جرس إنذار «الوضع المعيشي» يقرع في الأردن: مواطن حطم حافلته… ووزير سابق لرجال القانون «اتقوا الله في الناس»
عمان جو - بسام البدارين - لا تبدو حادثة “تحطيم مواطن لحافلته الصغيرة” معزولة تماماً في المشهد الأردني عن “سيناريوهات واحتمالات” الصعود الأكثر في ملف “الفقر والفقراء” الذي يستجذب كل الأضواء الساطعة خصوصاً عبر منصات التواصل الاجتماعي التي أصبحت بديلاً عن “كل أنماط الإعلام” بجناحيه الرسمي والخاص.
المواطن المشار إليه “ألهب نقاشات الوضع المعيشي” عندما صور على الهواء المباشر كيفية الدفع بسيارته إلى أحد الأودية في محافظة الكرك جنوبي البلاد احتجاجاً على مخالفة سير بحق مركبته نتجت عن توقفه أثناء النهار لشراء كيلو واحد من الليمون. الشاب كان غاضباً ومحتقناً وهو يقرر، نكاية بمخالفة سير قيمتها 40 ديناراً، إلقاء حافلته الصغيرة في أحد الأودية مع إطلاق كم هائل من عبارة “حسبي الله ونعم الوكيل”.
ثمة روايتان لتلك الحادثة التي خطفت أضواء الرأي العام. الأولى للشاب الذي قام بتحطيم المركبة التي يعتمد عليها في رزق أولاده وفكرتها “لم أخالف القانون، ولا أملك الـ 40 ديناراً، واشتريت أثناء الحركة من رصيف كيساً من الليمون”. والثانية منقولة عن المصدر الأمني المختص، وفكرتها أن السائق أعاق السير في شارع مزدحم وارتكب 4 مخالفات، وطلب منه شرطي السير تحريك مركبته قبل تحرير المخالفة. عملياً، بصرف النظر عن الروايتين، أطلقت تلك الحادثة سيلاً عاصفاً من التساؤلات سياسية الطابع.
ووصل الأمر لاحقاً لنداء علني بعنوان “اتقوا الله يا شرطة السير” بتوقيع وزير الصحة الأسبق سعد الخرابشة الذي نشر تغريدة بالسياق يتحدث فيها عن سلوك المخالفات في منطقة محددة غربي العاصمة عمان.
رجال شرطة السير وسط الازدحام يعملون في ظروف مكانية واجتماعية معقدة، ويتحملون عبئاً وضغطاً كبيراً، لكنهم لا يستطيعون إلا “الالتزام بتطبيق القانون” وليست وظيفتهم “تقدير الحالة المعيشية” عند المواطن وهو “يرتكب مخالفة” حقيقية.
لكن المحاججة وحادثة الشاب الكركي فجرتا نقاشاً وطنياً بعنوان مستوى تفهم مسؤولي الميدان للوضع المعيشي المعقد للمواطن في ظل أزمة اقتصادية ينبغي ألا تؤدي إلى التساهل أو الإفراط أو الإخلال بالتعليمات القانونية فيما الموظف الأمني في شرطة السير وغيرها مصنف واقعياً أصلاً ضمن معدلات الطبقات المسحوقة مالياً ويعمل بحدود رواتب متدنية للغاية.
في بالمقابل، بدأ الانطباع يتشكل بأن “كلفة المعيشة” لأغلبية المواطنين تطرح أسئلة حرجة، خصوصاً في ظل “غرامات المخالفات المالية” وتعسف شركات الكهرباء والمياه في الرسوم وبدل الخدمة، مع ثبات المداخيل حيث لا حلول فعالة في الأفق، في رأي الخبير الاقتصادي والبرلماني الدكتور خير أبو صعليك، إلا خطة وطنية شاملة لجذب الاستثمار الاستراتيجي. وحالة الغضب “الفردية” لسائق الكرك هنا شكلت نقاشاً حيوياً في العودة إلى مجمل مسألة الوضع المعيشي الصعب. وكان الجدل قد تعاظم أصلاً على خلفية قرار البنوك رفض تأجيل أقساط القروض الشهرية للمواطنين الأردنيين والتي تبلغ قيمتها المالية شهرياً نحو 200 مليون دينار.
ورغم أن الشارع ومعه العشرات من النواب طالبوا بإلحاح الحكومة بالتدخل وتجميد دفع أقساط القروض الفردية على المواطنين عشية عطلة العيد بهدف تيسير شؤون نفقاتهم في العيد ومع نهاية رمضان، فإن البنوك وبعد عدة مشاورات رفضت هذه التوصية. وقالت مصادر رسمية مطلعة في البنك المركزي أن القطاع المصرفي ارتبك بسبب الموجة الشعبية التي طالبت بتأجيل استحقاق الرواتب الناتجة عن القروض والتسهيلات على المستوى الفردي للمواطنين مع نهاية الشهر.
وهو وضع أربك الجهاز المصرفي، لكن أربك المواطنين وأيضاً أربك غرف التجارة المتخصصة التي كانت تراهن على تأجيل قسط القروض الشخصية وترحيله إلى فترة أخرى بهدف تنشيط تداول الدينار في الأسواق وتحريك المال في القطاع التجاري والأسواق عشية عطلة العيد ونهايات شهر رمضان المبارك.
لكن البنوك رفضت وبصلابة هذه الخيارات ووجهت انتقادات لاذعة على المستوى الشعبي للمصارف وللحكومة لأنها رفضت التدخل بسبب مسألة تأجيل القروض.
رفض البنوك مرده عدم الوصول إلى مرحلة يتحول فيها إجبار البنوك بضغط شعبوي على تأجيل أقساط القروض إلى عادة موسمية يمكن أن يعود لها الشارع بمناسبة وبدونها مستقبلاً.
عموماً، ما يبدو عليه الأمر أن الوضع المعيشي والاقتصادي عشية عطلة العيد صعب ومعقد، فقد أوضحت النقابات المعنية بالقطاعات التجارية بأن قيمة الشراء عموماً تراجعت رغم أن غرفة تجارة عمان أعلنت بأن أسعار المواد الغذائية والتجارية الأساسية أقل بنسبة 10% من أسعارها عن شهر رمضان المبارك السابق.
ويبقى أن الحكومة اضطرت لصرف الرواتب في القطاع العام أملاً في تحريك الأسواق ولو قليلاً قبل يومين من عطلة العيد، حيث يراهن القطاع التجاري بصفة خاصة على دنانير الرواتب والقروض البنكية في حال تأجيلها لتنشيط عمليات البيع، وحيث تحفل منصات التواصل الاجتماعي بكل التعبيرات التي تحدثت عن حالة البؤس التي وصلت إليها قطاعات اجتماعية متعددة وكبيرة. ويبقى على حد تعبير القطب البرلماني خليل عطية، أن تقرأ الحكومات معطيات الانفعال الشعبي الناتج عن تراجع قدرات المواطنين الشرائية وارتفاع الأسعار وكلفة المعيشة، وعلى أساس القناعة بأن واجب الحكومة إظهار أفضل ما لديها في التضامن مع المواطن وحمايته وبكل صيغة ممكنة.
«القدس العربي»
المواطن المشار إليه “ألهب نقاشات الوضع المعيشي” عندما صور على الهواء المباشر كيفية الدفع بسيارته إلى أحد الأودية في محافظة الكرك جنوبي البلاد احتجاجاً على مخالفة سير بحق مركبته نتجت عن توقفه أثناء النهار لشراء كيلو واحد من الليمون. الشاب كان غاضباً ومحتقناً وهو يقرر، نكاية بمخالفة سير قيمتها 40 ديناراً، إلقاء حافلته الصغيرة في أحد الأودية مع إطلاق كم هائل من عبارة “حسبي الله ونعم الوكيل”.
ثمة روايتان لتلك الحادثة التي خطفت أضواء الرأي العام. الأولى للشاب الذي قام بتحطيم المركبة التي يعتمد عليها في رزق أولاده وفكرتها “لم أخالف القانون، ولا أملك الـ 40 ديناراً، واشتريت أثناء الحركة من رصيف كيساً من الليمون”. والثانية منقولة عن المصدر الأمني المختص، وفكرتها أن السائق أعاق السير في شارع مزدحم وارتكب 4 مخالفات، وطلب منه شرطي السير تحريك مركبته قبل تحرير المخالفة. عملياً، بصرف النظر عن الروايتين، أطلقت تلك الحادثة سيلاً عاصفاً من التساؤلات سياسية الطابع.
ووصل الأمر لاحقاً لنداء علني بعنوان “اتقوا الله يا شرطة السير” بتوقيع وزير الصحة الأسبق سعد الخرابشة الذي نشر تغريدة بالسياق يتحدث فيها عن سلوك المخالفات في منطقة محددة غربي العاصمة عمان.
رجال شرطة السير وسط الازدحام يعملون في ظروف مكانية واجتماعية معقدة، ويتحملون عبئاً وضغطاً كبيراً، لكنهم لا يستطيعون إلا “الالتزام بتطبيق القانون” وليست وظيفتهم “تقدير الحالة المعيشية” عند المواطن وهو “يرتكب مخالفة” حقيقية.
لكن المحاججة وحادثة الشاب الكركي فجرتا نقاشاً وطنياً بعنوان مستوى تفهم مسؤولي الميدان للوضع المعيشي المعقد للمواطن في ظل أزمة اقتصادية ينبغي ألا تؤدي إلى التساهل أو الإفراط أو الإخلال بالتعليمات القانونية فيما الموظف الأمني في شرطة السير وغيرها مصنف واقعياً أصلاً ضمن معدلات الطبقات المسحوقة مالياً ويعمل بحدود رواتب متدنية للغاية.
في بالمقابل، بدأ الانطباع يتشكل بأن “كلفة المعيشة” لأغلبية المواطنين تطرح أسئلة حرجة، خصوصاً في ظل “غرامات المخالفات المالية” وتعسف شركات الكهرباء والمياه في الرسوم وبدل الخدمة، مع ثبات المداخيل حيث لا حلول فعالة في الأفق، في رأي الخبير الاقتصادي والبرلماني الدكتور خير أبو صعليك، إلا خطة وطنية شاملة لجذب الاستثمار الاستراتيجي. وحالة الغضب “الفردية” لسائق الكرك هنا شكلت نقاشاً حيوياً في العودة إلى مجمل مسألة الوضع المعيشي الصعب. وكان الجدل قد تعاظم أصلاً على خلفية قرار البنوك رفض تأجيل أقساط القروض الشهرية للمواطنين الأردنيين والتي تبلغ قيمتها المالية شهرياً نحو 200 مليون دينار.
ورغم أن الشارع ومعه العشرات من النواب طالبوا بإلحاح الحكومة بالتدخل وتجميد دفع أقساط القروض الفردية على المواطنين عشية عطلة العيد بهدف تيسير شؤون نفقاتهم في العيد ومع نهاية رمضان، فإن البنوك وبعد عدة مشاورات رفضت هذه التوصية. وقالت مصادر رسمية مطلعة في البنك المركزي أن القطاع المصرفي ارتبك بسبب الموجة الشعبية التي طالبت بتأجيل استحقاق الرواتب الناتجة عن القروض والتسهيلات على المستوى الفردي للمواطنين مع نهاية الشهر.
وهو وضع أربك الجهاز المصرفي، لكن أربك المواطنين وأيضاً أربك غرف التجارة المتخصصة التي كانت تراهن على تأجيل قسط القروض الشخصية وترحيله إلى فترة أخرى بهدف تنشيط تداول الدينار في الأسواق وتحريك المال في القطاع التجاري والأسواق عشية عطلة العيد ونهايات شهر رمضان المبارك.
لكن البنوك رفضت وبصلابة هذه الخيارات ووجهت انتقادات لاذعة على المستوى الشعبي للمصارف وللحكومة لأنها رفضت التدخل بسبب مسألة تأجيل القروض.
رفض البنوك مرده عدم الوصول إلى مرحلة يتحول فيها إجبار البنوك بضغط شعبوي على تأجيل أقساط القروض إلى عادة موسمية يمكن أن يعود لها الشارع بمناسبة وبدونها مستقبلاً.
عموماً، ما يبدو عليه الأمر أن الوضع المعيشي والاقتصادي عشية عطلة العيد صعب ومعقد، فقد أوضحت النقابات المعنية بالقطاعات التجارية بأن قيمة الشراء عموماً تراجعت رغم أن غرفة تجارة عمان أعلنت بأن أسعار المواد الغذائية والتجارية الأساسية أقل بنسبة 10% من أسعارها عن شهر رمضان المبارك السابق.
ويبقى أن الحكومة اضطرت لصرف الرواتب في القطاع العام أملاً في تحريك الأسواق ولو قليلاً قبل يومين من عطلة العيد، حيث يراهن القطاع التجاري بصفة خاصة على دنانير الرواتب والقروض البنكية في حال تأجيلها لتنشيط عمليات البيع، وحيث تحفل منصات التواصل الاجتماعي بكل التعبيرات التي تحدثت عن حالة البؤس التي وصلت إليها قطاعات اجتماعية متعددة وكبيرة. ويبقى على حد تعبير القطب البرلماني خليل عطية، أن تقرأ الحكومات معطيات الانفعال الشعبي الناتج عن تراجع قدرات المواطنين الشرائية وارتفاع الأسعار وكلفة المعيشة، وعلى أساس القناعة بأن واجب الحكومة إظهار أفضل ما لديها في التضامن مع المواطن وحمايته وبكل صيغة ممكنة.
«القدس العربي»
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات