متى يرفع «الأردني» رأسه أيضاً مع الكلالدة؟… مطالب بانتخابات نزيهة ولو لمرة واحدة فقط
عمان جو – بسام البدارين
“أغادركم مرفوع الرأس”… تلك عبارة وردت على لسان الرئيس الأسبق للهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات في الأردن الدكتور خالد الكلالدة خلال وداعه طاقم وموظفي الهيئة في يوم الدوام الرسمي الأخير له، قبل التنسيب بوزير التنمية السياسية المهندس موسى المعايطة خلفاً له.
مسيرة اليساري والمعارض والحراكي سابقاً الدكتور الكلالدة في إدارة الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات، لم تكن يسيرة أو سهلة. لكن الرجل لم يحدد ما هي الأسباب التي تجعله يغادر موقعه المهم في الهيكل الدستوري للدولة مرفوع الرأس باستثناء عملية التطوير التقني ونطاق المأسسة التي حصلت في عهده، والتي لا يمكن إنكارها عملياً. الأهم أن الكلالدة بذات الوقت كان يمكنه الاستغناء عن تلك العبارة الوداعية التي لم يطالب بها عملياً أحد؛ بمعنى أن الأسباب التي دفعته للقول بأنه يغادر مرفوع الرأس غير واضحة أو لا تزال غامضة. وبمعنى أن أي محاولة للتكهن بتلك الأسباب والمسوغات قد تسعى إلى التشبيك مع النقطة الفاصلة في مسيرة طبيب سياسي يساري كان من قادة حراكات الشارع قبل 11 عاماً على الأقل ثم انضم لحلقة كبار المسؤولين في حالة استقطاب تسجل لمن خطط لها، الأمر الذي يعني ان الكلالدة ضمنياً وبعبارة مرفوع الرأس، يستشعر حاجته للتلميح إلى أنه لا يزال على عهده السياسي، وبالتالي لم ترتكب «أخطاء» في ظل إدارته.
طبعاً، ذلك منطق حمال أوجه؛ فالانتخابات البلدية التي أشرفت عليها الهيئة مؤخراً قيد الاحتقان عملياً، واتهامات الهندسة الانتخابية دخلت قاموس الأردنيين جميعاً بسبب نسخة انتخابات البرلمان لعام 2020، والمركز الوطني لحقوق الإنسان لاحظ ضد أعمال الهيئة مرتين على الأقل.
بطبيعة الحال، لا يمكن تحميل الكلالدة وطاقمه لا بالصفة الشخصية ولا بالصفة السياسية، مسؤولية أي أخطاء أو عثرات عابرة للهيئة والحكومة معاً مورست في الماضي. والأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، قال مرتين على الأقل مؤخراً أمام «القدس العربي» بأن المطلوب دون الغرق في تفاصيل التحديث السياسي والجدل الإصلاحي هو فقط انتخابات نزيهة ولو مرة واحدة ودون تدخل رسمي؛ بمعنى أن يمثل الأردنيون أنفسهم بصدقية.
سمعت «القدس العربي» أيضاً عدة مرات باحثاً وأكاديمياً مهماً جداً مثل الدكتور وليد عبد الحي، وهو يندد بفكرة الإدارة بعيداً عن حاكمية خيار الناس والاعتماد على الصندوق، منتقداً بشدة توارث التمثيل والسلطات باعتبارات ليس من بينها حكم الصندوق. في المقابل، لا مجال للتحدث عن استقرار قطعي في الهيكل الأردني لدور لهيئة لمستقلة لإدارة الانتخابات وفي مرحلة مبكرة قوامها 11 عاماً، فالهيئة ثقافة بالمقام الأول، ويجب أن تتعلم من الأخطاء والعثرات التي حصلت بمعزل عمن ترأس الهيئة سابقاً أو من سيترأسها لاحقاً.
مظاهر العبث الانتخابي تحصل، كما يعلم الجميع، إما في غرف العمليات الرسمية أو بين الناس والجمهور، وفي أغلب الحالات انطلاقاً من المال السياسي الأسود، الذي يلاحظ كثيرون بأن الهيئة المستقلة حاربته لفظياً واشتبكت معه إدارياً طوال سنوات، أكثر من محاربته في الواقع الموضوعي.
بالمقابل، ثمة بصمة للكلالدة وطاقمه سواء على صعيد استقرار الإطار المؤسسي أو تمتع الهيئة بشخصية مستقلة فعلاً عن السلطة التنفيذية.
وثمة بصمة موازية بعنوان تطوير وتأهيل كوادر مدربة وتدريب أطقم بمعنى المؤسسية الهيكلية. لكن على صعيد استعادة الثقة بالعملية الانتخابية والصندوق في المستوى الشعبي وعلى صعيد مواجهة حالة العزوف الانتخابي ونسب المشاركة، لا إنجازات بمعدل معقول لا للهيئة في عهد الكلالدة ولا في عهد من سبقوه. دافع الكلالدة بحرارة طوال الوقت عن الخيارات الرسمية والثوابت، وناضل من أجل تكوين شخصية نقدية داخل مؤسسات القرار وتميل إلى الديمقراطية.
وفي بعض الأحيان أنجز بعض اللمسات، وفي أحيان كثيرة سحبه الواقع الموضوعي إلى مواقع ومواقف تتباين مع تراث معارض سابق أو يساري مثقف، لكن لا أحد بالاتجاهين يملك صلاحية الحكم والاستنتاج والقطع بهما، لأنه لا أحد عندما يدخل بيت القرار في الدولة العميقة يعرف ما الذي يحصل بصورة محددة. طبعاً، بالمقابل حصلت في السنوات الخمس الماضية إشكالات لا يمكن تبريرها، وبرزت تساؤلات في منطوق ومضمون النزاهة وضرورات الهندسة من الصعب إنكارها، لا بل الأصعب إنكار تأثيراتها الصلبة على أزمة المصداقية بين الدولة والخطاب الرسمي والناس. يستطيع الكلالدة فقط تحديد كيفية وأسباب رفع رأسه أو مغادرته للهيئة مرفوع الرأس بعد الإجابة على سؤال لماذا؟
لكن التراجع الحرياتي والديمقراطي عموماً في البلاد لا يتحمل مسؤوليته الكلالدة أو غيره، وإن كان خليفته في الموقع -وهو الوزير المخضرم والأقدم المعايطة- سيحظى بمستويات متقدمة من الرقابة على ما سيضيفه أو ما سيحصل في عهده المقبل، خصوصاً أن المعايطة أكد مباشرة لـ«القدس العربي» بأن تثبيت أركان مشروع تحديث المنظومة السياسية واجب الجميع الآن، إضافة إلى تثقيف الأردنيين حزبياً وسياسياً.
وعلى صعيد التوقعات، يشعر بعض المسؤولين إلى أن وظيفة الكلالدة في الهيئة المستقلة انتهت، لكن دوره في المشهد الوطني والسياسي العام لم ينته بعد، والمقصود هنا السيناريو الذي يفترض انتقال الكلالدة مادام الاستثمار في رمزية حالته قد نجح أصلاً إلى واجب جديد وفي فترة قصيرة دون التعرض لإلحاح تدبير وظيفة أو موقع ما، فالوزير الكلالدة آخر المطاف حاول وتواجد ولديه خصوم وأتباع، وهو فوق ذلك طبيب وله حضور اجتماعي، ويستطيع العودة إلى عيادته متى شاء.
يحتاج الأردنيون إلى إدراك سريع لما يحمله المعايطة من ضمانات باعتباره ابناً للمؤسسة وأحد أبرز شهود العيان لعقدين من الزمان، خصوصا تلك الضمانات المتعلقة بغطاء سياسي لا تلتزم به كثيراً غرف العمليات التنفيذية والحكومات المتعاقبة لفكرة انتخابات نزيهة حقاً وفعلاً، ولو مرة واحدة.
أغلب التقدير أن المعايطة سيحاول، لكن قوى الشد العكسي متجذرة، وسبق أن أخضعت كل أسلاف المعايطة في موقعه على نحو أو آخر. ويترقب الأردنيون بحرص تلك المناقلة، والمطلوب اليوم على مستوى الدولة وليس وظائف علية قومها أن يرفع المواطن الأردني رأسه أيضاً وليس الكلالدة أو غيره فقط.
عمان جو – بسام البدارين
“أغادركم مرفوع الرأس”… تلك عبارة وردت على لسان الرئيس الأسبق للهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات في الأردن الدكتور خالد الكلالدة خلال وداعه طاقم وموظفي الهيئة في يوم الدوام الرسمي الأخير له، قبل التنسيب بوزير التنمية السياسية المهندس موسى المعايطة خلفاً له.
مسيرة اليساري والمعارض والحراكي سابقاً الدكتور الكلالدة في إدارة الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات، لم تكن يسيرة أو سهلة. لكن الرجل لم يحدد ما هي الأسباب التي تجعله يغادر موقعه المهم في الهيكل الدستوري للدولة مرفوع الرأس باستثناء عملية التطوير التقني ونطاق المأسسة التي حصلت في عهده، والتي لا يمكن إنكارها عملياً. الأهم أن الكلالدة بذات الوقت كان يمكنه الاستغناء عن تلك العبارة الوداعية التي لم يطالب بها عملياً أحد؛ بمعنى أن الأسباب التي دفعته للقول بأنه يغادر مرفوع الرأس غير واضحة أو لا تزال غامضة. وبمعنى أن أي محاولة للتكهن بتلك الأسباب والمسوغات قد تسعى إلى التشبيك مع النقطة الفاصلة في مسيرة طبيب سياسي يساري كان من قادة حراكات الشارع قبل 11 عاماً على الأقل ثم انضم لحلقة كبار المسؤولين في حالة استقطاب تسجل لمن خطط لها، الأمر الذي يعني ان الكلالدة ضمنياً وبعبارة مرفوع الرأس، يستشعر حاجته للتلميح إلى أنه لا يزال على عهده السياسي، وبالتالي لم ترتكب «أخطاء» في ظل إدارته.
طبعاً، ذلك منطق حمال أوجه؛ فالانتخابات البلدية التي أشرفت عليها الهيئة مؤخراً قيد الاحتقان عملياً، واتهامات الهندسة الانتخابية دخلت قاموس الأردنيين جميعاً بسبب نسخة انتخابات البرلمان لعام 2020، والمركز الوطني لحقوق الإنسان لاحظ ضد أعمال الهيئة مرتين على الأقل.
بطبيعة الحال، لا يمكن تحميل الكلالدة وطاقمه لا بالصفة الشخصية ولا بالصفة السياسية، مسؤولية أي أخطاء أو عثرات عابرة للهيئة والحكومة معاً مورست في الماضي. والأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، قال مرتين على الأقل مؤخراً أمام «القدس العربي» بأن المطلوب دون الغرق في تفاصيل التحديث السياسي والجدل الإصلاحي هو فقط انتخابات نزيهة ولو مرة واحدة ودون تدخل رسمي؛ بمعنى أن يمثل الأردنيون أنفسهم بصدقية.
سمعت «القدس العربي» أيضاً عدة مرات باحثاً وأكاديمياً مهماً جداً مثل الدكتور وليد عبد الحي، وهو يندد بفكرة الإدارة بعيداً عن حاكمية خيار الناس والاعتماد على الصندوق، منتقداً بشدة توارث التمثيل والسلطات باعتبارات ليس من بينها حكم الصندوق. في المقابل، لا مجال للتحدث عن استقرار قطعي في الهيكل الأردني لدور لهيئة لمستقلة لإدارة الانتخابات وفي مرحلة مبكرة قوامها 11 عاماً، فالهيئة ثقافة بالمقام الأول، ويجب أن تتعلم من الأخطاء والعثرات التي حصلت بمعزل عمن ترأس الهيئة سابقاً أو من سيترأسها لاحقاً.
مظاهر العبث الانتخابي تحصل، كما يعلم الجميع، إما في غرف العمليات الرسمية أو بين الناس والجمهور، وفي أغلب الحالات انطلاقاً من المال السياسي الأسود، الذي يلاحظ كثيرون بأن الهيئة المستقلة حاربته لفظياً واشتبكت معه إدارياً طوال سنوات، أكثر من محاربته في الواقع الموضوعي.
بالمقابل، ثمة بصمة للكلالدة وطاقمه سواء على صعيد استقرار الإطار المؤسسي أو تمتع الهيئة بشخصية مستقلة فعلاً عن السلطة التنفيذية.
وثمة بصمة موازية بعنوان تطوير وتأهيل كوادر مدربة وتدريب أطقم بمعنى المؤسسية الهيكلية. لكن على صعيد استعادة الثقة بالعملية الانتخابية والصندوق في المستوى الشعبي وعلى صعيد مواجهة حالة العزوف الانتخابي ونسب المشاركة، لا إنجازات بمعدل معقول لا للهيئة في عهد الكلالدة ولا في عهد من سبقوه. دافع الكلالدة بحرارة طوال الوقت عن الخيارات الرسمية والثوابت، وناضل من أجل تكوين شخصية نقدية داخل مؤسسات القرار وتميل إلى الديمقراطية.
وفي بعض الأحيان أنجز بعض اللمسات، وفي أحيان كثيرة سحبه الواقع الموضوعي إلى مواقع ومواقف تتباين مع تراث معارض سابق أو يساري مثقف، لكن لا أحد بالاتجاهين يملك صلاحية الحكم والاستنتاج والقطع بهما، لأنه لا أحد عندما يدخل بيت القرار في الدولة العميقة يعرف ما الذي يحصل بصورة محددة. طبعاً، بالمقابل حصلت في السنوات الخمس الماضية إشكالات لا يمكن تبريرها، وبرزت تساؤلات في منطوق ومضمون النزاهة وضرورات الهندسة من الصعب إنكارها، لا بل الأصعب إنكار تأثيراتها الصلبة على أزمة المصداقية بين الدولة والخطاب الرسمي والناس. يستطيع الكلالدة فقط تحديد كيفية وأسباب رفع رأسه أو مغادرته للهيئة مرفوع الرأس بعد الإجابة على سؤال لماذا؟
لكن التراجع الحرياتي والديمقراطي عموماً في البلاد لا يتحمل مسؤوليته الكلالدة أو غيره، وإن كان خليفته في الموقع -وهو الوزير المخضرم والأقدم المعايطة- سيحظى بمستويات متقدمة من الرقابة على ما سيضيفه أو ما سيحصل في عهده المقبل، خصوصاً أن المعايطة أكد مباشرة لـ«القدس العربي» بأن تثبيت أركان مشروع تحديث المنظومة السياسية واجب الجميع الآن، إضافة إلى تثقيف الأردنيين حزبياً وسياسياً.
وعلى صعيد التوقعات، يشعر بعض المسؤولين إلى أن وظيفة الكلالدة في الهيئة المستقلة انتهت، لكن دوره في المشهد الوطني والسياسي العام لم ينته بعد، والمقصود هنا السيناريو الذي يفترض انتقال الكلالدة مادام الاستثمار في رمزية حالته قد نجح أصلاً إلى واجب جديد وفي فترة قصيرة دون التعرض لإلحاح تدبير وظيفة أو موقع ما، فالوزير الكلالدة آخر المطاف حاول وتواجد ولديه خصوم وأتباع، وهو فوق ذلك طبيب وله حضور اجتماعي، ويستطيع العودة إلى عيادته متى شاء.
يحتاج الأردنيون إلى إدراك سريع لما يحمله المعايطة من ضمانات باعتباره ابناً للمؤسسة وأحد أبرز شهود العيان لعقدين من الزمان، خصوصا تلك الضمانات المتعلقة بغطاء سياسي لا تلتزم به كثيراً غرف العمليات التنفيذية والحكومات المتعاقبة لفكرة انتخابات نزيهة حقاً وفعلاً، ولو مرة واحدة.
أغلب التقدير أن المعايطة سيحاول، لكن قوى الشد العكسي متجذرة، وسبق أن أخضعت كل أسلاف المعايطة في موقعه على نحو أو آخر. ويترقب الأردنيون بحرص تلك المناقلة، والمطلوب اليوم على مستوى الدولة وليس وظائف علية قومها أن يرفع المواطن الأردني رأسه أيضاً وليس الكلالدة أو غيره فقط.