حادثة «الجسر» نكأت الجرح في الأردن واستدعت «ذكريات حزينة»
عمان جو - بسام البدارين - صحيح تماماً أن حادثة النائب الأردني المحتجز في إسرائيل عماد العدوان، بصرف النظر عن دوافعها وتفاصيلها وتداعياتها ونتائج الاشتباك معها، أجبرت النخب والصالونات والأوساط السياسية المحلية بعد «أردنة» السؤال والاستفهام على الوقوف مجدداً عند محطة استدعاء بعض الذكريات الحزينة عن حوادث أو سوابق أو حتى مشكلات أكبر من الحجم المعتاد، بقيت بتوقيع أعضاء في البرلمان الذي بدأ الجميع يشتكي منه ومن ما يحصل تحت قبته، والأهم من تصرفات بعض رموزه. في الذاكرة القريبة، الفوضى التي أنتجتها مسألة النائب المفصول أسامة العجارمة.
وفي الذاكرة الأقرب القصة التي تعاملت معها الدولة الأردنية بحكمة شديدة وصبر أشد بعد بتوقيع النائب محمد عناد الفايز. ولاحقاً، هو ما حصل في قضية النائب عماد العدوان، وقبل الجميع ظاهرة المشاجرات والاضطرار عدة مرات لتوقيع عقوبات أو تفعيل نظام السلوك بطريقة لا ترضي المرجعيات ولا تمثل المطلوب في برنامج مأسسة العمل البرلماني، الذي بقي رئيس المجلس أحمد الصفدي يتحدث عنه باهتمام طوال الوقت مع «القدس العربي». كل ذلك صحيح. والصحيح أيضاً أن استدعاء الذكريات القريبة الوشيكة والحزينة في بعض الحوادث ينبغي أن لا ينعكس لا على الموقف من مؤسسة مجلس النواب وأهميتها وضرورتها، ولا على التصور الأفقي الذي يطال جميع النواب؛ فبعض النواب غردوا خارج السرب المنطقي عدة مرات باتجاهات فردية. وتصرفاتهم، بصرف النظر عن خلفياتها ونتائجها، ليس من المنصف إطلاقاً حسابها على مؤسسة البرلمان ولا على أجهزة ومؤسسات الدولة.
ضرورة دستورية ملحة
وليس من العدالة في الوقت نفسه الربط بينها وبين الغالبية الساحقة الراشدة من أعضاء مجلس النواب، فالانحرافات فردية الطابع مرتبطة بأشخاصها، وأي اتجاه نحو برنامج لمأسسة العمل وتنشيط نظام السلوك، الهدف منه بالنتيجة وطنياً هو تسليط الأضواء على الأخطاء الفردية والانحرافات وإعادتها بعد تصويبها إلى سكّتها في الإطار القانوني.
لا يمكن القول إن ما يحصل من تشنجات بتوقيع أفراد في مجلس النواب ينبغي أن ينسحب على موقف رسمي شامل وعميق أو حتى شعبي مؤثر ضد المجلس. المجلس بكل الأحوال، ضرورة دستورية ملحة، وفي أغلب أوقاته ومنتجاته ومنجزاته يفترض أن يملك الأهلية الكاملة لتصويب أوضاعه.
لذلك، العمل على تمكين المجلس من المعالجة ومن فترته الدستورية أفضل بكثير من التحريض ضده وترحيله قبل انتهاء ولايته، وبالتأكيد أفضل من وسمه واتهامه بالهندسة. والصحيح بالمقابل، أن حادثة جسر اللنبي نكأت عدة جروح وندوب، وتسببت بعدة ندوب داخل المؤسسات. وهذا لم يعد سراً، وإنكاره بعد الآن لا يفيد علماً بأن حادثة جسر اللنبي بالقياس والمقاربة انتهت أيضاً بجملة قد تكون عبثية أو في غير توقيتها المناسب اليوم تحت عنوان تبادل الاتهامات وتوجيه الملاحظات في وقت حساس بصورة ترتبط بصيغة الانتخابات المثيرة التي وسمت بالهندسة واتهمت السلطات السياسية بهندستها قبل نحو ثلاث سنوات، علماً بعدم وجود لا قرائن ولا أدلة على تلك الهندسة، وعلما بأن المتهمين بالتدخل الانتخابي هم نخبة من خصوم الدولة التقليديين، في الوقت الذي بدأت فيه شخصيات رسمية باستخدام نفس التعبير الذي نحته معارضون وأحياناً حراكيون. في كل حال، الموقف عند أردنته؛ بمعنى ربطه بسجالات ونقاشات النخب الأردنية، معقد وصعب بما يكفي هذه الأيام. لذا، لا فائدة ترتجى ولا مكسب في تثبيت حالة التلاوم بين النخب أو كبار مسؤولي الصف الأول. الجميع مسؤول على نحو أو آخر، والأخطاء التي تراكمت وتسببت بالأذى لمصالح الدولة عملياً أو جرحت وخدشت حتى انحيازات الشارع والمجتمع الأردني، فالأفضل من تكرار الحديث عنها بين الحين والآخر ضمن سياقات أجنداتية شخصية هو العمل مؤسساتياً على تصويبها وتوفير المساحات اللازمة لضمان عدم تكرارها.
يفترض في رجال الدولة وطبقتهم أن يتصرفوا بهذه الطريقة بعيداً عن التلاوم والتنابز وتبادل الاتهامات، وبعيداً عن منطق العودة إلى الماضي؛ لأنه يصبح بلغة سياسي بارز وكبير، أقرب إلى جدع الأنف الوطنية بدون مبرر أو فائدة، علماً بأن قدرات الدولة الأردنية وخبراتها العتيقة يمكن أن تستثمر في توفير فلاتر لاصطياد الأخطاء أو حتى مظاهر القصور والتقصير. وعلماً بأن توجيه اللوم للمنظومة البيروقراطية أو الأمنية، ليس في مكانه أو قد لا يكون في مكانه، على الرغم من حصول أخطاء فردية بتوقيع عناصر بشرية هنا أو هناك.
«تقصير نخبوي»
كل الجهات التي يمكنها داخل المؤسسة الرسمية أن تتبادل التلاوم ومعها كل الرموز والنخب، مقصرة إلى حد ما؛ مرة في ذهن الأردنيين الجماعي ومرات حتى في ذهن صاحب القرار الذي يراقب ويمنح الفرص ويعاتب ثم يحاسب، فيما لا ينسى الجميع بأن المؤسسات العميقة هي التي تغطي على فراغ الإنجاز عند الحكومات المتعاقبة.
في كل حال، الموقف صعب بما فيه الكفاية، وأغلب التقدير أن العمل لاحتواء نتائج أي أخطاء حصلت وتحمل الدولة كلفاً غير مبررة بسببها وفي تواقيت ومفاصل حساسة حتى وإن كانت بتوقيع بعض أعضاء البرلمان الذين منحهم النظام والشعب فرصة، لم تستثمر في الاتجاه الوطني الصحيح.
لذا، الأفضل من العزف على أسطوانة الأخطاء ومحاولة توظيفها سياسياً لتأسيس حالة تلاوم غير منطقية وغير مبررة هو العمل بروح جماعية ومعاً وعلى طاولة واحدة على الالتزام، مرة بالرؤية الملكية الشاملة التي تحاول تقليص مستوى وعدد الأخطاء في ظل مشروعات التحديث والتمكين في المئوية الثانية للدولة، ومرات من أجل تصويب تلك الأخطاء بروح وطنية ومهنية لا مكان فيها لا للشخصي ولا لتصفية الحسابات المرتبطة بخلافات وتجاذبات كانت دوماً من الصنف الذي يفترض أن يستفيد منه الصالح العام ولا يؤدي إلى الفرقة والانقسام.
«القدس العربي»
وفي الذاكرة الأقرب القصة التي تعاملت معها الدولة الأردنية بحكمة شديدة وصبر أشد بعد بتوقيع النائب محمد عناد الفايز. ولاحقاً، هو ما حصل في قضية النائب عماد العدوان، وقبل الجميع ظاهرة المشاجرات والاضطرار عدة مرات لتوقيع عقوبات أو تفعيل نظام السلوك بطريقة لا ترضي المرجعيات ولا تمثل المطلوب في برنامج مأسسة العمل البرلماني، الذي بقي رئيس المجلس أحمد الصفدي يتحدث عنه باهتمام طوال الوقت مع «القدس العربي». كل ذلك صحيح. والصحيح أيضاً أن استدعاء الذكريات القريبة الوشيكة والحزينة في بعض الحوادث ينبغي أن لا ينعكس لا على الموقف من مؤسسة مجلس النواب وأهميتها وضرورتها، ولا على التصور الأفقي الذي يطال جميع النواب؛ فبعض النواب غردوا خارج السرب المنطقي عدة مرات باتجاهات فردية. وتصرفاتهم، بصرف النظر عن خلفياتها ونتائجها، ليس من المنصف إطلاقاً حسابها على مؤسسة البرلمان ولا على أجهزة ومؤسسات الدولة.
ضرورة دستورية ملحة
وليس من العدالة في الوقت نفسه الربط بينها وبين الغالبية الساحقة الراشدة من أعضاء مجلس النواب، فالانحرافات فردية الطابع مرتبطة بأشخاصها، وأي اتجاه نحو برنامج لمأسسة العمل وتنشيط نظام السلوك، الهدف منه بالنتيجة وطنياً هو تسليط الأضواء على الأخطاء الفردية والانحرافات وإعادتها بعد تصويبها إلى سكّتها في الإطار القانوني.
لا يمكن القول إن ما يحصل من تشنجات بتوقيع أفراد في مجلس النواب ينبغي أن ينسحب على موقف رسمي شامل وعميق أو حتى شعبي مؤثر ضد المجلس. المجلس بكل الأحوال، ضرورة دستورية ملحة، وفي أغلب أوقاته ومنتجاته ومنجزاته يفترض أن يملك الأهلية الكاملة لتصويب أوضاعه.
لذلك، العمل على تمكين المجلس من المعالجة ومن فترته الدستورية أفضل بكثير من التحريض ضده وترحيله قبل انتهاء ولايته، وبالتأكيد أفضل من وسمه واتهامه بالهندسة. والصحيح بالمقابل، أن حادثة جسر اللنبي نكأت عدة جروح وندوب، وتسببت بعدة ندوب داخل المؤسسات. وهذا لم يعد سراً، وإنكاره بعد الآن لا يفيد علماً بأن حادثة جسر اللنبي بالقياس والمقاربة انتهت أيضاً بجملة قد تكون عبثية أو في غير توقيتها المناسب اليوم تحت عنوان تبادل الاتهامات وتوجيه الملاحظات في وقت حساس بصورة ترتبط بصيغة الانتخابات المثيرة التي وسمت بالهندسة واتهمت السلطات السياسية بهندستها قبل نحو ثلاث سنوات، علماً بعدم وجود لا قرائن ولا أدلة على تلك الهندسة، وعلما بأن المتهمين بالتدخل الانتخابي هم نخبة من خصوم الدولة التقليديين، في الوقت الذي بدأت فيه شخصيات رسمية باستخدام نفس التعبير الذي نحته معارضون وأحياناً حراكيون. في كل حال، الموقف عند أردنته؛ بمعنى ربطه بسجالات ونقاشات النخب الأردنية، معقد وصعب بما يكفي هذه الأيام. لذا، لا فائدة ترتجى ولا مكسب في تثبيت حالة التلاوم بين النخب أو كبار مسؤولي الصف الأول. الجميع مسؤول على نحو أو آخر، والأخطاء التي تراكمت وتسببت بالأذى لمصالح الدولة عملياً أو جرحت وخدشت حتى انحيازات الشارع والمجتمع الأردني، فالأفضل من تكرار الحديث عنها بين الحين والآخر ضمن سياقات أجنداتية شخصية هو العمل مؤسساتياً على تصويبها وتوفير المساحات اللازمة لضمان عدم تكرارها.
يفترض في رجال الدولة وطبقتهم أن يتصرفوا بهذه الطريقة بعيداً عن التلاوم والتنابز وتبادل الاتهامات، وبعيداً عن منطق العودة إلى الماضي؛ لأنه يصبح بلغة سياسي بارز وكبير، أقرب إلى جدع الأنف الوطنية بدون مبرر أو فائدة، علماً بأن قدرات الدولة الأردنية وخبراتها العتيقة يمكن أن تستثمر في توفير فلاتر لاصطياد الأخطاء أو حتى مظاهر القصور والتقصير. وعلماً بأن توجيه اللوم للمنظومة البيروقراطية أو الأمنية، ليس في مكانه أو قد لا يكون في مكانه، على الرغم من حصول أخطاء فردية بتوقيع عناصر بشرية هنا أو هناك.
«تقصير نخبوي»
كل الجهات التي يمكنها داخل المؤسسة الرسمية أن تتبادل التلاوم ومعها كل الرموز والنخب، مقصرة إلى حد ما؛ مرة في ذهن الأردنيين الجماعي ومرات حتى في ذهن صاحب القرار الذي يراقب ويمنح الفرص ويعاتب ثم يحاسب، فيما لا ينسى الجميع بأن المؤسسات العميقة هي التي تغطي على فراغ الإنجاز عند الحكومات المتعاقبة.
في كل حال، الموقف صعب بما فيه الكفاية، وأغلب التقدير أن العمل لاحتواء نتائج أي أخطاء حصلت وتحمل الدولة كلفاً غير مبررة بسببها وفي تواقيت ومفاصل حساسة حتى وإن كانت بتوقيع بعض أعضاء البرلمان الذين منحهم النظام والشعب فرصة، لم تستثمر في الاتجاه الوطني الصحيح.
لذا، الأفضل من العزف على أسطوانة الأخطاء ومحاولة توظيفها سياسياً لتأسيس حالة تلاوم غير منطقية وغير مبررة هو العمل بروح جماعية ومعاً وعلى طاولة واحدة على الالتزام، مرة بالرؤية الملكية الشاملة التي تحاول تقليص مستوى وعدد الأخطاء في ظل مشروعات التحديث والتمكين في المئوية الثانية للدولة، ومرات من أجل تصويب تلك الأخطاء بروح وطنية ومهنية لا مكان فيها لا للشخصي ولا لتصفية الحسابات المرتبطة بخلافات وتجاذبات كانت دوماً من الصنف الذي يفترض أن يستفيد منه الصالح العام ولا يؤدي إلى الفرقة والانقسام.
«القدس العربي»
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات