الفلسطيني الذي يحظى بالأولوية في حسابات الأردن الاستراتيجية والجيوسياسية، وسط مخاوف تبرز مجدداً للنخب الأردنية من أن تسعى حكومة اليمين الإسرائيلي الحالية، التي تعتبر حكومة ضعيفة أو آيلة للسقوط أو حكومة وضعها صعب ومعقد جداً على حد تعبير رئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة، للاستثمار في اللحظة، والعزف على أوتار الدول الأوروبية والإدارة الأمريكية؛ بهدف إبعاد البوصلة الروسية أكثر عن القضية الفلسطينية في الأسابيع والأشهر المقبلة، مع أن موسكو لم تكن متحمسة أصلاً.
لم يعد سراً بأن الأردن يخشى من أن تؤدي الحرب التي يشنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا، إلى إبعاد موسكو أكثر عن المسافة التي كانت عمان ترغب بها أو حتى تخطط لها في إطار استراتيجية العودة إلى الإطار الرباعي لمتابعة القضية الفلسطينية. وليس سراً أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، زار موسكو عدة مرات، وليس سراً أن الاتصالات ساخنة دوماً بين وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، ونظيره الروسي لافروف، على أمل أن تبقى روسيا في أقرب مسافة ممكنة، ليس من الملف السوري فقط، لكن من الملف الفلسطيني.
طوال السنوات التي حكم فيها الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب البيت الأبيض، كانت موسكو دوماً أحد رهانات عمان وشريكها السياسي الأقرب الرئيس الفلسطيني محمود عباس. لكن ذلك الرهان كان على قدر التحديات التي فرضتها إيقاعات صفقة القرن وفرضها الرئيس دونالد ترامب في وقت إدارته، وبقي الأردن مرتبطاً بهاجس اسمه تورط روسيا أكثر في الملف الفلسطيني، ليس فقط عبر إحياء اللجنة الرباعية الدولية، لكن أيضاً عبر استقبال الرئيس محمود عباس وبقاء موسكو قريبة من تصور مفاوضات عملية السلام وقضية الشرق الأوسط إلى أبعد حدود ممكنة.
لكن وفي رأي المحلل الاستراتيجي عامر السبايلة، تغيرت هذه المعطيات الآن، وأصبحت موسكو مشغولة بقضاياها المتعلقة بالصراع، لا بل بمستقبلها السياسي ومستقبل مقعدها في المجتمع الدولي، وطموحات توسعية كبيرة، وسلسلة من التعقيدات الاقتصادية التي لا قبل لروسيا كما يعرفها العالم بها حتى هذه اللحظة.
وقد يتفق معه سياسيون متعددون، فإن انشغال روسيا بمستجدات الصراع وبحالة الوجود التي فرضها الاسترسال الأمريكي على موسكو، يعني أن الجانب الروسي في أبعد ما يكون عن ملف التسوية السياسية في الشرق الأوسط، وأن موسكو ستكون مشغولة على الأرجح باتقاء شر إسرائيل ودورها في المتوسط، والمشاركة في عزلها، وبالتالي باتت موسكو في الحسابات الأردنية اليوم، وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية أيمن الصفدي، عندما تحدث عن قلق بلاده من استمرار الصراع وتأثيراته على بقية القضايا الأساسية في المنطقة، وسط القناعة اليوم في المؤسسة الأردنية بأن موسكو في أبعد مسافة، حقاً وفعلاً، عن أي تأثير له علاقة أولاً بالضغط على إسرائيل، وثانياً بالاشتراك أصلاً في أي مفاوضات أو ضغوطات أو حلقات تشاور لها علاقة بالقضية الفلسطينية.
الحسابات الأردنية إذاً، ومع تعقيدات المشهد في أوكرانيا، أصبحت إلى حد ما عقيمة سياسياً عندما يتعلق الأمر بالمحاولات المتكررة لاستدراج موسكو إلى عملية السلام والاستعانة بها حتى في الاتجاه المعاكس لقرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن لا يتقدم بطرح سياسي أو بعملية سياسية بخصوص القضية الفلسطينية، وبأن ينتظر ما يتفق عليه الطرفان، إلا أن الصراع الجديد سيشغل حسابات الجميع.
وبالتالي، موسكو في أبعد محطة ممكنة عن الرهان الأردني القديم، وعودتها إلى الاهتمام أصلاً في القضية الفلسطينية قد تكون آخر محطة في ترتيباتها وأوراقها التي تلعب فيها في الشرق الأوسط، فيما أوراقها مع إيران ومع النظام السوري هي الأهم والتي ستحظى بالأولوية في المرحلة المقبلة إذا ما خرجت بأقل خســائر اقتصــادية من الصــراع العــسكري الحــالي.
بمعنى أو بآخر، تستعد المؤسسة الأردنية لتعقيدات اقتصادية ناتجة عن الأزمة أو أزمة الصراع الجديد في أوكرانيا، كما صرح وزير المالية الدكتور محمد العسعس، بل إنها تستعد أيضاً لسلسلة من التعقيدات التي لا يمكن توقعها على صعيد القضية الفلسطينية، والتي تعتبر أساس استراتيجية الاشتباك الأردني أمنياً واقتصادياً وسياسياً، في كل المجالات والمسارات.
وأهم عنصر في هذه التعقيدات هو سقوط عملي هذه المرة بسبب انشغالات أوكرانيا لمنهجية توريط أو رهان على توريط موسكو أكثر في تفاصيل عملية السلام والقضية الفلسطينية، وهو وضع أمني سياسي جديد، يجب على المؤسسة الأردنية أن تجري حساباته بدقة متناهية تجنباً لخسائر استراتيجية، إلا أن الانطباع مبكراً بأن ما يجري في أوكرانيا سيؤثر على الضفة الغربية وعلى مستقبل اهتمام الأردن بعملية السلام، وأيضاً على الملف السوري، حيث الحدود في حالة ساخنة قوامها حلفاء مفترضون لإيران لا تريد موسكو قمعهم جنوب سوريا، يحاولون إعادة التموقع والاصطفاف ويسترسلون في محاولات تهريب المخدرات باستخدام السلاح، الأمر الذي خلق عبئاً كبيراً على القوات العسكرية للجيش العربي الأردني.
موسكو، وفقاً لهذه الحالة، في أبعد مسافة ممكنة من القضية الأساسية بالنسبة للبوصلة الأردنية، والأهم أن موسكو بعيدة الآن بالرغم من كثرة وحرارة الاتصالات بها في السنوات الخمس الماضية، فيما مشاعر الشارع الأردني تذهب في اتجاه التعاطف مع الاستراتيجية الروسية عملياً، وهو ما قاله بوضوح لاعب سياسي مخضرم من وزن الدكتور ممدوح العبادي، عندما اعتبر أن الوقوف مع المصالح الوطنية الأردنية يتطلب اليوم ليس التوازن في النظر إلى الصراع الجديد، لكن يتطلب المساندة والوقوف والانتباه إلى أن الموقف الروسي هو الداعم للقضايا العربية، ثم الأردنية، ويقصد طبعاً القضية الفلسطينية. موسكو كورقة استراتيجية، بعيدة جداً عن مجالات الاشتباك الآن، وهذا يفرض وقائع جديدة بالنسبة لقائد البوصلة الدبلوماسية الأردنية وزير الخارجية أيمن الصفدي، والجميع يراقب عمان في الأسابيع القليلة المقبلة برفقة سؤال: ما الذي تستطيع أن تفعله في هذا الاتجاه؟
«القدس العربي»
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات