الأردن: اجتهادات و«فتاوى» وغياب «الرواية الرسمية» فيما يخص تطورات متدحرجة وحادة للقضية الفلسطينية
عمان جو - بسام البدارين - لا أحد يمكنه أن يعرف ما هي بصورة محددة بعد خلاصة الاستراتيجية السياسية الأردنية المقررة فيما يخص تطورات متدحرجة وحادة للقضية الفلسطينية، في الوقت الذي بدأت فيه الاجتهادات تتناثر هنا وهناك بتوقيع بعض أعضاء نادي رؤساء الوزارات السابقين، فيما لا تتقدم الحكومة القائمة برواية لا للزاوية ولا لتدويرها.
يتجدد الانطباع هنا وسط العامة في الأردن بأن من يجتهدون من السياسيين المعروفين في إطلاق مبادرات هنا أو اقتراحات هناك، لا يتحدثون باللسان الرسمي ولا حتى باسم الدولة العميقة. والسبب على الأرجح ـ في رأي الخبير الاقتصادي والمحلل السياسي الدكتور أنور الخفش ـ هو عدم وجود معطيات حقيقية بين يدي من يحملون بعض الميكروفونات الآن. وثمة زحام على الميكروفون بتوقيع مسؤولين سابقين، فيما تغيب رواية الحكومة على الأقل.
لم يعد الامتناع مقبولاً
وهذا ما يدل على زحام واجتهاد خارج النص الحقيقي، في رأي الخفش، وثمة آخرون اشتكوا مراراً وتكراراً من ضعف عملية ضخ التقديرات والمعلومات ومن ظاهرة الميكروفون الواحد، في الوقت الذي تتطور فيه أحداث فلسطين المحتلة بشكل يومي وعاصف واستثنائي.
لم يعد مقبولاً أن تمتنع الحكومة عن إجراء مشاورات أو تبادل خبرات، ويقول الخفش: «القوم المتبرعون لا معلومات لديهم ولا يعلمون ما الذي يجري». وأصبح لافتاً للنظر أن عملية الإفتاء بدأت تمارس هنا وهناك، وأحياناً على خلفية محلية بامتياز، فكرتها الرغبة بركوب الموجة والقفز مجدداً إلى قارب الإدارة والمناصب والأدوار.
استصعب رئيس الديوان الملكي الأسبق والخبير السياسي الدكتور جواد العناني، عندما تحدثت معه «القدس العربي» البقاء في حالة تفاعل مع تطورات الحدث الفلسطيني والإقليمي بدون العودة إلى رسم السياسيات مركزياً، أو بدون وجود مطبخ سياسي. وعندما ناقشت «القدس العربي» شخصية خبيرة خصوصاً بالملف الإسرائيلي والصراع والمفاوضات مثل الدكتور دريد المحاسنة، استمعت إلى رأي فني لا يتحدث عن تشكيل خلية تفكير وعصف ذهني فقط، بل عن خبراء لديهم الجرأة الكافية لعرض الحقائق والوقائع ولطرحها ثم لاتخاذ القرار المناسب. عملياً، قيل طوال الوقت في أسباب تأخير ولادة وتشكيل مجلس الأمن القومي بأنه مجلس يدعى للاجتماع للضرورة الوطنية القصوى.
لكن ما يلاحظه الخبراء عموماً بأن مواصفات اللحظة الوطنية الحرجة تتجمع الآن عند زاوية البحث والتنقيب في معادلة العلاقة الأردنية الفلسطينية أثناء وبعد العدوان الإسرائيلي على غزة دون أن تدفع الحكومة في اتجاه تشكيل مجلس الأمن القومي، الذي لا يزال مشروعاً على الورق رغم حراجة وفداحة التطورات.
جرعة غير كافية
في التفاصيل، البحث هوسي الآن عن مقاربة أردنية وطنية وسياسية بالمناسبة، تعيد تعريف المصالح والزوايا التي تحتاج إلى اشتباك أو تدوير مجدداً. وفيما لا تقدم السلطة التنفيذية رواية للرأي العام ولا للصالونات السياسية، يجتهد النشطاء والمعنيون، وبدأت تتكاثر وتتزاحم تلك الاقتراحات الشخصية لرؤساء حكومة سابقين يحاولون توفير حيز لرواية ما تفترض أو تتقمص هوية المصالح الأساسية للدولة الأردنية.
هل تذكرون «مجلس الأمن القومي»؟
وتلك جرعة من المرجح أنها لا تكفي عبر الاعتماد فقط على جملة مسيسة متوازنة تدرك طبيعة التحالفات والتوازنات الإقليمية والدولية، لكنها تجازف مرة أخرى، وفقاً لكثير من المراقبين والسياسيين المعارضين أو الناقدين بإظهار الاحترام اللازم لمشاعر الشعب الأردني.
عكس الخبير الدبلوماسي السفير الدكتور موسى بريزات، وهو يتحدث في جلسة نقاشية شاركت فيها «القدس العربي» ذلك المزاج الذي ينبغي له أن يربط ما بين اتجاهات المواطن الأردني وموقف حكومته، وحاول البريزات بعد نحو 40 عاماً من الخبرة في الاشتباك الدبلوماسي الدولي والاقليمي لفت أنظار المسؤولين اليوم في عمان إلى المعادلة التي تقول إن ذبح الشعب الفلسطيني المنهجي عبر ماكينة العدو الهمجية الإجرامية لا يوفر حصانة للشعب الأردني، مشيراً إلى أن قناعة الأردنيين متكرسة لدى المستوى الشعبي بأن السماح للكيان بذبح الفلسطينيين والبقاء في مستويات الحياد والتوازن إياها يعني بأن يمين العدو المتطرف سيخطط لذبح الأردنيين ما لم يردع بحزم. طبعاً، مثل هذا الخطاب لا يعجب طبقة المسؤولين اليوم.
لكن ما يقترحه خبير مثل البريزات، الانتباه لضرورة وطنية ملحة اليوم تدرك المخاطر على المملكة عموماً، أو على الأقل تذهب في اتجاه تفعيل حوار وطني، ما يقود إلى خطوات وقائية أو احترازية لا تقف عند حدود طمأنة الشعب الأردني فقط، بل إعادة صهر مواقفه واتجاهاته بما يخدم المصالح العليا للدولة.
المقاربة التي يقترحها بريزات ونخبة عريضة من الشخصيات الوطنية لا يبدو أنها مستقرة كركائز عمل وقواعد اشتباك عند سلطات القرار الحكومي على الأقل.
ومع تراجع سياسات الإفصاح وغياب الروايات، تطفو تلك الاجتهادات الشخصية هنا وهناك. والواقع يشير إلى أن السياسيين الكبار الذين يجتهدون ويفترضون أنهم يضعون بعض النقاط على أحرف الرأي العام، يقدم بعضهم في النتيجة مساهمة فعالة في ترك الشارع لرواية التيار الإسلامي أو خطاب المقاومة والممانعة؛ بسبب ضعف مصداقية العديد من المسؤولين السابقين خلافاً للرواية التي تقدم بها مؤخراً رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، في ترسيم الاحتياجات الوطنية بطريقة تبدو واضحة على الأقل وتخلو من الطموح الشخصي.
في كل حال، غياب الرواية الرسمية الصلبة المقنعة في المسألة الفلسطينية وبقاء البيض فقط في سلة السلطة الفلسطينية، على حد تعبير الدكتور مروان المعشر، هما عنصران إضافيان في تبديد وهم وجود مقاربة معتمدة حتى الآن تصنع الأحداث بدلاً من أن تنتظرها، ما يبقي الفراغات وسط المواطنين في موقع متصدر؛ لأن ما وصف يوماً بفلسفة إعادة تدوير الزوايا لم يعد قائماً الآن لأن الزوايا نفسها تحتاج لإعادة تعريف.
بهذا المعنى، الملفات الأساسية في المقاربة الأردنية لا ينبغي التسليم بها وفقاً لمنظور كلاسيكي، فالتهجير لا يزال من المخاطر الكبرى، ولا أدلة قوية أو معلنة على الأقل على أنه ذاب في تفاصيل التحالفات.
والحديث عن مشروع مارشال الاقتصادي، قرأه البريزات وخبراء آخرون بوصفه محاولة للغرق مجدداً في أوهام الوعود والفرضيات ابتداء من درس مشاريع السلام عند توقيع اتفاقية وادي عربة، انتهاء بما قيل للأردنيين عن العراق الجديد. وعلى المنوال نفسه، لا أحد في المؤسسة التنفيذية على الأقل يظهر مهارة في التقاط أي تحفيز بعلامة فارقة له علاقة بما يسمى تجديد الشرعية الفلسطينية. الأصوات بهذا المعنى في عمان نخبوياً، تعلو وتفترض أحياناً ثم يجتهد، بعضها بحسن نية، لملء السطر الناقص في رواية لا تزال غير واضحة بعد.
«القدس العربي»
يتجدد الانطباع هنا وسط العامة في الأردن بأن من يجتهدون من السياسيين المعروفين في إطلاق مبادرات هنا أو اقتراحات هناك، لا يتحدثون باللسان الرسمي ولا حتى باسم الدولة العميقة. والسبب على الأرجح ـ في رأي الخبير الاقتصادي والمحلل السياسي الدكتور أنور الخفش ـ هو عدم وجود معطيات حقيقية بين يدي من يحملون بعض الميكروفونات الآن. وثمة زحام على الميكروفون بتوقيع مسؤولين سابقين، فيما تغيب رواية الحكومة على الأقل.
لم يعد الامتناع مقبولاً
وهذا ما يدل على زحام واجتهاد خارج النص الحقيقي، في رأي الخفش، وثمة آخرون اشتكوا مراراً وتكراراً من ضعف عملية ضخ التقديرات والمعلومات ومن ظاهرة الميكروفون الواحد، في الوقت الذي تتطور فيه أحداث فلسطين المحتلة بشكل يومي وعاصف واستثنائي.
لم يعد مقبولاً أن تمتنع الحكومة عن إجراء مشاورات أو تبادل خبرات، ويقول الخفش: «القوم المتبرعون لا معلومات لديهم ولا يعلمون ما الذي يجري». وأصبح لافتاً للنظر أن عملية الإفتاء بدأت تمارس هنا وهناك، وأحياناً على خلفية محلية بامتياز، فكرتها الرغبة بركوب الموجة والقفز مجدداً إلى قارب الإدارة والمناصب والأدوار.
استصعب رئيس الديوان الملكي الأسبق والخبير السياسي الدكتور جواد العناني، عندما تحدثت معه «القدس العربي» البقاء في حالة تفاعل مع تطورات الحدث الفلسطيني والإقليمي بدون العودة إلى رسم السياسيات مركزياً، أو بدون وجود مطبخ سياسي. وعندما ناقشت «القدس العربي» شخصية خبيرة خصوصاً بالملف الإسرائيلي والصراع والمفاوضات مثل الدكتور دريد المحاسنة، استمعت إلى رأي فني لا يتحدث عن تشكيل خلية تفكير وعصف ذهني فقط، بل عن خبراء لديهم الجرأة الكافية لعرض الحقائق والوقائع ولطرحها ثم لاتخاذ القرار المناسب. عملياً، قيل طوال الوقت في أسباب تأخير ولادة وتشكيل مجلس الأمن القومي بأنه مجلس يدعى للاجتماع للضرورة الوطنية القصوى.
لكن ما يلاحظه الخبراء عموماً بأن مواصفات اللحظة الوطنية الحرجة تتجمع الآن عند زاوية البحث والتنقيب في معادلة العلاقة الأردنية الفلسطينية أثناء وبعد العدوان الإسرائيلي على غزة دون أن تدفع الحكومة في اتجاه تشكيل مجلس الأمن القومي، الذي لا يزال مشروعاً على الورق رغم حراجة وفداحة التطورات.
جرعة غير كافية
في التفاصيل، البحث هوسي الآن عن مقاربة أردنية وطنية وسياسية بالمناسبة، تعيد تعريف المصالح والزوايا التي تحتاج إلى اشتباك أو تدوير مجدداً. وفيما لا تقدم السلطة التنفيذية رواية للرأي العام ولا للصالونات السياسية، يجتهد النشطاء والمعنيون، وبدأت تتكاثر وتتزاحم تلك الاقتراحات الشخصية لرؤساء حكومة سابقين يحاولون توفير حيز لرواية ما تفترض أو تتقمص هوية المصالح الأساسية للدولة الأردنية.
هل تذكرون «مجلس الأمن القومي»؟
وتلك جرعة من المرجح أنها لا تكفي عبر الاعتماد فقط على جملة مسيسة متوازنة تدرك طبيعة التحالفات والتوازنات الإقليمية والدولية، لكنها تجازف مرة أخرى، وفقاً لكثير من المراقبين والسياسيين المعارضين أو الناقدين بإظهار الاحترام اللازم لمشاعر الشعب الأردني.
عكس الخبير الدبلوماسي السفير الدكتور موسى بريزات، وهو يتحدث في جلسة نقاشية شاركت فيها «القدس العربي» ذلك المزاج الذي ينبغي له أن يربط ما بين اتجاهات المواطن الأردني وموقف حكومته، وحاول البريزات بعد نحو 40 عاماً من الخبرة في الاشتباك الدبلوماسي الدولي والاقليمي لفت أنظار المسؤولين اليوم في عمان إلى المعادلة التي تقول إن ذبح الشعب الفلسطيني المنهجي عبر ماكينة العدو الهمجية الإجرامية لا يوفر حصانة للشعب الأردني، مشيراً إلى أن قناعة الأردنيين متكرسة لدى المستوى الشعبي بأن السماح للكيان بذبح الفلسطينيين والبقاء في مستويات الحياد والتوازن إياها يعني بأن يمين العدو المتطرف سيخطط لذبح الأردنيين ما لم يردع بحزم. طبعاً، مثل هذا الخطاب لا يعجب طبقة المسؤولين اليوم.
لكن ما يقترحه خبير مثل البريزات، الانتباه لضرورة وطنية ملحة اليوم تدرك المخاطر على المملكة عموماً، أو على الأقل تذهب في اتجاه تفعيل حوار وطني، ما يقود إلى خطوات وقائية أو احترازية لا تقف عند حدود طمأنة الشعب الأردني فقط، بل إعادة صهر مواقفه واتجاهاته بما يخدم المصالح العليا للدولة.
المقاربة التي يقترحها بريزات ونخبة عريضة من الشخصيات الوطنية لا يبدو أنها مستقرة كركائز عمل وقواعد اشتباك عند سلطات القرار الحكومي على الأقل.
ومع تراجع سياسات الإفصاح وغياب الروايات، تطفو تلك الاجتهادات الشخصية هنا وهناك. والواقع يشير إلى أن السياسيين الكبار الذين يجتهدون ويفترضون أنهم يضعون بعض النقاط على أحرف الرأي العام، يقدم بعضهم في النتيجة مساهمة فعالة في ترك الشارع لرواية التيار الإسلامي أو خطاب المقاومة والممانعة؛ بسبب ضعف مصداقية العديد من المسؤولين السابقين خلافاً للرواية التي تقدم بها مؤخراً رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، في ترسيم الاحتياجات الوطنية بطريقة تبدو واضحة على الأقل وتخلو من الطموح الشخصي.
في كل حال، غياب الرواية الرسمية الصلبة المقنعة في المسألة الفلسطينية وبقاء البيض فقط في سلة السلطة الفلسطينية، على حد تعبير الدكتور مروان المعشر، هما عنصران إضافيان في تبديد وهم وجود مقاربة معتمدة حتى الآن تصنع الأحداث بدلاً من أن تنتظرها، ما يبقي الفراغات وسط المواطنين في موقع متصدر؛ لأن ما وصف يوماً بفلسفة إعادة تدوير الزوايا لم يعد قائماً الآن لأن الزوايا نفسها تحتاج لإعادة تعريف.
بهذا المعنى، الملفات الأساسية في المقاربة الأردنية لا ينبغي التسليم بها وفقاً لمنظور كلاسيكي، فالتهجير لا يزال من المخاطر الكبرى، ولا أدلة قوية أو معلنة على الأقل على أنه ذاب في تفاصيل التحالفات.
والحديث عن مشروع مارشال الاقتصادي، قرأه البريزات وخبراء آخرون بوصفه محاولة للغرق مجدداً في أوهام الوعود والفرضيات ابتداء من درس مشاريع السلام عند توقيع اتفاقية وادي عربة، انتهاء بما قيل للأردنيين عن العراق الجديد. وعلى المنوال نفسه، لا أحد في المؤسسة التنفيذية على الأقل يظهر مهارة في التقاط أي تحفيز بعلامة فارقة له علاقة بما يسمى تجديد الشرعية الفلسطينية. الأصوات بهذا المعنى في عمان نخبوياً، تعلو وتفترض أحياناً ثم يجتهد، بعضها بحسن نية، لملء السطر الناقص في رواية لا تزال غير واضحة بعد.
«القدس العربي»
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات