الأردن في السؤال الأصعب: ما الذي يعنيه إعلان النوايا الجديد الخاص بنهر الأردن؟
عمان جو- بسام البدارين
“إسرائيل سرقت نهر الأردن”… تلك حقيقة واقعية وبيئية وفنية وقانونية وأخلاقية ثابتة برأي خبير ملف المياه الأردني البارز وخبير المفاوضات كما كانت في الماضي الدكتور دريد المحاسنة، الذي استفسر كثيرون في عمان عن تقديره ورأيه الفني بمرحلة ما بعد توقيع ما سمي بإعلان النوايا الجديد الخاص بنهر الأردن.
وقع ذلك الإعلان وزير المياه الأردني محمد النجار. ولم تشرح لا الوزارة ولا الحكومة بعدها ما الذي يعنيه بصفة محددة إعلان النوايا الجديد، الذي يعتقد كثيرون على مستوى الرقابة السياسية العامة بأن وظيفته سياسية فقط وليست فنية أو عملية، ومقتصرة على الإيحاء بأن العلاقات التطبيعية يمكنها أن تستمر بين الأردن وإسرائيل حتى في حلتها اليمينية الجديدة.
في المقابل، يبدو أن وسائل ومنابر الإعلان الرسمي تجنبت الرأي الفني والسياسي والوطني للدكتور محاسنة وآخرين بشأن إعلان النوايا الجديد ومغازيه، فيما يدعو خبراء دبلوماسيون كثر وسياسيون أكثر إلى الوقوف مجدداً وبجدية على محطة التأمل العميق ليس لجس النبض فقط، ولكن لمعرفة موطئ القدم الأردنية في خطوتها التالية، خصوصاً تحت عناوين التعايش مع الحالة اليمينية الإسرائيلية المتشددة الجديدة والحالية، أو تحت عناوين ما تسميه نخبة الأمر الواقع الموضوعي في عمان بالاشتباك البراغماتي لتحريز وحماية المصالح.
ذريعة
توقيع إعلان نوايا بذريعة الحفاظ على بيئة نهر الأردن وتنظيف حوافه قرأه بيان لحزب جبهة العمل الإسلامي المعارض باعتباره استرسالاً جديداً في التطبيع والتواصل خارج سياق المصالح الوطنية الأردنية، وأيضاً خارج سياق ثوابت خطاب الدولة والشارع معاً، مع تأكيد الحزب المعارض على ضرورة مراجعة سياسة تسليم العدو الإسرائيلي ملفات استراتيجية وأساسية في البنية التحتية، من بينها ملف أمن الطاقة وأمن المياه.
يعلم الجميع خلف الكواليس أن دولاً عربية مثل الإمارات بصفة رئيسية ومصر بصفة فرعية مع بعض الأطراف الأمريكية، بذلت جهداً كبيراً في الأسابيع القليلة الماضية لتنمية حس التعايش البراغماتي بين الأردن وحكومة بنيامين نتنياهو التي لم تتشكل بعد، وبصورة مرجحة تحت عناوين كفالات عربية تقدم للأردن من أجل إقامة جسور التعاون بينه وبين نتنياهو وطاقمه.
تستجيب وتتفاعل الحكومة الأردنية بحذر شديد، لأن مفاصل يبدو أنها عميقة ومهمة، هي على المحك اليوم.
وخطوة إعلان نوايا مسألة نهر الأردن جزء من هذا السياق، لكن بالنسبة للدكتور المحاسنة الذي اشتبك طوال سنوات المفاوضات مع الإسرائيلي إبان مرحلة اتفاقية وادي عربة وما بعدها، فالمقاربة مختلفة تماماً اليوم؛ حيث الحديث عن إعلان نوايا تحت عنوان تطوير بيئة نهر الأردن يغفل الحقائق والوقائع، برأي الخبير الدكتور المحاسنة الذي ترأس الجانب الأردني في الماضي ولعدة سنوات في مفاوضات ملف المياه.
المقاربة التي شرحها المحاسنة لـ”القدس العربي” من وجهة نظره تقول وقائع واضحة الملامح بأن المخاطر البيئية التي يعيشها اليوم نهر الأردن يعرف الجميع من ارتكبها وتسبب بها. وهي نتيجة لسلسلة من التصرفات الميدانية الإسرائيلية سبقت حتى عملية السلام، وبالتالي فأي حديث يقرع جرس الانتباه للوضع البيئي في تربة وحواف نهر الأردن ينبغي ألا يغفل حقائق تاريخية، إضافة إلى أنه يجب على المتحدثين ليس فقط التحدث عن الجريمة، ولكن عن مسؤولية المجرم ومن ارتكبها بعد سلسلة طويلة من التسويف والمماطلة الإسرائيلية والتضليل وفي كل ملفات المشاريع التي اتفق عليها قبل وبعد اتفاقية السلام.
وجهة نظر المحاسنة تقول إن إسرائيل هي المسؤول الأول والوحيد عن انهيار وتراجع الزراعة على جوانب وحواف نهر الأردن، وعن أي تلوث يحيط ببيئة النهر العظيم، ومن ثم فواجب المسؤول الأردني اليوم أن يقول بوضوح هذا الخطاب ويتم التعامل مع مشكلات نهر الأردن البيئية وفقاً للأساس التاريخي الموثق لما اقترفه الإسرائيليون.
والحديث على الأرجح هنا عن مشروع إسرائيلي منذ عام 1964 تم تنفيذه بتحويل مياه نهر الأردن إلى منطقة النقب من جانب الاحتلال، الأمر الذي انتهى ليس فقط بالتراجع الحاد مائياً وزراعياً وبيئياً في نهر الأردن وعلى جانبيه، لكنه انتهى بالتسبب أيضاً بانخفاض منسوب مياه البحر الميت. وهو أمر لا تذكره الأدبيات والبيانات والاتفاقيات الرسمية التي يؤكد محاسنة وغيره من المفاوضين السابقين، بما في ذلك وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، أن إسرائيل انقلبت عليها الواحدة تلو الأخرى.
من سرق مياه النهر؟
المفروض – وفقاً للمحاسنة – أن من سرق مياه نهر الأردن عليه واجب إعادتها، وأن كلفة معالجة المشكلات البيئية تقع في المسؤولية القانونية بموجب حتى القوانين الدولية على من تسبب بهذه المخالفات.
والخلاصة هنا أن إعلان النوايا الموقع لا يعني شيئاً، لأن الأردن له حقوق بتعويضات قانونية ومالية اليوم جراء مشروع إسرائيلي قديم خدش كل أنماط الحياة في نهر الأردن. وسبق حتى عام 1964 اتخاذ القرار بشأنه.
وبالتالي، تحميل الطرف المتسبب المسؤولية ومطالبته أولاً بتعويضات، وثانياً بمعالجة الآثار البيئية السلبية التي تسبب بها، هو جوهر أو ينبغي أن يكون جوهر أي اشتباك أردني له علاقة بإسرائيل في ملف نهر الأردن الحساس والذي يؤثر -برأي الخبراء، وبالمعنى الحرفي- على ملف أكثر حساسية، هو موت البحر الميت ببطء جراء انخفاض منسوب المياه فيه سنوياً بسبب سياسات إسرائيل وخطواتها.
ومن بينها تحويل مجرى نهر الأردن وسرقة مياهه وضخها في النقب في عملية لصوصية واضحة الملامح، لا تتحدث الحكومة الأردنية عن تلك العملية ولا تشرح التفاصيل، فيما يكشف توقيع إعلان النوايا الجديد بخصوص نهر الأردن عما هو أبعد وأعمق من أغراض وظيفية تبدو صغيرة لكنها ضخمة التأثير، عندما يتعلق الأمر بمسار التعايش مع حالة اليمين الإسرائيلي الجديدة. وهو تعايش قد يفضي إلى مشكلات وتعقيدات لا قبل للأردن بها إذا ما أصبح نمطاً من الاسترسال، وتحول تحت الضغط المصري والإماراتي إلى استراتيجية عمل مرحلية يرى كثيرون أنها مفعمة بالمخاطر.القدس العربي
عمان جو- بسام البدارين
“إسرائيل سرقت نهر الأردن”… تلك حقيقة واقعية وبيئية وفنية وقانونية وأخلاقية ثابتة برأي خبير ملف المياه الأردني البارز وخبير المفاوضات كما كانت في الماضي الدكتور دريد المحاسنة، الذي استفسر كثيرون في عمان عن تقديره ورأيه الفني بمرحلة ما بعد توقيع ما سمي بإعلان النوايا الجديد الخاص بنهر الأردن.
وقع ذلك الإعلان وزير المياه الأردني محمد النجار. ولم تشرح لا الوزارة ولا الحكومة بعدها ما الذي يعنيه بصفة محددة إعلان النوايا الجديد، الذي يعتقد كثيرون على مستوى الرقابة السياسية العامة بأن وظيفته سياسية فقط وليست فنية أو عملية، ومقتصرة على الإيحاء بأن العلاقات التطبيعية يمكنها أن تستمر بين الأردن وإسرائيل حتى في حلتها اليمينية الجديدة.
في المقابل، يبدو أن وسائل ومنابر الإعلان الرسمي تجنبت الرأي الفني والسياسي والوطني للدكتور محاسنة وآخرين بشأن إعلان النوايا الجديد ومغازيه، فيما يدعو خبراء دبلوماسيون كثر وسياسيون أكثر إلى الوقوف مجدداً وبجدية على محطة التأمل العميق ليس لجس النبض فقط، ولكن لمعرفة موطئ القدم الأردنية في خطوتها التالية، خصوصاً تحت عناوين التعايش مع الحالة اليمينية الإسرائيلية المتشددة الجديدة والحالية، أو تحت عناوين ما تسميه نخبة الأمر الواقع الموضوعي في عمان بالاشتباك البراغماتي لتحريز وحماية المصالح.
ذريعة
توقيع إعلان نوايا بذريعة الحفاظ على بيئة نهر الأردن وتنظيف حوافه قرأه بيان لحزب جبهة العمل الإسلامي المعارض باعتباره استرسالاً جديداً في التطبيع والتواصل خارج سياق المصالح الوطنية الأردنية، وأيضاً خارج سياق ثوابت خطاب الدولة والشارع معاً، مع تأكيد الحزب المعارض على ضرورة مراجعة سياسة تسليم العدو الإسرائيلي ملفات استراتيجية وأساسية في البنية التحتية، من بينها ملف أمن الطاقة وأمن المياه.
يعلم الجميع خلف الكواليس أن دولاً عربية مثل الإمارات بصفة رئيسية ومصر بصفة فرعية مع بعض الأطراف الأمريكية، بذلت جهداً كبيراً في الأسابيع القليلة الماضية لتنمية حس التعايش البراغماتي بين الأردن وحكومة بنيامين نتنياهو التي لم تتشكل بعد، وبصورة مرجحة تحت عناوين كفالات عربية تقدم للأردن من أجل إقامة جسور التعاون بينه وبين نتنياهو وطاقمه.
تستجيب وتتفاعل الحكومة الأردنية بحذر شديد، لأن مفاصل يبدو أنها عميقة ومهمة، هي على المحك اليوم.
وخطوة إعلان نوايا مسألة نهر الأردن جزء من هذا السياق، لكن بالنسبة للدكتور المحاسنة الذي اشتبك طوال سنوات المفاوضات مع الإسرائيلي إبان مرحلة اتفاقية وادي عربة وما بعدها، فالمقاربة مختلفة تماماً اليوم؛ حيث الحديث عن إعلان نوايا تحت عنوان تطوير بيئة نهر الأردن يغفل الحقائق والوقائع، برأي الخبير الدكتور المحاسنة الذي ترأس الجانب الأردني في الماضي ولعدة سنوات في مفاوضات ملف المياه.
المقاربة التي شرحها المحاسنة لـ”القدس العربي” من وجهة نظره تقول وقائع واضحة الملامح بأن المخاطر البيئية التي يعيشها اليوم نهر الأردن يعرف الجميع من ارتكبها وتسبب بها. وهي نتيجة لسلسلة من التصرفات الميدانية الإسرائيلية سبقت حتى عملية السلام، وبالتالي فأي حديث يقرع جرس الانتباه للوضع البيئي في تربة وحواف نهر الأردن ينبغي ألا يغفل حقائق تاريخية، إضافة إلى أنه يجب على المتحدثين ليس فقط التحدث عن الجريمة، ولكن عن مسؤولية المجرم ومن ارتكبها بعد سلسلة طويلة من التسويف والمماطلة الإسرائيلية والتضليل وفي كل ملفات المشاريع التي اتفق عليها قبل وبعد اتفاقية السلام.
وجهة نظر المحاسنة تقول إن إسرائيل هي المسؤول الأول والوحيد عن انهيار وتراجع الزراعة على جوانب وحواف نهر الأردن، وعن أي تلوث يحيط ببيئة النهر العظيم، ومن ثم فواجب المسؤول الأردني اليوم أن يقول بوضوح هذا الخطاب ويتم التعامل مع مشكلات نهر الأردن البيئية وفقاً للأساس التاريخي الموثق لما اقترفه الإسرائيليون.
والحديث على الأرجح هنا عن مشروع إسرائيلي منذ عام 1964 تم تنفيذه بتحويل مياه نهر الأردن إلى منطقة النقب من جانب الاحتلال، الأمر الذي انتهى ليس فقط بالتراجع الحاد مائياً وزراعياً وبيئياً في نهر الأردن وعلى جانبيه، لكنه انتهى بالتسبب أيضاً بانخفاض منسوب مياه البحر الميت. وهو أمر لا تذكره الأدبيات والبيانات والاتفاقيات الرسمية التي يؤكد محاسنة وغيره من المفاوضين السابقين، بما في ذلك وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، أن إسرائيل انقلبت عليها الواحدة تلو الأخرى.
من سرق مياه النهر؟
المفروض – وفقاً للمحاسنة – أن من سرق مياه نهر الأردن عليه واجب إعادتها، وأن كلفة معالجة المشكلات البيئية تقع في المسؤولية القانونية بموجب حتى القوانين الدولية على من تسبب بهذه المخالفات.
والخلاصة هنا أن إعلان النوايا الموقع لا يعني شيئاً، لأن الأردن له حقوق بتعويضات قانونية ومالية اليوم جراء مشروع إسرائيلي قديم خدش كل أنماط الحياة في نهر الأردن. وسبق حتى عام 1964 اتخاذ القرار بشأنه.
وبالتالي، تحميل الطرف المتسبب المسؤولية ومطالبته أولاً بتعويضات، وثانياً بمعالجة الآثار البيئية السلبية التي تسبب بها، هو جوهر أو ينبغي أن يكون جوهر أي اشتباك أردني له علاقة بإسرائيل في ملف نهر الأردن الحساس والذي يؤثر -برأي الخبراء، وبالمعنى الحرفي- على ملف أكثر حساسية، هو موت البحر الميت ببطء جراء انخفاض منسوب المياه فيه سنوياً بسبب سياسات إسرائيل وخطواتها.
ومن بينها تحويل مجرى نهر الأردن وسرقة مياهه وضخها في النقب في عملية لصوصية واضحة الملامح، لا تتحدث الحكومة الأردنية عن تلك العملية ولا تشرح التفاصيل، فيما يكشف توقيع إعلان النوايا الجديد بخصوص نهر الأردن عما هو أبعد وأعمق من أغراض وظيفية تبدو صغيرة لكنها ضخمة التأثير، عندما يتعلق الأمر بمسار التعايش مع حالة اليمين الإسرائيلي الجديدة. وهو تعايش قد يفضي إلى مشكلات وتعقيدات لا قبل للأردن بها إذا ما أصبح نمطاً من الاسترسال، وتحول تحت الضغط المصري والإماراتي إلى استراتيجية عمل مرحلية يرى كثيرون أنها مفعمة بالمخاطر.القدس العربي