«أقصر الطرق» في الأردن في الاتجاه المعاكس لـ«المنظومة»: ملف «حقوق الإنسان»… ما الذي يجري؟
عمان جو – بسام البدارين
لا أحد يعرف أو يمكنه أن يعرف بصورة محددة كيف وعلى أي أساس نحتت عقوبة «كف اليد» ذات الطابع الإداري والتي اتخذها مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان ضد المفوض العام للمركز، المحامي والحقوقي المعروف علاء العرموطي.
حالة استياء كبيرة وسط المجتمع المدني ودعاة حقوق الإنسان نتجت عن القرار الغريب المتخذ ضد العرموطي، خصوصاً أن خصومه في مجلس الأمناء أو في أي موقع آخر داخل أقنية الشرائح السياسية المعنية أو البيروقراطية اختاروا «أقصر الطرق» وأكثرها إثارة للجدل، مع أن الخلاف مع المفوض العام فني وتقني وسياسي بالمقام الأول، وهو ما يؤكده المطلع على كل الحيثيات البرلماني البارز صالح العرموطي وهو يؤشر مجدداً عبر «القدس العربي» إلى سلسلة «المفارقات» والازدواجية في الخطاب «التي تعيد البلاد والعباد إلى الوراء» رغم أن الجميع يقول «ينبغي أن نتقدم».
لسبب غامض ومجهول، قرر القوم أن المفوض العام العرموطي ينبغي أن يعاقب أو أن يخرج من المعادلة، فاختار المعنيون هنا عقوبة بمنتهى الغرابة وصفها كثيرون بأنها كيدية وبوضوح وسياسية بامتياز بالمقام الأول، ثم اعتبر ضحيتها المحامي نفسه وعلى هامش تواصل مع «القدس العربي» بأنها «مملة» ولا تشكل جوهر المسألة، لا بل لا يريد التحدث عنها.
تحدث المنظرون والمبررون لتلك العقوبة عن مسألة لها علاقة بتواصل مع مؤسسة تمول مشروعاً ما، لكن الانطباع وسط المحامين والنقابات المهنية وفي الأوساط السياسية والحزبية هو ذلك الذي يشير إلى أن التهمة التي قرر مجلس الإدارة تقميشها لمعاقبة أو إقصاء العرموطي مرتبطة على الأرجح بأجندة سياسية قبل أي اعتبار آخر.
وأغلب التقدير أن تسليط الضوء على ما حصل مع المفوض العرموطي قد ينتهي بتسليط الضوء على مجلس الأمناء الذي قرر إقصاءه بهذه الطريقة الدراماتيكية، فقد بدأ الرأي العام الأردني يعرف من هو المفوض المقال بصيغة كف اليد، ولماذا يخضع لقرار من هذا النوع، لا بل بدأ الشارع يتنبه لوجود «إشكالية جوهرية» في الرابط الحيوي وطنياً داخل مؤسسات الدولة بين «مسار التحديث السياسي» العام والمفاصل المرتبطة بملفات «حقوق الإنسان».
وذلك أمر يبدو أن من اتجهوا للإطاحة بالعرموطي لم يقدروه جيداً، خصوصاً أن خبراء اقتصاديين كباراً، من بينهم الدكتور أنور الخفش، يلفتون النظر مؤخراً إلى جزئية «المعايير في المساعدات الدولية»، التي من بينها دوماً الآن «سجلات حقوق الإنسان». صيغة «كف اليد» المقصود منها بوضوح تشويه مسيرة الرجل الفنية، وقضيته اليوم تتمتع بحالة شبه جماعية.
في كل حال، يتفاعل ويتدحرج هذا الملف، لكن أهم ما في تفاعلاته هو أنه يضرب مجدداً جوهر ومنطق مسألة حقوق الإنسان، حيث إن المركز هو الذراع الرسمي التابع للدولة في هذا السياق، وتقاريره يعتد بها، ويعلم الجميع كما يقول حقيقيون بأن المحامي علاء العرموطي كان جدياً وليس انتقائياً، ورفض التسويات على حساب المبادئ في إصدار تقارير نقدية، محاولاً قدر الإمكان إصلاح صورة التشوه الحاصل في ملف حقوق الإنسان.
المسألة بدأت تأخذ أبعاداً شعبية هذه المرة وليس سياسية فقط، ومن المرجح أنها لن تنتهي عند حدود المصادقة من جهة مجلس الوزراء أو أي جهة رسمية على قرار كف اليد الذي كان بالعادة صيغة أقرب لأخطاء لها علاقة بالحرفة الإدارية والنزاهة على المستوى الإداري. وهي أخطاء من المرجح أن المحامي العرموطي خارج سياقها تماماً.
مسألة العرموطي سياسياً وبهذه الطريقة وبصرف النظر عما أراده عملياً مجلس الأمناء تحت عنوان التخلص من المفوض العام وليلة محاولة إسقاطه إدارياً، مسألة يفترض أن تعيد إنتاج الجدل في مربع القرار تحت عنوان الصيغة التي يمكن اعتمادها في زمن تحديث المنظومة السياسية والاصلاحات الهيكلية وتحرير الإمكانات الاقتصادية لمنطوق ومفهوم ملف حقوق الإنسان عموماً في البلاد.
يحصل ذلك فيما الهجمة، كما يلاحظ الخفش والعرموطي وغيرهما، قوية من تقارير وتقييمات بعضها ظالم، وبعضها يتعلق بالقشور، وبعضها الآخر يعكس حجم التراجع في سمعة الأردن على صعيد الحريات، خصوصاً أن الآلية اليتيمة المتاحة للسيطرة في زمن ضائقة اقتصادية على إيقاع الشارع وتأطير حالة الاستقرار الاجتماعي العام هي تلك الآلية التي تتضمن الاعتقالات بين الحين والآخر.
وهي اعتقالات تثير جدلاً على مستوى تقارير حقوقية عالمية متعددة، ومن بينها تقارير صدرت عن المركز الوطني لحقوق الإنسان في عهد المفوض العرموطي الذي يبدو أنه أغضب العديد من الجهات الحكومية.
لكن هذا الغضب سيتم تفريغه على الأرجح بحالة ضغط على الحبل العصبي لمراكز القرار الأساسية، لأن المطلوب الآن تحديد الاحتياجات وليس فقط الأولويات والاستسلام للعادات.
وتحديد الاحتياجات عندما يصل لإعادة استعراض مسألة ما حصل مع المحامي العرموطي يعني أن مجلس الأمناء أربك السلطة ومراكز القرار وتسبب عملياً بالدفع في اتجاه تغيير اتجاه البوصلة قليلاً في مجال ملف حقوق الإنسان. وهو ما سيحصل على الأرجح سياسياً وإعلامياً خلال الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة.
عمان جو – بسام البدارين
لا أحد يعرف أو يمكنه أن يعرف بصورة محددة كيف وعلى أي أساس نحتت عقوبة «كف اليد» ذات الطابع الإداري والتي اتخذها مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان ضد المفوض العام للمركز، المحامي والحقوقي المعروف علاء العرموطي.
حالة استياء كبيرة وسط المجتمع المدني ودعاة حقوق الإنسان نتجت عن القرار الغريب المتخذ ضد العرموطي، خصوصاً أن خصومه في مجلس الأمناء أو في أي موقع آخر داخل أقنية الشرائح السياسية المعنية أو البيروقراطية اختاروا «أقصر الطرق» وأكثرها إثارة للجدل، مع أن الخلاف مع المفوض العام فني وتقني وسياسي بالمقام الأول، وهو ما يؤكده المطلع على كل الحيثيات البرلماني البارز صالح العرموطي وهو يؤشر مجدداً عبر «القدس العربي» إلى سلسلة «المفارقات» والازدواجية في الخطاب «التي تعيد البلاد والعباد إلى الوراء» رغم أن الجميع يقول «ينبغي أن نتقدم».
لسبب غامض ومجهول، قرر القوم أن المفوض العام العرموطي ينبغي أن يعاقب أو أن يخرج من المعادلة، فاختار المعنيون هنا عقوبة بمنتهى الغرابة وصفها كثيرون بأنها كيدية وبوضوح وسياسية بامتياز بالمقام الأول، ثم اعتبر ضحيتها المحامي نفسه وعلى هامش تواصل مع «القدس العربي» بأنها «مملة» ولا تشكل جوهر المسألة، لا بل لا يريد التحدث عنها.
تحدث المنظرون والمبررون لتلك العقوبة عن مسألة لها علاقة بتواصل مع مؤسسة تمول مشروعاً ما، لكن الانطباع وسط المحامين والنقابات المهنية وفي الأوساط السياسية والحزبية هو ذلك الذي يشير إلى أن التهمة التي قرر مجلس الإدارة تقميشها لمعاقبة أو إقصاء العرموطي مرتبطة على الأرجح بأجندة سياسية قبل أي اعتبار آخر.
وأغلب التقدير أن تسليط الضوء على ما حصل مع المفوض العرموطي قد ينتهي بتسليط الضوء على مجلس الأمناء الذي قرر إقصاءه بهذه الطريقة الدراماتيكية، فقد بدأ الرأي العام الأردني يعرف من هو المفوض المقال بصيغة كف اليد، ولماذا يخضع لقرار من هذا النوع، لا بل بدأ الشارع يتنبه لوجود «إشكالية جوهرية» في الرابط الحيوي وطنياً داخل مؤسسات الدولة بين «مسار التحديث السياسي» العام والمفاصل المرتبطة بملفات «حقوق الإنسان».
وذلك أمر يبدو أن من اتجهوا للإطاحة بالعرموطي لم يقدروه جيداً، خصوصاً أن خبراء اقتصاديين كباراً، من بينهم الدكتور أنور الخفش، يلفتون النظر مؤخراً إلى جزئية «المعايير في المساعدات الدولية»، التي من بينها دوماً الآن «سجلات حقوق الإنسان». صيغة «كف اليد» المقصود منها بوضوح تشويه مسيرة الرجل الفنية، وقضيته اليوم تتمتع بحالة شبه جماعية.
في كل حال، يتفاعل ويتدحرج هذا الملف، لكن أهم ما في تفاعلاته هو أنه يضرب مجدداً جوهر ومنطق مسألة حقوق الإنسان، حيث إن المركز هو الذراع الرسمي التابع للدولة في هذا السياق، وتقاريره يعتد بها، ويعلم الجميع كما يقول حقيقيون بأن المحامي علاء العرموطي كان جدياً وليس انتقائياً، ورفض التسويات على حساب المبادئ في إصدار تقارير نقدية، محاولاً قدر الإمكان إصلاح صورة التشوه الحاصل في ملف حقوق الإنسان.
المسألة بدأت تأخذ أبعاداً شعبية هذه المرة وليس سياسية فقط، ومن المرجح أنها لن تنتهي عند حدود المصادقة من جهة مجلس الوزراء أو أي جهة رسمية على قرار كف اليد الذي كان بالعادة صيغة أقرب لأخطاء لها علاقة بالحرفة الإدارية والنزاهة على المستوى الإداري. وهي أخطاء من المرجح أن المحامي العرموطي خارج سياقها تماماً.
مسألة العرموطي سياسياً وبهذه الطريقة وبصرف النظر عما أراده عملياً مجلس الأمناء تحت عنوان التخلص من المفوض العام وليلة محاولة إسقاطه إدارياً، مسألة يفترض أن تعيد إنتاج الجدل في مربع القرار تحت عنوان الصيغة التي يمكن اعتمادها في زمن تحديث المنظومة السياسية والاصلاحات الهيكلية وتحرير الإمكانات الاقتصادية لمنطوق ومفهوم ملف حقوق الإنسان عموماً في البلاد.
يحصل ذلك فيما الهجمة، كما يلاحظ الخفش والعرموطي وغيرهما، قوية من تقارير وتقييمات بعضها ظالم، وبعضها يتعلق بالقشور، وبعضها الآخر يعكس حجم التراجع في سمعة الأردن على صعيد الحريات، خصوصاً أن الآلية اليتيمة المتاحة للسيطرة في زمن ضائقة اقتصادية على إيقاع الشارع وتأطير حالة الاستقرار الاجتماعي العام هي تلك الآلية التي تتضمن الاعتقالات بين الحين والآخر.
وهي اعتقالات تثير جدلاً على مستوى تقارير حقوقية عالمية متعددة، ومن بينها تقارير صدرت عن المركز الوطني لحقوق الإنسان في عهد المفوض العرموطي الذي يبدو أنه أغضب العديد من الجهات الحكومية.
لكن هذا الغضب سيتم تفريغه على الأرجح بحالة ضغط على الحبل العصبي لمراكز القرار الأساسية، لأن المطلوب الآن تحديد الاحتياجات وليس فقط الأولويات والاستسلام للعادات.
وتحديد الاحتياجات عندما يصل لإعادة استعراض مسألة ما حصل مع المحامي العرموطي يعني أن مجلس الأمناء أربك السلطة ومراكز القرار وتسبب عملياً بالدفع في اتجاه تغيير اتجاه البوصلة قليلاً في مجال ملف حقوق الإنسان. وهو ما سيحصل على الأرجح سياسياً وإعلامياً خلال الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة.