«العفو العام» في الأردن: حياكة مقصودة لتوافقات دولة عابرة للحكومة
عمان جو- بسام البدارين - بعد مغادرته قبة البرلمان الأردني غاضباً ومنفعلاً، سارع القطب البرلماني صالح العرموطي منفرداً لتسجيل كلمة مصورة وجه فيها رسالة مباشرة للقصر الملكي، مضمونها أن ما قرره مجلس النواب في جلسة سريعة عاصفة ظهر الثلاثاء ليس عفواً عاماً لا بالمعنى الدستوري ولا بالمعنى الإجرائي.
وختم رسالته قائلاً: «جلالة الملك، أرجو ألا تصادق على ما قرره مجلسنا».
يعني ذلك أن لدى المعارضة الوطنية في البرلمان قناعة بأن ما نسب إلى الحكومة من جدل وصخب بشأن العفو العام وأقره المجلس بسرعة خاطفة وبدون حتى نقاش، إنما يخالف مضمون ومنطوق الرؤية المرجعية التي أمرت بالعفو العام أصلاً.
وكرس مجلس الأعيان أمس الأربعاء، تلك القناعة بإقرار القانون وبسرعة، كما ورد من الحكومة والنواب.
لذلك، انسحب نواب كتلة الإصلاح الإسلامية من الجلسة مع العرموطي الذي كان يصيح محتجاً على عدم شمول الموقوفين لأنهم حاولوا تهريب السلاح للشعب الفلسطيني بالعفو وغيرهم. في المقابل، التقدير بحد ذاته افتراضي، حيث لا يوجد ـ رغم صخب الأصوات خارج البرلمان وداخله ـ دليل أو قرينة مؤكدة توحي بأن الحكومة اجتهدت وتصرفت بدون توافق مؤسساتي، وأخرجت قانوناً للعفو العام على مقاسها، علماً بأن عملية ضغط مرصودة وملحوظة على النواب لإقرار القانون، كما ورد من الحكومة كانت ظاهرة للعيان.
الصيغة التي اقترحتها الحكومة لأحد أكثر القوانين إثارة لشغف الناس في الأردن ثم الطريقة التي أقر بها القانون، تظهر أن ليس فقط نزع المحتوى والدسم من فكرة العفو العام بل أيضاً أن تلك العملية بحد ذاتها في نزع الدسم متفق عليها، وقد تكون أقرب إلى الصيغة التي كان يشرحها مساء الثلاثاء عضو البرلمان النشط عمر العياصرة، وهو يتحدث ضمن معادلة مجلس برلماني ضعيف في الواقع يقوم بإقرار سلسلة من أهم وأخطر القوانين.
شرح العياصرة في جلسة نقاشية نظمها مركز حماية وحرية الصحافيين، بعض الحيثيات في فهم العلاقة بين السلطتين، وأشار لأغراض الشرح إلى أن أحد القوانين صوت عليه نواب بالأغلبية، خلافاً لقناعاتهم ولقناعات مناطقهم وناخبيهم في المجتمع؛ لأنه يمثل خياراً للدولة.
«خيارات بالعصا»
ومثل هذه الخيارات بالتشريع تفرض سياسياً بالعصا، كما اقترح العياصرة وهو يتحدث مجازاً. وذلك يعني أن شيئاً من هذا القبيل شهدته مداولات ونقاشات قانون العفو العام.
مجلس الأعيان مرره بسرعة أيضاً
ورغم أن الاتهامات كلها في تقليص العفو إلى أضيق حدود تضرب صدر الحكومة السياسي فقط، فإن إدارة النقاشات والإصرار على جلسة واحدة سريعة تقر القانون كما ورد من الحكومة، ثم التصويت المباشر بدون فلترة في اللجنة القانونية، تعدّ أدلة وقرائن على أن المعارضين لصيغة القانون كما أقر، لم يلتقطوا بعد رسالة مماثلة لتلك التي تحدث عنها العياصرة، وقوامها مع فكرتها بالقياس تصبح أن الصيغة التي مرر فيها قانون العفو العام في الواقع عابرة للحكومة وأقرب إلى خيار الدولة الذي لا يناقش ولا يفهم أو يشرح أحياناً.
مبكراً وقبل ليلة من التصويت الذي أثار الغبار، كانت «القدس العربي» في نقاش تقييمي للإجراء مع رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، الذي أشار إلى ضغط الوقت وإرادة إصدار عفو عام منهج وله أهداف في إراحة المجتمع.
دون ذلك، يصبح ما فعله الصفدي في إدارة المجلس استجابة إدارية تكتيكية لمضمون برنامج خيار الدولة في السياق بعد توافق المؤسسات، الأمر الذي يدفع بالصفدي لتحمل سهام النقد الذي وجهت إليه بالمقابل من قبل زملاء له، مثل العرموطي والمخضرم عبد الكريم الدغمي، لأن إدارة الجلسة أصرت على منح كل نائب يريد التحدث دقيقتين فقط، وهو سقف زمني لا يصلح لمناقشة أي فكرة تخص قانوناً في غاية الأهمية ويؤثر على كل المعطيات في الدولة والمجتمع ويحمل اسم العفو العام.
وكما فعل الصفدي هنا متحملاً قذائف واتهامات زملاء له، كان صدر الحكومة بالتوازي يستقبل كل الاتهامات بتقليص مساحة العفو العام وبإخراجه عن مضمونه، فيما واحد من إشكالات الاتهامات للسلطتين أنه لم يدرك بعد بأن صيغة العفو العام التي عبرت هي التي تمثل منطقة التوافقات بين مؤسسات الدولة، لذا ينبغي أن يتوقف النقاش عند هذه الجزئية بدلاً من الهجوم على رئاستي السلطتين.
خيط رفيع
يصبح السؤال لاحقاً، لماذا تطلّب قانون العفو العام كل تلك الخصومات ولم يشمل سلسلة لا يستهان بها من القوانين والتشريعات؟ الإجابة مرتبطة بخيط رفيع ما بين ضغط عدة مؤسسات على القرار لإصدار عفو عام يسمح بقدر من الاسترخاء في المجتمع ويخفف من زحمة السجون فيما الحرب إقليمياً مؤهلة للتصاعد، وبين حسابات حساسة يفترض أن تعتمد عند حياكة نصوص العفو العام، ومهمة التوازن هنا بين مسارين واتجاهين تكفل بها الطاقم الذي أعد النصوص في الحكومة فيما تكفل الأفق البرلماني بمهمة شرعنتها ووفقاً للمطلوب.
النتائج واضحة للعيان بعد مراعاة كل الاعتبارات على مستوى الدولة وليس الحكومة، فحجم الاحتفال شعبياً بالعفو العام أقل بكثير من المأمول والمفترض، ومستوى الارتباك الذي يسببه لفعاليات تجارية اقتصادية أكبر بكثير من المأمول أيضاً.
لكن في المحصلة، سيخف زحام السجون بنسبة لا تقل عن 30٪ ويتم توفير نفقات السجناء مقابل خسارة الخزينة لمبلغ قد لا يزيد على 80 مليون دينار وسيغادر السجن أكثر من 7 آلاف أردني ستشعر عائلاتهم بأجواء سرور في معادلة مقصودة ومبرمجة تمت حياكة القانون على أساسها. لعل ذلك هو المطلوب والمقصود بكل حال.
«القدس العربي»
وختم رسالته قائلاً: «جلالة الملك، أرجو ألا تصادق على ما قرره مجلسنا».
يعني ذلك أن لدى المعارضة الوطنية في البرلمان قناعة بأن ما نسب إلى الحكومة من جدل وصخب بشأن العفو العام وأقره المجلس بسرعة خاطفة وبدون حتى نقاش، إنما يخالف مضمون ومنطوق الرؤية المرجعية التي أمرت بالعفو العام أصلاً.
وكرس مجلس الأعيان أمس الأربعاء، تلك القناعة بإقرار القانون وبسرعة، كما ورد من الحكومة والنواب.
لذلك، انسحب نواب كتلة الإصلاح الإسلامية من الجلسة مع العرموطي الذي كان يصيح محتجاً على عدم شمول الموقوفين لأنهم حاولوا تهريب السلاح للشعب الفلسطيني بالعفو وغيرهم. في المقابل، التقدير بحد ذاته افتراضي، حيث لا يوجد ـ رغم صخب الأصوات خارج البرلمان وداخله ـ دليل أو قرينة مؤكدة توحي بأن الحكومة اجتهدت وتصرفت بدون توافق مؤسساتي، وأخرجت قانوناً للعفو العام على مقاسها، علماً بأن عملية ضغط مرصودة وملحوظة على النواب لإقرار القانون، كما ورد من الحكومة كانت ظاهرة للعيان.
الصيغة التي اقترحتها الحكومة لأحد أكثر القوانين إثارة لشغف الناس في الأردن ثم الطريقة التي أقر بها القانون، تظهر أن ليس فقط نزع المحتوى والدسم من فكرة العفو العام بل أيضاً أن تلك العملية بحد ذاتها في نزع الدسم متفق عليها، وقد تكون أقرب إلى الصيغة التي كان يشرحها مساء الثلاثاء عضو البرلمان النشط عمر العياصرة، وهو يتحدث ضمن معادلة مجلس برلماني ضعيف في الواقع يقوم بإقرار سلسلة من أهم وأخطر القوانين.
شرح العياصرة في جلسة نقاشية نظمها مركز حماية وحرية الصحافيين، بعض الحيثيات في فهم العلاقة بين السلطتين، وأشار لأغراض الشرح إلى أن أحد القوانين صوت عليه نواب بالأغلبية، خلافاً لقناعاتهم ولقناعات مناطقهم وناخبيهم في المجتمع؛ لأنه يمثل خياراً للدولة.
«خيارات بالعصا»
ومثل هذه الخيارات بالتشريع تفرض سياسياً بالعصا، كما اقترح العياصرة وهو يتحدث مجازاً. وذلك يعني أن شيئاً من هذا القبيل شهدته مداولات ونقاشات قانون العفو العام.
مجلس الأعيان مرره بسرعة أيضاً
ورغم أن الاتهامات كلها في تقليص العفو إلى أضيق حدود تضرب صدر الحكومة السياسي فقط، فإن إدارة النقاشات والإصرار على جلسة واحدة سريعة تقر القانون كما ورد من الحكومة، ثم التصويت المباشر بدون فلترة في اللجنة القانونية، تعدّ أدلة وقرائن على أن المعارضين لصيغة القانون كما أقر، لم يلتقطوا بعد رسالة مماثلة لتلك التي تحدث عنها العياصرة، وقوامها مع فكرتها بالقياس تصبح أن الصيغة التي مرر فيها قانون العفو العام في الواقع عابرة للحكومة وأقرب إلى خيار الدولة الذي لا يناقش ولا يفهم أو يشرح أحياناً.
مبكراً وقبل ليلة من التصويت الذي أثار الغبار، كانت «القدس العربي» في نقاش تقييمي للإجراء مع رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، الذي أشار إلى ضغط الوقت وإرادة إصدار عفو عام منهج وله أهداف في إراحة المجتمع.
دون ذلك، يصبح ما فعله الصفدي في إدارة المجلس استجابة إدارية تكتيكية لمضمون برنامج خيار الدولة في السياق بعد توافق المؤسسات، الأمر الذي يدفع بالصفدي لتحمل سهام النقد الذي وجهت إليه بالمقابل من قبل زملاء له، مثل العرموطي والمخضرم عبد الكريم الدغمي، لأن إدارة الجلسة أصرت على منح كل نائب يريد التحدث دقيقتين فقط، وهو سقف زمني لا يصلح لمناقشة أي فكرة تخص قانوناً في غاية الأهمية ويؤثر على كل المعطيات في الدولة والمجتمع ويحمل اسم العفو العام.
وكما فعل الصفدي هنا متحملاً قذائف واتهامات زملاء له، كان صدر الحكومة بالتوازي يستقبل كل الاتهامات بتقليص مساحة العفو العام وبإخراجه عن مضمونه، فيما واحد من إشكالات الاتهامات للسلطتين أنه لم يدرك بعد بأن صيغة العفو العام التي عبرت هي التي تمثل منطقة التوافقات بين مؤسسات الدولة، لذا ينبغي أن يتوقف النقاش عند هذه الجزئية بدلاً من الهجوم على رئاستي السلطتين.
خيط رفيع
يصبح السؤال لاحقاً، لماذا تطلّب قانون العفو العام كل تلك الخصومات ولم يشمل سلسلة لا يستهان بها من القوانين والتشريعات؟ الإجابة مرتبطة بخيط رفيع ما بين ضغط عدة مؤسسات على القرار لإصدار عفو عام يسمح بقدر من الاسترخاء في المجتمع ويخفف من زحمة السجون فيما الحرب إقليمياً مؤهلة للتصاعد، وبين حسابات حساسة يفترض أن تعتمد عند حياكة نصوص العفو العام، ومهمة التوازن هنا بين مسارين واتجاهين تكفل بها الطاقم الذي أعد النصوص في الحكومة فيما تكفل الأفق البرلماني بمهمة شرعنتها ووفقاً للمطلوب.
النتائج واضحة للعيان بعد مراعاة كل الاعتبارات على مستوى الدولة وليس الحكومة، فحجم الاحتفال شعبياً بالعفو العام أقل بكثير من المأمول والمفترض، ومستوى الارتباك الذي يسببه لفعاليات تجارية اقتصادية أكبر بكثير من المأمول أيضاً.
لكن في المحصلة، سيخف زحام السجون بنسبة لا تقل عن 30٪ ويتم توفير نفقات السجناء مقابل خسارة الخزينة لمبلغ قد لا يزيد على 80 مليون دينار وسيغادر السجن أكثر من 7 آلاف أردني ستشعر عائلاتهم بأجواء سرور في معادلة مقصودة ومبرمجة تمت حياكة القانون على أساسها. لعل ذلك هو المطلوب والمقصود بكل حال.
«القدس العربي»
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات