"شفط دهون" يفضي إلى الموت بالأردن .. عيادات غير مرخصة ورقابة غائبة
عمان جو – رداد القلاب
توفيت ماريان الساحوري (32 عاما) تحت مقص طبيب جراحة التجميل عام 2017 بعد أن بذل جهدا لإقناعها بالعملية أكثر مما دقق في البروتوكولات الطبية، للحفاظ على سلامتها تحت التخدير.
ماريان كانت قد "كرهت" جسدها بعد أن ترك عليه طبيب سابق ندوبا من سوء تقطيب الجروح، ثم تعرفت على طبيب آخر -عبر وسائل التواصل الاجتماعي- استمالها بكلمات أحبت سماعها عن "سهولة العملية التي بعدها ستحصل على قوام جميل".
أخبرها الطبيب أيضا بضرورة إجراء عدة عمليات لشفط دهون، وتصحيح ندوب العمليات السابقة، وشد الأرداف، وشد البطن في عملية واحدة مقابل 10 آلاف دينار أردني (14 ألف دولار)، وفقا لشقيق الضحية طارق الساحوري.
أجريت العملية التي أودت بحياتها داخل مستشفى للولادة يخلو من غرف عمليات كبرى لعمليات شفط الدهون، ولم تجر لها الفحوص الطبية اللازمة، مثل فحص الأنسجة وكريات الدم.
ويؤكد شقيقها أن الطبيب لم يحسب كميات الدهون المراد شفطها، ولم يتفقد جسدها، خصوصا أنها تعاني من كسر قديم نجم عنه تثبيت "براغٍ" في إحدى رجليها.
بحسب ملف القضية -التي لا تزال منظورة أمام القضاء منذ 2017- انشغل الطبيب (المتهم الرئيسي) في اليوم ذاته والتوقيت نفسه بعمليات أخرى، فرسم على جسد المرحومة أماكن الشفط، ثم شرح مراحل العملية لطبيب آخر اختصاص جراحة عامة غير مرخص لممارسة العمل في الأردن.
حقن الطبيب "المساعد غير المختص" مناطق الجسد بمادة إذابة الدهون في الأماكن المزمع شفط الدهون منها مرة واحدة، ولم تتوقف العملية رغم انخفاض ضغط دم الضحية إلى 50/80، وهذا مؤشر خطر على الحياة، وحين احتاجت الضحية وحدات دم إضافية تبين عدم معرفتهم فئته.
ماريان والعديد من الساعين لتجميل أجسادهم من عرب وأردنيين يتعرضون لخطر الموت أو الإصابة بعاهات دائمة بعد أن تستقطبهم إعلانات لعيادات ومراكز تجميل تروج لعمليات شفط دهون ونحت الأجساد بأسعار رخيصة وبالتقسيط.
ضمن البحث والتقصي عن عمليات "شفط الدهون" في الأردن عاين معد التحقيق عشرات الفيديوهات التي تقشعر لها الأبدان لمريضات مستلقيات على أسرّة طبية داخل عيادات ومراكز خاصة، إذ تظهر مريضات بكامل وعيهن وهن يصرخن ألما بسبب دخول المشارط الطبية إلى أجسادهن في مناطق مختلفة، سواء تحت الإبط أو البطن أو الأرداف، وسط نزيف من الدماء التي ملأت المكان بعيدا عن أعين الرقابة الضعيفة بالأصل.
تجرى معظم العمليات الخطيرة بتخدير موضعي قد ينتهي أثناء العملية ومن دون إشراف طبي من اختصاصي التخدير وعدم تحضير المرضى المسبق، في مخالفات متعددة لمتطلبات نقابة الأطباء لإجراء عمليات شفط الدهون.
" شروط إجراء العملية
يسمح بإذابة الدهون من مكان ووضعها في مكان آخر، وبما لا يزيد على 500 سنتيمترا مكعبا، ولا يندرج تحت مسمى "شفط دهون"، وتجرى العملية من قبل اختصاصي جراحة الجلدية فقط.
العمليات التي رصدها التحقيق يجب إجراؤها في المستشفيات داخل غرف العمليات الكبرى، وأن تكون مهيأة لإجراء تدخل جراحي بسبب مضاعفات العملية من الجلطات الدهنية التي تتحرك نحو القلب والرئة وقد تؤدي إلى الوفاة، إضافة إلى تخدير كامل بوجود طبيب تخدير"
"فلتان" في عمليات شفط الدهون
منى.. سعاد.. رحمة
لقيت طبيبة الأسنان (غ. ب) مصير ماريان داخل عيادة خاصة على يد طبيب اختصاص جراحة عامة، ومن دون وجود طبيب تخدير، أو إخضاعها لفحوص طبية قبل العملية.
يقول الدكتور وليد حدادين اختصاصي جراحة تجميل وترميم وحروق إنه تبين من تحقيقات نقابة الأطباء أن جراح طبيبة الأسنان أدين بخطأ طبي جراء عمليات شفط دهون لشخصين، ووجهت له تنبيهات فقط، وبعد التنبيه بـ3 أسابيع توفيت طبيبة الأسنان، وكان سبب الوفاة "الموت من شدة الألم".
يتفق عضو لجنة نقابة الأطباء الدكتور محمد بربراوي ومعه وزير الصحة الأسبق واختصاصي جراحة التجميل والترميم غازي الزبن على غياب الرقابة الحقيقية على العيادات والمستشفيات ومراكز التجميل والمختبرات والصيدليات.
وبحسب رئيس لجنة الشكاوى في نقابة الأطباء محمد بربراوي، فقد بلغ عدد الشكاوى 43 قضية قدمت للنقابة في الفترة من 6 أغسطس/آب حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2020، وجرى تحويل 9 قضايا إلى لجنة التأديب النقابية بسبب قيام المتهمين فيها بعمليات شفط دهون وهم لا يحملون تخصص جراحة التجميل.
كما أحيلت 5 شكاوى إلى الوزارة بسبب قيام الأطباء بعمليات شفط دهون داخل عيادات ومراكز طبية، نتائج التحقيق أفضت إلى توقيف 5 أطباء مؤقتا عن ممارسة المهنة، منهم الطبيب الذي تسبب بوفاة طبيبة أسنان.
ينص قانون نقابة الأطباء الأردنية رقم (13) لسنة 1972 وتعديلاته (المادة 5/ج) على أن يشطب اسم الطبيب من سجل الأطباء إذا صدر بذلك "قرار تأديبي" وحفظ سائر الشكاوى بعد التوصل إلى حل سلمي بين المريض والطبيب
رقابة لا تتناسب مع حجم السوق
بدوره، أكد الموظف المسؤول في قسم التفتيش والرقابة في وزارة الصحة أحمد السخارنة أن عدد موظفي القسم الوحيد المخول بالتفتيش في وزارة الصحة يبلغ 72 موظفا يتوزعون على مديريات الصحة في محافظات المملكة، بينهم 7 موظفين في مركز الوزارة، مقابل 28 ألفا و911 طبيبا و118 مستشفى حكوميا وتعليميا وخاصا.
ويقر السخارنة بتلقي القسم الذي يديره 400 إلى 600 شكوى شهريا، سواء مباشرة أو عبر الخط الساخن أو عبر المديريات في المحافظات، من بين مئات الشكاوى تقرر إغلاق 20-25 عيادة مخالفة وتحويل أصحابها إلى النائب العام لقيامها بعمليات شفط دهون في النصف الثاني من 2021.
ويتفق وزير الصحة الأسبق غازي الزبن مع عضوي نقابة الأطباء الأردنيين محمد بربراوي وميسم عكروش على أن عدد موظفي مديرية التراخيص والتفتيش في الوزارة غير كاف، ولا يقومون بمراقبة حقيقية، فيما يرى الزبن أن ضعف الرقابة يفتح باب شبهة "المفسدة"، بمعنى إمكانية تلقي أي موظف في الرقابة والتفتيش رشاوى مقابل السكوت عن مخالفة ما في عيادة أو مركز أو مستشفى أو صيدلية أو مختبر.
دعا هؤلاء المسؤولون والمختصون إلى تعديل القوانين وتغليظ العقوبة وسرعة البت في القضايا لدى المحاكم وألا تصل إلى 5 سنوات.
وذكر مثال لطبيب يحمل شهادة في الجراحة العامة ويعمل مدرس جراحة طب الأطفال في إحدى الجامعات الرسمية ويمارس جراحة التجميل في عيادته الخاصة وبحقه شكاوى عديدة، ولكن لا أحد يسأله، بحسب الزبن، وهو ما اعتبره بربراوي ثغرة في التشريعات النافذة.
انتقد بربراوي مواد العقوبات الواردة في قانون نقابة الأطباء، ووصفها بـ"القديمة"، مطالبا بإعادة النظر في القانون والأنظمة والتعليمات الناظمة، وقال إن العقوبات تتدرج وفقا للمادة 55 من قانون نقابة الأطباء الأردنيين رقم 13 لسنة 1973 وتعديلاته، إذ يغرم الطبيب المخالف ما لا يقل عن 100 دينار ولا يزيد على ألف دينار.
وحذر بربراوي من دخول أطباء الأسنان إلى عمليات التجميل، مشددا على أن القانون لا يسمح لهم القيام بهذا العمل ولا يسمح إلا لأطباء الأسنان الذين يحملون اختصاص جراحة الفكين والأنف بإجراء عمليات "تجميل للوجه فقط".
ويطالب هؤلاء المسؤولون برفد مديرية المهن والتراخيص بكوادر، وتحويلها إلى مديرية مستقلة مثل مؤسسة الغذاء والدواء، وضرورة بحث المريض عن الطبيب المنوي الاستطباب على يديه ومعرفة اختصاصه ومهنيته، والابتعاد عن الدعايات التجارية التي تجتاح الفضاء الإلكتروني.
اللجنة الفنية العليا ترفض الإفصاح عن إحصاءاتها
رفض رئيس اللجنة الفنية العليا في وزارة الصحة الدكتور عبد الهادي بريزات تزويدنا بالإحصائيات الطبية التي نظرتها اللجنة في ما يخص مخالفات "شفط الدهون" بحجة أن كل مراسلات اللجنة سرية ولا يجوز تسريبها وفقا للمادة (19/أ) من قانون المسؤولية الطبية والصحية رقم (25) لسنة 2018.
وأكد بريزات أن اللجنة لا تستقبل الشكاوى من الأطراف المتخاصمة وفقا للقانون الذي حصر تلقي الشكاوى بالوزير أو النقابات المعنية (الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة) أو من القضاء، وأن اللجنة ترد على طلب الجهات القضائية المختصة أو وزير الصحة.
إعلانات تخالف الدستور الطبي بلا رقيب
يقول الدكتور وليد حدادين: راجعتني المريضة (هـ. ز) التي تحمل شهادة الدكتوراه، وتعاني من "منطقة ناشفة ميتة بعد إجراء عملية شفط دهون"، فقدمت شكوى من أطباء تجميل إلى النقابة بحق المراكز التي تعلن عبر فيسبوك بـ7 صفحات عن عمليات شد الترهلات وعلاج السمنة يجريها في مراكز خاصة، واكتفت النقابة بتوقيع الطبيب على تعهد بإقفال الصفحات، وبعد أسبوع من التعهد عادت الصفحات لتعلن عن خدماتها.
وكشف الدكتور حدادين عن تدني أسعار عمليات التجميل في الإعلانات المضللة عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، فمثلا تكلفة شد البطن تتراوح بين 1090 و1350 دينارا أردنيا، في حين أن تكلفة العملية بحسب لائحة الأجور تتراوح بين ألفين و2200 دينار، لأنها تتضمن تكاليف التخدير والإنعاش وتكاليف غرفة العمليات في المستشفى، وبهذا فإن الإعلان يخالف الدستور الطبي الأردني الذي يمنع المقاولات.
يتم احتساب الأجور الطبية بطريقتين: الأولى تحتوي على الكشفيات والاستشارات والإشراف الطبي وبعض الإجراءات في العيادات للتخصصات بالدينار الأردني، أما الطريقة الأخرى فتوضع نقاط تعطي كل إجراء الحد الأدنى للنقطة الواحدة بواقع 2.8 دينار، أما الحد الأعلى للنقطة فيحتسب 3.5 دنانير وفقا للائحة الطبية.
طالبت الناطقة الرسمية باسم نقابة الأطباء الأردنيين الدكتورة ميسم عكروش بتعديل قانون الصحة العامة النافذ بنشر أسماء المخالفين أسوة بما يجري في دول العالم المتقدم، مشددة على أن جزءا من المشكلة يقع على كاهل المرضى الذين يبحثون عن أسعار أقل أو إجراء عمليات تجميل بالأقساط، وهذا مخالف وممنوع وفقا لقانون النقابة، أو الالتزام بلائحة الأجور الطبية وعدم إجراء عمليات بنظام المقاولة.
نظام المقاولات:
استيفاء أجور الأطباء والمستشفى مرة واحدة خارج إطار التسعيرة الرسمية للنقابة، مما يؤثر سلبا على نوعية الخدمة العلاجية المقدمة للمرضى وحقوق الطبيب
وتقر عكروش بوجود مراكز غير طبية كثيرة تجري عمليات شفط الدهون، مشددة على منع أطباء الأسنان والصيادلة القيام بعمليات شفط الدهون ولايسمح لهم أيضا بممارسة عمليات "الفيلر والبوتكس"، وأكدت على وجود أطباء كرروا مخالفات عمليات شفط الدهون.
وبحسب رئيس جمعية جراحي التجميل والترميم قصي موسى ورئيس لجنة الشكاوى في نقابة الأطباء محمد بربراوي، فان إقرار "الوصف الوظيفي" للأطباء من قبل وزير الصحة يحل جزءا كبيرا من تعدي أطباء على اختصاصات أخرى، إذ يحدد الوصف الوظيفي للعمليات والإجراءات المسموح للطبيب القيام بها ضمن اختصاصه، وأي مخالفة للوصف الوظيفي تعتبر تعديا على المهنة، وهو ما طالبت بإقراره كل من النقابة والجمعية والوزير منذ 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ولم يتم لغاية اللحظة.
واجهنا وزير الصحة فراس هواري أكثر من مرة عبر اتصالات هاتفية ورسائل نصية حول الأسباب في عدم إقرار "الوصف الوظيفي" للأطباء المسموح لهم إجراء عمليات التجميل وشفط الدهون، لكنه رفض الرد.
القانون شيء وما يجري داخل غرف عمليات مستشفيات وعيادات ومراكز خاصة شيء مغاير تماما، حيث أظهرت الوثائق التي حصلنا عليها من العيادات والمراكز، مما لا يدع مجالا للشك أن عمليات شفط دهون تتم بمخالفة القوانين والأنظمة والتعليمات الناظمة في الأردن بعيدا عن الرقابة، وعن أي برتوكول طبي واضح.
هذا التحقيق أنجزته شبكة "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية" (أريج).
عمان جو – رداد القلاب
توفيت ماريان الساحوري (32 عاما) تحت مقص طبيب جراحة التجميل عام 2017 بعد أن بذل جهدا لإقناعها بالعملية أكثر مما دقق في البروتوكولات الطبية، للحفاظ على سلامتها تحت التخدير.
ماريان كانت قد "كرهت" جسدها بعد أن ترك عليه طبيب سابق ندوبا من سوء تقطيب الجروح، ثم تعرفت على طبيب آخر -عبر وسائل التواصل الاجتماعي- استمالها بكلمات أحبت سماعها عن "سهولة العملية التي بعدها ستحصل على قوام جميل".
أخبرها الطبيب أيضا بضرورة إجراء عدة عمليات لشفط دهون، وتصحيح ندوب العمليات السابقة، وشد الأرداف، وشد البطن في عملية واحدة مقابل 10 آلاف دينار أردني (14 ألف دولار)، وفقا لشقيق الضحية طارق الساحوري.
أجريت العملية التي أودت بحياتها داخل مستشفى للولادة يخلو من غرف عمليات كبرى لعمليات شفط الدهون، ولم تجر لها الفحوص الطبية اللازمة، مثل فحص الأنسجة وكريات الدم.
ويؤكد شقيقها أن الطبيب لم يحسب كميات الدهون المراد شفطها، ولم يتفقد جسدها، خصوصا أنها تعاني من كسر قديم نجم عنه تثبيت "براغٍ" في إحدى رجليها.
بحسب ملف القضية -التي لا تزال منظورة أمام القضاء منذ 2017- انشغل الطبيب (المتهم الرئيسي) في اليوم ذاته والتوقيت نفسه بعمليات أخرى، فرسم على جسد المرحومة أماكن الشفط، ثم شرح مراحل العملية لطبيب آخر اختصاص جراحة عامة غير مرخص لممارسة العمل في الأردن.
حقن الطبيب "المساعد غير المختص" مناطق الجسد بمادة إذابة الدهون في الأماكن المزمع شفط الدهون منها مرة واحدة، ولم تتوقف العملية رغم انخفاض ضغط دم الضحية إلى 50/80، وهذا مؤشر خطر على الحياة، وحين احتاجت الضحية وحدات دم إضافية تبين عدم معرفتهم فئته.
ماريان والعديد من الساعين لتجميل أجسادهم من عرب وأردنيين يتعرضون لخطر الموت أو الإصابة بعاهات دائمة بعد أن تستقطبهم إعلانات لعيادات ومراكز تجميل تروج لعمليات شفط دهون ونحت الأجساد بأسعار رخيصة وبالتقسيط.
ضمن البحث والتقصي عن عمليات "شفط الدهون" في الأردن عاين معد التحقيق عشرات الفيديوهات التي تقشعر لها الأبدان لمريضات مستلقيات على أسرّة طبية داخل عيادات ومراكز خاصة، إذ تظهر مريضات بكامل وعيهن وهن يصرخن ألما بسبب دخول المشارط الطبية إلى أجسادهن في مناطق مختلفة، سواء تحت الإبط أو البطن أو الأرداف، وسط نزيف من الدماء التي ملأت المكان بعيدا عن أعين الرقابة الضعيفة بالأصل.
تجرى معظم العمليات الخطيرة بتخدير موضعي قد ينتهي أثناء العملية ومن دون إشراف طبي من اختصاصي التخدير وعدم تحضير المرضى المسبق، في مخالفات متعددة لمتطلبات نقابة الأطباء لإجراء عمليات شفط الدهون.
" شروط إجراء العملية
يسمح بإذابة الدهون من مكان ووضعها في مكان آخر، وبما لا يزيد على 500 سنتيمترا مكعبا، ولا يندرج تحت مسمى "شفط دهون"، وتجرى العملية من قبل اختصاصي جراحة الجلدية فقط.
العمليات التي رصدها التحقيق يجب إجراؤها في المستشفيات داخل غرف العمليات الكبرى، وأن تكون مهيأة لإجراء تدخل جراحي بسبب مضاعفات العملية من الجلطات الدهنية التي تتحرك نحو القلب والرئة وقد تؤدي إلى الوفاة، إضافة إلى تخدير كامل بوجود طبيب تخدير"
"فلتان" في عمليات شفط الدهون
منى.. سعاد.. رحمة
لقيت طبيبة الأسنان (غ. ب) مصير ماريان داخل عيادة خاصة على يد طبيب اختصاص جراحة عامة، ومن دون وجود طبيب تخدير، أو إخضاعها لفحوص طبية قبل العملية.
يقول الدكتور وليد حدادين اختصاصي جراحة تجميل وترميم وحروق إنه تبين من تحقيقات نقابة الأطباء أن جراح طبيبة الأسنان أدين بخطأ طبي جراء عمليات شفط دهون لشخصين، ووجهت له تنبيهات فقط، وبعد التنبيه بـ3 أسابيع توفيت طبيبة الأسنان، وكان سبب الوفاة "الموت من شدة الألم".
يتفق عضو لجنة نقابة الأطباء الدكتور محمد بربراوي ومعه وزير الصحة الأسبق واختصاصي جراحة التجميل والترميم غازي الزبن على غياب الرقابة الحقيقية على العيادات والمستشفيات ومراكز التجميل والمختبرات والصيدليات.
وبحسب رئيس لجنة الشكاوى في نقابة الأطباء محمد بربراوي، فقد بلغ عدد الشكاوى 43 قضية قدمت للنقابة في الفترة من 6 أغسطس/آب حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2020، وجرى تحويل 9 قضايا إلى لجنة التأديب النقابية بسبب قيام المتهمين فيها بعمليات شفط دهون وهم لا يحملون تخصص جراحة التجميل.
كما أحيلت 5 شكاوى إلى الوزارة بسبب قيام الأطباء بعمليات شفط دهون داخل عيادات ومراكز طبية، نتائج التحقيق أفضت إلى توقيف 5 أطباء مؤقتا عن ممارسة المهنة، منهم الطبيب الذي تسبب بوفاة طبيبة أسنان.
ينص قانون نقابة الأطباء الأردنية رقم (13) لسنة 1972 وتعديلاته (المادة 5/ج) على أن يشطب اسم الطبيب من سجل الأطباء إذا صدر بذلك "قرار تأديبي" وحفظ سائر الشكاوى بعد التوصل إلى حل سلمي بين المريض والطبيب
رقابة لا تتناسب مع حجم السوق
بدوره، أكد الموظف المسؤول في قسم التفتيش والرقابة في وزارة الصحة أحمد السخارنة أن عدد موظفي القسم الوحيد المخول بالتفتيش في وزارة الصحة يبلغ 72 موظفا يتوزعون على مديريات الصحة في محافظات المملكة، بينهم 7 موظفين في مركز الوزارة، مقابل 28 ألفا و911 طبيبا و118 مستشفى حكوميا وتعليميا وخاصا.
ويقر السخارنة بتلقي القسم الذي يديره 400 إلى 600 شكوى شهريا، سواء مباشرة أو عبر الخط الساخن أو عبر المديريات في المحافظات، من بين مئات الشكاوى تقرر إغلاق 20-25 عيادة مخالفة وتحويل أصحابها إلى النائب العام لقيامها بعمليات شفط دهون في النصف الثاني من 2021.
ويتفق وزير الصحة الأسبق غازي الزبن مع عضوي نقابة الأطباء الأردنيين محمد بربراوي وميسم عكروش على أن عدد موظفي مديرية التراخيص والتفتيش في الوزارة غير كاف، ولا يقومون بمراقبة حقيقية، فيما يرى الزبن أن ضعف الرقابة يفتح باب شبهة "المفسدة"، بمعنى إمكانية تلقي أي موظف في الرقابة والتفتيش رشاوى مقابل السكوت عن مخالفة ما في عيادة أو مركز أو مستشفى أو صيدلية أو مختبر.
دعا هؤلاء المسؤولون والمختصون إلى تعديل القوانين وتغليظ العقوبة وسرعة البت في القضايا لدى المحاكم وألا تصل إلى 5 سنوات.
وذكر مثال لطبيب يحمل شهادة في الجراحة العامة ويعمل مدرس جراحة طب الأطفال في إحدى الجامعات الرسمية ويمارس جراحة التجميل في عيادته الخاصة وبحقه شكاوى عديدة، ولكن لا أحد يسأله، بحسب الزبن، وهو ما اعتبره بربراوي ثغرة في التشريعات النافذة.
انتقد بربراوي مواد العقوبات الواردة في قانون نقابة الأطباء، ووصفها بـ"القديمة"، مطالبا بإعادة النظر في القانون والأنظمة والتعليمات الناظمة، وقال إن العقوبات تتدرج وفقا للمادة 55 من قانون نقابة الأطباء الأردنيين رقم 13 لسنة 1973 وتعديلاته، إذ يغرم الطبيب المخالف ما لا يقل عن 100 دينار ولا يزيد على ألف دينار.
وحذر بربراوي من دخول أطباء الأسنان إلى عمليات التجميل، مشددا على أن القانون لا يسمح لهم القيام بهذا العمل ولا يسمح إلا لأطباء الأسنان الذين يحملون اختصاص جراحة الفكين والأنف بإجراء عمليات "تجميل للوجه فقط".
ويطالب هؤلاء المسؤولون برفد مديرية المهن والتراخيص بكوادر، وتحويلها إلى مديرية مستقلة مثل مؤسسة الغذاء والدواء، وضرورة بحث المريض عن الطبيب المنوي الاستطباب على يديه ومعرفة اختصاصه ومهنيته، والابتعاد عن الدعايات التجارية التي تجتاح الفضاء الإلكتروني.
اللجنة الفنية العليا ترفض الإفصاح عن إحصاءاتها
رفض رئيس اللجنة الفنية العليا في وزارة الصحة الدكتور عبد الهادي بريزات تزويدنا بالإحصائيات الطبية التي نظرتها اللجنة في ما يخص مخالفات "شفط الدهون" بحجة أن كل مراسلات اللجنة سرية ولا يجوز تسريبها وفقا للمادة (19/أ) من قانون المسؤولية الطبية والصحية رقم (25) لسنة 2018.
وأكد بريزات أن اللجنة لا تستقبل الشكاوى من الأطراف المتخاصمة وفقا للقانون الذي حصر تلقي الشكاوى بالوزير أو النقابات المعنية (الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة) أو من القضاء، وأن اللجنة ترد على طلب الجهات القضائية المختصة أو وزير الصحة.
إعلانات تخالف الدستور الطبي بلا رقيب
يقول الدكتور وليد حدادين: راجعتني المريضة (هـ. ز) التي تحمل شهادة الدكتوراه، وتعاني من "منطقة ناشفة ميتة بعد إجراء عملية شفط دهون"، فقدمت شكوى من أطباء تجميل إلى النقابة بحق المراكز التي تعلن عبر فيسبوك بـ7 صفحات عن عمليات شد الترهلات وعلاج السمنة يجريها في مراكز خاصة، واكتفت النقابة بتوقيع الطبيب على تعهد بإقفال الصفحات، وبعد أسبوع من التعهد عادت الصفحات لتعلن عن خدماتها.
وكشف الدكتور حدادين عن تدني أسعار عمليات التجميل في الإعلانات المضللة عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، فمثلا تكلفة شد البطن تتراوح بين 1090 و1350 دينارا أردنيا، في حين أن تكلفة العملية بحسب لائحة الأجور تتراوح بين ألفين و2200 دينار، لأنها تتضمن تكاليف التخدير والإنعاش وتكاليف غرفة العمليات في المستشفى، وبهذا فإن الإعلان يخالف الدستور الطبي الأردني الذي يمنع المقاولات.
يتم احتساب الأجور الطبية بطريقتين: الأولى تحتوي على الكشفيات والاستشارات والإشراف الطبي وبعض الإجراءات في العيادات للتخصصات بالدينار الأردني، أما الطريقة الأخرى فتوضع نقاط تعطي كل إجراء الحد الأدنى للنقطة الواحدة بواقع 2.8 دينار، أما الحد الأعلى للنقطة فيحتسب 3.5 دنانير وفقا للائحة الطبية.
طالبت الناطقة الرسمية باسم نقابة الأطباء الأردنيين الدكتورة ميسم عكروش بتعديل قانون الصحة العامة النافذ بنشر أسماء المخالفين أسوة بما يجري في دول العالم المتقدم، مشددة على أن جزءا من المشكلة يقع على كاهل المرضى الذين يبحثون عن أسعار أقل أو إجراء عمليات تجميل بالأقساط، وهذا مخالف وممنوع وفقا لقانون النقابة، أو الالتزام بلائحة الأجور الطبية وعدم إجراء عمليات بنظام المقاولة.
نظام المقاولات:
استيفاء أجور الأطباء والمستشفى مرة واحدة خارج إطار التسعيرة الرسمية للنقابة، مما يؤثر سلبا على نوعية الخدمة العلاجية المقدمة للمرضى وحقوق الطبيب
وتقر عكروش بوجود مراكز غير طبية كثيرة تجري عمليات شفط الدهون، مشددة على منع أطباء الأسنان والصيادلة القيام بعمليات شفط الدهون ولايسمح لهم أيضا بممارسة عمليات "الفيلر والبوتكس"، وأكدت على وجود أطباء كرروا مخالفات عمليات شفط الدهون.
وبحسب رئيس جمعية جراحي التجميل والترميم قصي موسى ورئيس لجنة الشكاوى في نقابة الأطباء محمد بربراوي، فان إقرار "الوصف الوظيفي" للأطباء من قبل وزير الصحة يحل جزءا كبيرا من تعدي أطباء على اختصاصات أخرى، إذ يحدد الوصف الوظيفي للعمليات والإجراءات المسموح للطبيب القيام بها ضمن اختصاصه، وأي مخالفة للوصف الوظيفي تعتبر تعديا على المهنة، وهو ما طالبت بإقراره كل من النقابة والجمعية والوزير منذ 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ولم يتم لغاية اللحظة.
واجهنا وزير الصحة فراس هواري أكثر من مرة عبر اتصالات هاتفية ورسائل نصية حول الأسباب في عدم إقرار "الوصف الوظيفي" للأطباء المسموح لهم إجراء عمليات التجميل وشفط الدهون، لكنه رفض الرد.
القانون شيء وما يجري داخل غرف عمليات مستشفيات وعيادات ومراكز خاصة شيء مغاير تماما، حيث أظهرت الوثائق التي حصلنا عليها من العيادات والمراكز، مما لا يدع مجالا للشك أن عمليات شفط دهون تتم بمخالفة القوانين والأنظمة والتعليمات الناظمة في الأردن بعيدا عن الرقابة، وعن أي برتوكول طبي واضح.
هذا التحقيق أنجزته شبكة "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية" (أريج).