مفارقة الانتخابات الأردنية: العشائر بالانتخاب والأحزاب بـ«اللجان»
عمان جو - بسام البدارين -«هندسة» لكن في «أحشاء القوائم الانتخابية». ذلك عملياً الانطباع الذي يمكن تسجيله عند محاولة تتبع استعدادات وجاهزية «الأحزاب الوسطية» تحديداً في الأردن، ترقباً لمجريات الأمور في أول انتخابات نيابية في المملكة يتم فيها تخصيص 41 مقعداً حصراً لمقاعد حزبية.
الانطباع العام أن أحزاب البلاد تتأخر لسبب غامض في الإعلان عن هوية مرشحيها لتلك المقاعد. والتأخير هنا يساهم في أن تلوك بعض الألسن سمعة الانتخابات مسبقاً، وحتى قبل أكثر من 3 أشهر على يوم عقدها. ووقائع النقاشات تؤشر إلى أن فكرة «الهندسة الانتخابية» لم يعد من الممكن التعاطي معها من منظور سلبي فقط…
الكل يهندس حتى في أعرق الدول الديمقراطية، قال رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة في أمسية حوارية مؤخراً وهو يلمح مجدداً لـ «التزوير الشعبي» أيضاً. لا يوجد حتى اللحظة مبرر مقنع لأسباب التأخير في إعلان الحملات الانتخابية خصوصاً في أحزاب الوسط، الأمر الذي يمكن اعتباره مؤشراً ليس فقط على «ارتباك ما» أو «خوف من الهزات الارتدادية المبكرة» قبل النضوج، بل أيضاً على فعاليات هندسة حائرة نسبياً زاد في تعقيداتها إعلان التيار الإسلامي نيته خوض الانتخابات، وعلى الأرجح البحث عن «صفقة منصفة» انتخابياً.
ثمة ما يوحي هنا بأن تفاعلات الهندسة في قوائم الأحزاب عموماً تأخذ بالاعتبار ليس عدد المرشحين من حيث «الحشوات» بل معادلة العلاقة بين «عدد المقاعد المفترض» التي يكسبها كل حزب وبين «ترتيب الأحشاء» في كل قائمة بعيداً عن الحشوات، لأن المطلوب وبإلحاح «إرضاء أكبر قاعدة ممكنة من المكونات المناطقية والاجتماعية» بعد النتائج.
تلك مهمة صعبة ومعقدة، يقول السياسي والبرلماني المخضرم الدكتور ممدوح العبادي، وهو يشير إلى أن الانتخابات ينبغي أن تجرب وتعبر عن خيارات الصناديق فقط بدون أي حسابات جانبية، على اعتبار أن تلك هي القوة الحقيقية.
خطاب العبادي يبدو رومانسياً، والتقدير حتى اللحظة على الأقل بأن بين أهم أسباب «التأخير» وتفوق «الإجماعات العشائرية على الأحزاب السياسية في الجاهزية والتوقيت، هو تلك الرغبة الكامنة بتوزيع «الأحشاء»؛ أي المقاعد المتوقع أنها مضمونة حتى في قوائم الأحزاب بطريقة ترضي «الجميع» قدر الإمكان.
زاد من تعقيداتها إعلان التيار الإسلامي نيته خوضها وبحثه عن «صفقة منصفة»
لا تبدو إطلاقاً مهمة سهلة، فمقاعد الأحزاب الـ 41 فيها حصة ـ حكماً ـ للشباب والمرأة، والرغبة قوية في أن تراعي موازين التمثيل بين الناجحين في الدوائر الفرعية والأخرى الوطنية، لأن إرضاء الجميع أفقياً مهمة شاقة، وهو ما يتطلب المزيد من الغرق في التفاصيل والترقب والحسابات. ثمة من لا يريد أن يسطو «الثقل العشائري» على مقاعد القوائم الحزبية الوطنية.
وثمة من يؤمن بأن البند الأول على جدول الأعمال هو أن يتصدر الإسلاميون القوائم الحزبية خلافاً لتيار نافذ يقدر بأن مراعاة المكونات الاجتماعية مسألة ينبغي أن تكون عابرة ليس لقوائم الأحزاب الوطنية فقط، ولكن أيضاً لـ «فرص المرشحين» حتى من متنافسي الحزب الواحد.
ذلك لا يعني إلا أن «المحاصصة» ضربت مبكراً بمعناها الكلاسيكي حتى ترتيبات الأحزاب السياسية وبرعاية «شبه رسمية» لا تليق بمسار تحديث المنظومة السياسية، واللافت هنا أن المحاصصة التي شكلت الأحزاب أصلاً لتجاوزها، تمكنت على نحو أو آخر في مداولات التحضير الانتخابي من غرس أظافرها حتى في التعبيرات الحزبية.
وتلك ليس واجهة التحدي الوحيدة في مساحة الأحزاب الوسطية التي لم تعلن بعد عن هوية مرشحيها للقوائم الوطنية، فملف «تمويل الحملات الانتخابية» مالياً لا يزال عالقاً وعائقاً، وكل القوى الوسطية تبشر بأن مرشحيها للقوائم الوطنية لا يوجد ضمانات عميقة بأن يستطيعوا استقطاب كل أصوات ثقلهم المناطقي أو العشائري لصالح أحزابهم التي ستتشكل قوائم مرشحيها بكل حال، وسط غابة من الحسابات والحساسيات في تجربة «سنة أولى برلمان» على الأقل لأحزاب الوسط.
أحد الخبراء في الأحزاب الوسطية لاحظ مؤخراً على هامش نقاش مع «القدس العربي» بأن جميع الأحزاب في البلاد تقريباً اعتمدت آلية «اللجان والمعايير» في اختيار مرشحيها عن الدوائر الفرعية والعامة، فيما اعتمدت «إجماعات العشائر» بنسبة كبيرة على التصويت والانتخابات الداخلية.
مفارقة في غاية الإثارة هنا تظهر بأن العشائر تجتمع وتنتخب وتصوت وتختار مرشحيها في آلية ديمقراطية لا اعتراض عليها، فيما الأحزاب -بما فيها أحزاب المعارضة بالمناسبة- في انتظار ما ستقرره مناطق التلاقي بين قيادتها ولجانها.
أوضح من هذه المفارقة لا يوجد؛ فأصوات الإجماع العشائري بالانتخاب، وأصوات الترشح في الأحزاب متأخرة وبانتظار «توصية لجنة ما» مع أن الأحزاب السياسية كان يمكنها إنجاز «سابقة» بدعوة هيئتها العامة وطرح التصويت لصالح المرشحين. المناطق هنا تبدو أكثر ديمقراطية من الأحزاب السياسية.
تلك طبعاً نتيجة لفيروس الهندسة الذي اجتاح أوصال عملية انتخابية لم تبدأ بعد، وأحزاب الوسط مثلاً تنتظر لأنها لا تريد «إغضاب السلطات» ولا هيئاتها ولا حتى من يدفعون المال فيها ولا حصول «انشقاقات مبكرة» قبل إعلان معتمديها.
«القدس العربي»
الانطباع العام أن أحزاب البلاد تتأخر لسبب غامض في الإعلان عن هوية مرشحيها لتلك المقاعد. والتأخير هنا يساهم في أن تلوك بعض الألسن سمعة الانتخابات مسبقاً، وحتى قبل أكثر من 3 أشهر على يوم عقدها. ووقائع النقاشات تؤشر إلى أن فكرة «الهندسة الانتخابية» لم يعد من الممكن التعاطي معها من منظور سلبي فقط…
الكل يهندس حتى في أعرق الدول الديمقراطية، قال رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة في أمسية حوارية مؤخراً وهو يلمح مجدداً لـ «التزوير الشعبي» أيضاً. لا يوجد حتى اللحظة مبرر مقنع لأسباب التأخير في إعلان الحملات الانتخابية خصوصاً في أحزاب الوسط، الأمر الذي يمكن اعتباره مؤشراً ليس فقط على «ارتباك ما» أو «خوف من الهزات الارتدادية المبكرة» قبل النضوج، بل أيضاً على فعاليات هندسة حائرة نسبياً زاد في تعقيداتها إعلان التيار الإسلامي نيته خوض الانتخابات، وعلى الأرجح البحث عن «صفقة منصفة» انتخابياً.
ثمة ما يوحي هنا بأن تفاعلات الهندسة في قوائم الأحزاب عموماً تأخذ بالاعتبار ليس عدد المرشحين من حيث «الحشوات» بل معادلة العلاقة بين «عدد المقاعد المفترض» التي يكسبها كل حزب وبين «ترتيب الأحشاء» في كل قائمة بعيداً عن الحشوات، لأن المطلوب وبإلحاح «إرضاء أكبر قاعدة ممكنة من المكونات المناطقية والاجتماعية» بعد النتائج.
تلك مهمة صعبة ومعقدة، يقول السياسي والبرلماني المخضرم الدكتور ممدوح العبادي، وهو يشير إلى أن الانتخابات ينبغي أن تجرب وتعبر عن خيارات الصناديق فقط بدون أي حسابات جانبية، على اعتبار أن تلك هي القوة الحقيقية.
خطاب العبادي يبدو رومانسياً، والتقدير حتى اللحظة على الأقل بأن بين أهم أسباب «التأخير» وتفوق «الإجماعات العشائرية على الأحزاب السياسية في الجاهزية والتوقيت، هو تلك الرغبة الكامنة بتوزيع «الأحشاء»؛ أي المقاعد المتوقع أنها مضمونة حتى في قوائم الأحزاب بطريقة ترضي «الجميع» قدر الإمكان.
زاد من تعقيداتها إعلان التيار الإسلامي نيته خوضها وبحثه عن «صفقة منصفة»
لا تبدو إطلاقاً مهمة سهلة، فمقاعد الأحزاب الـ 41 فيها حصة ـ حكماً ـ للشباب والمرأة، والرغبة قوية في أن تراعي موازين التمثيل بين الناجحين في الدوائر الفرعية والأخرى الوطنية، لأن إرضاء الجميع أفقياً مهمة شاقة، وهو ما يتطلب المزيد من الغرق في التفاصيل والترقب والحسابات. ثمة من لا يريد أن يسطو «الثقل العشائري» على مقاعد القوائم الحزبية الوطنية.
وثمة من يؤمن بأن البند الأول على جدول الأعمال هو أن يتصدر الإسلاميون القوائم الحزبية خلافاً لتيار نافذ يقدر بأن مراعاة المكونات الاجتماعية مسألة ينبغي أن تكون عابرة ليس لقوائم الأحزاب الوطنية فقط، ولكن أيضاً لـ «فرص المرشحين» حتى من متنافسي الحزب الواحد.
ذلك لا يعني إلا أن «المحاصصة» ضربت مبكراً بمعناها الكلاسيكي حتى ترتيبات الأحزاب السياسية وبرعاية «شبه رسمية» لا تليق بمسار تحديث المنظومة السياسية، واللافت هنا أن المحاصصة التي شكلت الأحزاب أصلاً لتجاوزها، تمكنت على نحو أو آخر في مداولات التحضير الانتخابي من غرس أظافرها حتى في التعبيرات الحزبية.
وتلك ليس واجهة التحدي الوحيدة في مساحة الأحزاب الوسطية التي لم تعلن بعد عن هوية مرشحيها للقوائم الوطنية، فملف «تمويل الحملات الانتخابية» مالياً لا يزال عالقاً وعائقاً، وكل القوى الوسطية تبشر بأن مرشحيها للقوائم الوطنية لا يوجد ضمانات عميقة بأن يستطيعوا استقطاب كل أصوات ثقلهم المناطقي أو العشائري لصالح أحزابهم التي ستتشكل قوائم مرشحيها بكل حال، وسط غابة من الحسابات والحساسيات في تجربة «سنة أولى برلمان» على الأقل لأحزاب الوسط.
أحد الخبراء في الأحزاب الوسطية لاحظ مؤخراً على هامش نقاش مع «القدس العربي» بأن جميع الأحزاب في البلاد تقريباً اعتمدت آلية «اللجان والمعايير» في اختيار مرشحيها عن الدوائر الفرعية والعامة، فيما اعتمدت «إجماعات العشائر» بنسبة كبيرة على التصويت والانتخابات الداخلية.
مفارقة في غاية الإثارة هنا تظهر بأن العشائر تجتمع وتنتخب وتصوت وتختار مرشحيها في آلية ديمقراطية لا اعتراض عليها، فيما الأحزاب -بما فيها أحزاب المعارضة بالمناسبة- في انتظار ما ستقرره مناطق التلاقي بين قيادتها ولجانها.
أوضح من هذه المفارقة لا يوجد؛ فأصوات الإجماع العشائري بالانتخاب، وأصوات الترشح في الأحزاب متأخرة وبانتظار «توصية لجنة ما» مع أن الأحزاب السياسية كان يمكنها إنجاز «سابقة» بدعوة هيئتها العامة وطرح التصويت لصالح المرشحين. المناطق هنا تبدو أكثر ديمقراطية من الأحزاب السياسية.
تلك طبعاً نتيجة لفيروس الهندسة الذي اجتاح أوصال عملية انتخابية لم تبدأ بعد، وأحزاب الوسط مثلاً تنتظر لأنها لا تريد «إغضاب السلطات» ولا هيئاتها ولا حتى من يدفعون المال فيها ولا حصول «انشقاقات مبكرة» قبل إعلان معتمديها.
«القدس العربي»
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات