الأردن – اردوغان في «الاحتكاك الإيجابي» وكواليس «زيارة لم تتم»
عمان جو - بسام البدارين - عندما زار الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عمان قبل عدة سنوات، وفي الثنايا الزمنية لشهر رمضان المبارك أيضاً، سأل مستشاروه في المقدمة مبكراً: ما الذي يمكن أن يقدمه رئيسنا للأردن في هذه المرحلة وينطوي على قيمة؟
كان الجواب، وقد اشتبكت «القدس العربي» آنذاك مع تفاصيل الزيارة وحيثياتها، التأشير على أن المطلوب حصرياً وبلغة واضحة دعم الوصاية الهاشمية الأردنية على القدس وأوقافها والمسجد الأقصى. في لقاء إعلامي أمام الصحافيين، تقدم الرئيس اردوغان آنذاك بذلك الدعم، فيما بقي النقاش بين المستشارين والسفراء والمساعدين قبل انعقاد القمة الأردنية التركية مؤشراً قوياً على كيفية خفض درجة الحرارة في مستوى العلاقات الأردنية التركية بموجب معيار أساسي ومركزي يبدو أنه لا يزال صامداً ولا يتعلق فقط بتعليق الأردن لاتفاقيته التجارية الشهيرة مع تركيا، بقدر ما يتعلق بحساسية كبيرة اسمها القدس والأوقاف، فبعض التقارير الأردنية كانت قد تحدثت عن نشاط تركي واضح خلال عدة سنوات.
تركيا في القدس «طامحة أم طامعة»؟
مفهوم «الرباط والمرابطين» في القدس أقرب صيغة لإسناد تركي خلفي من سنوات، والأهم أردنياً هو مفهوم «خارج السيطرة» بالنسبة لطاقم الأوقاف الأردني الذي يدير الأمور، وتعداده أكثر من 850 موظفاً يديرون الأوقاف، وواجباتهم منذ عام 1967 على أساس الاعتكاف الرمضاني في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، حسب رئيس لجنة فلسطين الذي تحدث لـ«القدس العربي»، محمد ظهراوي. الانطباع كبير وسط العديد من الدوائر الأردنية بأن تركيا في مسألة القدس دولة طامحة وليست طامعة؛ بمعنى أنها تتحرك في إطار دبلوماسية تجعلها من الأرقام المؤثرة في مسألة القدس عموماً، وفي مسألة المسجد الأقصى خصوصاً.
الحراك التركي
من المرجح في المقياس الأردني أن الحراك التركي الأخير في اتجاه إسرائيل ثم الإمارات والسعودية ومصر، جهد يمكن أن ينعش تلك الطموحات، وإن توفرت الآن «أفضلية سياسية» عنوانها علاقات أفضل مع عمان ومناخ «أقل حدة» في الجانب الثنائي. طبعاً، تقفز الحساسية في المسألة الدينية ومسألة الأوقاف بين أنقرة وعمان كلما تطرق القوم دبلوماسياً لأي محاولة تحاول تضبيط العلاقات الثنائية أو ضبط إعدادها على المستوى الاستراتيجي. لكن الانطباع العام اليوم أن عمان أقل حساسية، ومسألة «إسناد أنقره للمرابطين» في القدس يمكن أن تبحث مع غيرها من الملفات المشتركة الأساسية، الأمر الذي يعتقد أنه المفصل في الزيارة التي أعلن عنها ولم تحصل لاردوغان إلى عمان عشية الإعلان عن عملية جراحية اضطرت الملك عبد الله الثاني للسفر بهدف العلاج.
يمكن بطبيعة الحال، توقع أجندات تلك الزيارة لو نظمت فعلاً، خصوصاً في ظل انشغال تركيا بالوساطة بين أوكرانيا وروسيا، وبما يجري عند أكتافها في البحر الأسود، وفي ظل مخاوفها من اندلاع الأحداث في جورجيا المجاورة لها، ومن التأثيرات الاقتصادية والصناعية الكبيرة على اقتصادها جراء تلك الحرب التي لا يمكن التعامل معها باعتبارها حرباً عند الجيران.
يعتقد الأتراك -وقد سمعت «القدس العربي» ذلك من بعض مستشاري الرئيس التركي في إسطنبول- بأن الأردن من الدول معتدلة المزاج السياسي، ويمكنه المساعدة في تفعيل الوساطة التركية بين الروس والأوكران، ولكن على أساس الأولوية التركية، وهذا ما يدفع أجراس الإنذار والحساسية في عمان للانطلاق بين الحين والآخر، خصوصاً أن الأردن يبحث عن مساراته ومصالحه وهو يمشي في حقل ألغام تماماً عندما يتعلق الأمر بحسابات وحساسيات الأزمة الأوكرانية، فواشنطن تراقب كل الدول الصديقة والحليفة، وعمان صوتت بالامتناع في اجتماع الجمعية العمومية الأخير ليوم الخميس الذى أدى إلى فصل روسيا من مجلس حقوق الإنسان الدولي، ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي زار مع وفد رباعي موسكو والتقى نظيره لافروف.
حوار المجموعة العربية مع الخارجية الروسية ومع بعض الدول الأوروبية وبينها وزير خارجية أوكرانيا وبولندا أيضاً، يبدو أنه لفت انتباه الجانب التركي، والفرصة متاحة لإكمال الجهود على أمل التوصل إلى تصور واحد إزاء الأزمة الحادة التي تأذى منها العالم في البحر الأسود.مصلحة تركيا أن تبحث عن تصور مع دول إسلامية وعربية في منطقة الشرق الأوسط تدعم مداخلتها في الأزمة الروسية الأوكرانية، ومن مصلحة عمان بطبيعة الحال أن تستمع لأنقرة بين الحين والآخر.وعلى الأرجح، الدعوة التي لم تنجز وتلقاها اردوغان من العاهل الأردني في شهر رمضان المبارك كانت ستوفر فرصة «احتكاك آمن»، حيث تحمس الرئيس التركي لإعلان وإنجاز الزيارة قبل اعتذار الأردن عنها لأسباب طارئة تتعلق بصحة الملك. لكن ما الذي كان سيبحث مع اردوغان أو قد يبحث معه بعد عودة الملك؟ والإجابة لم تعد سراً.
«إيجابية لكنها حساسة»
اردوغان مصنف بالمحبة بالنسبة للأردن، وأطقم الخارجية التركية والسفارة التركية في عمان تتحدث دوماً عن شغف الرئيس اردوغان بأن تبقى العلاقات مع الأردن تحديداً في أفضل أحوالها، وعن شغفه بترديد البعد الشخصي في الكيمياء بينه وبين الملك عبد الله الثاني والأسرة المالكة، وعن اهتمامه لا بل توجيهاته بالبقاء في حالة توافق اقتصادية والتجارية مع الأردن بالرغم من تجميد العمل باتفاقية التجارة الحرة الشهيرة بين البلدين منذ أكثر من ثلاث سنوات. ويبدو أن الرئيس التركي مهتم بأن يواصل العمل بهذه الطريقة، ويبدو أن اهتمامه بانتخاباته الرئاسية المقبلة عام 2023 تدفعه في اتجاه تصفير عداد الخلافات مرة أخرى مع أي دولة، والعمل على تثبيت أركان العلاقات الإيجابية.
والعلاقة بين الأردن وتركيا مصنفة بالإيجابية، لكنها حساسة بين الحين والآخر، والاعتبارات فيها أمنية قبل أي اعتبارات أخرى. وأول تلك الاعتبارات هو طبيعة تحالف الأتراك في الماضي القريب مع الإسلام السياسي في ظل وجود تنظيم قوى للإخوان المسلمين في الساحة الأردنية. لكن الاعتبار الأهم الذي يراقبه الأردنيون بكثافة طول الوقت، يتعلق بتلك الجزئية المرتبطة بالطموح التركي في ملف القدس، وبالتالي ربطت تساؤلات بين الزيارة التي لم تنجز وسيناريو «الصيغة الإسلامية» الذي تقترحه دول الإبراهيميات الآن بخصوص «مستقبل القدس»، حيث السبب الأرجح لغياب الأردن عن طاولة «لقاء النقب»، وحيث- وهذا الأهم- شعور عمان بأن مصالح «وصايتها أو رعايتها» للقدس تطلبت «حواراً ما» مع الرئيس اردوغان خصوصاً ولو من باب الاستثمار في مساعدة الأردن له خلف الأضواء والكواليس بهندسة الأمور والوساطة مع مصر تحديداً، وهو دور لم يعد يخفيه الأردن منذ عام تقريباً، وأشار إليه وزير الاتصال الأسبق صخر دودين مرتين أمام «القدس العربي».
كان الجواب، وقد اشتبكت «القدس العربي» آنذاك مع تفاصيل الزيارة وحيثياتها، التأشير على أن المطلوب حصرياً وبلغة واضحة دعم الوصاية الهاشمية الأردنية على القدس وأوقافها والمسجد الأقصى. في لقاء إعلامي أمام الصحافيين، تقدم الرئيس اردوغان آنذاك بذلك الدعم، فيما بقي النقاش بين المستشارين والسفراء والمساعدين قبل انعقاد القمة الأردنية التركية مؤشراً قوياً على كيفية خفض درجة الحرارة في مستوى العلاقات الأردنية التركية بموجب معيار أساسي ومركزي يبدو أنه لا يزال صامداً ولا يتعلق فقط بتعليق الأردن لاتفاقيته التجارية الشهيرة مع تركيا، بقدر ما يتعلق بحساسية كبيرة اسمها القدس والأوقاف، فبعض التقارير الأردنية كانت قد تحدثت عن نشاط تركي واضح خلال عدة سنوات.
تركيا في القدس «طامحة أم طامعة»؟
مفهوم «الرباط والمرابطين» في القدس أقرب صيغة لإسناد تركي خلفي من سنوات، والأهم أردنياً هو مفهوم «خارج السيطرة» بالنسبة لطاقم الأوقاف الأردني الذي يدير الأمور، وتعداده أكثر من 850 موظفاً يديرون الأوقاف، وواجباتهم منذ عام 1967 على أساس الاعتكاف الرمضاني في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، حسب رئيس لجنة فلسطين الذي تحدث لـ«القدس العربي»، محمد ظهراوي. الانطباع كبير وسط العديد من الدوائر الأردنية بأن تركيا في مسألة القدس دولة طامحة وليست طامعة؛ بمعنى أنها تتحرك في إطار دبلوماسية تجعلها من الأرقام المؤثرة في مسألة القدس عموماً، وفي مسألة المسجد الأقصى خصوصاً.
الحراك التركي
من المرجح في المقياس الأردني أن الحراك التركي الأخير في اتجاه إسرائيل ثم الإمارات والسعودية ومصر، جهد يمكن أن ينعش تلك الطموحات، وإن توفرت الآن «أفضلية سياسية» عنوانها علاقات أفضل مع عمان ومناخ «أقل حدة» في الجانب الثنائي. طبعاً، تقفز الحساسية في المسألة الدينية ومسألة الأوقاف بين أنقرة وعمان كلما تطرق القوم دبلوماسياً لأي محاولة تحاول تضبيط العلاقات الثنائية أو ضبط إعدادها على المستوى الاستراتيجي. لكن الانطباع العام اليوم أن عمان أقل حساسية، ومسألة «إسناد أنقره للمرابطين» في القدس يمكن أن تبحث مع غيرها من الملفات المشتركة الأساسية، الأمر الذي يعتقد أنه المفصل في الزيارة التي أعلن عنها ولم تحصل لاردوغان إلى عمان عشية الإعلان عن عملية جراحية اضطرت الملك عبد الله الثاني للسفر بهدف العلاج.
يمكن بطبيعة الحال، توقع أجندات تلك الزيارة لو نظمت فعلاً، خصوصاً في ظل انشغال تركيا بالوساطة بين أوكرانيا وروسيا، وبما يجري عند أكتافها في البحر الأسود، وفي ظل مخاوفها من اندلاع الأحداث في جورجيا المجاورة لها، ومن التأثيرات الاقتصادية والصناعية الكبيرة على اقتصادها جراء تلك الحرب التي لا يمكن التعامل معها باعتبارها حرباً عند الجيران.
يعتقد الأتراك -وقد سمعت «القدس العربي» ذلك من بعض مستشاري الرئيس التركي في إسطنبول- بأن الأردن من الدول معتدلة المزاج السياسي، ويمكنه المساعدة في تفعيل الوساطة التركية بين الروس والأوكران، ولكن على أساس الأولوية التركية، وهذا ما يدفع أجراس الإنذار والحساسية في عمان للانطلاق بين الحين والآخر، خصوصاً أن الأردن يبحث عن مساراته ومصالحه وهو يمشي في حقل ألغام تماماً عندما يتعلق الأمر بحسابات وحساسيات الأزمة الأوكرانية، فواشنطن تراقب كل الدول الصديقة والحليفة، وعمان صوتت بالامتناع في اجتماع الجمعية العمومية الأخير ليوم الخميس الذى أدى إلى فصل روسيا من مجلس حقوق الإنسان الدولي، ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي زار مع وفد رباعي موسكو والتقى نظيره لافروف.
حوار المجموعة العربية مع الخارجية الروسية ومع بعض الدول الأوروبية وبينها وزير خارجية أوكرانيا وبولندا أيضاً، يبدو أنه لفت انتباه الجانب التركي، والفرصة متاحة لإكمال الجهود على أمل التوصل إلى تصور واحد إزاء الأزمة الحادة التي تأذى منها العالم في البحر الأسود.مصلحة تركيا أن تبحث عن تصور مع دول إسلامية وعربية في منطقة الشرق الأوسط تدعم مداخلتها في الأزمة الروسية الأوكرانية، ومن مصلحة عمان بطبيعة الحال أن تستمع لأنقرة بين الحين والآخر.وعلى الأرجح، الدعوة التي لم تنجز وتلقاها اردوغان من العاهل الأردني في شهر رمضان المبارك كانت ستوفر فرصة «احتكاك آمن»، حيث تحمس الرئيس التركي لإعلان وإنجاز الزيارة قبل اعتذار الأردن عنها لأسباب طارئة تتعلق بصحة الملك. لكن ما الذي كان سيبحث مع اردوغان أو قد يبحث معه بعد عودة الملك؟ والإجابة لم تعد سراً.
«إيجابية لكنها حساسة»
اردوغان مصنف بالمحبة بالنسبة للأردن، وأطقم الخارجية التركية والسفارة التركية في عمان تتحدث دوماً عن شغف الرئيس اردوغان بأن تبقى العلاقات مع الأردن تحديداً في أفضل أحوالها، وعن شغفه بترديد البعد الشخصي في الكيمياء بينه وبين الملك عبد الله الثاني والأسرة المالكة، وعن اهتمامه لا بل توجيهاته بالبقاء في حالة توافق اقتصادية والتجارية مع الأردن بالرغم من تجميد العمل باتفاقية التجارة الحرة الشهيرة بين البلدين منذ أكثر من ثلاث سنوات. ويبدو أن الرئيس التركي مهتم بأن يواصل العمل بهذه الطريقة، ويبدو أن اهتمامه بانتخاباته الرئاسية المقبلة عام 2023 تدفعه في اتجاه تصفير عداد الخلافات مرة أخرى مع أي دولة، والعمل على تثبيت أركان العلاقات الإيجابية.
والعلاقة بين الأردن وتركيا مصنفة بالإيجابية، لكنها حساسة بين الحين والآخر، والاعتبارات فيها أمنية قبل أي اعتبارات أخرى. وأول تلك الاعتبارات هو طبيعة تحالف الأتراك في الماضي القريب مع الإسلام السياسي في ظل وجود تنظيم قوى للإخوان المسلمين في الساحة الأردنية. لكن الاعتبار الأهم الذي يراقبه الأردنيون بكثافة طول الوقت، يتعلق بتلك الجزئية المرتبطة بالطموح التركي في ملف القدس، وبالتالي ربطت تساؤلات بين الزيارة التي لم تنجز وسيناريو «الصيغة الإسلامية» الذي تقترحه دول الإبراهيميات الآن بخصوص «مستقبل القدس»، حيث السبب الأرجح لغياب الأردن عن طاولة «لقاء النقب»، وحيث- وهذا الأهم- شعور عمان بأن مصالح «وصايتها أو رعايتها» للقدس تطلبت «حواراً ما» مع الرئيس اردوغان خصوصاً ولو من باب الاستثمار في مساعدة الأردن له خلف الأضواء والكواليس بهندسة الأمور والوساطة مع مصر تحديداً، وهو دور لم يعد يخفيه الأردن منذ عام تقريباً، وأشار إليه وزير الاتصال الأسبق صخر دودين مرتين أمام «القدس العربي».
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات