بين غزة وأطماع اليمين الإسرائيلي… كيف تحسب «المخاطر» في الأردن؟
عمان جو - بسام البدارين- لا يمكن فهم الأسباب ولا المسوغات التي تدفع باتجاه التركيز رسمياً وبيروقراطياً في الأردن على مخاوف مرتبطة بتداعيات وانعكاسات ما يحصل في غزة داخلياً أكثر من الاهتمام والتركيز على المخاطر التي يعلنها صراحة ويومياً رموز اليمين الإسرائيلي، والتي تلحق ضرراً بأهم محاور المصالح الأردنية.
يلاحظ الجميع أن الأروقة والقنوات والزوايا السياسية- البيروقراطية مهتمة جداً بالحد من نفوذ المناصرة الشعبية العارمة للمقاومة في قطاع غزة، فيما الاشتباك مع الإسرائيليين ومواجهة مخططاتهم الخطرة تتحرك ضمن الغطاء الدبلوماسي فقط وعبر العلاقات مع الأمريكيين والأوروبيين. يدفع هذا الواقع الموضوعي مراقبين كثراً للتساؤل عن ميزان المخاطر.. كيف يحسب؟
ويتساءل أيضاً عن الشارع عموماً بعدما دخل في مستويات هوسية تتفاعل مع أحداث غزة، لا بل تبني أدبيات وخطاب المقاومة والصمود فيما السلطة السياسية أو الحكومة تجد نفسها مضطرة لضبط الإيقاع والسيطرة عليه قدر الإمكان بطريقة تكاد تظهر في المشهد العام بأن الطاقم السياسي والبيروقراطي الحالي مهتم باحتواء وأحياناً محاصرة المد الشعبي الداخلي المناصر لغزة والمقاومة أكثر من مواجهة خطط اليمين الإسرائيلي والاشتباك معها.
تفكيك الشيفرة
تلك معادلة يشعر بها غالبية المراقبين، لكن تفكيك شيفرتها يحتاج لجهد معقد، وما يقترحه ناشط حقوقي وسياسي مثل عاصم العمري تحدثت معه «القدس العربي» مؤخراً هو الوصول بالتشاور وتبادل المعطيات والتقييمات ما بين السلطة والناس إلى منطقة أو مساحة آمنة وطنياً.
ما يفترضه العمري وآخرون حريصون على انضباط الجملة الشعبية عموماً هو أن تقترب الحكومة ولو قليلاً من الشعب الأردني لفهم مشاعره والتحولات التي تجتاحه، فيما المطلوب من التيارات السياسية والشعبية -بالمقابل- الاقتراب بدون أفكار مسبقة معلبة من فهم ميزان مصالح الدولة واتجاهاتها.
التعقيد يكمن هنا في صعوبة وجود أدوات وآليات قياس ومقاربات، وفي غياب وسائل يفهم فيها الشارع الحكومة، والعكس. وهو ما تنبه له مبكراً لاعب سياسي خبير ومخضرم مثل الدكتور جواد العناني، عندما تحدث عن ضرورة التأسيس لمطبخ سياسي أردني يناقش ثم يشخص المصلحة حتى عبر التحدث مع الأردنيين.
ذلك مطبخ اقترح الدكتور دريد محاسنة، الخبير البارز بالإسرائيليات، أمام «القدس العربي» يوماً أنه واجب البروز وأقرب إلى جسر تفاهم وتشاور وطني، وينبغي أن يضم شخصيات موثوقة وجريئة.
المملكة الهاشمية وإشكالية «ما يطلبه الجمهور»
الجرأة في الطرح والتشخيص والاقتراح، برأي المحاسنة وآخرين، متطلب أساسي حتى عندما يتعلق الأمر بالسعي الإداري والبيروقراطي الهوسي لإدارة التداعيات وانعكاسات ما يحصل في غزة على الداخل الأردني؛ لأن كل مساحة شعبية تكسبها المقاومة وسط الأردنيين اليوم، تقابلها مساحة متساوية بالحجم والتأثير تخسرها ثقافة السلام مع إسرائيل، ولان التوقف عن إنكار المخاطر حتى بتقدير شخصية خبيرة مثل الرئيس طاهر المصري، إنما هو بداية الطريق نحو التقييم والتشخيص السليم لما يجري.
لعل النقاش العام خصوصاً في مجالس السياسية وصالوناتها هذه الأيام، يعكس تأثير تلك المفارقة التي يعبر عنها سؤال ناشط شاب صاح في أحد اجتماعات الملتقى الشعبي لنصرة غزة والمقاومة، مستفهماً: لماذا تركز الحكومة على مضايقتنا فقط وتنسى أو تتجاهل مضايقة اليمين الإسرائيلي الذي يفعل بغزة ما قد يفعله بالأردنيين لاحقاً أو بالضفة الغربية؟
سؤال علني مكرر فيه بعض الوجاهة، لكنه قد يعكس جهلاً بالمعطيات الرسمية في بعض تفاصيله، فالدولة لا تتصرف وفقاً لـ «ما يطلبه الجمهور»، وحساباتها وتوازناتها تختلف عما يفكر به الأفراد، ولعل هذه الفكرة حصراً هي التلميح الذي حاول الإشارة له كرسالة مؤخراً في أكثر من موقع، رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي.
أسئلة مثيرة للاهتمام
لكن ترك سؤال الناشط الشاب الاستفهامي بدون جواب فيه الحد الأدنى من الإقناع والشرح والتوضيح قد لا يعبر عن الخطوة المطلوبة أو السليمة، فالسؤال هنا ضخم وعميق ومتسرب إلى مفاصل المجتمع، ويستنسخ حتى في ورش العمل والاجتماعات رسمية الطابع أسئلة أخرى مثيرة للاهتمام، من بينها: لماذا نصر على وضع البيض فقط في سلة السلطة الفلسطينية؟ لماذا لا أحد في دوائر القرار يستجيب بعد لمقترح تنويع الخيارات؟
ثمة أسئلة ترافق دوماً في المزاج الشعبي الأردني سؤال غزة الكبير الذي طرح وبقي، والواضح أنه سيبقى الآن سؤالاً أردنياً أيضاً في كثير من جوانبه.
الذين يطالبون بالتصعيد مع اليمين الإسرائيلي والقطيعة التامة، لا يريدون فهم طبيعة وتركيبة وشيفرة علاقات وتحالفات الدولة الأردنية، ولا ينتبهون إلى أن تلك الشيفرة هي التي ضمنت في النتيجة تشغيل الجسر البري للمساعدات إلى أهل غزة وإقامة مستشفيات ميدانية وإنزالات الطائرات.
في التعليق الرسمي خلف الستائر، فإن من يحاجون خيارات الدولة ويعترضون عليها ليسوا معنيين طبعاً بالحسابات الدقيقة التي تقول إن المواجهة المفتوحة مع اليمين الإسرائيلي قد تخدم خططه المتطرفة وتلحق ضرراً في موقع المملكة في خارطة تأثير المجتمع الدولي وتؤسس البنية لاختراق إيراني مرفوض وتقدم المصالح الأساسية للدولة على طبق من ذهب لشخصية كريهة وتكره الأردن، مثل دونالد ترامب إذا ما عاد للسلطة.
بالرأي المقابل، تلك ذرائع، والمطلوب تشبيك الأيادي مع فصائل المقاومة والاستثمار في المد الشعبي وليس إعلان الحرب على الكيان الذي لا يخفي طموحاته وأطماعه بالأردن.
المساجلات واسعة النطاق في النقاش الأردني العام، ووصلت إلى مستويات عميقة ومتقدمة، وقد يكون المطلوب هو ما يقترحه الخبراء لتجنب الانحشار في زاوية ذات لونين، الأبيض والأسود.
المد الشعبي عارم وعميق، والسيطرة عليه مكلفة بعد جرائم الإبادة، لكن الاستثمار فيه وتصعيده منهجياً لا بل رعايته أحياناً هي رسائل قد تعزز فرصة عزل الأردن عن أطماع اليمين الاسرائيلي وموقعه وتموقعه في الخارطة الدولية.
ثمة خيارات في ترسيم الاتجاه تتصارع الآن خلف ستائر كواليس القرار الرسمي، وهذا على الأقل ما يوحي به مقال في تقليب الصفحات نشره مؤخراً وزير الثقافة الأسبق محمد أبو رمان بصيغة توحي وخلافاً لما يعتقده المتحمسون بالشارع أحياناً، بأن العديد من المسائل الجوهرية لم تحسم بعد.
«القدس العربي»
يلاحظ الجميع أن الأروقة والقنوات والزوايا السياسية- البيروقراطية مهتمة جداً بالحد من نفوذ المناصرة الشعبية العارمة للمقاومة في قطاع غزة، فيما الاشتباك مع الإسرائيليين ومواجهة مخططاتهم الخطرة تتحرك ضمن الغطاء الدبلوماسي فقط وعبر العلاقات مع الأمريكيين والأوروبيين. يدفع هذا الواقع الموضوعي مراقبين كثراً للتساؤل عن ميزان المخاطر.. كيف يحسب؟
ويتساءل أيضاً عن الشارع عموماً بعدما دخل في مستويات هوسية تتفاعل مع أحداث غزة، لا بل تبني أدبيات وخطاب المقاومة والصمود فيما السلطة السياسية أو الحكومة تجد نفسها مضطرة لضبط الإيقاع والسيطرة عليه قدر الإمكان بطريقة تكاد تظهر في المشهد العام بأن الطاقم السياسي والبيروقراطي الحالي مهتم باحتواء وأحياناً محاصرة المد الشعبي الداخلي المناصر لغزة والمقاومة أكثر من مواجهة خطط اليمين الإسرائيلي والاشتباك معها.
تفكيك الشيفرة
تلك معادلة يشعر بها غالبية المراقبين، لكن تفكيك شيفرتها يحتاج لجهد معقد، وما يقترحه ناشط حقوقي وسياسي مثل عاصم العمري تحدثت معه «القدس العربي» مؤخراً هو الوصول بالتشاور وتبادل المعطيات والتقييمات ما بين السلطة والناس إلى منطقة أو مساحة آمنة وطنياً.
ما يفترضه العمري وآخرون حريصون على انضباط الجملة الشعبية عموماً هو أن تقترب الحكومة ولو قليلاً من الشعب الأردني لفهم مشاعره والتحولات التي تجتاحه، فيما المطلوب من التيارات السياسية والشعبية -بالمقابل- الاقتراب بدون أفكار مسبقة معلبة من فهم ميزان مصالح الدولة واتجاهاتها.
التعقيد يكمن هنا في صعوبة وجود أدوات وآليات قياس ومقاربات، وفي غياب وسائل يفهم فيها الشارع الحكومة، والعكس. وهو ما تنبه له مبكراً لاعب سياسي خبير ومخضرم مثل الدكتور جواد العناني، عندما تحدث عن ضرورة التأسيس لمطبخ سياسي أردني يناقش ثم يشخص المصلحة حتى عبر التحدث مع الأردنيين.
ذلك مطبخ اقترح الدكتور دريد محاسنة، الخبير البارز بالإسرائيليات، أمام «القدس العربي» يوماً أنه واجب البروز وأقرب إلى جسر تفاهم وتشاور وطني، وينبغي أن يضم شخصيات موثوقة وجريئة.
المملكة الهاشمية وإشكالية «ما يطلبه الجمهور»
الجرأة في الطرح والتشخيص والاقتراح، برأي المحاسنة وآخرين، متطلب أساسي حتى عندما يتعلق الأمر بالسعي الإداري والبيروقراطي الهوسي لإدارة التداعيات وانعكاسات ما يحصل في غزة على الداخل الأردني؛ لأن كل مساحة شعبية تكسبها المقاومة وسط الأردنيين اليوم، تقابلها مساحة متساوية بالحجم والتأثير تخسرها ثقافة السلام مع إسرائيل، ولان التوقف عن إنكار المخاطر حتى بتقدير شخصية خبيرة مثل الرئيس طاهر المصري، إنما هو بداية الطريق نحو التقييم والتشخيص السليم لما يجري.
لعل النقاش العام خصوصاً في مجالس السياسية وصالوناتها هذه الأيام، يعكس تأثير تلك المفارقة التي يعبر عنها سؤال ناشط شاب صاح في أحد اجتماعات الملتقى الشعبي لنصرة غزة والمقاومة، مستفهماً: لماذا تركز الحكومة على مضايقتنا فقط وتنسى أو تتجاهل مضايقة اليمين الإسرائيلي الذي يفعل بغزة ما قد يفعله بالأردنيين لاحقاً أو بالضفة الغربية؟
سؤال علني مكرر فيه بعض الوجاهة، لكنه قد يعكس جهلاً بالمعطيات الرسمية في بعض تفاصيله، فالدولة لا تتصرف وفقاً لـ «ما يطلبه الجمهور»، وحساباتها وتوازناتها تختلف عما يفكر به الأفراد، ولعل هذه الفكرة حصراً هي التلميح الذي حاول الإشارة له كرسالة مؤخراً في أكثر من موقع، رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي.
أسئلة مثيرة للاهتمام
لكن ترك سؤال الناشط الشاب الاستفهامي بدون جواب فيه الحد الأدنى من الإقناع والشرح والتوضيح قد لا يعبر عن الخطوة المطلوبة أو السليمة، فالسؤال هنا ضخم وعميق ومتسرب إلى مفاصل المجتمع، ويستنسخ حتى في ورش العمل والاجتماعات رسمية الطابع أسئلة أخرى مثيرة للاهتمام، من بينها: لماذا نصر على وضع البيض فقط في سلة السلطة الفلسطينية؟ لماذا لا أحد في دوائر القرار يستجيب بعد لمقترح تنويع الخيارات؟
ثمة أسئلة ترافق دوماً في المزاج الشعبي الأردني سؤال غزة الكبير الذي طرح وبقي، والواضح أنه سيبقى الآن سؤالاً أردنياً أيضاً في كثير من جوانبه.
الذين يطالبون بالتصعيد مع اليمين الإسرائيلي والقطيعة التامة، لا يريدون فهم طبيعة وتركيبة وشيفرة علاقات وتحالفات الدولة الأردنية، ولا ينتبهون إلى أن تلك الشيفرة هي التي ضمنت في النتيجة تشغيل الجسر البري للمساعدات إلى أهل غزة وإقامة مستشفيات ميدانية وإنزالات الطائرات.
في التعليق الرسمي خلف الستائر، فإن من يحاجون خيارات الدولة ويعترضون عليها ليسوا معنيين طبعاً بالحسابات الدقيقة التي تقول إن المواجهة المفتوحة مع اليمين الإسرائيلي قد تخدم خططه المتطرفة وتلحق ضرراً في موقع المملكة في خارطة تأثير المجتمع الدولي وتؤسس البنية لاختراق إيراني مرفوض وتقدم المصالح الأساسية للدولة على طبق من ذهب لشخصية كريهة وتكره الأردن، مثل دونالد ترامب إذا ما عاد للسلطة.
بالرأي المقابل، تلك ذرائع، والمطلوب تشبيك الأيادي مع فصائل المقاومة والاستثمار في المد الشعبي وليس إعلان الحرب على الكيان الذي لا يخفي طموحاته وأطماعه بالأردن.
المساجلات واسعة النطاق في النقاش الأردني العام، ووصلت إلى مستويات عميقة ومتقدمة، وقد يكون المطلوب هو ما يقترحه الخبراء لتجنب الانحشار في زاوية ذات لونين، الأبيض والأسود.
المد الشعبي عارم وعميق، والسيطرة عليه مكلفة بعد جرائم الإبادة، لكن الاستثمار فيه وتصعيده منهجياً لا بل رعايته أحياناً هي رسائل قد تعزز فرصة عزل الأردن عن أطماع اليمين الاسرائيلي وموقعه وتموقعه في الخارطة الدولية.
ثمة خيارات في ترسيم الاتجاه تتصارع الآن خلف ستائر كواليس القرار الرسمي، وهذا على الأقل ما يوحي به مقال في تقليب الصفحات نشره مؤخراً وزير الثقافة الأسبق محمد أبو رمان بصيغة توحي وخلافاً لما يعتقده المتحمسون بالشارع أحياناً، بأن العديد من المسائل الجوهرية لم تحسم بعد.
«القدس العربي»
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات