المشهد الأردني في ثلاثية «اتهام وإنكار وقراءة مغلوطة»
عمان جو- بسام البدارين - مؤشران في حراك الشارع الأردني مؤخراً دفعا على الأرجح في اتجاه ارتفاع منسوب الحساسية ليس للسلطات الرسمية فقط، ولكن أيضاً لبعض مراكز القوى والعديد من الشخصيات وخبراء التكنوقراط الاقتصادي ورجال الأعمال والمال الذين يتصورون بأن الوضع الاقتصادي لا يحتمل بصرف النظر عن الاعتبارات الوطنية الاسترسال في اعتصامات شعبية ضخمة عشية نهاية شهر رمضان المبارك.
رأس المال الأردني وتحديداً المصرفي، كان له مداخلات متذاكية مؤخراً ضد الحراك الشعبي المعاكس لفكرة بقاء السفارة الإسرائيلية في عمان. والمنظومة الأمنية لديها احترازاتها بالضرورة وتعمل بصعوبة بالغة بعناوين السيطرة والاستحكام في التوازن، بمعنى أنها تجتهد في الإحاطة بحجم الاحتجاجات والاعتصامات ضمن معادلة لا تؤدي إلى المنع أو القمع الضخم والكبير أو إلى التساهل والمرونة مفتوحة الاحتمالات.
في المؤشر الأول، قرع جرس إنذار سياسي لأن بعض مراكز قوى التأثير لا تزال تعتقد بأن تحرك أبناء المخيمات ضد العدوان الإسرائيلي في العمق الأردني هو السيناريو الذي لم يختبر بعد.
وفي المؤشر الثاني بالتوازي زحف كبير لفكرة مناصرة فصائل المقاومة الفلسطينية بصورة أفقية في عمق المكونات الاجتماعية والعشائرية. وهو زحف أوصل عملياً من يريد أن يقرأ اجتماعياً المعتصمين وخلفياتهم إلى نتائج ملتبسة، فبعض اللجان الشبابية نشطة حديثة التكوين في اعتصامات الرابية تحديداً، والموقوفون والمعتقلون هنا من النشطاء خليط عابر لكل المكونات الاجتماعية، والهتافات أحياناً تركت العدوان وإسرائيل وضربت بعض الأوتار الحساسة.
في المقابل، الإخوان المسلمون وجمهورهم العريض طرف في معادلة الاحتجاج والحراك الشعبي، لكنهم في مفارقة نادرة ليسوا الطرف المستحكم ولا صاحب الأفضلية العددية والكمية. وهم أيضاً بشهادة العضو البارز والمؤسس في الملتقى الشعبي لنصرة غزة الدكتور ربحي حلوم، وكما سمعتها «القدس العربي» مباشرة، جزء من تركيبة الملتقى مع أحزاب أخرى ولا يتخذون القرارات في الملتقى. يظهر ذلك عملياً أن حزب جبهة العمل الإسلامي، أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، ليس صحيحاً أنه القائد الأساسي لحراكات الشارع في ملف غزة.
كما يظهر بالنتيجة والتداعي أن تحويل الأمين العام للحزب صاحب الطروحات الوطنية المثيرة الشيخ مراد العضايلة بالتدريج إلى قائمة «عدو مفترض وجديد للدولة» هو خطوة تظهر ليس واقعاً موضوعياً على الأرض بقدر ما تظهر غياب القراءة العميقة لشكل ونمط وظرف تلك التراكيب التي صنعت تظاهرات واحتجاجات ما يسمى الآن في غزة ومصر وفي طنجة المغربية بـ «الطوفان الشعبي الأردني».
تلك التسمية أيضاً ضربت بعض الأوتار الحساسة ودفعت في اتجاه أسئلة حرجة.
عشية اعتصامات شعبية ضخمة… طنجة ـ القاهرة ـ غزة على خط «النشامى»
لكن ليس صدفة أنها أصوات ليست محلية أو حراكية محلية، بل وردت تناغماً على أدراج نقابة الصحافيين المصريين في القاهرة وهم يخاطبون رفاقهم في عمان، كما وردت على ألسن مئات المتظاهرين في طنجة المغربية وهم يوجهون التحية لشعب النشامى، فيما كانت رسائل الحراك الشعبي بنسخته الأردنية هو الصوت الذي تصدر عند أهالي قطاع غزة الباحثين عن أي متضامن في أي مكان في الكرة الأرضية.
يلاحظ القيادي النقابي البارز المهندس بادي الرفايعة، على هامش وقفة نقاشية مع «القدس العربي» بأن التعسف والتشكيك والسماح بحملات تشويه وشيطنة لصوت الشعب الأردني أو لصوت جزء منه ليس هو الحل الأمثل لإدارة توازن منطقي يظهر الاحترام والتقدير لمزاج الشارع وموقفه.
ما لا يقوله رفايعة هنا أو لا يريد قوله هو أن غياب قراءة لخارطة خلفية وجذر عشرات الآلاف من الأردنيين الذين تواجدوا في ساحات الرابية في غربي العاصمة الاردنية لتسعة أيام متواصلة أعاد بعض الرسميين وراكبي موجة الولاء والقلقين بالمعنى الوطني إلى مربع الاتهام والشيطنة بابتكار أو واختراع مؤامرة، ما يكثر الجدل حولها وتصدر بيانات عشائرية وبرلمانية ضدها، لكنها دون أي تجديد لهويتها ورموزها وملامحها وهدفها.
أخفق القارئون في فهم خارطة القوى التي جددت فكرة الاحتجاج والاعتصام السلمي، فكان رد الفعل افتراض مؤامرة وانتخاب كلمة عابرة هنا أو هناك وردت على لسان قيادي ما في المقاومة، ثم تحويلها إلى مادة دسمة دليلاً على الفرضية.
وأخفق المعنيون، وهم كثر وأغراضهم أكثر، في تتبع وفهم طبيعة الشباب الذين يحضرون بكثافة لساحة الرابية ويهتفون بحرارة، فاقتصر رد الفعل على شيطنه الإخوان المسلمين مع أنهم ليسوا الطرف الأقوى في معادلة الشارع والحراك الآن.
لا بد من اتهام جهة ما بتحريض الحراك الشعبي.. هذا هو الأسلوب المعتمد والحتمي بالعادة لمن لا يريدون، وفقاً للرفايعة وغيره، فهم المعادلة الجديدة التي زرعها العدوان الهمجي في وعي الأردنيين، وهي أن اتفاقية السلام والعلاقات مع الولايات المتحدة لا توفران الحماية لأطفالهم مستقبلاً بعد كل تلك الجريمة.
وعندما تصبح لغة الاتهام متلازمة طبيعية لتعويض الفاقد والمنقوص في فهم ما يجري في تحولات وعي الأردنيين، يصبح اللجوء إلى عادة موسمية ومألوفة هو الملاذ، الأمر الذي أنتج أسطوانة التحريض على الإخوان المسلمين واتهامهم رغم أن بعض قادتهم اشتكوا أمام «القدس العربي» مؤخراً، بأن الشارع في عمان تحديداً لم يعد إيقاعه تحت سيطرتهم فيما يتحملون كلفته. يحصل كل ذلك لعدة أسباب، قد يكون بين أهمها هتافات طنجة والقاهرة وغزة ورام الله أيضاً لأداء النشامى وطوفانهم الشعبي المتخيل.
ويحصل لأن تلك الرسائل العابرة للحدود أخافت جهة ما وأقلقت السلطة الفلسطينية في رام لله بالتأكيد وعدة عواصم عربية، لأنها ترافقت وتزامنت مع مستجد في الحراك الشعبي برز أو ظهر مستقلاً لأول مرة منذ 7 أكتوبر، وهو بروز أصوات في مخيمات اللاجئين الأردنية.
طبعاً، اتهام الحراك والإخوان وبعض قادة حماس سهل وغير مكلف.
وطبعاً بالمقابل، سياسة إنكار المخاطر توازيها فلسفة إنكار عدم فهم الوعي الجديد وسط الأردنيين والرغبة الكامنة البيروقراطية تحديداً في مقاومة فكرة أن الجرائم ضد أهل غزة غيرت وبدلت في المعطيات والإعدادات، والأهم في وعي الأردنيين.
تلك الجرائم بالنتيجة والخلاصة، هي العدو الحقيقي للدولة وليس من ألقى حجراً على طريق عام قرب مخيم البقعة، أو من أعلن باسم العشيرة والقبيلة فهمه لوحدة المصالح مع المقاومة، أو من شذ بهتاف واحتك بعنصر أمني.. من هنا تحديداً ينبغي لعقل الدولة تدشين المراجعة.
"القدس العربي"
رأس المال الأردني وتحديداً المصرفي، كان له مداخلات متذاكية مؤخراً ضد الحراك الشعبي المعاكس لفكرة بقاء السفارة الإسرائيلية في عمان. والمنظومة الأمنية لديها احترازاتها بالضرورة وتعمل بصعوبة بالغة بعناوين السيطرة والاستحكام في التوازن، بمعنى أنها تجتهد في الإحاطة بحجم الاحتجاجات والاعتصامات ضمن معادلة لا تؤدي إلى المنع أو القمع الضخم والكبير أو إلى التساهل والمرونة مفتوحة الاحتمالات.
في المؤشر الأول، قرع جرس إنذار سياسي لأن بعض مراكز قوى التأثير لا تزال تعتقد بأن تحرك أبناء المخيمات ضد العدوان الإسرائيلي في العمق الأردني هو السيناريو الذي لم يختبر بعد.
وفي المؤشر الثاني بالتوازي زحف كبير لفكرة مناصرة فصائل المقاومة الفلسطينية بصورة أفقية في عمق المكونات الاجتماعية والعشائرية. وهو زحف أوصل عملياً من يريد أن يقرأ اجتماعياً المعتصمين وخلفياتهم إلى نتائج ملتبسة، فبعض اللجان الشبابية نشطة حديثة التكوين في اعتصامات الرابية تحديداً، والموقوفون والمعتقلون هنا من النشطاء خليط عابر لكل المكونات الاجتماعية، والهتافات أحياناً تركت العدوان وإسرائيل وضربت بعض الأوتار الحساسة.
في المقابل، الإخوان المسلمون وجمهورهم العريض طرف في معادلة الاحتجاج والحراك الشعبي، لكنهم في مفارقة نادرة ليسوا الطرف المستحكم ولا صاحب الأفضلية العددية والكمية. وهم أيضاً بشهادة العضو البارز والمؤسس في الملتقى الشعبي لنصرة غزة الدكتور ربحي حلوم، وكما سمعتها «القدس العربي» مباشرة، جزء من تركيبة الملتقى مع أحزاب أخرى ولا يتخذون القرارات في الملتقى. يظهر ذلك عملياً أن حزب جبهة العمل الإسلامي، أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، ليس صحيحاً أنه القائد الأساسي لحراكات الشارع في ملف غزة.
كما يظهر بالنتيجة والتداعي أن تحويل الأمين العام للحزب صاحب الطروحات الوطنية المثيرة الشيخ مراد العضايلة بالتدريج إلى قائمة «عدو مفترض وجديد للدولة» هو خطوة تظهر ليس واقعاً موضوعياً على الأرض بقدر ما تظهر غياب القراءة العميقة لشكل ونمط وظرف تلك التراكيب التي صنعت تظاهرات واحتجاجات ما يسمى الآن في غزة ومصر وفي طنجة المغربية بـ «الطوفان الشعبي الأردني».
تلك التسمية أيضاً ضربت بعض الأوتار الحساسة ودفعت في اتجاه أسئلة حرجة.
عشية اعتصامات شعبية ضخمة… طنجة ـ القاهرة ـ غزة على خط «النشامى»
لكن ليس صدفة أنها أصوات ليست محلية أو حراكية محلية، بل وردت تناغماً على أدراج نقابة الصحافيين المصريين في القاهرة وهم يخاطبون رفاقهم في عمان، كما وردت على ألسن مئات المتظاهرين في طنجة المغربية وهم يوجهون التحية لشعب النشامى، فيما كانت رسائل الحراك الشعبي بنسخته الأردنية هو الصوت الذي تصدر عند أهالي قطاع غزة الباحثين عن أي متضامن في أي مكان في الكرة الأرضية.
يلاحظ القيادي النقابي البارز المهندس بادي الرفايعة، على هامش وقفة نقاشية مع «القدس العربي» بأن التعسف والتشكيك والسماح بحملات تشويه وشيطنة لصوت الشعب الأردني أو لصوت جزء منه ليس هو الحل الأمثل لإدارة توازن منطقي يظهر الاحترام والتقدير لمزاج الشارع وموقفه.
ما لا يقوله رفايعة هنا أو لا يريد قوله هو أن غياب قراءة لخارطة خلفية وجذر عشرات الآلاف من الأردنيين الذين تواجدوا في ساحات الرابية في غربي العاصمة الاردنية لتسعة أيام متواصلة أعاد بعض الرسميين وراكبي موجة الولاء والقلقين بالمعنى الوطني إلى مربع الاتهام والشيطنة بابتكار أو واختراع مؤامرة، ما يكثر الجدل حولها وتصدر بيانات عشائرية وبرلمانية ضدها، لكنها دون أي تجديد لهويتها ورموزها وملامحها وهدفها.
أخفق القارئون في فهم خارطة القوى التي جددت فكرة الاحتجاج والاعتصام السلمي، فكان رد الفعل افتراض مؤامرة وانتخاب كلمة عابرة هنا أو هناك وردت على لسان قيادي ما في المقاومة، ثم تحويلها إلى مادة دسمة دليلاً على الفرضية.
وأخفق المعنيون، وهم كثر وأغراضهم أكثر، في تتبع وفهم طبيعة الشباب الذين يحضرون بكثافة لساحة الرابية ويهتفون بحرارة، فاقتصر رد الفعل على شيطنه الإخوان المسلمين مع أنهم ليسوا الطرف الأقوى في معادلة الشارع والحراك الآن.
لا بد من اتهام جهة ما بتحريض الحراك الشعبي.. هذا هو الأسلوب المعتمد والحتمي بالعادة لمن لا يريدون، وفقاً للرفايعة وغيره، فهم المعادلة الجديدة التي زرعها العدوان الهمجي في وعي الأردنيين، وهي أن اتفاقية السلام والعلاقات مع الولايات المتحدة لا توفران الحماية لأطفالهم مستقبلاً بعد كل تلك الجريمة.
وعندما تصبح لغة الاتهام متلازمة طبيعية لتعويض الفاقد والمنقوص في فهم ما يجري في تحولات وعي الأردنيين، يصبح اللجوء إلى عادة موسمية ومألوفة هو الملاذ، الأمر الذي أنتج أسطوانة التحريض على الإخوان المسلمين واتهامهم رغم أن بعض قادتهم اشتكوا أمام «القدس العربي» مؤخراً، بأن الشارع في عمان تحديداً لم يعد إيقاعه تحت سيطرتهم فيما يتحملون كلفته. يحصل كل ذلك لعدة أسباب، قد يكون بين أهمها هتافات طنجة والقاهرة وغزة ورام الله أيضاً لأداء النشامى وطوفانهم الشعبي المتخيل.
ويحصل لأن تلك الرسائل العابرة للحدود أخافت جهة ما وأقلقت السلطة الفلسطينية في رام لله بالتأكيد وعدة عواصم عربية، لأنها ترافقت وتزامنت مع مستجد في الحراك الشعبي برز أو ظهر مستقلاً لأول مرة منذ 7 أكتوبر، وهو بروز أصوات في مخيمات اللاجئين الأردنية.
طبعاً، اتهام الحراك والإخوان وبعض قادة حماس سهل وغير مكلف.
وطبعاً بالمقابل، سياسة إنكار المخاطر توازيها فلسفة إنكار عدم فهم الوعي الجديد وسط الأردنيين والرغبة الكامنة البيروقراطية تحديداً في مقاومة فكرة أن الجرائم ضد أهل غزة غيرت وبدلت في المعطيات والإعدادات، والأهم في وعي الأردنيين.
تلك الجرائم بالنتيجة والخلاصة، هي العدو الحقيقي للدولة وليس من ألقى حجراً على طريق عام قرب مخيم البقعة، أو من أعلن باسم العشيرة والقبيلة فهمه لوحدة المصالح مع المقاومة، أو من شذ بهتاف واحتك بعنصر أمني.. من هنا تحديداً ينبغي لعقل الدولة تدشين المراجعة.
"القدس العربي"
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات