مخاوف على الحريات في الأردن إثر نمو مفهوم «تجاوز الخط الأحمر»
عمان جو - بسام البدارين - يزيد الضغط بمعناه الشعبي على الحكومة الأردنية لتأمين قاعدة قانونية من أي صنف تضمن الإفراج عن الكاتب الصحافي البارز أحمد حسن الزعبي.
وصل عدد الموقعين على مذكرة تطالب وزير العدل بالتدخل لتمييز الحكم الصادر ضد الزعبي إلى أكثر من 300 توقيع، وبدأت المنابر والملتقيات تصدر بياناتها بهدف التضامن مع السجين الزعبي الموصوف بأنه «كاتب الفقراء».
تصدرت مسألة الزعبي الواجهة عندما ألقي القبض عليه الأسبوع الماضي لهدف تنفيذ عقوبة بحبسه لمدة عام قررتها المحكمة في قضية جرائم إلكترونية، الأمر الذي يلفت النظر مجدداً ـ كما يقول الناشط الحقوقي ووكيل الكاتب السجين عاصم العمري ـ إلى مستوى الجرائم التي ترتكبها نصوص ذلك القانون ضد الحريات العامة وحريات التعبير. نشطاء وخبراء القانون لجأوا إلى طرق مبتكرة في مخاطبة وزير العدل تسمح بإرسال ملف العقوبة ضد الزعبي إلى محكمة التمييز أو استبدالها بعقوبة اجتماعية أو بتنسيب بعفو خاص.
مئات الشخصيات لا تريد رؤية كاتب صحافي بحجم الزعبي خلف القضبان بسبب طبيعة الإحباطات ـ كما يرى العمري وهو يشرح لـ «القدس العربي» ـ التي يمكن أن تنتج عن رؤية الأردنيين للمعبرين عنهم خلف قضبان التعسف في استعمال النصوص القانونية. ثمة إصرار عند قطاع عريض من النشطاء الحقوقيين والإعلاميين والسياسيين على توفير صيغة تلغي تنفيذ عقوبة الحبس بحق الكاتب المرموق.
في المقابل، لا تجاوب من جهة وزارة العدل ولا حتى حوارات على مستوى السلطات الحكومية، الأمر الذي يعني بأن ممثلي السلطات في مسألة الزعبي وسجنه يقابلون إصرار ممثلي الشارع بموقف حازم وصلب يقدر بأن الزعبي أخطأ وأدين وينبغي ألا تفتح له نافذة خاصة للإفراج عنه إلا إذا قدرت المؤسسات المرجعية غير ذلك.
وأغلب التقدير أن تنفيذ عقوبة الزعبي بحد ذاته، رسالة أعمق وأبعد تماماً من الكاتب والنص الذي حوكم بسببه، لأنها رسالة قد لا ترتبط حصراً بالعقوبة نفسها حيث ملاحظات تتراكم وسط الأطر الحقوقية النشطة بتراجع حاد وملموس ومرصود في مجال الحريات العامة في البلاد.
بعد تنفيذ عقوبات الحبس والتوقيفات
ويرافق ذلك طبعاً تراجع في مستوى استجابة الحكومة للملاحظات التي تتقدم بها منظمات أممية ودولية في إطار الانتقاد، علماً بأن الكاتب الزعبي ليس وحده المسجون الآن في قضية رأي وتعبير؛ فوفقاً لبيان صدر مساء الإثنين عن الملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن، ثمة معتقلون آخرون تحت بند حرية الرأي والتعبير، وبينهم الصحافية الشابة هبة أبو طه التي حكمت أيضاً بالسجن، وكل من أيمن صندوقة ونعيم جعابو، وهما معتقلان بارزان، طالب مؤخراً بالإفراج عنهما وعن غيرهما المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة.
ثمة نشطاء من أنصار غزة والمقاومة قيد المتابعة القضائية أيضاً. وما يقترحه الملتقى في بيانه الأخير هو تعديل جميع التشريعات المقيدة لحرية التعبير، وعلى رأسها قانون العقوبات وقانون الجرائم الإلكترونية بوصفها تشريعات تجهض الحريات الدستورية للمواطنين. وتحدث الملتقى أيضاً عن نهج اعتقال الكتاب والنشطاء والحزبيين بسبب موقف نشروه أو كلمة قالوها.
ويعتبر العمري وغيره من كبار الحقوقيين أن المسألة لا تتعلق فقط بنصوص قانونية تسحب من ضمانات الحريات العامة وتوفر المناخ لحريات مسلوبة، لكن يتعلق أيضاً بالتعسف الإداري والسياسي في استعمال بعض النصوص القديمة والجديدة، الأمر الذي يجازف باستقرار ما هو مألوف في العلاقة بين الدولة والمواطن الأردني.
قبل حبس الزعبي، تم إيقاف ناشط نقابي بارز لمدة شهرين هو المهندس ميسرة ملص، وبدون تهمة محددة. والاعتقاد في منطقة سياسية أبعد، هو أن إجراءات مثل حبس صحافيين معروفين والمجازفة بتوقيف أو متابعة نشطاء خطوات، أمور لا تنتجها الصدفة بقدر ما هي رسائل أعمق تفيد بأن دوائر القرار لديها تصور لا تريد العبث فيه بعد الآن بخصوص الفارق ما بين حريات النقد والتعبير وما بين ما تراه السلطات تجاوزاً لبعض الخطوط الحمراء، وانتقالاً من مستوى المناكفة أو الشغب أو النقد والملاحظة إلى مستوى الإساءة.
ثمة، سياسياً، معيار غير مكتوب يتم الالتزام به تنفيذياً ولا يعلمه الشارع العام بعد، ولكن الرسائل الضمنية تؤشر على أن المرحلة حساسة جداً، وأن الظرف الإقليمي والدولي وكذلك الاقتصادي والمعيشي المحلي لا تسمح بما تقدر الحكومة أنه تجاوزات، لذا فإن تفعيل البنود القانونية وتوجيه رسائل تؤشر على مسطرة ربما تطال الجميع، بما فيها بعض تلك الرموز التي يرى الشارع أن توقيفها وملاحقتها قضائياً أمر صعب ومعقد.
في الخلاصة، ثمة ما هو أعمق في بعض قضايا التوقيفات والعقوبات والمجازفة بسمعة البلاد في مجال الحريات العامة والإطار الحقوقي، لا يبدو أنها مسألة تشغل الحكومة كما ينبغي، فيما تتمثل المحاججة في ذلك الفصام الذي يدفع في اتجاه التعسف في تطبيق القوانين أحياناً في مرحلة يفترض أن تشهد حملاً إضافياً من المرونة تحت عنوان الانتخابات النيابية العامة الوشيكة وإن لم ترغب الحكومة بذلك تحت عنوان أجواء المئوية الجديدة ومقتضيات ومتطلبات الانتاجية العامة في برنامج ومسار تحديث المنظومة.
«القدس العربي»
وصل عدد الموقعين على مذكرة تطالب وزير العدل بالتدخل لتمييز الحكم الصادر ضد الزعبي إلى أكثر من 300 توقيع، وبدأت المنابر والملتقيات تصدر بياناتها بهدف التضامن مع السجين الزعبي الموصوف بأنه «كاتب الفقراء».
تصدرت مسألة الزعبي الواجهة عندما ألقي القبض عليه الأسبوع الماضي لهدف تنفيذ عقوبة بحبسه لمدة عام قررتها المحكمة في قضية جرائم إلكترونية، الأمر الذي يلفت النظر مجدداً ـ كما يقول الناشط الحقوقي ووكيل الكاتب السجين عاصم العمري ـ إلى مستوى الجرائم التي ترتكبها نصوص ذلك القانون ضد الحريات العامة وحريات التعبير. نشطاء وخبراء القانون لجأوا إلى طرق مبتكرة في مخاطبة وزير العدل تسمح بإرسال ملف العقوبة ضد الزعبي إلى محكمة التمييز أو استبدالها بعقوبة اجتماعية أو بتنسيب بعفو خاص.
مئات الشخصيات لا تريد رؤية كاتب صحافي بحجم الزعبي خلف القضبان بسبب طبيعة الإحباطات ـ كما يرى العمري وهو يشرح لـ «القدس العربي» ـ التي يمكن أن تنتج عن رؤية الأردنيين للمعبرين عنهم خلف قضبان التعسف في استعمال النصوص القانونية. ثمة إصرار عند قطاع عريض من النشطاء الحقوقيين والإعلاميين والسياسيين على توفير صيغة تلغي تنفيذ عقوبة الحبس بحق الكاتب المرموق.
في المقابل، لا تجاوب من جهة وزارة العدل ولا حتى حوارات على مستوى السلطات الحكومية، الأمر الذي يعني بأن ممثلي السلطات في مسألة الزعبي وسجنه يقابلون إصرار ممثلي الشارع بموقف حازم وصلب يقدر بأن الزعبي أخطأ وأدين وينبغي ألا تفتح له نافذة خاصة للإفراج عنه إلا إذا قدرت المؤسسات المرجعية غير ذلك.
وأغلب التقدير أن تنفيذ عقوبة الزعبي بحد ذاته، رسالة أعمق وأبعد تماماً من الكاتب والنص الذي حوكم بسببه، لأنها رسالة قد لا ترتبط حصراً بالعقوبة نفسها حيث ملاحظات تتراكم وسط الأطر الحقوقية النشطة بتراجع حاد وملموس ومرصود في مجال الحريات العامة في البلاد.
بعد تنفيذ عقوبات الحبس والتوقيفات
ويرافق ذلك طبعاً تراجع في مستوى استجابة الحكومة للملاحظات التي تتقدم بها منظمات أممية ودولية في إطار الانتقاد، علماً بأن الكاتب الزعبي ليس وحده المسجون الآن في قضية رأي وتعبير؛ فوفقاً لبيان صدر مساء الإثنين عن الملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن، ثمة معتقلون آخرون تحت بند حرية الرأي والتعبير، وبينهم الصحافية الشابة هبة أبو طه التي حكمت أيضاً بالسجن، وكل من أيمن صندوقة ونعيم جعابو، وهما معتقلان بارزان، طالب مؤخراً بالإفراج عنهما وعن غيرهما المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة.
ثمة نشطاء من أنصار غزة والمقاومة قيد المتابعة القضائية أيضاً. وما يقترحه الملتقى في بيانه الأخير هو تعديل جميع التشريعات المقيدة لحرية التعبير، وعلى رأسها قانون العقوبات وقانون الجرائم الإلكترونية بوصفها تشريعات تجهض الحريات الدستورية للمواطنين. وتحدث الملتقى أيضاً عن نهج اعتقال الكتاب والنشطاء والحزبيين بسبب موقف نشروه أو كلمة قالوها.
ويعتبر العمري وغيره من كبار الحقوقيين أن المسألة لا تتعلق فقط بنصوص قانونية تسحب من ضمانات الحريات العامة وتوفر المناخ لحريات مسلوبة، لكن يتعلق أيضاً بالتعسف الإداري والسياسي في استعمال بعض النصوص القديمة والجديدة، الأمر الذي يجازف باستقرار ما هو مألوف في العلاقة بين الدولة والمواطن الأردني.
قبل حبس الزعبي، تم إيقاف ناشط نقابي بارز لمدة شهرين هو المهندس ميسرة ملص، وبدون تهمة محددة. والاعتقاد في منطقة سياسية أبعد، هو أن إجراءات مثل حبس صحافيين معروفين والمجازفة بتوقيف أو متابعة نشطاء خطوات، أمور لا تنتجها الصدفة بقدر ما هي رسائل أعمق تفيد بأن دوائر القرار لديها تصور لا تريد العبث فيه بعد الآن بخصوص الفارق ما بين حريات النقد والتعبير وما بين ما تراه السلطات تجاوزاً لبعض الخطوط الحمراء، وانتقالاً من مستوى المناكفة أو الشغب أو النقد والملاحظة إلى مستوى الإساءة.
ثمة، سياسياً، معيار غير مكتوب يتم الالتزام به تنفيذياً ولا يعلمه الشارع العام بعد، ولكن الرسائل الضمنية تؤشر على أن المرحلة حساسة جداً، وأن الظرف الإقليمي والدولي وكذلك الاقتصادي والمعيشي المحلي لا تسمح بما تقدر الحكومة أنه تجاوزات، لذا فإن تفعيل البنود القانونية وتوجيه رسائل تؤشر على مسطرة ربما تطال الجميع، بما فيها بعض تلك الرموز التي يرى الشارع أن توقيفها وملاحقتها قضائياً أمر صعب ومعقد.
في الخلاصة، ثمة ما هو أعمق في بعض قضايا التوقيفات والعقوبات والمجازفة بسمعة البلاد في مجال الحريات العامة والإطار الحقوقي، لا يبدو أنها مسألة تشغل الحكومة كما ينبغي، فيما تتمثل المحاججة في ذلك الفصام الذي يدفع في اتجاه التعسف في تطبيق القوانين أحياناً في مرحلة يفترض أن تشهد حملاً إضافياً من المرونة تحت عنوان الانتخابات النيابية العامة الوشيكة وإن لم ترغب الحكومة بذلك تحت عنوان أجواء المئوية الجديدة ومقتضيات ومتطلبات الانتاجية العامة في برنامج ومسار تحديث المنظومة.
«القدس العربي»
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات