الأردن: كيف تفتح الجسور لـ 24 ساعة؟… 4 مليارات يدفعها «المسافر الفلسطيني» على «الجسور»
عمان جو - بسام البدارين - ما تحت الطاولة من الطبيعي أن يختلف عما فوقها عندما يتعلق الأمر مجدداً بتفاهمات أعمق تمأسست وبسرعة بين حكومة الأردن والسلطة الفلسطينية عبر عملية إعادة تموقع سياسية وبيروقراطية وأمنية تحاول التخلص من الصداع المشترك الذي يستغله الطرف الإسرائيلي الثالث دوماً باسم «تقنيات وميكانيزمات السفر والتنقل».
ليس سراً على الإطلاق هنا أن الصدمة التي اجتاحت الضفتين بعد صفعة مطار رامون الإسرائيلي أنتجت اليوم واقعاً جديداً عنوانه دوافع في المصلحة المشتركة لتوفير ملاذ وميكانيزمات جديدة تدفع في اتجاه صحوة ثنائية على أمل التخلص من ذلك الصداع.
معركة «ثلاثية» شرسة… «تفاصيل وكواليس»
وقفت «القدس العربي» على كثير من التفاصيل والملابسات، والمشهد كان مبعثراً وتلامس مجدداً مع مشروع إسرائيلي تبين بعد التحري والحفر في التفاصيل أنه يصفع الجانبين معاً.
حدثان منفصلان
قصة تسيير رحلات عبر مطار رامون الإسرائيلي تشمل ركاباً من الفلسطينيين بدأت في العقل الإسرائيلي على هامش حدثين منفصلين.
الأول يعود إلى اللقاء الثلاثي الشهير في منزل وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس بحضور الرئيس محمود عباس والقيادي في السلطة حسين الشيخ، الذي طالب بتسهيل إجراءات وتصاريح السفر للشعب الفلسطيني.
ولدت فكرة رامون على الأرجح في منزل غانس، ولم ينتبه الطرف الفلسطيني إلى أن شريكاً مجاوراً بحجم الأردن يمكن أن يتضرر ويغضب. ثم قبل الخوض في التفاصيل، لاحظت السلطة الفلسطينية بأن الشعار الوحيد الذي حضر به إلى المنطقة الرئيس الأمريكي جو بايدن زائراً تحت عنوان تحسين معيشة الفلسطينيين، يتضمن بندين رئيسين: الأول هو الإيحاء بدعم مؤسسات القدس الشرقية دون أي التزامات محددة، كما لاحظ مبكراً وهو يتحدث لـ«القدس العربي» الباحث والمتابع الأمريكي الفلسطيني الدكتور سنان شقديح. والبند الثاني هو فتح الجسور والمعابر تحت عنوان تسهيل السفر والتنقل لـ 24 ساعة مع الأردن كخطوة أولى ثم مع مصر كخطوة ثانية.
قالها بايدن بصورة عابرة تماماً للإسرائيليين أولاً، وعندما التقى الرئيس عباس ثانياً.. هنا شعر الفلسطينيون بالكمين الأول، وتقرر عدم التفاعل بعدما لاحظوا بأن طاقم بايدن منح البركة لخطة إسرائيل بتسيير رحلات جوية عبر مطار رامون، فيما الأردن كان يتربص بالمسألة أصلاً.
تقرر بعد اجتماع خاص لأركان السلطة الفلسطينية رفض فكرة أن يكون الإنجاز الوحيد الذي يقدمه بايدن للفلسطينيين هو فتح المعابر والجسور مع الأردن لـ 24 ساعة، وقال الرئيس محمود عباس شخصياً في أحد الاجتماعات: «لن نقبل بذلك».
ولتفويت لعبة الاستغلال الإسرائيلية، قرر الجانب الفلسطيني أن النجاح مرتهن بالتذاكي في التعامل مع المسألة، وبإعلان رفض استخدام المطارات الإسرائيلية، واستثمار الموقف عبره ضرب عصفورين بحجر واحد، ثم طرح السؤال: ما هو العصفور الأول ومن الثاني؟ وباختصار، تم تعريف العصفورين.
الأول هو استثمار اهتمام بايدن بقصة تنقل وسفر الفلسطينيين بطرح ورقة مطار قلنديا، وعندما سأل الأمريكيون والإسرائيليون وزراء الاختصاص في السلطة عن صغر حجم مطار قلنديا وكيفية استخدامه، كان الجواب بأن تمكين السلطة من تشغيل مطار قلنديا سيتم ضمن تصنيف يعتبره مطاراً محلياً وصغيراً تتوجه فيه الرحلات إلى محطة مركزية فقط هي عمان.
وهنا العصفور الثاني، بمعنى إقناع الأردنيين ومن بوابة استثمار المشهد برمته، بأن الوقت قد حان لتغيير سلوكهم البيروقراطي على المعابر والجسور، وتحديداً على الجسر المزدحم جداً طوال العام، والذي يحمل اسم الملك الراحل الحسين بن طلال. حضر إلى عمان رئيس وزراء السلطة الدكتور محمد اشتية، ثم كلف وزير النقل والمواصلات في السلطة عاصم سالم، بالتفاوض مع الأردن لإعادة الاعتبار حصراً لجسر الملك حسين. تلك التفصيلات تثبت أن معركة تفاوضية سياسية معقدة كانت منشغلة طوال الوقت قبل وأثناء وبعد زيارة بايدن في مثلث تل أبيب – رام الله – عمان.
لعب الإسرائيليون، فقررت السلطة اللعب، وفكرة عدم توفر القدرة عملياً على منع أي مسافر فلسطيني من ركوب طائرة إسرائيلية بمطار إسرائيلي كانت هي الأساس في تخويف مسؤولي الاختصاص الأردنيين، بدلالة أن الوزير سالم قال علناً في عمان بأن السلطة تنصح رعاياها ولم يستعمل كلمة «تمنع» رعاياها. وعندما استفسرت منه السلطات، أشار إلى أن الأمر معقد، والسلطة في ظل الاحتلال لا تستطيع منع الفلسطيني من كثير من المعطيات التي يمكن أن ينفرد بها الاحتلال. وفي كل حال، في الأثناء أصغت وسمعت عمان التفاصيل التي تقول في أهمها ما لم يكن وزراء الاختصاص يعلمونه مسبقاً.
في تفاصيل رقمية، يدفع الفلسطينيون 4 مليارات دولار على الأقل سنوياً على المعابر الأردنية، وتسجل مجسات البنك الدولي نحو مليونين و600 ألف رحلة سفر فلسطينية في اتجاه الأردن، من الطبيعي أن أغلبها الأعم على جسر الملك حسين حصراً. تلك أرقام لا يستطيع وزير المالية الدكتور محمد العسعس ولا طاقمه تجاهلها عندما تصنف كعوائد للخزينة وللقطاع الخاص الأردني نظير نفقات سفر الفلسطينيين وتنقلهم، وإن تحول الجانب الحكومي الأردني إلى حالة الإصغاء كان منتجاً لكل من الوزير سالم ورئيسه إشتية، مما سمح بتدفق التفاصيل.
قياساً في الدلالات السياسية الأبعد وعنوانها العريض تخفيف الضغط الإسرائيلي والتحايل عند العدو وبالمصالح المشتركة رسمياً هذه المرة وليس شعبياً فقط، يمكن القول بأن المعطيات الرقمية والإجراءات المطلوبة فلسطينياً على المعبر الأردني بسيطة ومتواضعة قياساً بالهدف الأعمق الذي لا يختلف الطرفان عليه.
قال الوزير سالم علناً في عمان ما سمعته «القدس العربي» منه أيضاً: «خيارنا الدائم والأول مطار عمان والأردن، وأملنا كبير بأن يتجاوب الأشقاء معنا».
«أواصر العلاقة بين الشعبين أبعد وأعمق»
وقالها أيضاً نظيره الأردني وجيه العزايزة: «أواصر العلاقة بين الشعبين أبعد وأعمق من أي مستلزمات واحتياجات، والأردن اعترض على أي برنامج لتنظيم رحلات دولية عبر مطار رامون منذ عام 2019 «. ثم جددها لـ«القدس العربي» الوزير العزايزة، قائلاً: «اعترضنا، وسنبقى معترضين ومصرين على الاعتراض».
في الأثناء، قدم الجانب الفلسطيني ملاحظاته واحتياجاته حول لوجستيات الجسور والمعابر، وسلوكيات التعامل، وبيروقراطية ورسوم وأسعار التنقل وشحن الحقائب، وتوفير المواصلات، ونقص الكادر البشري، والازدحام، وتحسين صالات الاستقبال والوداع.
تلك باختصار كانت جزءاً من مواجهة شرسة خلف الستارة والكواليس، اطلعت «القدس العربي» على تفاصيلها «الفلسطينية» على مدار الأسبوعين الماضيين، وانتهت باتفاق أردني فلسطيني حتى الآن يتوافق على معالجة جذرية أعمق في درب التخلص من صداع المعبر والجسر المنتج من باب النكاية والتنكيل إسرائيلياً.
«القدس العربي»
ليس سراً على الإطلاق هنا أن الصدمة التي اجتاحت الضفتين بعد صفعة مطار رامون الإسرائيلي أنتجت اليوم واقعاً جديداً عنوانه دوافع في المصلحة المشتركة لتوفير ملاذ وميكانيزمات جديدة تدفع في اتجاه صحوة ثنائية على أمل التخلص من ذلك الصداع.
معركة «ثلاثية» شرسة… «تفاصيل وكواليس»
وقفت «القدس العربي» على كثير من التفاصيل والملابسات، والمشهد كان مبعثراً وتلامس مجدداً مع مشروع إسرائيلي تبين بعد التحري والحفر في التفاصيل أنه يصفع الجانبين معاً.
حدثان منفصلان
قصة تسيير رحلات عبر مطار رامون الإسرائيلي تشمل ركاباً من الفلسطينيين بدأت في العقل الإسرائيلي على هامش حدثين منفصلين.
الأول يعود إلى اللقاء الثلاثي الشهير في منزل وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس بحضور الرئيس محمود عباس والقيادي في السلطة حسين الشيخ، الذي طالب بتسهيل إجراءات وتصاريح السفر للشعب الفلسطيني.
ولدت فكرة رامون على الأرجح في منزل غانس، ولم ينتبه الطرف الفلسطيني إلى أن شريكاً مجاوراً بحجم الأردن يمكن أن يتضرر ويغضب. ثم قبل الخوض في التفاصيل، لاحظت السلطة الفلسطينية بأن الشعار الوحيد الذي حضر به إلى المنطقة الرئيس الأمريكي جو بايدن زائراً تحت عنوان تحسين معيشة الفلسطينيين، يتضمن بندين رئيسين: الأول هو الإيحاء بدعم مؤسسات القدس الشرقية دون أي التزامات محددة، كما لاحظ مبكراً وهو يتحدث لـ«القدس العربي» الباحث والمتابع الأمريكي الفلسطيني الدكتور سنان شقديح. والبند الثاني هو فتح الجسور والمعابر تحت عنوان تسهيل السفر والتنقل لـ 24 ساعة مع الأردن كخطوة أولى ثم مع مصر كخطوة ثانية.
قالها بايدن بصورة عابرة تماماً للإسرائيليين أولاً، وعندما التقى الرئيس عباس ثانياً.. هنا شعر الفلسطينيون بالكمين الأول، وتقرر عدم التفاعل بعدما لاحظوا بأن طاقم بايدن منح البركة لخطة إسرائيل بتسيير رحلات جوية عبر مطار رامون، فيما الأردن كان يتربص بالمسألة أصلاً.
تقرر بعد اجتماع خاص لأركان السلطة الفلسطينية رفض فكرة أن يكون الإنجاز الوحيد الذي يقدمه بايدن للفلسطينيين هو فتح المعابر والجسور مع الأردن لـ 24 ساعة، وقال الرئيس محمود عباس شخصياً في أحد الاجتماعات: «لن نقبل بذلك».
ولتفويت لعبة الاستغلال الإسرائيلية، قرر الجانب الفلسطيني أن النجاح مرتهن بالتذاكي في التعامل مع المسألة، وبإعلان رفض استخدام المطارات الإسرائيلية، واستثمار الموقف عبره ضرب عصفورين بحجر واحد، ثم طرح السؤال: ما هو العصفور الأول ومن الثاني؟ وباختصار، تم تعريف العصفورين.
الأول هو استثمار اهتمام بايدن بقصة تنقل وسفر الفلسطينيين بطرح ورقة مطار قلنديا، وعندما سأل الأمريكيون والإسرائيليون وزراء الاختصاص في السلطة عن صغر حجم مطار قلنديا وكيفية استخدامه، كان الجواب بأن تمكين السلطة من تشغيل مطار قلنديا سيتم ضمن تصنيف يعتبره مطاراً محلياً وصغيراً تتوجه فيه الرحلات إلى محطة مركزية فقط هي عمان.
وهنا العصفور الثاني، بمعنى إقناع الأردنيين ومن بوابة استثمار المشهد برمته، بأن الوقت قد حان لتغيير سلوكهم البيروقراطي على المعابر والجسور، وتحديداً على الجسر المزدحم جداً طوال العام، والذي يحمل اسم الملك الراحل الحسين بن طلال. حضر إلى عمان رئيس وزراء السلطة الدكتور محمد اشتية، ثم كلف وزير النقل والمواصلات في السلطة عاصم سالم، بالتفاوض مع الأردن لإعادة الاعتبار حصراً لجسر الملك حسين. تلك التفصيلات تثبت أن معركة تفاوضية سياسية معقدة كانت منشغلة طوال الوقت قبل وأثناء وبعد زيارة بايدن في مثلث تل أبيب – رام الله – عمان.
لعب الإسرائيليون، فقررت السلطة اللعب، وفكرة عدم توفر القدرة عملياً على منع أي مسافر فلسطيني من ركوب طائرة إسرائيلية بمطار إسرائيلي كانت هي الأساس في تخويف مسؤولي الاختصاص الأردنيين، بدلالة أن الوزير سالم قال علناً في عمان بأن السلطة تنصح رعاياها ولم يستعمل كلمة «تمنع» رعاياها. وعندما استفسرت منه السلطات، أشار إلى أن الأمر معقد، والسلطة في ظل الاحتلال لا تستطيع منع الفلسطيني من كثير من المعطيات التي يمكن أن ينفرد بها الاحتلال. وفي كل حال، في الأثناء أصغت وسمعت عمان التفاصيل التي تقول في أهمها ما لم يكن وزراء الاختصاص يعلمونه مسبقاً.
في تفاصيل رقمية، يدفع الفلسطينيون 4 مليارات دولار على الأقل سنوياً على المعابر الأردنية، وتسجل مجسات البنك الدولي نحو مليونين و600 ألف رحلة سفر فلسطينية في اتجاه الأردن، من الطبيعي أن أغلبها الأعم على جسر الملك حسين حصراً. تلك أرقام لا يستطيع وزير المالية الدكتور محمد العسعس ولا طاقمه تجاهلها عندما تصنف كعوائد للخزينة وللقطاع الخاص الأردني نظير نفقات سفر الفلسطينيين وتنقلهم، وإن تحول الجانب الحكومي الأردني إلى حالة الإصغاء كان منتجاً لكل من الوزير سالم ورئيسه إشتية، مما سمح بتدفق التفاصيل.
قياساً في الدلالات السياسية الأبعد وعنوانها العريض تخفيف الضغط الإسرائيلي والتحايل عند العدو وبالمصالح المشتركة رسمياً هذه المرة وليس شعبياً فقط، يمكن القول بأن المعطيات الرقمية والإجراءات المطلوبة فلسطينياً على المعبر الأردني بسيطة ومتواضعة قياساً بالهدف الأعمق الذي لا يختلف الطرفان عليه.
قال الوزير سالم علناً في عمان ما سمعته «القدس العربي» منه أيضاً: «خيارنا الدائم والأول مطار عمان والأردن، وأملنا كبير بأن يتجاوب الأشقاء معنا».
«أواصر العلاقة بين الشعبين أبعد وأعمق»
وقالها أيضاً نظيره الأردني وجيه العزايزة: «أواصر العلاقة بين الشعبين أبعد وأعمق من أي مستلزمات واحتياجات، والأردن اعترض على أي برنامج لتنظيم رحلات دولية عبر مطار رامون منذ عام 2019 «. ثم جددها لـ«القدس العربي» الوزير العزايزة، قائلاً: «اعترضنا، وسنبقى معترضين ومصرين على الاعتراض».
في الأثناء، قدم الجانب الفلسطيني ملاحظاته واحتياجاته حول لوجستيات الجسور والمعابر، وسلوكيات التعامل، وبيروقراطية ورسوم وأسعار التنقل وشحن الحقائب، وتوفير المواصلات، ونقص الكادر البشري، والازدحام، وتحسين صالات الاستقبال والوداع.
تلك باختصار كانت جزءاً من مواجهة شرسة خلف الستارة والكواليس، اطلعت «القدس العربي» على تفاصيلها «الفلسطينية» على مدار الأسبوعين الماضيين، وانتهت باتفاق أردني فلسطيني حتى الآن يتوافق على معالجة جذرية أعمق في درب التخلص من صداع المعبر والجسر المنتج من باب النكاية والتنكيل إسرائيلياً.
«القدس العربي»
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات