رحلة مع ماهر سلامة مراجعة لكتابيه “سحر الشخصية” و “كاريزما كود”
عمان جو. ذوقان عبيدات . حين ترى هذا الشخص تتخيّل انه من عباد الله الصالحين أو غير الصالحين. فهو هادئ، قليل الصخب، يتحرك دون فوضى أو ازعاج. ولكن حين قرأت كتابيه : سحر الشخصية، وكاريزما كود، تيقنت انه إمام المفكرين حتى لو لم اتأكد من حكاية الصالحين. فأنت تقف أمام شخص يعرف ما يقول، ويقول بعضاً مما يعرف. وكأنه يدخر مفاجآت جديدة.
ما علينا، نعود الى كتابيه المذكورين. وما اصعب العودة. فالقراءة سهلة جدا. بل ان درجة الإنقرائية Readability عالية جدا. ولكن الكتابة عنهما صعبة جداٍ وذلك لسببين هما :
1- أن الكتابين مليئان بتفاصيل وأقوال مذهلة. لم يحددها ماهر في أي اطار. وكأني بذلك – ربما – وجدت انه أراد ان يتصرف كفنان تشكيلي، رسم لوحة وترك للقارئ أن يحدد اطارها أو مضمونها. إذا من الصعب ان تضع إطاراً موضوعياً للوح تتشابك فيه المعاني والألوان والشخصيات والمشاعر والقيم. فتبقى الكتابة هنا ذاتية قد لا تلزم أحداً سواك. ولكن واجب الزائر لمعارض ماهر – الكتابية – أن يقدم تغذية راجعة للفنان المؤلف.
2- إن التفاصيل العديدة، لا يمكن تلخيصها في هذه الفسيفسائية، إذا حذفت منها قطعة تَشوه اللوح الفني الجميل. وأي نقص في العمل الفني هو تشويه. فجمال اللوحة والقصيدة والأغنية والتمثال والكتاب في كونها كاملة تامة. وأي اختصار هو حذف ونقص وتقليل وزن وأهمية.
إذا لن أختصر، ولكن من المستحيل أن أقدم كامل الكتابين، ولذلك لجأت الى الباس اللوحين – الكتابين – مشاعري ورؤيتي وقراءتي فقط.
ولنبدأ أولا بما يصح للكتابين، أو بما هو مشترك ثم ابحث في خصائص كل منهما منفرداً اذا استطعت.
أولاً- الكتابان يعكسان اطلاعا واسعا على الأدب والفلسفة والفن والسينما وحتى الجمهور. فقد قدم الكتابان اقوالاً وأفكاراً تمكنان اي قارئ لاختيار فكرة يومية تصلح لاتخاذها نموذجا ملهماً لعمله في ذلك اليوم. وأقدم أمثلة :
1- لن يحترمك الناس لطيبتك أو قسوتك أو تواضعك أو غرورك. بل عليهم أن يشعروا بأنك تتعلم باستمرار، وتجتهد لئلا تكرر اخطاؤك. (سحر الشخصية، ص 50 ).
2- لا تحاول الانتصار على الحياة اليومية بانتصارات مؤجلة.(سحر الشخصية، ص 52).
3- ضاقت المسافة بين الأشياء المتضادة :
– الحلم والوهم
– الطمع والطموح
– الزيف والحقيقة
– الغرور والاعتزاز
– العمق والسطح
( سحر الشخصية، ص 15 )
4- لا يمكنك ان تُعلم أحداً شيئاً. كل ما تستطيعه هو حفزه الى التعلم ( سحر الشخصية، ص 70 )، وهذا كلام منقول عن غاليلو، ومتفق مع أكثر النظريات التربوية حداثة.
أما من كتاب كاريزما كود، فاقتطفت منه ما يأتي :
1- حين تقدمت أوروبا، فان مجتمعها هو الذي صنع الدين وطوّره وهذّبه، ليسهم الدين في صناعة أوروبا جديدة. وهكذا كان ( كاريزما كود، ص 81). وكأن به يقول ليس الدين فاعلاً والمجتمع مفعول به كما هو نحن. فالمجتمع هو الفاعل، فعلينا تشكيل الدين لا أن نصبّ أنفسنا في قالب دين جامد.
2- قف بجانبي اذا كنت ترى ما ارى وتشعر بما اشعر وتتوق لما اتوق. ( كاريزما كود، ص 224 ). لاحظ : المحافظة على التعددية والتنوع. فالتشابه لا يعني الذوبان بل يعني المؤازرة والتضامن.
3- التنوع فرقة موسيقية، وتنوع المجتمع يصنع التوافق. والاجماع هو قبر الجميع (كاريزما كود، ص224 ). وهو قول مأخوذ من مونتسكيو.
4- التوسل والعبودية تحط من قدر الانسان. بخلاف الفقر الذي غالبا ما يحفز، (كاريزما كود، ص 224 ). منقول من روسو.
5- وعن ميكافيللي، الجنود أو المقاتلون الحقيقيون يكتشفون أو ينتجون الذهب. ولكن الذهب لا ينتج مقاتلاً واحداً ( كاريزما كود، ص 224 ).
6- الهوية هي ما ننتجه ونبدعه وليس ما نرثه ( كاريزما كود، ص 209 ).
7- الوطن والمجتمع يحصنان الهوية، وسابقان لها. والوطن شرط وجود الدين. والدين ليس هو الهوية لأنه معتقد. أما الهوية فهو ما يربطني بالآخرين في المجتمع ( كاريزما كود، ص 213).
8- الزواج هو إيجاد مشتركات بين طرفين متفرّدين، يتضامنان ويتحالفان، ويبقى كل منهما مستقلاً ( كاريزما كود، ص 102).
الحقيقة، ان كل سطور الكتاب تحتفي بأفكار عديدة.
ثانيا- يعكس الكتابان نظرية واحدة للفنون. الفنون واحدة، تدركها بحدسك كما خيالك، كما حواسك. ولا تنفرد قوة واحدة بادراك العمل الفني. ففي العمل الفني تختلط الحواس في وظائفها. فلا ترى العين بل تلمس وتتذوق وتتخيّل وتسمع، وكذلك فإن الأذن تلمس وترى وتتخيل كما تسمع، ولما كان الكتابان كما ذكرت عملاً فنياً، فان قراءتهما والاستمتاع بهما يتطلب تفرغاً ذهنياً وجسدياً وروحياً وعقلياً، وان عليك ان تفكر باستخدام جسدك، وأن تتجول وتتحرك باستخدام عقلك، وتسافر باستخدام حواسك وحدسك !! وليس بالإمكان ان تفرّغ جزءاً من ذاتك لقراءة ماهر سلامة. ان قراءته تحتاجك كاملاً غير منقوصاً !! أي بتوظيف كل حواسك ومشاعرك وعواطفك وانفعالاتك وتأملاتك !!
ثالثا- ومن المهم ان تعرف وانت تقرأ ماهر سلامة كيف تنظم الأمور. وتمارس عمل سيدة طويلة البال تنظم خرزاً دقيقاً في ثوب مطرز. لأن كل كلمة – لا ابالغ – كل سطر فيه يقدم لك معنى متكاملاً. وكل معنى متكامل لديه يقدم لك خطوة في مسيرة بناء مذهبك الفلسفي والأخلاقي.
وأقدم بعض الأمثلة على ما قلت :
– اذا عاش الزوجان على ما بدأوه من حب، فسينتهي بهم المطاف الى نهاية صادمة. لذا عليك ان تنتج حبا جديداً في كل لحظة (كاريزما كود، ص 210 ). أليس هذا اطاراً فلسفياً لإنتاج حباً دائم ؟.
– ان أركان الذات هي العقل، والعاطفة، والروح، والجسد، وهذه تنتج الخيال والوعي والضمير والارادة. إن ضعف نشاطنا ناتج عن سيطرة أحد هذه الأركان على غيره ( كاريزما كود، ص 106 ).
أما من كتاب سحر الشخصية، فأقتطف ما يأتي :
– ليس بالكلام وحده نتواصل مع الآخر ( ص 13 ).
– حرر نفسك، والأفعى التي لا تخرج من جلدها تموت ( ص 48 ).
– يمتلك الغربي منظومة قبول الآخر. ويتحمل مسؤولية ما يفعل، فهو فرد أو عضو في جماعة. أما العربي فلا يثق بالآخر ولا يطمئن له، ويحتمي بعشيرته، الملجأ الأول والأخير له. ( ص 27 )
فالغرب ينمي الذات، والقبيلة تنمي ذوبان الذات، وتصنع هوية قاتلة.
والكتابان معاً ……….
يحرران الذات، ويهذبان الهوية، فلا بناء للهوية على حساب الذات، ولا تتحرك الذات دون هوية، ولا تطمس الذات بالهوية. فالذات هي من تصنع الهوية وتطورّها وتجددها.
رؤية في كتاب كاريزما كود
يعالج الكتاب عدداً من القضايا، اقتطفت منها، قضية الايديولوجيا، والحجاب العقلي، ومصادر الحب، والخيال الانساني.
في قضية الايديولوجيا، يُرجع ماهر سلامة تقدم الانسان الى اختراعه للتكنولوجيا فهي طريق السمو بالإنسان، وأداة البحث والسؤال والسيطرة على الوجود، فحين يمتلك فرد هذه الفلسفة، فانه يمتلك مصيره وتاريخه، وبغيابها يقبع الانسان داخل حجاب عقلي.
ويربط منتجات الايديولوجيا بما يأتي :
– القدرة على قراءة ما بين السطور وربما ما لم يكتب وبقي في ذهن المتحدث.
– القدرة على السيطرة على الفكر. فالإنسان هو محرك الفكر وصانعه وليس نتاجاً له.
– القدرة على امتلاك الذات، فالإنسان سيد نفسه، ومن يرتهن للخارج فهو غير حر اطلاقاً.
– كل فكر موروث تسرب الينا دون فحص وقدّم لنا حلولاً جاهزة، هو المسؤول المباشر عن كسلنا وتقاعسنا. فالحلول الجاهزة تعطل آليات الفحص والشك.
– إن اي معلومة لا تتحول الى أسئلة أو دهشة أو تأمل، هي معوقّة للحركة الإنسانية.
وفي قضية الحجاب العقلي، فان ما هو موروث وما هو جاهز يعتبر حجاباً عقلياً، يعزلنا عن الحقيقة وعن إمكان البحث عنها. كما يقوم الحجاب بتكوين الاْفكار وإخفاء الأسئلة. وترتبط قضية الحجاب العقلي عند سلامة بأمرين هما، الحرية والسؤال.
ففي غياب الحرية تسود ثقافة اللامبالاة أو ( الأنا- مالية ) وهي النأي بالنفس عن الحقيقة والواقع. فالحرية هي التنوع، فاذا كان الكل يفكر بنفس الطريقة، فالحرية هي التي تقودك الى الطريق المختلف.
ويناقش سلامة في هذا الباب قضية الانسجام والتنوع. فاذا كان الانسجام ناتجاً عن هيمنة القوة فان ذلك استبداد و قضاء على التنوع. أما الانسجام الناتج عن وجود مكان لكل فكرة فهو الانسجام المنشود.
اما البعد الثاني للحجاب العقلي فهو غياب ثقافة السؤال. فيرى المؤلف أن السؤال هو قوة الروح والعقل والخيال، وعبر الحرية والسؤال فانك تمارس كل نشاطاتك الانسانية وفي مقدمتها الفنون، حيث يمكن اعادة بناء الحياة.
وفي قضية الحب، يناقش سلامة نوعين من الحب، هما : ما نمنحه لذاتنا وما نعطيه للآخر سواء كان الآخر بشراً أم كوناً. والحب الثاني ما نتلقاه من الآخر من حب. ولذلك يعرف الحب بأنه البحث عن المشتركات بين طرفين، فاذا طبقنا الحب على مؤسسة الزواج، فان الزواج الناجح هو ما يكون بين طرفين متفردين مستقلين ولكن بينهما ائتلاف وتضامن.
فالزواج ائتلاف رغم الاختلاف وتفرد رغم الائتلاف. واذا ساد احد الطرفين، انتهى الحب، وقد يستمر الزواج بدوافع اخرى غير الحب المفقود، فيعيش الزوجان على ما ورثاه من حب. وهذا مصدر منتهٍ ما لم يتجدد. فالمطلوب بذل جهود لإعادة انشطة انسانية تجعل من الحب استمراراً وتجدداً.
وفي مجال الخيال الإنساني، أخيراً، فان سلامة يرى أن لا حدود للحب، ولا مساحة له، فهو يفوق ما أمامنا، وإن كان سلامة ربَطه بسعة الارض، لكنه كان ذكياً حين قال، تتسع الارض باتساع مساحة الخيال. لذلك لا حدود للواقع أمام الخيال المبدع، فالخيال يعيد صياغة كل شيء.
والخيال يجعلنا نعيد صياغة الهوية، ويرفض أن نرثها أو نستوردها والخيال يمدنا بالإصرار على الوقوف امام هوية واحدة.
ولي كناقد بعض الملاحظات حول ما سبق اقدمها بشكل أسئلة أخترق بها أي حجاب :
– هل نحن بحاجة الى الايديولوجيا أم الفلسفة ؟، فالايديولوجيا تقدم الحلول، والفلسفة تثير المشاكل. ولذلك قد اجد تناقضاً بين تأييد سلامة للأيديولوجيا ورفضه للحجاب العقلي !! أولست الأيديولوجيا حجابا عقلياً ؟؟
وسؤال آخر حول الهوية والخوف من الاستيراد :
– هل نريد هوية خاصة بكل فئة أم نبحث عن هوية مشتركة ؟ وهل الهوية المشتركة بالضرورة هي هوية الحضارة السائدة. وهل نريد هوية واحدة أم هوية موحدة تتسع لكل الهويات ؟.
رؤية في كتاب سحر الشخصية
يبدأ الكتاب بالتركيز على حكمة فارس والتي تشمل “الفروسية والأداء والرشد والسحر”،
“ف ا ر س”. حيث أبرز الكتاب القضايا الآتية :
الذات في السر والعلن والتدرب الذاتي لصهرها، كيف تصبح نجماً مجتمعياً، المهارات العشر لمهارات الاْداء الشخصي، رحلة التغيير. والحقيقة أن الكتاب موضوعه واحد وإن تنوعت ملامحه، فهو دليل عملي للبحث عن الذات وتطوير الذات وتنميتها لتصبح ذاتاً قادرة على التحرر والاستقلال والقيادة.
وهذه ابرز مبادئ قيادة الذات :
المبدأ الأول : أن تكون نفسك سراً وعلناً. وهذا يعني أن يجتهد الإنسان ليوحد صوره المتعددة،
صورة الانسان كما يراها بنفسه
صورته لدى الآخرين
الصورة الحقيقية
ونختلف جميعاً في تعدد صورنا، ولكن الانسان الفارس له صورة واحدة، يكشف نفسه الحقيقية أمام الآخرين بحيث يرونه على حقيقته دون مكياج او زيف.
المبدأ الثاني : وهو السعي الى الكمال، وعدم الاكتفاء بمحطة واحدة أو قمة أولية وصلنا لها، فالمطلوب هو ارتياد المجهول والبحث عن قمم جديدة. فالحياة رحلة وليست محطة/غاية.
ولذلك، علينا ان نسعى لنكون نجوماً لا أرقاماً. ورحلة النجومية تبدأ بالرحلة داخل الذات على طريقة سقراط : إعرف نفسك بنفسك، ولن تكون نجماً امام غيرك اذا لم تشعر بانك نجم ذاتك.
المبدأ الثالث : الاستقلال، ويعني ان تكون قادراً على التعبير عن ذاتك وقدراتك ومعارفك وعلاقاتك وخاصة مشاعرك. والشخصية المستقلة هي القادرة على ان تكون Assertive “حازم/جازم” دون عدوانية ودون سلبية.
– وهذا يعني أن :
نقول “لا” بقوة اذا كان هذا رايك.
تحل مشكلاتك بطريقة رابح – رابح.
ان تفكر بحلول جديدة لمشكلاتك.
المبدأ الرابع : بناء الهوية، والهوية المطلوبة هي هوية تنويرية تتم من خلال :
أن تميز بين ذاتك وبين ما تعتقد إنها ذاتك.
أن تكون حداثياً غير مقيد بأي تراث لم يسهم أو لا يسهم حالياً في تطوير ذاتك.
أن تكون مغيِّرا لا مجرد قابل للتغيير أو داعم له.
أن تحافظ على إرادة حازمة وضمير عادل حي.
وهذا يعني ان تعيش في سلام داخلي، خاليٍ من تناقضات العقل والعاطفة، و الأنا والآخر، لتحقيق الثبات والتغيير.
المبدأ الخامس : أن تكون مبدعاً، بمعنى ان لا تقيد نفسك بافتراض ما أو مسلمة ما، وان تُخضع كل هذا الى الشك والتأمل والاختبار والفحص.
والابداع يعني :
أن ترفض المسلمات لا بل وتنفيها.
أن تعكس بعض مسلماتك.
أن تشوِّه بعض مسلماتك.
أن تقدم إنارات عشوائية للبحث عن روابط جديدة بين أشياء لا يبدو انها مترابطة.
ولذلك يقول سلامة، انهض ولا تعش مأسوراً لأزهار غيرك، لئلا تنمو بك اشواكها.
المبدأ السادس : الذكاء العاطفي، والذكي عاطفياً عند سلامة هو من يمتلك كاريزما، بحيث تنبع منك جاذبية، تجعل الآخرين يصلون اليك. والكاريزما تشمل الذكاء العاطفي والتوازن العاطفي وتلقائية المشاعر، وحب الآخر، والثبات أمام التوترات، فمن خلال الذكاء العاطفي نكتشف شخصيتنا ومهاراتنا وقوانا، وبتقديري، فان الذكاء العاطفي هو تكامل التفكير ونضجه، فلا تفكير دون عاطفة، فهو مكون رئيس للتفكير.
ما علينا، نعود الى كتابيه المذكورين. وما اصعب العودة. فالقراءة سهلة جدا. بل ان درجة الإنقرائية Readability عالية جدا. ولكن الكتابة عنهما صعبة جداٍ وذلك لسببين هما :
1- أن الكتابين مليئان بتفاصيل وأقوال مذهلة. لم يحددها ماهر في أي اطار. وكأني بذلك – ربما – وجدت انه أراد ان يتصرف كفنان تشكيلي، رسم لوحة وترك للقارئ أن يحدد اطارها أو مضمونها. إذا من الصعب ان تضع إطاراً موضوعياً للوح تتشابك فيه المعاني والألوان والشخصيات والمشاعر والقيم. فتبقى الكتابة هنا ذاتية قد لا تلزم أحداً سواك. ولكن واجب الزائر لمعارض ماهر – الكتابية – أن يقدم تغذية راجعة للفنان المؤلف.
2- إن التفاصيل العديدة، لا يمكن تلخيصها في هذه الفسيفسائية، إذا حذفت منها قطعة تَشوه اللوح الفني الجميل. وأي نقص في العمل الفني هو تشويه. فجمال اللوحة والقصيدة والأغنية والتمثال والكتاب في كونها كاملة تامة. وأي اختصار هو حذف ونقص وتقليل وزن وأهمية.
إذا لن أختصر، ولكن من المستحيل أن أقدم كامل الكتابين، ولذلك لجأت الى الباس اللوحين – الكتابين – مشاعري ورؤيتي وقراءتي فقط.
ولنبدأ أولا بما يصح للكتابين، أو بما هو مشترك ثم ابحث في خصائص كل منهما منفرداً اذا استطعت.
أولاً- الكتابان يعكسان اطلاعا واسعا على الأدب والفلسفة والفن والسينما وحتى الجمهور. فقد قدم الكتابان اقوالاً وأفكاراً تمكنان اي قارئ لاختيار فكرة يومية تصلح لاتخاذها نموذجا ملهماً لعمله في ذلك اليوم. وأقدم أمثلة :
1- لن يحترمك الناس لطيبتك أو قسوتك أو تواضعك أو غرورك. بل عليهم أن يشعروا بأنك تتعلم باستمرار، وتجتهد لئلا تكرر اخطاؤك. (سحر الشخصية، ص 50 ).
2- لا تحاول الانتصار على الحياة اليومية بانتصارات مؤجلة.(سحر الشخصية، ص 52).
3- ضاقت المسافة بين الأشياء المتضادة :
– الحلم والوهم
– الطمع والطموح
– الزيف والحقيقة
– الغرور والاعتزاز
– العمق والسطح
( سحر الشخصية، ص 15 )
4- لا يمكنك ان تُعلم أحداً شيئاً. كل ما تستطيعه هو حفزه الى التعلم ( سحر الشخصية، ص 70 )، وهذا كلام منقول عن غاليلو، ومتفق مع أكثر النظريات التربوية حداثة.
أما من كتاب كاريزما كود، فاقتطفت منه ما يأتي :
1- حين تقدمت أوروبا، فان مجتمعها هو الذي صنع الدين وطوّره وهذّبه، ليسهم الدين في صناعة أوروبا جديدة. وهكذا كان ( كاريزما كود، ص 81). وكأن به يقول ليس الدين فاعلاً والمجتمع مفعول به كما هو نحن. فالمجتمع هو الفاعل، فعلينا تشكيل الدين لا أن نصبّ أنفسنا في قالب دين جامد.
2- قف بجانبي اذا كنت ترى ما ارى وتشعر بما اشعر وتتوق لما اتوق. ( كاريزما كود، ص 224 ). لاحظ : المحافظة على التعددية والتنوع. فالتشابه لا يعني الذوبان بل يعني المؤازرة والتضامن.
3- التنوع فرقة موسيقية، وتنوع المجتمع يصنع التوافق. والاجماع هو قبر الجميع (كاريزما كود، ص224 ). وهو قول مأخوذ من مونتسكيو.
4- التوسل والعبودية تحط من قدر الانسان. بخلاف الفقر الذي غالبا ما يحفز، (كاريزما كود، ص 224 ). منقول من روسو.
5- وعن ميكافيللي، الجنود أو المقاتلون الحقيقيون يكتشفون أو ينتجون الذهب. ولكن الذهب لا ينتج مقاتلاً واحداً ( كاريزما كود، ص 224 ).
6- الهوية هي ما ننتجه ونبدعه وليس ما نرثه ( كاريزما كود، ص 209 ).
7- الوطن والمجتمع يحصنان الهوية، وسابقان لها. والوطن شرط وجود الدين. والدين ليس هو الهوية لأنه معتقد. أما الهوية فهو ما يربطني بالآخرين في المجتمع ( كاريزما كود، ص 213).
8- الزواج هو إيجاد مشتركات بين طرفين متفرّدين، يتضامنان ويتحالفان، ويبقى كل منهما مستقلاً ( كاريزما كود، ص 102).
الحقيقة، ان كل سطور الكتاب تحتفي بأفكار عديدة.
ثانيا- يعكس الكتابان نظرية واحدة للفنون. الفنون واحدة، تدركها بحدسك كما خيالك، كما حواسك. ولا تنفرد قوة واحدة بادراك العمل الفني. ففي العمل الفني تختلط الحواس في وظائفها. فلا ترى العين بل تلمس وتتذوق وتتخيّل وتسمع، وكذلك فإن الأذن تلمس وترى وتتخيل كما تسمع، ولما كان الكتابان كما ذكرت عملاً فنياً، فان قراءتهما والاستمتاع بهما يتطلب تفرغاً ذهنياً وجسدياً وروحياً وعقلياً، وان عليك ان تفكر باستخدام جسدك، وأن تتجول وتتحرك باستخدام عقلك، وتسافر باستخدام حواسك وحدسك !! وليس بالإمكان ان تفرّغ جزءاً من ذاتك لقراءة ماهر سلامة. ان قراءته تحتاجك كاملاً غير منقوصاً !! أي بتوظيف كل حواسك ومشاعرك وعواطفك وانفعالاتك وتأملاتك !!
ثالثا- ومن المهم ان تعرف وانت تقرأ ماهر سلامة كيف تنظم الأمور. وتمارس عمل سيدة طويلة البال تنظم خرزاً دقيقاً في ثوب مطرز. لأن كل كلمة – لا ابالغ – كل سطر فيه يقدم لك معنى متكاملاً. وكل معنى متكامل لديه يقدم لك خطوة في مسيرة بناء مذهبك الفلسفي والأخلاقي.
وأقدم بعض الأمثلة على ما قلت :
– اذا عاش الزوجان على ما بدأوه من حب، فسينتهي بهم المطاف الى نهاية صادمة. لذا عليك ان تنتج حبا جديداً في كل لحظة (كاريزما كود، ص 210 ). أليس هذا اطاراً فلسفياً لإنتاج حباً دائم ؟.
– ان أركان الذات هي العقل، والعاطفة، والروح، والجسد، وهذه تنتج الخيال والوعي والضمير والارادة. إن ضعف نشاطنا ناتج عن سيطرة أحد هذه الأركان على غيره ( كاريزما كود، ص 106 ).
أما من كتاب سحر الشخصية، فأقتطف ما يأتي :
– ليس بالكلام وحده نتواصل مع الآخر ( ص 13 ).
– حرر نفسك، والأفعى التي لا تخرج من جلدها تموت ( ص 48 ).
– يمتلك الغربي منظومة قبول الآخر. ويتحمل مسؤولية ما يفعل، فهو فرد أو عضو في جماعة. أما العربي فلا يثق بالآخر ولا يطمئن له، ويحتمي بعشيرته، الملجأ الأول والأخير له. ( ص 27 )
فالغرب ينمي الذات، والقبيلة تنمي ذوبان الذات، وتصنع هوية قاتلة.
والكتابان معاً ……….
يحرران الذات، ويهذبان الهوية، فلا بناء للهوية على حساب الذات، ولا تتحرك الذات دون هوية، ولا تطمس الذات بالهوية. فالذات هي من تصنع الهوية وتطورّها وتجددها.
رؤية في كتاب كاريزما كود
يعالج الكتاب عدداً من القضايا، اقتطفت منها، قضية الايديولوجيا، والحجاب العقلي، ومصادر الحب، والخيال الانساني.
في قضية الايديولوجيا، يُرجع ماهر سلامة تقدم الانسان الى اختراعه للتكنولوجيا فهي طريق السمو بالإنسان، وأداة البحث والسؤال والسيطرة على الوجود، فحين يمتلك فرد هذه الفلسفة، فانه يمتلك مصيره وتاريخه، وبغيابها يقبع الانسان داخل حجاب عقلي.
ويربط منتجات الايديولوجيا بما يأتي :
– القدرة على قراءة ما بين السطور وربما ما لم يكتب وبقي في ذهن المتحدث.
– القدرة على السيطرة على الفكر. فالإنسان هو محرك الفكر وصانعه وليس نتاجاً له.
– القدرة على امتلاك الذات، فالإنسان سيد نفسه، ومن يرتهن للخارج فهو غير حر اطلاقاً.
– كل فكر موروث تسرب الينا دون فحص وقدّم لنا حلولاً جاهزة، هو المسؤول المباشر عن كسلنا وتقاعسنا. فالحلول الجاهزة تعطل آليات الفحص والشك.
– إن اي معلومة لا تتحول الى أسئلة أو دهشة أو تأمل، هي معوقّة للحركة الإنسانية.
وفي قضية الحجاب العقلي، فان ما هو موروث وما هو جاهز يعتبر حجاباً عقلياً، يعزلنا عن الحقيقة وعن إمكان البحث عنها. كما يقوم الحجاب بتكوين الاْفكار وإخفاء الأسئلة. وترتبط قضية الحجاب العقلي عند سلامة بأمرين هما، الحرية والسؤال.
ففي غياب الحرية تسود ثقافة اللامبالاة أو ( الأنا- مالية ) وهي النأي بالنفس عن الحقيقة والواقع. فالحرية هي التنوع، فاذا كان الكل يفكر بنفس الطريقة، فالحرية هي التي تقودك الى الطريق المختلف.
ويناقش سلامة في هذا الباب قضية الانسجام والتنوع. فاذا كان الانسجام ناتجاً عن هيمنة القوة فان ذلك استبداد و قضاء على التنوع. أما الانسجام الناتج عن وجود مكان لكل فكرة فهو الانسجام المنشود.
اما البعد الثاني للحجاب العقلي فهو غياب ثقافة السؤال. فيرى المؤلف أن السؤال هو قوة الروح والعقل والخيال، وعبر الحرية والسؤال فانك تمارس كل نشاطاتك الانسانية وفي مقدمتها الفنون، حيث يمكن اعادة بناء الحياة.
وفي قضية الحب، يناقش سلامة نوعين من الحب، هما : ما نمنحه لذاتنا وما نعطيه للآخر سواء كان الآخر بشراً أم كوناً. والحب الثاني ما نتلقاه من الآخر من حب. ولذلك يعرف الحب بأنه البحث عن المشتركات بين طرفين، فاذا طبقنا الحب على مؤسسة الزواج، فان الزواج الناجح هو ما يكون بين طرفين متفردين مستقلين ولكن بينهما ائتلاف وتضامن.
فالزواج ائتلاف رغم الاختلاف وتفرد رغم الائتلاف. واذا ساد احد الطرفين، انتهى الحب، وقد يستمر الزواج بدوافع اخرى غير الحب المفقود، فيعيش الزوجان على ما ورثاه من حب. وهذا مصدر منتهٍ ما لم يتجدد. فالمطلوب بذل جهود لإعادة انشطة انسانية تجعل من الحب استمراراً وتجدداً.
وفي مجال الخيال الإنساني، أخيراً، فان سلامة يرى أن لا حدود للحب، ولا مساحة له، فهو يفوق ما أمامنا، وإن كان سلامة ربَطه بسعة الارض، لكنه كان ذكياً حين قال، تتسع الارض باتساع مساحة الخيال. لذلك لا حدود للواقع أمام الخيال المبدع، فالخيال يعيد صياغة كل شيء.
والخيال يجعلنا نعيد صياغة الهوية، ويرفض أن نرثها أو نستوردها والخيال يمدنا بالإصرار على الوقوف امام هوية واحدة.
ولي كناقد بعض الملاحظات حول ما سبق اقدمها بشكل أسئلة أخترق بها أي حجاب :
– هل نحن بحاجة الى الايديولوجيا أم الفلسفة ؟، فالايديولوجيا تقدم الحلول، والفلسفة تثير المشاكل. ولذلك قد اجد تناقضاً بين تأييد سلامة للأيديولوجيا ورفضه للحجاب العقلي !! أولست الأيديولوجيا حجابا عقلياً ؟؟
وسؤال آخر حول الهوية والخوف من الاستيراد :
– هل نريد هوية خاصة بكل فئة أم نبحث عن هوية مشتركة ؟ وهل الهوية المشتركة بالضرورة هي هوية الحضارة السائدة. وهل نريد هوية واحدة أم هوية موحدة تتسع لكل الهويات ؟.
رؤية في كتاب سحر الشخصية
يبدأ الكتاب بالتركيز على حكمة فارس والتي تشمل “الفروسية والأداء والرشد والسحر”،
“ف ا ر س”. حيث أبرز الكتاب القضايا الآتية :
الذات في السر والعلن والتدرب الذاتي لصهرها، كيف تصبح نجماً مجتمعياً، المهارات العشر لمهارات الاْداء الشخصي، رحلة التغيير. والحقيقة أن الكتاب موضوعه واحد وإن تنوعت ملامحه، فهو دليل عملي للبحث عن الذات وتطوير الذات وتنميتها لتصبح ذاتاً قادرة على التحرر والاستقلال والقيادة.
وهذه ابرز مبادئ قيادة الذات :
المبدأ الأول : أن تكون نفسك سراً وعلناً. وهذا يعني أن يجتهد الإنسان ليوحد صوره المتعددة،
صورة الانسان كما يراها بنفسه
صورته لدى الآخرين
الصورة الحقيقية
ونختلف جميعاً في تعدد صورنا، ولكن الانسان الفارس له صورة واحدة، يكشف نفسه الحقيقية أمام الآخرين بحيث يرونه على حقيقته دون مكياج او زيف.
المبدأ الثاني : وهو السعي الى الكمال، وعدم الاكتفاء بمحطة واحدة أو قمة أولية وصلنا لها، فالمطلوب هو ارتياد المجهول والبحث عن قمم جديدة. فالحياة رحلة وليست محطة/غاية.
ولذلك، علينا ان نسعى لنكون نجوماً لا أرقاماً. ورحلة النجومية تبدأ بالرحلة داخل الذات على طريقة سقراط : إعرف نفسك بنفسك، ولن تكون نجماً امام غيرك اذا لم تشعر بانك نجم ذاتك.
المبدأ الثالث : الاستقلال، ويعني ان تكون قادراً على التعبير عن ذاتك وقدراتك ومعارفك وعلاقاتك وخاصة مشاعرك. والشخصية المستقلة هي القادرة على ان تكون Assertive “حازم/جازم” دون عدوانية ودون سلبية.
– وهذا يعني أن :
نقول “لا” بقوة اذا كان هذا رايك.
تحل مشكلاتك بطريقة رابح – رابح.
ان تفكر بحلول جديدة لمشكلاتك.
المبدأ الرابع : بناء الهوية، والهوية المطلوبة هي هوية تنويرية تتم من خلال :
أن تميز بين ذاتك وبين ما تعتقد إنها ذاتك.
أن تكون حداثياً غير مقيد بأي تراث لم يسهم أو لا يسهم حالياً في تطوير ذاتك.
أن تكون مغيِّرا لا مجرد قابل للتغيير أو داعم له.
أن تحافظ على إرادة حازمة وضمير عادل حي.
وهذا يعني ان تعيش في سلام داخلي، خاليٍ من تناقضات العقل والعاطفة، و الأنا والآخر، لتحقيق الثبات والتغيير.
المبدأ الخامس : أن تكون مبدعاً، بمعنى ان لا تقيد نفسك بافتراض ما أو مسلمة ما، وان تُخضع كل هذا الى الشك والتأمل والاختبار والفحص.
والابداع يعني :
أن ترفض المسلمات لا بل وتنفيها.
أن تعكس بعض مسلماتك.
أن تشوِّه بعض مسلماتك.
أن تقدم إنارات عشوائية للبحث عن روابط جديدة بين أشياء لا يبدو انها مترابطة.
ولذلك يقول سلامة، انهض ولا تعش مأسوراً لأزهار غيرك، لئلا تنمو بك اشواكها.
المبدأ السادس : الذكاء العاطفي، والذكي عاطفياً عند سلامة هو من يمتلك كاريزما، بحيث تنبع منك جاذبية، تجعل الآخرين يصلون اليك. والكاريزما تشمل الذكاء العاطفي والتوازن العاطفي وتلقائية المشاعر، وحب الآخر، والثبات أمام التوترات، فمن خلال الذكاء العاطفي نكتشف شخصيتنا ومهاراتنا وقوانا، وبتقديري، فان الذكاء العاطفي هو تكامل التفكير ونضجه، فلا تفكير دون عاطفة، فهو مكون رئيس للتفكير.
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات