إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

تَـــعَــــا .. ولا تِــــجـــي ؟!


عمان جو - بِقَلَم :
د.محمد يوسف أبو عمارة


تعا ولا تِجي وكذوب عليّي
الكذبة مش خطيّة
اوعدني انّو رح تجي
وتعا .... ولا تجي

لَطالَما سَمِعتُ هذه الأُغنية واستَمتَعتُ بِلَحنِهَا وبِصَوت فَيروز الآسِر ... ولَطالَما تَسائلتُ ما هُوَ المَطلوب مِن ذلكَ المُخاطَب ... الحَبيب ... فهَل يَأتي ؟ أَم يَذهَب ؟ ولِماذا قالَت لَه : تَعا ولا تِجي ... ؟!

لُغز صَعب .. بَحَثتُ عن فَك شيفرة هذا اللُّغز لِأَجِدَ أنَّ لِهذه الكَلِمات قِصَّة هي ...
كانَ لِفَيروز وعاصي صَديقة اسمُها ( كاتيا ) ، وكاتيا أحبَّت عَسكَريًّا في الجَيش وفي الأَزمة اللبنانية اختَفى هَذا الحَبيب وتَضارَبَت الشَّائعات حَولَ اختِفائه فَالبَعض قَال بأنَّهُ مات وآخرينَ قالوا : بأّنَ قَدَمَهُ قُطِعَت .
وقيلَ بأنَّهُ خائن ومَطلوب للحُكومَة اللبنانيَّة لذلك فَرَّ واختَفى وهُنا دَخَلَت كاتيا في صِراع نفسي مع حَبيبها مَجهول الإقامَة
فهَل هُوَ مَيّت أَم لا ؟! وهِيَ تَتَمنَّى أن يَعود ولكن وبِنَفس الوَقت تَخشى إن عادَ أن يَتِمَّ القَبض عَليه من السُّلطات وإعدامِه بِتُهمَة الخِيانَة ...
ولكنَّها كانَت تَتَمنَّى أن يَكون عَلى قَيدِ الحَياة وأن يُرسِلَ لَها أي شيء يَدُلّ على ذلك ...

فَهيَ مًعادَلة صَعبة فَهَل يأتي أم لا ؟!
المَطلوب هُوَ فَقَط أن تطمَئنّ أنّهُ ما زالَ عَلى قَيدِ الحَياة ... وهَذا يَكفي كاتيا.. لذلك هِيَ تُريد فَقط أي خَبَر مِنْهُ يُخبِرها أنَّهُ ما زالَ حَيًّا ولكن ... لا تُريده أن يَأتي ... حَتَّى لا يُقتَل !

فأبدَعَ الأخَوَين رَحباني بِوَصف المَشهَد وهذا التَّناقُض بالمَشاعِر ...

عَ عتاب البواب الإبَر عم بتحيّك
بتحيّك تكّاية .. وتحيّك حكاية
والإبَر مسنونة والعيون مسنونة
وياخوفي الحكي يجي

الحَسَد عالطّريق .. الحسد عم بيزهّر
زهّر بالدّوارة وزهّر عند الجارة
وغزلت بمغزلها قصّتنا بمغزلها
ولوين رح التجي ...

تعا ولا تِجي وكذوب عليّي ... الكذبة مش خطيّة ... اوعدني انّو رح تجي وتعا .... ولا تجي ...

وَقَد وَصَفَت الأُغنية وَضع النّاس في الحَرب عام 1958 حَيثُ لا شُغل ولا شاغل لَدَيهِم سِوى تأليف القِصَص والأَخبار والقِلَّة مِنهُم تَشتَغِل بِحِياكَة الصّوف التي كانت منتشرة في ذلك الحي .
لذلك فَقد أصبحت قِصّة حَبيب كاتيا قِصَّة الجَميع فالكُل يَتداوَلها بِطَريقته ويُطلِق عَليها الشّائعات ويَترُك لِخيالِه الخَصب إضافة التَّفاصيل ...

أما هي فَقَد كانَت تُحِبّه بِصِدق وتَتَمَنّاه في كُل اللّحظات .. وَوَفاءً لَه كانَت تَتَمنّى أن يَكون حَيًّا وأن لا يَعود .. لِتَبقى حَيَّة عَلى أمل اللّقاء.. لذلك .. تَعا ... ولا تِجي

كَم كُنّا نَنتَظِرُ أخبارًا سارَّة ، أحداثاً ورُبَّما أشخاصاً وعِندَما عادوا أُصِبنا بِخَيبَة أَمل ! وتمنينا لو لم يعودوا!
فَلَم يَكُن الحَدَث على مُستَوى التَّوقُّع .. وكَم نُحِب أشخاصاً بالغُربة ونتَمَنَّى أن يَعودوا ولكن عَودَتُهُم أكثَرُ ضَرَرًا لَهُم .. لذلك نَقولُ لَهم .. تَعا ... ولا تِجي
وكم انتظرنا ذلك المدير الذي نحب بالعمل وعندما جاء … يا ليته لم يأت!
تعا ولا تجي…

عِندَما كُنَّا صِغاراً كَم كُنَّا نَتَمنَّى أن نَكبُر .. وعِندَما كَبِرنا تَمَنَّينا أن يَعودَ بِنا الزَّمن للوراء لِنُغنّي له ..
تَعا ... ولا تجي

أمّا بالنسبة للحَسد
الحسد عالطّريق .. الحسد عم بيزهّر
زهّر بالدّوارة ... وزهّر عند الجارة
وغزلت بمغزلها ... قصّتنا بمغزلها
ولوين رح التجي ؟!

فالحَسَد مَوجود للأسَف وَيَتَكاثَرُ مع الفَراغ أو بِدونِه ولكنه يزداد مع الفراغ والفقر وحتَّى قَد يُحسَدُ الشَّخص عَلى شيء يعتبره هو نفسه مصيبة ! فَقَد يُحسَد شَخص عَلى وَفاتِه ... يا ريتني أموت زي فلان !
أو يُصاب أحَدُهم في عاهة فَيحصُل على راتِب ضَئيل من جِهة ما فيقول أحَدهم .. ريتني مثل فلان !

أمّا هذه الحَزينة ( كاتيا ) فَقد حَسَدوها على قِصَّة حُبّها مجهولة النهاية وأطلَقوا عَنها الشّائعات .. وأينما التَفَتَت تَرى التساؤلات والحَسَد في عُيون الجَميع لِدَرَجة أنَّها لَم تَجِد أي مَكان تَذهَب إليه
" لوين راح التجي "

وَكَم مِنَّا مثل كاتيا .. غُرباء وَسط أهاليهم مَعزولون نَفسيًّا وهُم يَعيشون في مُظاهرة!
يَبحثون عَن مَكان .. فِكرة يَلتَجِئون إليها ولكن .. يضيعون وسط هذا الصخب .

كَثيراً ما أَجِدُ نَفسي تائهاً .. لا أجِدُ مَكان ألتجئ إليه ..
فالعاشِق يَبحَث عن صَدر حَبيبةٍ لِيلتَجِئ إليه و فاقِد الوَطَن يَبحثُ عن أَرض يَلتَجِئ إليها واليَتيم يبَحُثُ عن أبَوين يَلتَجئ إليهما
والباحث عن المال يبحث عن منزه يجده
والفقير على لقمة الخبز ...

أمّا المًسافر في المَجهول .. والذي لا يَستطيع تَحديد هويّته .. أو وجهته ..فَلِمَن سيلتَجِئ !!

هُنا لا يعرف هل يَبدأ أم لا ؟! هَل يَذهب أم لا ؟! هَل يفكر.. يُقرّر أم لا ؟!!

هُنا نَقول لَه ...

تَعا ... ولا تِجي ...
وأنا أقول :

شُكرًا فَيروز ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :