عمان جو- بسام البدارين -«عليكم الانتباه جيداً للرسائل التي تصل للناس بشأن التحديث السياسي». تلك خلاصة النصيحة العلنية التي قدمها للمسؤولين في الدولة الأردنية النقابي والسياسي المتابع أحمد زياد أبو غنيمة، بصورة علنية مجدداً تعليقاً على ما ورد في بيان كتلة أهل الهمة الطلابية بالاتجاه الإسلامي بخصوص ما يمكن وصفه إعلامياً بعملية هندسة متجددة أعقبت انتخابات اتحاد الطلاب في الجامعة الأردنية، أهم وأكبر جامعات المملكة.
ليس مهماً ما إذا كان أبو غنيمة يتبنى الرواية التي وردت في منشور إلكتروني لكتلة الاتجاه الطلابي. وليس مهماً مضمون ما قالته تلك الكتلة لتبرير إقصاء المكون الإسلامي الطلابي من الهيئات التنفيذية لاتحاد طلاب الجامعة الأردنية. المهم هي المفارقة التي التقطها أبو غنيمة عندما عبر عن خشيته من تبديد مضمون دعوة ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله، إلى القطاع الشاب بخصوص بناء المستقبل.
استعمل أبو غنيمة هنا مفردة «نسف» مضمون الحديث المشار إليه خلال أقل من 48 ساعة، ثم سأل: ما هي الرسالة للشعب الأردني قبل الانتخابات المقبلة؟
ضمناً، تبنى النقابي البارز ما يقوله طلاب الاتجاه الإسلامي عن تدخلات من جهات نافذة بالترهيب والترغيب.
والأهم هو ما قاله عن انعكاس ذلك فعلاً وحقاً على رسائل جديدة توصف بأنها هندسة مبكرة قبل انتخابات نيابية مهمة في البلاد يوم 10 أيلول المقبل.
ما حصل في اتحاد طلبة الجامعة الأردنية حيث نشاط الطلاب، فعال بحماسة وسط غابة من التقاطعات الحزبية يستوجب ويستحق التأمل قليلاً، سياسياً، دون الانخراط طبعاً وحصراً برواية الاتجاه الإسلامي عن مظلومية الإقصاء والتهميش.
فاز طلاب التيار الإسلامي بنحو نصف عدد الأصوات، في مفاجأة لم تكن سارة وينبغي ألا يفترض الإسلاميون أنها سارة لجهات رسمية أو حتى لبقية الأحزاب وتياراتها الطلابية.

فوز بنصف المقاعد

وفاز الإسلاميون هنا أيضاً بنصف عدد المقاعد المجلس الرئيسي لمجلس اتحاد الطلبة، لكن عندما عقدت انتخابات الهيئة التنفيذية العريضة سجلت المفاجأة الأبرز، حيث لا تمثيل لمن حصدوا نصف الأصوات والمقاعد، لا في المكتب التنفيذي لاتحاد الطلاب ولا في أول خمسة مقاعد في الصف الأول.
ما أثار الارتياب من هذه المفارقة الرقمية هو أن الإعلام المقرب من السلطات عند تغطيته للحدث، خرج بـ«المانشيت» يتحدث عن تمكن تحالف بين الطلاب الوطنيين والمستقلين من إقصاء الاتجاه الإسلامي.

الطلاب والشباب مع طرح «السؤال الحساس»

لاحقاً، عرض الطلاب الإسلاميون مظلوميتهم في بيان صيغ بفقرات توحي بمؤامرة لإقصائهم، الأمر الذي يؤشر – كما يلاحظ أبو غنيمة – إلى جزئية من مشهد يمكن أن يحصل لاحقاً في انتخابات البرلمان بعدما قرر مجلس شورى حزب جبهة العمل الإسلامي المشاركة في تلك الانتخابات.
عملياً، ما أثار الارتياب أصلاً هو الاحتفال الإعلامي الرسمي بتمكن تحالف طلابي من إبعاد الإسلاميين رغم حصولهم على نصف عدد الأصوات عن مواقع الصف التنفيذي.
قال الإسلاميون بـ «مؤامرة ما» وباجتماعات في أحد الفنادق وبتدخل جهات نافذة في الجامعة وخارجها، لكن لم يقدموا أدلة وقرائن حسية تثبت الإقصاء المنهجي.
ولم تُشرح الطريقة التي تمكن عبرها الطرف الآخر من إقصاء التمثيل الإسلامي في الهيئات التنفيذية.
ثمة حلقة مفقودة في المسألة هنا. ومن يخاصم الإسلاميين في السياسة والأيديولوجيا يشير إلى أنهم بالغوا في الاحتفال بحصولهم على نصف المقاعد، وأن خطتهم كانت قاصرة عن إكمال مسيرتهم في اليوم التالي، الأمر الذي يجعل مظلومية الإقصاء مسألة من جراء «تقصير» وقيد البحث، وليست محسومة.
تحدث الاتجاه الإسلامي عما حصل من زاويته، لكنه لم يقل أو يشرح للرأي العام لماذا حصل ما حصل رقمياً، ولماذا تمكن المنافسون من تجميع أصواتهم في الهيئة العامة لاتحاد الطلبة معاً، فيما كان الإسلاميون الطلاب منشغلين بمبايعة زميل لهم في السجن رئيساً للاتحاد؟

سيناريو اليوم التالي

بكل حال، حصل ما حصل. لعله درس في علم السياسة والتشبيك، وقد يكون من واجب الإسلاميين بعد الآن الاستعداد لما هو أبعد من الاحتفال والبهجة في اليوم التالي، سواء في الجامعات أو أي انتخابات أخرى، وخصوصاً في جزئية القدرة الحقيقية على بناء شراكات مع مستقلين أو حتى مع حزبيين وسطيين آخرين مستقبلاً.
الجزء المنقوص على الأرجح هو بناء سيناريو لليوم التالي بعد الفوز. والجزء المنقوص المقلق عند فعاليات الهندسة التي تستهدف إقصاء المكون الإسلامي دوماً، هو النتائج العبثية التي يفرزها الهوس في تقليم أظافر الإسلاميين بدلاً من الانشغال بإدماجهم عبر التشبيك والشراكة وليس عبر إضعافهم فقط. وسواء حصل الأمر في اتحاد طلاب الأردنية كما عرضته كتلة أهل الهمة أو أبو غنيمة، أو لم يحصل، فالأكثر إلحاحاً ـ مادام مسار التحديث السياسي واستقطاب الشباب قد تقرر بغطاء مرجعي ـ هو الانتباه لانعكاسات أي تدخل شبه رسمي، وعن بعد خصوصاً، على مصداقية العملية الانتخابية ومسار التحديث السياسي نفسه.
وفي الخلاصة: الاتجاه الإسلامي لديه مشكلات لم يعد من اللائق إنكارها، خصوصاً في مساحات القدرة على بناء تحالفات في المجتمع الذي يمنح التيار دوماً حصة وافرة من أصواته ينبغي ألا تضيع بعد الآن بسبب غرور تنظيمي أو تفكير مسبق لا يؤمن بالشراكات والتشبيك.
وفي المقابل، إن الراغبين تنفيذياً وحكومياً بإظهار جديتهم في الاستجابة للتوجيهات المرجعية في مساري التحديث والانتخابات، عليهم واجب الحرص أكثر قبل غيرهم، على عزل فعاليات أي تفكير هندسي عن قيمة المصداقية وأيضاً عن فكرة الإقصاء غير المتقن.
أيهما أهم في الميزان، تقليص فرص الإسلاميين أم إقناع الشعب الأردني بجدية مسار التحديث والحرص على سمعة الانتخابات؟
هذا هو السؤال الحساس اليوم، الذي كشفت الغطاء عنه انتخابات طلاب «الأردنية». وليس صدفة أن الإجابة عنه ليست مطلوبة لا من المواطن ولا من الأحزاب، بل من حلقات القرار الأساسية؛ لأن مصداقية مسار التحديث برمته ينبغي أن تحظى بالأولوية عن المسار نفسه وسط جمهور يحترف التقاط السلبي قبل الإيجابي.

«القدس العربي»