استهداف روسيا .. لماذا؟
عمان جو - د. حسام العتوم - الحقيقة هنا يجب أن تقال، مادامت الموضوعية في معالجة الأزمة الروسية – الأوكرانية غائبة وسط غرب العالم، واتباعه، وماكنة أعلامه، ويطالبوننا بطرح موضوعي لحدث الحرب القائمة إن صح التعبير، وهي العملية العسكرية الروسية الخاصة النظيفة التي قدمت إلى الأراضي الأوكرانية لتحقيق اهداف عسكرية محددة، واشترطت على نفسها عدم استهداف المدنيين الأوكران وبيوتهم الامنة، وعدم الاساءة لأسرى الجيش الأوكراني, وبطبيعة الحال فأن حادثة مستشفى ( ماريوبل ) أسيء تفسيرها, فبداخله اختبأت عناصرا من التيار المتطرف الأوكراني. والخطاب الروسي هذا لا ينسحب على الفصائل العنصرية النازية مثل ( أزوف، واليمين الأوكراني، وضد الدونباس )، أو على من يستخدم المواطنين الأوكران دروعا بشرية عبر ممارسة الرماية العسكرية من نوافذ بيوتهم، أو نشر الأسلحة الثقيلة بينها، أو القنص من فوق سطوح العمارات الشاهقة، وليس من سياسة روسيا قصف المدنيين الأوكران, وهو الأمر الذي أطال الحرب – العملية العسكرية الروسية الخاصة لتعبر أسبوعها الثالث، وهي التي أتمنى لها أن تنجز أعمالها بدقة وتنتهي ليرتاح العالم وليتراجع عن عقوباته غير المبررة الهادفة لتطويق روسيا واضعافها, وهي التي تستهدف المواقع العسكرية الأوكرانية والفصائل النازية, وتم فعلا قصف حوالي 3000 موقعا عسكريا أوكرانيا لغاية الان.
فمن بدأ الحرب – العملية العسكرية الخاصة - الروس أم الأوكران أم الغرب الأمريكي؟ والتاريخ المعاصر شاهد عيان، وهو يسجل كل ماهو في العلن وفي السر.
واستهداف روسيا الأتحادية نهاية المطاف بالمجمل لا يتعلق بملف القضية الأوكرانية فقط التي سأورد تفاصيلها هنا، وهذه قناعتي، وإنما بمسار الحرب الباردة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 وحتى الآن، وفي عمق الزمن القادم أيضا، وعبر رسم بياني تصاعدي.
وستبقى روسيا محسودة والعيون الماكرة الغربية خاصة الأمريكية والبريطانية منها تلاحقها مادامت خطت لذاتها طريقا للنهوض العسكري، ومنه غير التقليدي فوق النووي، والاقتصادي، والسياسي عبر الإنفراد بالتمسك بالقانون الدولي في السلم وفي الحرب، وأمثلتي هنا ستأتيكم تباعا، وهذا هو الأساس, ومسألة غرب أوكرانيا، وسيادة أوكرانيا على أراضيها التي لم ولا تعارضها روسيا ودعت لتحقيقها عبر الحوار ومن خلال اتفاقية ( مينسك لعام 2015)، هي مجرد تفاصيل بالنسبة للغرب، وترف، ووقت إضافي للمناورات السياسية .
والملاحظ هنا هو بأن الولايات المتحدة الأمريكية التي فشلت، ومعها الغرب في الغوص في أوكرانيا سياسيا بعدما انكشف سرها وأصبح في العلن، وبعدما اقتنعوا بأن الحرب العالمية الثالثة ستكون نووية وجد خطيرة، ولن تكون رابحة بالنسبة لهم، بل مدمرة لكيانهم بكل تأكيد, وللبشرية جمعاء، وفي زمن لم يثبت العلم فيه إمكانية وجود فرصة لعيش الإنسان فوق الأجرام المجاورة لكوكب الأرض، حيث يعيش الجميع, تقرر في واشنطن، وتحديدا في ( البنتاغون والايباك والكونغرس ) وفي الغرف السياسية واللوجستية المغلقة في الغرب الأمريكي على ما يبدو شن حرب اقتصادية على روسيا بالذات متعددة الأهداف وعلى شكل عقوبات مالية وبترولية وغازية, وتشجيع ألمانيا على تجميد مشروع غاز 2 الرابط بين روسيا وألمانيا وعموم أوروبا، وفي مقدمة العقوبات إعاقة نهوض روسيا، والتشجيع على قيام ثورة برتقالية في داخها, ومن أولى معالمها التي سيطرت موسكو عليها حراك كبار الفنانين الروس - الأوليغارجيين - الأثرياء الذين اعترضوا على دخول بلدهم روسيا إلى أوكرانيا وشن معركة حامية الوطيس هناك، وارتفاع أسعار المحروقات على شعوب روسيا الواجب على الدولة الروسية حمايتهم منه خاصة وأنها من قائمة مصادرهم الطبيعية . ويصعب على أمريكا صاحبة القطب الواحد الذي يراد له أن يكون مسيطرا على أركان العالم، بما في ذلك على روسيا والصين، أن تستوعب وجود روسيا القوية قائدة لعالم الاقطاب المتعددة، والمعارضة بشجاعة لسياسة ( الكاوبوي) الأمريكية، ولنزوات بريطانيا، ومن يتبعهم من دول الغرب, وحركة من المتطوعين الأجانب وصلوا أوكرانيا للمشاركة في الحرب الدائرة بعدما فقد الحوار بوصلته.
و الولايات المتحدة الأمريكية ولمن لا يعرف تنطبق عليها إلى حد قريب نظرية ( الفأر وكيس الطحين )، فلقد نخرت ولازالت في المكون الأوكراني وحولته لطعم لسنارتها على طريقة نخرها وسط قضايا عديدة عالمية وفي مقدمتها الفلسطينية التي لم ترى النور حتى الساعة منذ بزوغ شمسها عام 48 وعبر حل الدولتين، وكذلك الأمر ما تعلق بالملف السوري في بداياته عام 2011 عندما دخلت إلى هناك من دون دعوة، وعبثت في ملف ملاحقة إرهاب عصابة ( داعش) واستخدام ورقتها لأغراض سياسية واقتصادية في أكثر من مكان، وقبلها ذهبت إلى العراق عام 2003 بحجج واهية من أهمها امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل تحت علامة استفهام كبيرة، وتسببت في تدميره، وإعدام أحد أهم زعماء العرب الشهيد صدام حسين، وهو الفعل الذي أدانته روسيا بالكامل، وكررت صورتها في ليبيا وفي اليمن، وفي الخليج، ومع ايران، ومع كوريا الشمالية.
واكتشاف لوزارة الدفاع الروسية لمجموعة من المصانع البيولوجية التي تساهم في تصنيع فايروس ( كورونا) عالميا واذا ما وضعنا تاريخ روسيا العميق والمعاصر تحت المجهر, سنجد بأنها في الزمن القيصري تعرضت لهجمات العثمانيين وحققت نصرا عليهم في عهد الأمبراطورة يكاتيرينا الثانية في القرن التاسع عشر , وثبتت اقدام اقليم ( القرم ) ليصبح روسيا منذ ذلك الوقت، وعاشت روسيا السوفيتية وعموم السوفييت ومن بينهم الأوكران مجاعة ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي, وهو ما يسمي بالإنجليزية(Golodomor) واتهمت أوكرانيا السوفييت بأن المجاعة قصدتهم فقط، وبالمناسبة هذا ما تخطط له أمريكا وبريطانيا وعموم الغرب لكي تصل روسيا لمرحلة المجاعة من جديد , ولكي يثور شعوبها على نظامها السياسي في العاصمة موسكو, ومطالبة إثنين من أعضاء الكونغرس الأمريكي وهما ( ستيفان كوين وجون أوليسون ) بتاريخ 19 تشرين الثاني المنصرم من هذا العام 2022, بأن تقدم أمريكا على عدم التعامل مع روسيا في حالة ترشيح الرئيس فلاديمير بوتين لنفسه لرئاسة روسيا من جديد عام 2024 بعد تصفير روسيا للدستور , بمعنى عدم احتساب نظام المدد الرئاسية السابقة، ونجح، لم تأت من فراغ , وتحمل هدف تحقيق الوصول بروسيا إلى مرحلة الضعف، وفي ذاكرتهم شخصيات رئاسية روسية ناسبتهم مثل ( ميخائيل غورباتشوف وبوريس يلتسين ). وسبق للرئيس بوتين أن طرح على الرئيس الأمريكي بيل كلينتون عام 2000 أثناء زيارته لموسكو سؤالا، ماذا لو دخلت روسيا حلف ( الناتو) العسكري ؟ فلم يجيب , وما أراده بوتين هو وضع حد فاصل ونهائي للحرب الباردة وسباق التسلح بصفقة واحدة، لكن قرار استمراية الحرب لم يكن وقتها بيد كلينتون فقط، بل في واشنطن عبر مؤسسات هامة مسؤولة مثل ( البنتاغون " الدفاع والاستخبارات " والأيباك والكونغرس ) إلى جانب دول أوروبا أعضاء حلف الناتو الثري وفوق النووي بمستوى روسيا الأتحادية تماما، ووجود تفوق عسكري وسط الجانبين في فترات زمنية متباعدة , أي كل عشر سنوات، أمر طبيعي متوقع .
ولقد تم التطاول على روسيا في عمق التاريخ المعاصر عدة مرات ولم تكن سببا في الحروب ضدها , ففي القرن التاسع عشر وتحديدا عام 1812 في زمن القيصر الكسندر الأول غزاها نابليون بونابارت لمنع تجارتها مع بريطانيا, ودخل موسكو العاصمة , ولم يصمد أكثر من نصف عام, وطرده الروس وحملته إلى عمق باريس, وتعرض في الأراضي الروسية الواسعة للبرد الشديد والجوع. وفي الحرب العالمية الأولى عام 1914 هاجمت ألمانيا روسيا بداية، وفي الحرب العالمية الثانية 1940 1945 استهدفتهم النازية الهتلرية بقيادة أدولف هتلر, ووصلت مشارف موسكو، وتعرضت للبرد والجوع أيضا، وطردهم السوفييت بقيادة روسيا وبجهد القائدين جوزيف ستالين وجيورجي جوكوف إلى عمق برلين ورفع العلم السوفيتي فوق الرايخ الألماني ( البرلمان )، وعاش الروس حصار ( ليننغراد) بين عامي 1941 و1944 وخرجو منتصرين. ولقد خططت الولايات المتحدة الأمريكية لقصف الإتحاد السوفيتي بالقنابل النووية عام 1949 بعدما حاربوا معا في خندق واحد ضد نازية هتلر, وأسسوا وقتها حلف ( الناتو ) الغربي يوم لم يكن للسوفييت حلفا عسكريا وقتها, لكنهم اكتشفوا في عهد جوزيف ستالين امتلاكهم لقنبلتهم النووية, والتي صنعوها لردع أي اعتداء نووي عليهم أو على حلفائهم , ولم يستخدموها على طريقة أمريكا في اليابان في ( هيروشيما وناكازاكي ) عام 1945 لإنهاء حرب عالمية ثانية ثبت أنها انتهت فعلا قبل القنبلة.
وأسس السوفييت حلف ( وارسو ) العسكري عام 1955 رداً على تأسيس ( الناتو ) ولمواجهة سعير الحرب الباردة وسباق التسلح التي أراد لها الغرب أن تتصاعد, وجاءت النتيجة بهدم الإتحاد السوفيتي عام 1991 ومعه حلف ( وارسو ) ,و استفرد الغرب الأمريكي بعدها بتشكيل القطب الأوحد الهادف للسيطرة على كافة أركان العالم, واستمر حلف ( الناتو ) عاملا, ومماحكا لروسيا الإتحادية الناهضة نوويا وعسكريا واقتصاديا حتى يومنا هذا, ومستهدفا لها مباشرة عبر الحدود المائية والبرية في بحار اليابان ،والأسود، والأبيض, وحاليا عبر عقوبات اقتصادية ومالية مفتعلة وعبر تحريض دول العالم على روسيا عبر أجهزة استخبارات الغرب والتي في مقدمتها الأمريكية ال- CIA .
وإلى أفغانستان عام 1979 دخل السوفييت بعدما ثبت لهم بأن أمريكا قائدة ( الناتو) متوجهة إلى هناك بفارق يوم واحد، وبهدف الإقتراب من حدود الإتحاد السوفيتي الجنوبية ضمن حسابات حربهم الباردة وسباق التسلح، وخرجوا من هناك عام 1989، وبقيت عيون الأميركان وحلفهم تجوب في حسرة دائمة حتى دخلو أفغانستان بأنفسهم عام 2001 بعد أحداث 11 سبتمبر، وأخرجوا من هناك بقوة حراك طالبان الذين أخرجوا السوفييت قبلهم، وهو حق لهم، فهي، أي أفغانستان بلادهم، وواصلوا قصفهم لها جوا عام 2017 . والخسائر السوفيتية والأمريكية ومعهم ( الناتو ) البشرية والمادية كبيرة، وسجل الطرف الأمريكي خسائرا أكبر ،( 15 الف جندي وضابط سوفيتي مقابل 2248 الف مثلهم من الأميركان والغرب، ومليارات الدولارات من الخسائر لدى الطرفين، سجلت أمريكا منها حوالي 778 مليار دولار) .
الحرب الحديثة في أوكرانيا هي صناعة أمريكية – غربية – أوكرانية ظهرت ملامحها الأولى عام 2014 وسط أحداث ميدان ( كييف ) ومع حدوث الإنقلاب الدموي الطارد للرئيس الأوكراني فيكتور يونوكوفيج الموالي لروسيا وبعد مطالبته أوكرانيا بالإنضمام للإتحاد الأوروبي رغم موافقته عليه متأخرا , وبعد استمرار التيار الأوكراني البنديري ( القادم من أتون جناح النازية الهتلرية في الحرب العالمية الثانية وبكامل عمق جذورها في الحرب العالمية الأولى )، والجيش الأوكراني وعلى مدار ثماني سنوات متتالية قصف شرق أوكرانيا ( الدونباس ولوغانسك ) والتسبب في مقتل 14 ألف قتيل من بينهم 500 طفل, وجلهم من الروس والناطقين باللغة الروسية، وبحجم 4 ملايين إنسان، والصحفية الفرنسية الميدانية لورا بونيل وعلى قناة سي – نيوز اثبتت ذلك، وتحريض أمريكي واضح لغرب أوكرانيا للمطالبة بشبه جزيرة ( القرم ) لتبقى في اطار السيادة الأوكرانية بينما هي روسية الأصل ,و التاريخ العميق شاهد عيان رغم مكوثها في العهد السوفيتي وفي الحوزة الأوكرانية 60 عاما، وعمل مشترك أوكراني - غربي - أمريكي لانتاج قنبلة نووية على أرض أوكرانيا بالقرب من العاصمة موسكو , واغراءات سرابية أمريكية – غربية لـ ( كييف ) بدخول حلف (الناتو), والهدف الإجهاز على روسيا في الوقت المناسب .
وبعدما كشفت روسيا المؤامرات الأمريكية – الغرب أوكرانية , ومؤامرات حلف ( الناتو ) أيضا عليها في الجوار دخلت في عملية عسكرية خاصة بأهداف محددة رغم ضجيج الغرب الأمريكي المعروف مسبقا، والذي تمثل في العقوبات الأقتصادية الصارمة ضد روسيا والتي في مقدمتها البترولية والغازية وعلى مستوى التعامل مع الدولار, وعلى مستوى شبكات الأتصال , والمطالبة بتطبيق حظر جوي على الطائرات العسكرية الروسية فوق الفضاء الأوكراني , وشن حرب اعلامية هادفة على الدور الروسي في أوكرانيا مثل عرض صور مدبلجة ( للقتلى والجرحى وللدبابات والطائرات العسكرية الروسية المدمرة ) .
ولقد بث ( البنتاغون ) رسائل يستفسر من خلالها عن سبب بطئ تقدم الجيش الروسي الأحمر تجاه العاصمة الأوكرانية ( كييف )، وكأنه لا يريد فهم العقيدة العسكرية الروسية التي لا ترمي لإحتلال غرب أوكرانيا، ولا عاصمتها، ولا حتى استهداف المدنيين فيها, وهي التي تتعامل مع الأسرى الأوكران معاملة الشقيق، وتقدم لهم الطعام والسجائر، وتسمح لهم بالاتصال بأهاليهم, وستعمل على إعادتهم إلى بيوتهم بعد إنتهاء عمليتها هناك. ولم تأت روسيا إلى أوكرانيا من دون دعوة، ولديها معاهدة دفاع مع ( الدونباس ولوغانسك ) بعد اعترافها بأستقلالهما، وحركت من أجل ذلك المادة 517 من مواد الأمم المتحدة التي تحدثت عن أن إعتداء قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة وحق الدفاع عن النفس، لكي تكون خطوتها قانونية، وهي ،أي روسيا معروفة بتمسكها بالقانون الدولي.
وفي الختام لا مخرج لقادة العالم إلا التمسك بالحوار والسلام والتنمية الشاملة، ولا مكان ( للعنف، والحروب، والتحشيد، والعقوبات، والتشريد )، خدمة للإنسان أينما تواجد، وللبشرية جمعاء .
فمن بدأ الحرب – العملية العسكرية الخاصة - الروس أم الأوكران أم الغرب الأمريكي؟ والتاريخ المعاصر شاهد عيان، وهو يسجل كل ماهو في العلن وفي السر.
واستهداف روسيا الأتحادية نهاية المطاف بالمجمل لا يتعلق بملف القضية الأوكرانية فقط التي سأورد تفاصيلها هنا، وهذه قناعتي، وإنما بمسار الحرب الباردة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 وحتى الآن، وفي عمق الزمن القادم أيضا، وعبر رسم بياني تصاعدي.
وستبقى روسيا محسودة والعيون الماكرة الغربية خاصة الأمريكية والبريطانية منها تلاحقها مادامت خطت لذاتها طريقا للنهوض العسكري، ومنه غير التقليدي فوق النووي، والاقتصادي، والسياسي عبر الإنفراد بالتمسك بالقانون الدولي في السلم وفي الحرب، وأمثلتي هنا ستأتيكم تباعا، وهذا هو الأساس, ومسألة غرب أوكرانيا، وسيادة أوكرانيا على أراضيها التي لم ولا تعارضها روسيا ودعت لتحقيقها عبر الحوار ومن خلال اتفاقية ( مينسك لعام 2015)، هي مجرد تفاصيل بالنسبة للغرب، وترف، ووقت إضافي للمناورات السياسية .
والملاحظ هنا هو بأن الولايات المتحدة الأمريكية التي فشلت، ومعها الغرب في الغوص في أوكرانيا سياسيا بعدما انكشف سرها وأصبح في العلن، وبعدما اقتنعوا بأن الحرب العالمية الثالثة ستكون نووية وجد خطيرة، ولن تكون رابحة بالنسبة لهم، بل مدمرة لكيانهم بكل تأكيد, وللبشرية جمعاء، وفي زمن لم يثبت العلم فيه إمكانية وجود فرصة لعيش الإنسان فوق الأجرام المجاورة لكوكب الأرض، حيث يعيش الجميع, تقرر في واشنطن، وتحديدا في ( البنتاغون والايباك والكونغرس ) وفي الغرف السياسية واللوجستية المغلقة في الغرب الأمريكي على ما يبدو شن حرب اقتصادية على روسيا بالذات متعددة الأهداف وعلى شكل عقوبات مالية وبترولية وغازية, وتشجيع ألمانيا على تجميد مشروع غاز 2 الرابط بين روسيا وألمانيا وعموم أوروبا، وفي مقدمة العقوبات إعاقة نهوض روسيا، والتشجيع على قيام ثورة برتقالية في داخها, ومن أولى معالمها التي سيطرت موسكو عليها حراك كبار الفنانين الروس - الأوليغارجيين - الأثرياء الذين اعترضوا على دخول بلدهم روسيا إلى أوكرانيا وشن معركة حامية الوطيس هناك، وارتفاع أسعار المحروقات على شعوب روسيا الواجب على الدولة الروسية حمايتهم منه خاصة وأنها من قائمة مصادرهم الطبيعية . ويصعب على أمريكا صاحبة القطب الواحد الذي يراد له أن يكون مسيطرا على أركان العالم، بما في ذلك على روسيا والصين، أن تستوعب وجود روسيا القوية قائدة لعالم الاقطاب المتعددة، والمعارضة بشجاعة لسياسة ( الكاوبوي) الأمريكية، ولنزوات بريطانيا، ومن يتبعهم من دول الغرب, وحركة من المتطوعين الأجانب وصلوا أوكرانيا للمشاركة في الحرب الدائرة بعدما فقد الحوار بوصلته.
و الولايات المتحدة الأمريكية ولمن لا يعرف تنطبق عليها إلى حد قريب نظرية ( الفأر وكيس الطحين )، فلقد نخرت ولازالت في المكون الأوكراني وحولته لطعم لسنارتها على طريقة نخرها وسط قضايا عديدة عالمية وفي مقدمتها الفلسطينية التي لم ترى النور حتى الساعة منذ بزوغ شمسها عام 48 وعبر حل الدولتين، وكذلك الأمر ما تعلق بالملف السوري في بداياته عام 2011 عندما دخلت إلى هناك من دون دعوة، وعبثت في ملف ملاحقة إرهاب عصابة ( داعش) واستخدام ورقتها لأغراض سياسية واقتصادية في أكثر من مكان، وقبلها ذهبت إلى العراق عام 2003 بحجج واهية من أهمها امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل تحت علامة استفهام كبيرة، وتسببت في تدميره، وإعدام أحد أهم زعماء العرب الشهيد صدام حسين، وهو الفعل الذي أدانته روسيا بالكامل، وكررت صورتها في ليبيا وفي اليمن، وفي الخليج، ومع ايران، ومع كوريا الشمالية.
واكتشاف لوزارة الدفاع الروسية لمجموعة من المصانع البيولوجية التي تساهم في تصنيع فايروس ( كورونا) عالميا واذا ما وضعنا تاريخ روسيا العميق والمعاصر تحت المجهر, سنجد بأنها في الزمن القيصري تعرضت لهجمات العثمانيين وحققت نصرا عليهم في عهد الأمبراطورة يكاتيرينا الثانية في القرن التاسع عشر , وثبتت اقدام اقليم ( القرم ) ليصبح روسيا منذ ذلك الوقت، وعاشت روسيا السوفيتية وعموم السوفييت ومن بينهم الأوكران مجاعة ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي, وهو ما يسمي بالإنجليزية(Golodomor) واتهمت أوكرانيا السوفييت بأن المجاعة قصدتهم فقط، وبالمناسبة هذا ما تخطط له أمريكا وبريطانيا وعموم الغرب لكي تصل روسيا لمرحلة المجاعة من جديد , ولكي يثور شعوبها على نظامها السياسي في العاصمة موسكو, ومطالبة إثنين من أعضاء الكونغرس الأمريكي وهما ( ستيفان كوين وجون أوليسون ) بتاريخ 19 تشرين الثاني المنصرم من هذا العام 2022, بأن تقدم أمريكا على عدم التعامل مع روسيا في حالة ترشيح الرئيس فلاديمير بوتين لنفسه لرئاسة روسيا من جديد عام 2024 بعد تصفير روسيا للدستور , بمعنى عدم احتساب نظام المدد الرئاسية السابقة، ونجح، لم تأت من فراغ , وتحمل هدف تحقيق الوصول بروسيا إلى مرحلة الضعف، وفي ذاكرتهم شخصيات رئاسية روسية ناسبتهم مثل ( ميخائيل غورباتشوف وبوريس يلتسين ). وسبق للرئيس بوتين أن طرح على الرئيس الأمريكي بيل كلينتون عام 2000 أثناء زيارته لموسكو سؤالا، ماذا لو دخلت روسيا حلف ( الناتو) العسكري ؟ فلم يجيب , وما أراده بوتين هو وضع حد فاصل ونهائي للحرب الباردة وسباق التسلح بصفقة واحدة، لكن قرار استمراية الحرب لم يكن وقتها بيد كلينتون فقط، بل في واشنطن عبر مؤسسات هامة مسؤولة مثل ( البنتاغون " الدفاع والاستخبارات " والأيباك والكونغرس ) إلى جانب دول أوروبا أعضاء حلف الناتو الثري وفوق النووي بمستوى روسيا الأتحادية تماما، ووجود تفوق عسكري وسط الجانبين في فترات زمنية متباعدة , أي كل عشر سنوات، أمر طبيعي متوقع .
ولقد تم التطاول على روسيا في عمق التاريخ المعاصر عدة مرات ولم تكن سببا في الحروب ضدها , ففي القرن التاسع عشر وتحديدا عام 1812 في زمن القيصر الكسندر الأول غزاها نابليون بونابارت لمنع تجارتها مع بريطانيا, ودخل موسكو العاصمة , ولم يصمد أكثر من نصف عام, وطرده الروس وحملته إلى عمق باريس, وتعرض في الأراضي الروسية الواسعة للبرد الشديد والجوع. وفي الحرب العالمية الأولى عام 1914 هاجمت ألمانيا روسيا بداية، وفي الحرب العالمية الثانية 1940 1945 استهدفتهم النازية الهتلرية بقيادة أدولف هتلر, ووصلت مشارف موسكو، وتعرضت للبرد والجوع أيضا، وطردهم السوفييت بقيادة روسيا وبجهد القائدين جوزيف ستالين وجيورجي جوكوف إلى عمق برلين ورفع العلم السوفيتي فوق الرايخ الألماني ( البرلمان )، وعاش الروس حصار ( ليننغراد) بين عامي 1941 و1944 وخرجو منتصرين. ولقد خططت الولايات المتحدة الأمريكية لقصف الإتحاد السوفيتي بالقنابل النووية عام 1949 بعدما حاربوا معا في خندق واحد ضد نازية هتلر, وأسسوا وقتها حلف ( الناتو ) الغربي يوم لم يكن للسوفييت حلفا عسكريا وقتها, لكنهم اكتشفوا في عهد جوزيف ستالين امتلاكهم لقنبلتهم النووية, والتي صنعوها لردع أي اعتداء نووي عليهم أو على حلفائهم , ولم يستخدموها على طريقة أمريكا في اليابان في ( هيروشيما وناكازاكي ) عام 1945 لإنهاء حرب عالمية ثانية ثبت أنها انتهت فعلا قبل القنبلة.
وأسس السوفييت حلف ( وارسو ) العسكري عام 1955 رداً على تأسيس ( الناتو ) ولمواجهة سعير الحرب الباردة وسباق التسلح التي أراد لها الغرب أن تتصاعد, وجاءت النتيجة بهدم الإتحاد السوفيتي عام 1991 ومعه حلف ( وارسو ) ,و استفرد الغرب الأمريكي بعدها بتشكيل القطب الأوحد الهادف للسيطرة على كافة أركان العالم, واستمر حلف ( الناتو ) عاملا, ومماحكا لروسيا الإتحادية الناهضة نوويا وعسكريا واقتصاديا حتى يومنا هذا, ومستهدفا لها مباشرة عبر الحدود المائية والبرية في بحار اليابان ،والأسود، والأبيض, وحاليا عبر عقوبات اقتصادية ومالية مفتعلة وعبر تحريض دول العالم على روسيا عبر أجهزة استخبارات الغرب والتي في مقدمتها الأمريكية ال- CIA .
وإلى أفغانستان عام 1979 دخل السوفييت بعدما ثبت لهم بأن أمريكا قائدة ( الناتو) متوجهة إلى هناك بفارق يوم واحد، وبهدف الإقتراب من حدود الإتحاد السوفيتي الجنوبية ضمن حسابات حربهم الباردة وسباق التسلح، وخرجوا من هناك عام 1989، وبقيت عيون الأميركان وحلفهم تجوب في حسرة دائمة حتى دخلو أفغانستان بأنفسهم عام 2001 بعد أحداث 11 سبتمبر، وأخرجوا من هناك بقوة حراك طالبان الذين أخرجوا السوفييت قبلهم، وهو حق لهم، فهي، أي أفغانستان بلادهم، وواصلوا قصفهم لها جوا عام 2017 . والخسائر السوفيتية والأمريكية ومعهم ( الناتو ) البشرية والمادية كبيرة، وسجل الطرف الأمريكي خسائرا أكبر ،( 15 الف جندي وضابط سوفيتي مقابل 2248 الف مثلهم من الأميركان والغرب، ومليارات الدولارات من الخسائر لدى الطرفين، سجلت أمريكا منها حوالي 778 مليار دولار) .
الحرب الحديثة في أوكرانيا هي صناعة أمريكية – غربية – أوكرانية ظهرت ملامحها الأولى عام 2014 وسط أحداث ميدان ( كييف ) ومع حدوث الإنقلاب الدموي الطارد للرئيس الأوكراني فيكتور يونوكوفيج الموالي لروسيا وبعد مطالبته أوكرانيا بالإنضمام للإتحاد الأوروبي رغم موافقته عليه متأخرا , وبعد استمرار التيار الأوكراني البنديري ( القادم من أتون جناح النازية الهتلرية في الحرب العالمية الثانية وبكامل عمق جذورها في الحرب العالمية الأولى )، والجيش الأوكراني وعلى مدار ثماني سنوات متتالية قصف شرق أوكرانيا ( الدونباس ولوغانسك ) والتسبب في مقتل 14 ألف قتيل من بينهم 500 طفل, وجلهم من الروس والناطقين باللغة الروسية، وبحجم 4 ملايين إنسان، والصحفية الفرنسية الميدانية لورا بونيل وعلى قناة سي – نيوز اثبتت ذلك، وتحريض أمريكي واضح لغرب أوكرانيا للمطالبة بشبه جزيرة ( القرم ) لتبقى في اطار السيادة الأوكرانية بينما هي روسية الأصل ,و التاريخ العميق شاهد عيان رغم مكوثها في العهد السوفيتي وفي الحوزة الأوكرانية 60 عاما، وعمل مشترك أوكراني - غربي - أمريكي لانتاج قنبلة نووية على أرض أوكرانيا بالقرب من العاصمة موسكو , واغراءات سرابية أمريكية – غربية لـ ( كييف ) بدخول حلف (الناتو), والهدف الإجهاز على روسيا في الوقت المناسب .
وبعدما كشفت روسيا المؤامرات الأمريكية – الغرب أوكرانية , ومؤامرات حلف ( الناتو ) أيضا عليها في الجوار دخلت في عملية عسكرية خاصة بأهداف محددة رغم ضجيج الغرب الأمريكي المعروف مسبقا، والذي تمثل في العقوبات الأقتصادية الصارمة ضد روسيا والتي في مقدمتها البترولية والغازية وعلى مستوى التعامل مع الدولار, وعلى مستوى شبكات الأتصال , والمطالبة بتطبيق حظر جوي على الطائرات العسكرية الروسية فوق الفضاء الأوكراني , وشن حرب اعلامية هادفة على الدور الروسي في أوكرانيا مثل عرض صور مدبلجة ( للقتلى والجرحى وللدبابات والطائرات العسكرية الروسية المدمرة ) .
ولقد بث ( البنتاغون ) رسائل يستفسر من خلالها عن سبب بطئ تقدم الجيش الروسي الأحمر تجاه العاصمة الأوكرانية ( كييف )، وكأنه لا يريد فهم العقيدة العسكرية الروسية التي لا ترمي لإحتلال غرب أوكرانيا، ولا عاصمتها، ولا حتى استهداف المدنيين فيها, وهي التي تتعامل مع الأسرى الأوكران معاملة الشقيق، وتقدم لهم الطعام والسجائر، وتسمح لهم بالاتصال بأهاليهم, وستعمل على إعادتهم إلى بيوتهم بعد إنتهاء عمليتها هناك. ولم تأت روسيا إلى أوكرانيا من دون دعوة، ولديها معاهدة دفاع مع ( الدونباس ولوغانسك ) بعد اعترافها بأستقلالهما، وحركت من أجل ذلك المادة 517 من مواد الأمم المتحدة التي تحدثت عن أن إعتداء قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة وحق الدفاع عن النفس، لكي تكون خطوتها قانونية، وهي ،أي روسيا معروفة بتمسكها بالقانون الدولي.
وفي الختام لا مخرج لقادة العالم إلا التمسك بالحوار والسلام والتنمية الشاملة، ولا مكان ( للعنف، والحروب، والتحشيد، والعقوبات، والتشريد )، خدمة للإنسان أينما تواجد، وللبشرية جمعاء .
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات