الأردن: الملك والأمير مجدّداً
عمان جو-مهند مبيضين - أغلق القضاء الأردني في 14 يوليو/ تموز 2021 ملف "قضية الفتنة"، بالحكم على رئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق، باسم عوض الله، والشريف حسن بن زيد، بالحكم عليهما بالسجن 15 عاماً، وهي القضية التي ربط بها اسم الأمير حمزة بن الحسين، الأخ غير الشقيق للملك عبد الله الثاني، وقد حاول الملك عزل أخيه عن لائحة المتهمين وحمايته من الأثر القانوني، بفعل ما يتمتع به بصفته أميرا من حصانات، واعتقد الأردنيون أن الأمر جرى طيّه داخل الأسرة المالكة.
ومع أنّ الحديث عن "الفتنة" قضيةً ومساراً لم ينتهِ، وظلت الأقاويل والإشاعات تروج، وجرى تصوير حمزة بأنه ربما كان ضحيةً ومغرّرا به، وأصرّ بعضهم على دفاعه عنه، إلى أن جاءت رسالة الملك عبد الله الثاني إلى الأردنيين الخميس الماضي (19 مايو/ أيار)، وبعد عام ونصف العام على قضية الفتنة، لتؤكّد أن عتبة طموحات الأمير لم تكن مسألة الفتنة وحسب، وأن الملك عانى كثيراً في ضبط مسار الأخ الذي كان وليّاً للعهد، وحين جرى تصويب مسألة ولاية العهد ونقلها في عام 2009 إلى الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، المنصوص عليه بالدستور، يبدو أنّ الأمير حمزة لم يقتنع بذلك الإجراء، وأقنع نفسه بأنه يواجه منفرداً الزمن السياسي الأردني كله، وجملة واحدة، وأنّه من يملك الحلول.
قبيل حدث الفتنة ولاحقاً لها، جرى ترتيب تصدير جملة خطابات وتغريدات خاصة، بالأمير حمزة، ربما من بنات أفكاره أو من محيطين به لا ينصحونه حقّ النصيحة، وكان ذلك بنشر رسائل بلغةٍ كانت تحرص على أن تظهره أقرب للناس، وأنه الوحيد الذي يحافظ على إرث والده الملك الحسين، وأنه لا يقامر أو يُفسد في أموال الأردنيين... إلخ. تلك لغة لم يكن من صالح العائلة المالكة، ولا الحكم في الأردن، أن تصدر من أمير كان ذات يوم وليّاً للعهد، وقال الملك عنه، في رسالته الموجهة إلى الشعب، إنّه لم يأت بأيّ حلّ لأيّ مشكلة أشار إليها في خطاباته، والطلب الوحيد كان توحيد الأجهزة الأمنية تحت قيادته، كما أنّه، وإن كان قريباً في الخطاب ونبرة الصوت من والده الحسين بن طلال، إلّا أنّ تجربته في الإدارة والمواقع العامة محدودة، ولم يسعف نفسه بتمثل الدروس من والده وعمّه الأمير الحسن، كيف يحافظ الرجال على دولتهم ومُلكهم ومصالح شعبهم واستقرار بلدهم. ففي الأردن وقت آخر يحتاج الشعب أن ينشغل به، هو وقت السياسات والإصلاح والديْن العام والبطالة وتحدّيات التعليم، عدا عن ذلك الأمن الوطني ومهدّدات الجوار، وكذا ملفات الأردن التي يحملها الملك عبد الله في العالم، مثل القدس والحدود الشمالية وتمدّد إيران في المنطقة.
رسالة الملك عبد الله إلى الشعب الأردني دقيقة في كل تفاصيلها، وتظل نادرة ومثيرة، وتحجز مكانها في دراسة أي مؤرّخ لتاريخ العائلة المالكة في الأردن
وبالعودة إلى رسالة الملك عبد الله إلى الشعب الأردني، وهي دقيقة في كل تفاصيلها، وتظل نادرة ومثيرة، وتحجز مكانها في دراسة أي مؤرّخ لتاريخ العائلة المالكة في الأردن، ولا يمكن التقليل من شأن التوتر الذي أحدثه الأمير حمزة لأخيه الملك وللشعب الأردني أيضاً وللمؤسّسات الأمنية، إلى الحد الذي خرجت به هذه الرسالة بتلك التفاصيل والوضوح. وفي متن الأحداث وتفاصيلها الكثير ربما مما لم يقله الملك، حفاظا على مزيد من الاحترام لتاريخ العائلة، وللأردن دولة، وهي، وإن كانت شارحة لأسباب صدور الإرادة الملكية بالموافقة على توصيات مجلس العائلة الملكية تقييد حركات الأمير حمزة بن الحسين الأخ غير الشقيق للملك واتصالاته، إلا أنها أيضا وثيقة تاريخية، وتأكيد على أنه ليس لدى الملك ما يخفيه، وهو الذي اعتاد أن يصدر البيانات عن أي لغط أو مجرّد إشاعات تمسّه أو تمسّ الأردن، وقد حدث ذلك مع بدايات الربيع العربي، حين أصدر الديوان الملكي بيانا عن الأراضي التي سجّلت باسم الملك (ديسمبر/ كانون الأول 2011)، وكان هناك بيان من الملكة رانيا جرّاء إشاعاتٍ طاولت مصروفاتها (يناير/ كانون الثاني 2019). بمعنى آخر، ليس لدى ملك الأردن وعائلته ما يُخشى توضيحه للناس، وهو نهج واضح. كما أن الملك لا يستطيع اتخاذ قرارات منفردة بشأن حريات الأفراد، بل هناك قوانين ومجالس ومحاكم. والإجراء الذي صدر عن مجلس العائلة (في ديسمبر/ كانون الأول 2021، وأعلن عنه في رسالة الملك) رفع الحرج عن أي أحد أو طرف، وحافظ على مقام العائلة المالكة، وهو إجراء يتصل بالأمير حمزة فقط، أما أسرته الصغيرة فهي مصانة بكل كرامة.
بيد أن محلّ الاستثناء في الرسالة الملكية إلى الأردنيين ليس في معلوماتها الخاصة بعلاقة تربط ملكا بشقيقه الطامح إلى أدوار مختلفة، ولا في غضب الملك من تصرّفات أخيه التي وصفها وشخّصها للجمهور الأردني، ولا الاستثناء في تركيب الرسالة وبنيتها اللغوية، وإنما محل الاستثناء في رغبة الملك في مشاركة الناس عموماً في موضوعٍ يخص العائلة الحاكمة، ودونما إخفاء للأحداث. وليس من المهم الإجابة عن سؤال إلى من وجّه الملك رسالته؟ إلى الخارج أم الداخل؟ بل المهم أنّه أراد القول للناس إنّ أمراً جللاً أصاب العائلة، كان يجب أن يوضح لهم، ويُزال الالتباس عنه، فالأردنيون شعبٌ محترم ومتعلم ومؤهل لتلقي مثل تلك التوضيحات. وهذا الأمر الجلل كان ضرره يتعدّى العائلة المالكة إلى الدولة والمجتمع، ولذا يجب ألّا يبقوا فريسة للحروب الإلكترونية وحملات التشهير والتأويل، أو لمعلومات مغلوطة تخصّ مسألة الأمير حمزة.
أراد الملك عبد الله، في إيضاحه للشعب، توكيد أنّ مسألة الخلاف العائلي يجب أن تُحكم مؤسسيّاً من خلال مجلس العائلة المالكة
لقد وضعت الرسالة الأمير حمزة، أمام خيار ارتضاه لنفسه، وفقا لتصرفاته التي أشار إليها الملك وإلى الوقائع المتضمنة إياها، عنوان هذا الخيار القانون والمؤسسات، إذ أراد الملك عبد الله، في إيضاحه للشعب، توكيد أنّ مسألة الخلاف العائلي يجب أن تُحكم مؤسسيّاً من خلال مجلس العائلة المالكة، المشكل وفقاً لقانون الأسرة المالكة في الأردن، والذي يعود إلى عام 1937.
ومن يدقّق في مضامين النص يرصد جملة أحداث ومواقف، وتعدّيات وإساءات لمؤسسات الدولة وعدم احترام للمواثيق، أشار إليها الملك، وحاول معالجتها بالصبر والحكمة وتدخل العائلة، وعلى رأسها الأمير الحسن بن طلال. لكنّ تلك التدخلات وتلك المواقف المتعدّدة التي اتخذها الأمير حمزة لاحقاً، ورسائله إلى أخيه الملك عبد الله، ومنها الاعتراف بالخطأ، ثم رسالته التالية التي خلع فيها عن نفسه لقب الأمير، تكشف عن إشكالية خاصة بالأمير، كان يمكن أن تتطور سلباً، لو غفل الملك وأجهزته الأمنية عن مجملها، وهي قضية ليست سهلة ومتصلة بقضية الفتنة التي كان حمزة قد عُزل عنها، من المفترض أن يضعه أمام حالة من التقدير لأخيه الملك الذي رفع شأنه وأعزّه بالحل داخل الأسرة ووفقاً لقانونها، لكنّ ذلك لم يحدُث. ولعلّ إعادة الملك توصيف رئيس الديوان الملكي الأسبق، المحكوم في السجن، بوصفه "خائن الأمانة" رسالة إلى حمزة وتذكير بمسارٍ كان مزعجاً ومؤلماً للملك وللأردنيين الذين دأب حمزة يحدّثهم أنّه ينتمي للإرث الهاشمي، وأنّه المدافع عن مصالحهم واستعادة دولتهم... لكن كيف لأميرٍ تعلم في مدرسة الحسين أن يحدّث الناس بفضائل آل البيت، في ظل الظرفية التي حضر فيها إليه وتواصل معه "خائن الأمانة" الذي خان شقيقه الملك؟
يكشف الملك أنّ أخاه لم يلتزم، وأنّ القرار الذي اتخذه بتقييد حركاته لم يكن وليد لحظته، بل هو مقرّر من العام الفائت
ولم يكن أجمل من الصبر هنا وإعمال الحكمة، إذ كان على الملك، في تلك الحالة، أن يتمنى من أخيه الرشد والالتزام بحل العم الكبير الحسن بن طلال ووساطته، لكن ذلك لم يجر كما يقول الملك في رسالته: "لكن، وبعد عام ونيف، استنفد خلالها كل فرص العودة إلى رشده والالتزام بسيرة أسرتنا، فخلصت إلى النتيجة المخيّبة أنه لن يغير ما هو عليه"، متابعاً: "تأكدت بأنه يعيش في وهم يرى فيه نفسه وصياً على إرثنا الهاشمي، وأنّه يتعرض لحملة استهداف ممنهجة من مؤسساتنا".
بهذه الصيغة، يكشف الملك أنّ أخاه لم يلتزم، وأنّ القرار الذي اتخذه بتقييد حركاته لم يكن وليد لحظته، بل هو مقرّر من العام الفائت، وأنّ خيار القانون مفتوحٌ أمام الأمير حمزة، لكنه طلب منه تحمّل النتائج. ولكن هل يشكل قرار تقييد الحركة والاتصالات نهاية لهذه الأزمة، وماذا لو لم يتوقف الأمير حمزة عن إثارة المشكلات؟ لعلّ الرسالة أجابت عن ذلك: "وبناء على ذلك، سيبقى حمزة في قصره التزاماً بقرار مجلس العائلة، ولضمان عدم تكرار أيٍّ من تصرفاته غير المسؤولة، والتي إن تكرّرت سيتم التعامل معها" فالتكرار متوقعٌ منه، لكن الباب مفتوحٌ على شكل التعامل معه، وهو أمرٌ ظل مفتوحاً في النص.
ختاماً، بات الأردنيون أمام تفاصيل مثيرة، وأمام وقائع، ومعلومات جديدة، عن ولي العهد السابق، حمزة بن الحسين، غير المنصوص عليه دستورياً، لكنهم اليوم أمام تحدّيات كبيرة تستحق منهم العمل لأجل تجاوزها، فالسلطة في الأردن ليست مسألةً بحثيةً نظرية، ولا حالة انتقال ديمقراطي مطلوبة لإثبات الشرعية، والملك عبد الله لم يأتِ على دبابة، وهناك دروسٌ وعبر كثيرة أمام الأردنيين، ولديهم قيادة وعائلة محترمة تحكمهم.
"العربي الجديد"
ومع أنّ الحديث عن "الفتنة" قضيةً ومساراً لم ينتهِ، وظلت الأقاويل والإشاعات تروج، وجرى تصوير حمزة بأنه ربما كان ضحيةً ومغرّرا به، وأصرّ بعضهم على دفاعه عنه، إلى أن جاءت رسالة الملك عبد الله الثاني إلى الأردنيين الخميس الماضي (19 مايو/ أيار)، وبعد عام ونصف العام على قضية الفتنة، لتؤكّد أن عتبة طموحات الأمير لم تكن مسألة الفتنة وحسب، وأن الملك عانى كثيراً في ضبط مسار الأخ الذي كان وليّاً للعهد، وحين جرى تصويب مسألة ولاية العهد ونقلها في عام 2009 إلى الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، المنصوص عليه بالدستور، يبدو أنّ الأمير حمزة لم يقتنع بذلك الإجراء، وأقنع نفسه بأنه يواجه منفرداً الزمن السياسي الأردني كله، وجملة واحدة، وأنّه من يملك الحلول.
قبيل حدث الفتنة ولاحقاً لها، جرى ترتيب تصدير جملة خطابات وتغريدات خاصة، بالأمير حمزة، ربما من بنات أفكاره أو من محيطين به لا ينصحونه حقّ النصيحة، وكان ذلك بنشر رسائل بلغةٍ كانت تحرص على أن تظهره أقرب للناس، وأنه الوحيد الذي يحافظ على إرث والده الملك الحسين، وأنه لا يقامر أو يُفسد في أموال الأردنيين... إلخ. تلك لغة لم يكن من صالح العائلة المالكة، ولا الحكم في الأردن، أن تصدر من أمير كان ذات يوم وليّاً للعهد، وقال الملك عنه، في رسالته الموجهة إلى الشعب، إنّه لم يأت بأيّ حلّ لأيّ مشكلة أشار إليها في خطاباته، والطلب الوحيد كان توحيد الأجهزة الأمنية تحت قيادته، كما أنّه، وإن كان قريباً في الخطاب ونبرة الصوت من والده الحسين بن طلال، إلّا أنّ تجربته في الإدارة والمواقع العامة محدودة، ولم يسعف نفسه بتمثل الدروس من والده وعمّه الأمير الحسن، كيف يحافظ الرجال على دولتهم ومُلكهم ومصالح شعبهم واستقرار بلدهم. ففي الأردن وقت آخر يحتاج الشعب أن ينشغل به، هو وقت السياسات والإصلاح والديْن العام والبطالة وتحدّيات التعليم، عدا عن ذلك الأمن الوطني ومهدّدات الجوار، وكذا ملفات الأردن التي يحملها الملك عبد الله في العالم، مثل القدس والحدود الشمالية وتمدّد إيران في المنطقة.
رسالة الملك عبد الله إلى الشعب الأردني دقيقة في كل تفاصيلها، وتظل نادرة ومثيرة، وتحجز مكانها في دراسة أي مؤرّخ لتاريخ العائلة المالكة في الأردن
وبالعودة إلى رسالة الملك عبد الله إلى الشعب الأردني، وهي دقيقة في كل تفاصيلها، وتظل نادرة ومثيرة، وتحجز مكانها في دراسة أي مؤرّخ لتاريخ العائلة المالكة في الأردن، ولا يمكن التقليل من شأن التوتر الذي أحدثه الأمير حمزة لأخيه الملك وللشعب الأردني أيضاً وللمؤسّسات الأمنية، إلى الحد الذي خرجت به هذه الرسالة بتلك التفاصيل والوضوح. وفي متن الأحداث وتفاصيلها الكثير ربما مما لم يقله الملك، حفاظا على مزيد من الاحترام لتاريخ العائلة، وللأردن دولة، وهي، وإن كانت شارحة لأسباب صدور الإرادة الملكية بالموافقة على توصيات مجلس العائلة الملكية تقييد حركات الأمير حمزة بن الحسين الأخ غير الشقيق للملك واتصالاته، إلا أنها أيضا وثيقة تاريخية، وتأكيد على أنه ليس لدى الملك ما يخفيه، وهو الذي اعتاد أن يصدر البيانات عن أي لغط أو مجرّد إشاعات تمسّه أو تمسّ الأردن، وقد حدث ذلك مع بدايات الربيع العربي، حين أصدر الديوان الملكي بيانا عن الأراضي التي سجّلت باسم الملك (ديسمبر/ كانون الأول 2011)، وكان هناك بيان من الملكة رانيا جرّاء إشاعاتٍ طاولت مصروفاتها (يناير/ كانون الثاني 2019). بمعنى آخر، ليس لدى ملك الأردن وعائلته ما يُخشى توضيحه للناس، وهو نهج واضح. كما أن الملك لا يستطيع اتخاذ قرارات منفردة بشأن حريات الأفراد، بل هناك قوانين ومجالس ومحاكم. والإجراء الذي صدر عن مجلس العائلة (في ديسمبر/ كانون الأول 2021، وأعلن عنه في رسالة الملك) رفع الحرج عن أي أحد أو طرف، وحافظ على مقام العائلة المالكة، وهو إجراء يتصل بالأمير حمزة فقط، أما أسرته الصغيرة فهي مصانة بكل كرامة.
بيد أن محلّ الاستثناء في الرسالة الملكية إلى الأردنيين ليس في معلوماتها الخاصة بعلاقة تربط ملكا بشقيقه الطامح إلى أدوار مختلفة، ولا في غضب الملك من تصرّفات أخيه التي وصفها وشخّصها للجمهور الأردني، ولا الاستثناء في تركيب الرسالة وبنيتها اللغوية، وإنما محل الاستثناء في رغبة الملك في مشاركة الناس عموماً في موضوعٍ يخص العائلة الحاكمة، ودونما إخفاء للأحداث. وليس من المهم الإجابة عن سؤال إلى من وجّه الملك رسالته؟ إلى الخارج أم الداخل؟ بل المهم أنّه أراد القول للناس إنّ أمراً جللاً أصاب العائلة، كان يجب أن يوضح لهم، ويُزال الالتباس عنه، فالأردنيون شعبٌ محترم ومتعلم ومؤهل لتلقي مثل تلك التوضيحات. وهذا الأمر الجلل كان ضرره يتعدّى العائلة المالكة إلى الدولة والمجتمع، ولذا يجب ألّا يبقوا فريسة للحروب الإلكترونية وحملات التشهير والتأويل، أو لمعلومات مغلوطة تخصّ مسألة الأمير حمزة.
أراد الملك عبد الله، في إيضاحه للشعب، توكيد أنّ مسألة الخلاف العائلي يجب أن تُحكم مؤسسيّاً من خلال مجلس العائلة المالكة
لقد وضعت الرسالة الأمير حمزة، أمام خيار ارتضاه لنفسه، وفقا لتصرفاته التي أشار إليها الملك وإلى الوقائع المتضمنة إياها، عنوان هذا الخيار القانون والمؤسسات، إذ أراد الملك عبد الله، في إيضاحه للشعب، توكيد أنّ مسألة الخلاف العائلي يجب أن تُحكم مؤسسيّاً من خلال مجلس العائلة المالكة، المشكل وفقاً لقانون الأسرة المالكة في الأردن، والذي يعود إلى عام 1937.
ومن يدقّق في مضامين النص يرصد جملة أحداث ومواقف، وتعدّيات وإساءات لمؤسسات الدولة وعدم احترام للمواثيق، أشار إليها الملك، وحاول معالجتها بالصبر والحكمة وتدخل العائلة، وعلى رأسها الأمير الحسن بن طلال. لكنّ تلك التدخلات وتلك المواقف المتعدّدة التي اتخذها الأمير حمزة لاحقاً، ورسائله إلى أخيه الملك عبد الله، ومنها الاعتراف بالخطأ، ثم رسالته التالية التي خلع فيها عن نفسه لقب الأمير، تكشف عن إشكالية خاصة بالأمير، كان يمكن أن تتطور سلباً، لو غفل الملك وأجهزته الأمنية عن مجملها، وهي قضية ليست سهلة ومتصلة بقضية الفتنة التي كان حمزة قد عُزل عنها، من المفترض أن يضعه أمام حالة من التقدير لأخيه الملك الذي رفع شأنه وأعزّه بالحل داخل الأسرة ووفقاً لقانونها، لكنّ ذلك لم يحدُث. ولعلّ إعادة الملك توصيف رئيس الديوان الملكي الأسبق، المحكوم في السجن، بوصفه "خائن الأمانة" رسالة إلى حمزة وتذكير بمسارٍ كان مزعجاً ومؤلماً للملك وللأردنيين الذين دأب حمزة يحدّثهم أنّه ينتمي للإرث الهاشمي، وأنّه المدافع عن مصالحهم واستعادة دولتهم... لكن كيف لأميرٍ تعلم في مدرسة الحسين أن يحدّث الناس بفضائل آل البيت، في ظل الظرفية التي حضر فيها إليه وتواصل معه "خائن الأمانة" الذي خان شقيقه الملك؟
يكشف الملك أنّ أخاه لم يلتزم، وأنّ القرار الذي اتخذه بتقييد حركاته لم يكن وليد لحظته، بل هو مقرّر من العام الفائت
ولم يكن أجمل من الصبر هنا وإعمال الحكمة، إذ كان على الملك، في تلك الحالة، أن يتمنى من أخيه الرشد والالتزام بحل العم الكبير الحسن بن طلال ووساطته، لكن ذلك لم يجر كما يقول الملك في رسالته: "لكن، وبعد عام ونيف، استنفد خلالها كل فرص العودة إلى رشده والالتزام بسيرة أسرتنا، فخلصت إلى النتيجة المخيّبة أنه لن يغير ما هو عليه"، متابعاً: "تأكدت بأنه يعيش في وهم يرى فيه نفسه وصياً على إرثنا الهاشمي، وأنّه يتعرض لحملة استهداف ممنهجة من مؤسساتنا".
بهذه الصيغة، يكشف الملك أنّ أخاه لم يلتزم، وأنّ القرار الذي اتخذه بتقييد حركاته لم يكن وليد لحظته، بل هو مقرّر من العام الفائت، وأنّ خيار القانون مفتوحٌ أمام الأمير حمزة، لكنه طلب منه تحمّل النتائج. ولكن هل يشكل قرار تقييد الحركة والاتصالات نهاية لهذه الأزمة، وماذا لو لم يتوقف الأمير حمزة عن إثارة المشكلات؟ لعلّ الرسالة أجابت عن ذلك: "وبناء على ذلك، سيبقى حمزة في قصره التزاماً بقرار مجلس العائلة، ولضمان عدم تكرار أيٍّ من تصرفاته غير المسؤولة، والتي إن تكرّرت سيتم التعامل معها" فالتكرار متوقعٌ منه، لكن الباب مفتوحٌ على شكل التعامل معه، وهو أمرٌ ظل مفتوحاً في النص.
ختاماً، بات الأردنيون أمام تفاصيل مثيرة، وأمام وقائع، ومعلومات جديدة، عن ولي العهد السابق، حمزة بن الحسين، غير المنصوص عليه دستورياً، لكنهم اليوم أمام تحدّيات كبيرة تستحق منهم العمل لأجل تجاوزها، فالسلطة في الأردن ليست مسألةً بحثيةً نظرية، ولا حالة انتقال ديمقراطي مطلوبة لإثبات الشرعية، والملك عبد الله لم يأتِ على دبابة، وهناك دروسٌ وعبر كثيرة أمام الأردنيين، ولديهم قيادة وعائلة محترمة تحكمهم.
"العربي الجديد"
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات